Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حب ومحاولة انتحار على سطح في ليلة بيروتية مقمرة

مسرحيّة فؤاد يمّين وسيرينا الشامي ترسم صراع الإنسان مع ذاته والآخر

من المسرحية الكوميدية السوداء (خدمة الفرقة)

ملخص

مسرحيّة فؤاد يمّين وسيرينا الشامي ترسم صراع الإنسان مع ذاته والآخر

في ليلة صيفيّة حارّة من ليالي بيروت الصاخبة، يهرب شاب من أمسية حافلة بالأغاني والأصدقاء والضحكات، لينفرد بحزنه وبألمه على سطح مبنى هادئ صغير. فيقبع الشاب في زاوية من السطح الذي لا يتخطّى الأمتار القليلة، وحوله سلّم خشبيّ مهترئ وخزّان مياه صدئ وركام حجارة مكسّرة وصحن هوائيّ لاقط من تلك الصحون التي كانت تتراكم وتتلاصق على أسطح بيروت التسعينيّات. بعد دقائق قليلة أو كثيرة، لا ندري، تخرج إلى سطح المبنى نفسه فتاة ثرثارة ضحوك هاربة هي الأخرى من موسيقى مؤذية للأذنين، وفيها انحطاط للفنّ كما تصفها الفتاة. فتجلس الفتاة إلى جانب الشاب وتروح تجاذبه أطراف الحديث، هي بطاقتها الإيجابيّة وحبّها للحياة، وهو بصمته الموجوع وملله من الأيّام.

وعلى هذا السطح الصغير المتواضع الهادئ يمضي الاثنان ليلتهما، وتدور أحداث مسرحيّة فؤاد يمّين وسيرينا الشامي التي تقع كلّها في ليلة واحدة، ليلة فيها ضوء قمر قويّ. أمّا معنى أن يكون ضوء القمر حاضرًا وقويًّا فهي مسألة أخرى. فقد اختار فؤاد يمّين وشريكته في الفنّ وفي الحياة سيرينا الشامي، أن يسمّيا عملهما المسرحيّ الجديد "بليلة فيا ضوّ قمر" لأنّ الليلة التي يكون القمر فيها كبيراً ومضيئاً هي ليلة العشّاق، هي ليلة الحبّ، هي الليلة التي عندما يموت فيها أحد العاشقين وترتفع به الملائكة إلى القمر، لينتظر هناك حبيبه ونصفه الثاني، قبل أن يكمل صعوده معه نحو السماء.

و"بليلة فيا ضوّ قمر" مسرحيّة كوميديّة خفيفة مضحكة تمتدّ نحو سبعين أو ثمانين دقيقة، تنتقل من الحبّ إلى الغضب بلحظات قليلة، من الفرح إلى الرغبة في الانتحار بلحظات أقلّ. فمن هو هذا الشاب ومن هي هذه الفتاة وما قصّتهما وما علاقتهما بعضاً ببعض، وما هو مآل صعودهما إلى هذا السطح الضيّق وإنّما الرحب في الوقت نفسه رحابة الحياة؟

كوميديا سوداء وقصّة حبّ

يقدّم الممثّل والكاتب والمخرج اللبنانيّ فؤاد يمّين وشريكته في الكتابة والإخراج والتمثيل سيرينا الشامي عملهما الجديد "بليلة فيّا ضو قمر" على خشبة مسرح دوار الشمس في بيروت، وهو عمل من كتابتهما وإخراجهما وإعدادهما وتمثيلهما، مع ظهور ممثّل ثالث هو طوني داغر. ويقوم العمل على مجموعة مواقف وحوارات خفيفة وطريفة وغريبة بين الاثنين تفضح الحزن لدى الشاب وحبّ الحياة لدى الفتاة. حبّ وزخم وعفويّة تنجح في أن تحوّل الرغبة في الانتحار لدى الشاب إلى رغبة في العيش والحبّ والفرح.

تدور أحداث المسرحيّة حول ثنائيّة متضادّة وتعارض بين صرامة الشاب ورزانته وسوداويّته وبين عفويّة الفتاة وصخبها وأسئلتها الكثيرة. فيكتشف الجمهور الشاب وائل الذي يؤدّي دوره فؤاد يمّين، والفتاة التي يتغيّر اسمها مراراً خلال العرض والتي تجسّدها سيرينا الشامي. وتكون الفتاة هي التي تحرّك الحوار وتوجّه النصّ وتتحكّم بزمام الليلة بأسرها طيلة العرض، بفضل طبعها الصاخب وصوتها المرتفع وطاقتها الإيجابيّة وعفويّتها الجارفة. فهذه الفتاة هي التي تتكلّم وهي التي تشاكس وهي التي تطرح الأسئلة وتغنّي وترقص وتتهجّم وتستفزّ. هذه الفتاة بطيبتها وبراءتها وعفويّتها تفضح هدوء الشاب وتخرجه عن طوره وتجبره على الوقوع في حبالها، ليتخلّى في لحظة واحدة عن رغبته في الانتحار هو الذي صعد إلى السطح ليرمي بنفسه عنه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تتجسّد الثنائيّة المتضادة في هذا العمل في الصراع بين الحبّ والموت. يظهر التعارض واضحاً بين مشاعر الحبّ والرغبة والفرح التي تجسّدها الفتاة بطاقتها وحضورها، وبين مشاعر الاكتئاب والحزن واليأس التي يجسّدها الشاب المكسور المحطّم. فيجد وائل نفسه بين أن ينتحر أو أن يُغرم بالفتاة التي أمامه. يحاول أن يهرب من الفتاة ومن الحبّ لكنّها تقف في طريقه وتمنعه من النزول عن السطح لتكون بذلك قصّة الحبّ عنصراً من عناصر الكوميديا السوداء وأحد طرفي النزاع فيها. فتخبّطات الإنسان ومشاعر الحزن والوجع الموجودة فيه هي الأساس، ويأتي الحبّ على حين غرّة ليغيّر فيها وفي النظرة إلى الحياة وإلى الذات. فأيّ الطرفين يفوز؟ أهو الحبّ أم الموت؟ ويبدو أنّ فؤاد يمّين وسيرينا الشامي يرفضان أن يقدّما إجابة فيختاران خاتمة ثالثة تأتي مفاجئة وغريبة بالنسبة للجمهور، كما هو العرض بأسره.

لوحات شاعريّة وتمثيل متقن

على الرغم من صغر مساحة السطح، وعلى الرغم من قسوة الموضوعات المعالجة من وجع وألم ورغبة في الانتحار، يتمكّن كلّ من فؤاد يمّين وسيرينا الشامي من تقديم أداء رائع فيه ما فيه من خفّة وبراعة وحنكة تمثيليّة وإمساك بديع للدور. فبين حركة الجسد السلسلة وتعابير الوجه المعبّرة والقفزات الحواريّة المتماسكة، يجد الجمهور نفسه متأرجحاً بين الإفراط في الضحك والإفراط في التعاطف. يتمكّن الممثّلان وبخاصّة سيرينا الشامي، لكونها محرّك الأحداث والحوار، من الإمساك بالجمهور في مختلف لحظات العرض، في لحظات صعوده ولحظات هبوطه على حدّ السواء، لتأتي الموسيقى المتقطّعة والإضاءة الخفيفة والديكور البسيط، ملائمة فتمنع تحوّل انتباه الجمهور عن الممثّلين. وهو ما يزيد من صعوبة الأداء، فما من عنصر سينوغرافيّ لافت يشتّت الانتباه عن الممثّلين.

"بلبلة فيا ضوّ قمر" عرض مبدع للفنّانين الشابّين الموهبين فؤاد يمّين وسيرينا الشامي، عرض زاخر بالمشاعر الإنسانيّة المتأرجحة بين الوجع واليأس والوحدة، وبين الحبّ والأمل والفرح.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة