Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما أهمية سقوط مدن دارفور في يد "الدعم السريع"؟

تشكيل حكومة في شرق السودان يسمح بتأليف أخرى في غربه مما يستنسخ بشكل ما سيناريو شرق ليبيا أو الصومال

ترتبط ولاية جنوب دارفور بحدود مع دول أفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان (أ ف ب)

ملخص

يركز طرفا النزاع على كسب أراض جديدة وتكمن أهمية المنطقة العسكرية في أنها تضمن مساعدة القوات على التقدم والانسحاب والمناورة

قبل اندلاع الحرب السودانية في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، كانت قوات "الدعم السريع" تستخدم لغة تنذر بالتركيز على منطقة غرب السودان خصوصاً دارفور، ثم انطلقت الحرب المفاجئة في الخرطوم. وعندما بدأ الجيش السوداني قصف "الدعم السريع" في الخرطوم وبينما تدور معركة واسعة هناك، ظلت القوات تستهدف مدن دارفور واحدة تلو الأخرى. اختبرت قوات "الدعم السريع" وجودها في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، ثم نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، والآن في طريقها لإحكام سيطرتها على زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، ولم تتبق إلا مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور.

وخلال الأشهر الستة الماضية لبدء الحرب، حدثت حالات استقطاب واسعة لسكان الإقليم، فاستجابت بعض القبائل العربية لدعوة "الدعم السريع" إلى الانضمام للقتال، بينما يحاول الجيش استقطاباً عشوائياً، ونتج من الحالتين توترات متزايدة فكانت الصدمة في مدينة الجنينة كبيرة، إذ وصفتها الأمم المتحدة بأنها "إبادة جماعية" نفذتها "الدعم السريع" ضد قبيلة المساليت ذات الجذور الأفريقية.

ومنذ ذلك الوقت يركز طرفا النزاع على كسب أراض جديدة، ويزعم كل طرف أنه ألحق بالآخر خسائر فادحة. وبعد هجوم قوات "الدعم السريع "على الفاشر والجنينة، أعلن نائب قائد "الدعم السريع" عبدالرحيم دقلو سيطرة قواته على مدينة نيالا، بعد سيطرتها على أول رئاسة فرقة عسكرية في إقليم دارفور (الفرقة 16 مشاة)، وتشكيل إدارة مدنية وعسكرية، ودعا من نزحوا منها للعودة لمنازلهم وتعهد بحمايتهم.

مقر الحكم

تمثل ولايات دارفور الخمس شبه مثلث تمر أضلعه مكونة طرقاً برية تربط بين عواصمها المختلفة، ولكل مدينة منها أهميتها الخاصة، أما نيالا فتعد ثاني أكبر مدينة في السودان بعد العاصمة الخرطوم، تميزها الكثافة السكانية والثقل الاقتصادي، وبها مطار دولي يربطها مع الدول الأفريقية المجاورة. وتتميز نيالا بمعالم طبوغرافية مثل جبل مرة في الجزء الشمالي الغربي، وتضاريس صخرية تنحدر منها أودية عدة، يغذي بعضها حوض البقارة. وترتبط ولاية جنوب دارفور بحدود مع دول أفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان، وبها أكبر مناجم ذهب في إقليم دارفور.

ويوجد في ولاية جنوب دارفور حوالى 83 قبيلة منها الرزيقات والهبانية والبني هلبة والمسيرية والسلامات والصعدة والمعاليا والتعايشة والأمبررو، وقبيلة الداجو التي صيغ من لهجتها اسم "نيالا" التي تعني مكان الأنس أو المسرح، وتشتهر بإقامة نشاطات فولكلورية كالرقص على قرع الطبول والمصارعة التقليدية في مسرح مفتوح.

وكانت نيالا خلال القرن الـ15 مقراً لحكم مملكة الداجو، بينما كانت مدينة الجنينة مقراً لحكم مملكة المساليت، وسبقتا سلطنة دارفور ومقر حكمها في عاصمتها الفاشر، وكل الممالك القديمة في المنطقة أسستها قبائل زنجية أفريقية. ثم اكتسبت نيالا أهميتها كمدينة عام 1929 حينما اختارتها إدارة الحكم الثنائي الإنجليزي - المصري لتكون مركزاً لمجلس "ريفي البقارة" بعد سقوط سلطنة الفور عام 1917 وخضوعها للإدارة البريطانية.

أما اقتصادياً فتعد المدينة من أكبر مراكز تصدير الصمغ العربي والماشية، ويعمل سكانها في الزراعة حيث تنتج حبوب الدخن والفول السوداني والصمغ العربي والكركدي وتمرهندي. ويمارس سكانها نشاط الرعي، إذ تتوفر أنواع عدة من الماشية. كما تنشط المدينة في تجارة الحدود مع تشاد وأفريقيا الوسطى، وكذلك تجارة الماشية التي تصدر إلى الأسواق الداخلية والخارجية.

أهمية استراتيجية

يقول المستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك فايز السليك، "تشكل مدن غرب السودان التي سيطرت عليها قوات ’الدعم السريع‘ حواضن اجتماعية لها، أو ما يسمى في الحروب بالأرض الصديقة التي توفر الغطاء الأمني من ناحية ديموغرافية وطبوغرافية من حيث التضاريس ومعرفة التحرك فيها بسهولة، إضافة إلى عامل التجنيد في قبائل غرب السودان، لا سيما ذات الأصول العربية، إضافة إلى الدعم اللوجيستي عن طريق منافذ حدودية مع عدد من دول الجوار مثل تشاد وليبيا وجنوب السودان، وأفريقيا الوسطى وكذلك عن طريق المطارات مثل مطارات نيالا والأبيض والفاشر".

وأضاف المستشار الإعلامي السابق "تكمن أهمية المنطقة العسكرية في أنها تضمن مساعدة القوات على التقدم والانسحاب والمناورة بغرض استدراج الجيش أو التمويه".

وأوضح السليك أن "أهمية هذه المدن من ناحية استراتيجية في أنها تدخل ضمن خطة السيطرة التامة على غرب السودان، ومن ثم محاصرة الخرطوم من الغرب، والجنوب عبر محور النيل الأبيض، ويدخل ذلك في استراتيجية تعدد الجبهات لإزعاج الخصم، وتشتيت الانتباه والإنهاك وقطع خطوط الإمداد الخارجي للعاصمة".

وأضاف "أما سياسياً فتعني السيطرة على هذه المدن إيقاف رغبة رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان بتشكيل حكومة في بورتسودان شرق السودان، لأن ذلك يسمح بتشكيل حكومة في غرب السودان، لها عاصمتها ومطاراتها وحدودها الدولية وشعبها، وهو يستنسخ بشكل ما سيناريو شرق ليبيا، أو الصومال بوجود أكثر من حكومة".

وأورد السليك "وعلى المستوى القريب فإن السيطرة على نيالا تعد نوعاً من التصعيد لتحقيق أكبر مكسب على جلسات التفاوض، فحتى لو انسحب جزء من قوات ’الدعم السريع‘ من المواقع المدنية في الخرطوم ستنتشر هذه القوات حول العاصمة، مع ضمان وجود قوات داخل مواقع عسكرية أحكمت سيطرتها عليها".

توالي السقوط

من جهته يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية طارق الصافي أن "ما حدث في مدينة الجنينة خلال الأشهر الماضية بالإغارة على المدنيين من قوات الدعم السريع من دون أن يحرك الجيش ساكناً تكرر في نيالا، مما يدل على أن ثمة خرقاً حصل داخل قوات الجيش أدى إلى حصاره قبل سقوط نيالا بهذه السرعة".

ودلل الصافي على فرضية تمكين الجيش قوات "الدعم السريع" من نيالا "أولاً تمكنت قوات الدعم السريع من الدخول إلى وسط المدينة بحوالى 400 مركبة وآلاف المقاتلين على متن السيارات والدراجات النارية من دون أن يعترضهم أحد، مما يعني أن الدعم السريع ظل حاضراً في المنطقة وإن لم يكن مسيطراً بطريقة مباشرة. ومن دون توفير الحماية اللازمة لقيادة الفرقة 16 مشاة".

ويواصل "ثانياً خروج عبدالرحيم دقلو من الخرطوم إلى دارفور في يوليو الماضي كان مؤشراً إلى إعادة تموضع قواته، وخلق بؤر جديدة للحرب مسرحها إقليم دارفور من دون الاستغناء عن المواقع المسيطر عليها في الخرطوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتابع "ثالثاً على رغم أن الجيش فاجأ قوات الدعم السريع بضربة استباقية بقصف الطيران مواقعهم في نيالا قبل الهجوم بيوم واحد، إلا أن قوات الدعم السريع استعادت لياقتها العسكرية وسيطرت على قيادة الفرقة 16 مشاة، مما أدى إلى انسحاب الجيش إلى خارج المدينة من دون أن يعلق على الوضع".

ويذكر أن قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" هدد في تسجيل صوتي في وقت سابق، بأنه سيشكل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها قواته ويتخذ الخرطوم عاصمة لها، بعد أن أعلن البرهان "حكومة حرب" في بورتسودان شرق البلاد. وفي هذا أوضح أستاذ العلوم السياسية أن "اتجاه قوات الدعم السريع إلى إعلان سيطرتها على نيالا، هو بداية لفرض حكومة الأمر الواقع التي يحلم بها حميدتي".

وأضاف الصافي أن "السيطرة على نيالا تعد مكسباً للدعم السريع في أية مفاوضات للضغط على البرهان بغرض اقتسام السلطة وإعادة منصب نائب رئيس مجلس السيادة الذي جرد منه حميدتي في مايو (أيار) الماضي، أو بتسمية أحد قادة الدعم السريع نائباً في حال عدم ظهور حميدتي".

وحذر أستاذ العلوم السياسية من أن "توالي ضم مدن الفاشر والجنينة ونيالا، مقدمة لسقوط بقية عواصم ولايات دارفور الأخرى وهي زالنجي والضعين".

اندماج مجتمعي

وقال الناشط السياسي أيمن زروق "ظلت قوات الدعم السريع ترسخ لوجودها في مدن دارفور وخصوصاً نيالا منذ اندلاع انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وكثير من الأحداث يرتبط بما يحدث اليوم، منها أنه في مايو (أيار) 2019 عقب سقوط الرئيس السابق عمر البشير اعتقلت الاستخبارات العسكرية في مدينة نيالا خمسة من قيادات حزب المؤتمر الوطني في الولاية، تورطوا في أعمال عنف من خلال إقحام عدد من منسوبي الأمن الشعبي وسط المتظاهرين والاعتداء على الجيش، راح ضحيتها شخص واحد، وأُصيب عشرات الأشخاص". وأضاف "تزامن ذلك مع قيام قوة مشتركة من الدعم السريع والشرطة بتفريق اعتصام كان يقام في قيادة الفرقة 16 مشاة بمدينة نيالا، إذ أطلقت النار والغاز المسيل للدموع والاعتداء بالضرب على آلاف المتظاهرين الذين كانوا في طريقهم لمبنى قيادة الجيش في المدينة".

وبحسب "سودان فيرست" ظلت قوات "الدعم السريع" تقدم عدداً من المعونات في إطار اندماجها المجتمعي في نيالا، وكان حميدتي يشارك في الاحتفالات الرسمية. وإن كان ذلك طبيعياً بوصفه نائب رئيس مجلس السيادة فإن اللافت أنه عام 2020 قدمت إدارة التوجيه المعنوي بقوات "الدعم السريع" عدداً من المعينات لإدارة سجن نيالا، وخاطب قائد قوات "الدعم السريع" بقطاع نيالا العميد عبدالرحمن جمعة النزلاء من منسوبي "الدعم السريع"، الذين تمت محاكمتهم وفق قضايا متعددة بخفض بقية عقوبة السجن إلى ثلاثة أشهر.

وفي ديسمبر الماضي وصل حميدتي مع وفد يضم ممثلين لمجلس السيادة والجيش والاستخبارات والشرطة والنيابة العامة لاحتواء أحداث عنف وقعت في شرق نيالا، شنها مسلحون على قرى بمحلية بليل وقاموا بإحراق منازل إثر خلاف على سرقة مواشي، وتعهد حميدتي وقتها بتقديم المتورطين إلى العدالة وعدم الانحياز إلى أي طرف، وذلك رداً على أن الحادثة ذات دوافع إثنية.

وكان والي جنوب دارفور حامد محمد التجاني هنون ذكر في هذا الخصوص أن "لجنة أمن الولاية دفعت بتعزيزات أمنية كبيرة على خلفية الأحداث التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وحرق قرى"، وأضاف "الحوادث تعد الأغرب من نوعها لاستهدافها العقيد التابع للمنطقة الغربية العسكرية ونظاميين، إذ لم يكن ذلك مألوفاً في السابق"، وكشف عن تحقيقات لإماطة اللثام عن دوافع الحادثة.

موقف تفاوضي

وذكر عضو نقابة الصحافيين السودانيين عباس محمد إبراهيم على منصة "إكس" في تعليقه على أحداث نيالا "من الطبيعي ارتفاع حدة التصعيد قبل أية عملية تفاوضية، والجيش نفسه ذكر في بيان أن الذهاب للتفاوض لا يعني وقف المعارك، فكل طرف يعمل على بسط سيطرته على مناطق جديدة لتحسين موقفه التفاوضي". وواصل "وقف القتال يتحقق بتشجيع الطرفين والضغط عليهما للتوقيع على وقف إطلاق النار والعدائيات بأسرع وقت، ومدينة نيالا كثاني أكبر مدن البلاد لها أهمية كبيرة، وتضع الحرب الحالية إن لم تفلح المفاوضات المنطلقة اليوم في إطفاء نارها، في مسار لا عودة بعده".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير