Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دول أفريقيا تواجه أزمة دين محلي مع استبعادها من أسواق الاقتراض الخارجية

تباين حجم القطاع المصرفي والقطاع المالي غير المصرفي وضعف الادخار يزيدان من هشاشة التمويل

ضخ المستثمرون الأجانب 140 مليار دولار في السندات السيادية لدول أفريقيا في الفترة من 2015 إلى 2021 (أ ف ب)

مع التخفيض المتواصل لديونها السيادية تواجه الدول الأفريقية مشكلة عدم القدرة على الاقتراض من الأسواق الخارجية، بخاصة مع استحالة إصدار سندات دين سيادي باليورو منذ مطلع العام الماضي وعدم القدرة أيضاً على إصدار سندات دولارية.

وزاد من إغلاق أبواب سوق الاقتراض الخارجي أمام دول أفريقيا استمرار سياسة التشديد النقدي منذ مطلع العام الماضي 2022، مما جعل تلك الدول تلجأ إلى زيادة الاقتراض من السوق المحلية.

فاقم ذلك من مشكلة التمويل بإصدار سندات الدين وأذون الخزانة بالعملة المحلية وأدى إلى انكشاف البنوك المحلية بصورة هائلة على ديون الحكومات ومعظمها قصيرة الأجل جداً لمدة 91 يوماً. وفي ظل مشكلات التمويل تلجأ حكومات الدول الأفريقية إلى ترحيل الديون المحلية القصيرة الأجل أو إعادة جدولتها.

ويمثل ذلك ضغطاً على موازنات الحكومات مع ارتفاع أسعار الفائدة من ناحية وعلى القطاع المصرفي ومؤسسات الإقراض غير المصرفية من ناحية أخرى.

وفي تقرير مطول حذرت مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية "ستاندرد أند بورز" من أزمة ديون محلية تواجه معظم الدول الأفريقية، خصوصاً تلك التي تمثل ديونها السيادية نسبة كبيرة مقابل الناتج المحلي الإجمالي مثل مصر والمغرب والكونغو وإثيوبيا وغيرها.

واعتبر التقرير استمرار النهج الحالي في الاقتراض الداخلي نتيجة عدم القدرة على الاقتراض من الخارج يمكن أن يؤدي إلى استنزاف المخدرات وضعف النشاط الاقتصادي، نتيجة عدم قدرة البنوك على تمويل مشروعات القطاع الخاص لاضطرارها إلى تمويل الحكومات.

مؤشر الدين المحلي

يعرض التقرير بصورة مفصلة مؤشر الدين المحلي الذي تصدره المؤسسة ويستند إلى عوامل عدة في ترتيبه أخطار قدرات التمويل المحلية للدين السيادي.

ومن بين تلك العوامل حجم المدخرات المحلية ومن ثم مستوى ومعدل نمو الأصول في النظام المصرفي المحلي ومدى توافر مصادر التمويل غير المصرفية (معاشات التقاعد وشركات التأمين) وحجم الإقراض السابق من البنوك للحكومات ومدى احتفاظ الأسر والشركات بمدخراتهم بالعملة المحلية وليس العملات الأجنبية، وهو ما يتناسب عكسياً مع قدرة البنك المركزي على تمويل الدولة.

وطبقاً للقراءة السريعة لجداول المؤشر التي تضمنها التقرير يتضح أن مصر وزامبيا وموزمبيق إضافة إلى غانا تواجه أكبر تحديات التمويل المحلي في قارة أفريقيا.

ونتيجة التوترات الجيوسياسية واستمرار قوة الدولار ومعدلات التضخم العالية التي تدفع بأسعار الفائدة نحو الارتفاع تزيد كلفة خدمة الدين وتقصر فترات استحقاق الدين المحلي في دول مثل مصر وزامبيا وكينيا وأوغندا.

ونتيجة انسحاب الأجانب من أسواق سندات الدين المحلية وانسياب تلك الاستثمارات إلى الخارج، زاد انكشاف البنوك المحلية على أخطار الدين السيادي للدول الأفريقية، مع ملاحظة أن حجم القطاع المصرفي في تلك الدول يختلف بصورة واضحة من دولة إلى أخرى.

فبينما تشكل أصول القطاع المالي نسبة 25 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي لجمهورية الكونغو الديمقراطية تشكل تلك الأصول نسبة 361 في المئة من الناتج المحلي لدولة موريشيوس.

ويعد حجم القطاع المصرفي المحلي في مصر الأكبر بين كل دول أفريقيا، حتى أكبر منه في جنوب أفريقيا، ويشكل نسبة 131 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المصري، إلا أن حجم الأصول المالية غير المصرفية في مصر أقل كثيراً منه في جنوب أفريقيا.

فترة الاقتراض السهل

هذا التباين الواضح يجعل ترتيب الدول الأفريقية على مؤشر الدين المحلي غير حاسم كعامل أساس في التصنيف الائتماني للديون السيادية لتلك الدول.

وبدأت مشكلة الدين المحلي في التفاقم مع نهاية فترة الإقراض السهل على مدى السنوات التي سبقت أزمة وباء كورونا، إذ ضخ المستثمرون من الخارج استثمارات هائلة في أفريقيا مع توقعات إمكاناتها الاقتصادية الهائلة وتنوعها الديموغرافي وارتفاع العائدات على الاستثمارات المالية.

حسب أرقام صندوق النقد الدولي، ضخ المستثمرون الأجانب ما يصل إلى 140 مليار دولار في السندات السيادية وأسواق الدين المحلي لدول أفريقيا في الفترة من 2015 إلى 2021.

ونتيجة ذلك، وصلت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في معظم دول أفريقيا إلى متوسط 20 في المئة في السنوات الخمس السابقة على عام 2020، مما أدى إلى خفض التصنيف الائتماني لأغلب تلك الدول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع بدء ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات الغربية منذ نهاية 2021، خرجت تلك الأموال من أسواق السندات الأفريقية، في وقت أصبح من الصعب على دول القارة الاقتراض من الخارج، وهكذا لجأت إلى التمويل بالاقتراض أكثر من السوق المحلية.

من الأخطار التي يشير إليها التقرير ما تعمد إليه بعض الدول من "قمع" النظام المصرفي، أي إجباره على إقراض الحكومة بسعر فائدة أقل من معدل التضخم.

ومع أن ذلك قد يساعد الحكومات على جعل كلفة الدين محتملة إلا أنه يقلل من قدرة المصارف على إقراض القطاع الخاص وتمويل المشروعات.

ويشير التقرير إلى أن انكشاف البنوك على الدين السيادي يصل إلى نسبة 40 في المئة، وهي أكثر من ضعف المتوسط المعقول عند نسبة 17 في المئة.

وتعد حوزة البنوك المحلية من الدين الحكومي الأكبر في دول أفريقيا التي يشملها المؤشر وعددها 23 دولة، عند نسبة 40 في المئة تقريباً.

معدلات الدين وكلفة خدمته

يعرض التقرير أيضاً للارتفاع الكبير في نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، وبحسب تقديرات "ستاندرد أند بورز" يصل متوسطة نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول التي يشملها المؤشر إلى 62 في المئة العام الحالي 2023، وذلك مقابل نسبة 48 في المئة في عام 2017.

كذلك ارتفعت نسبة الدين المحلي من إجمالي الدين السيادي في معظم دول أفريقيا لتصل في بعضها إلى 70 في المئة، بينما المتوسط الذي يضعه التقرير للدول الـ23 هو نسبة 46 في المئة. وإذا كانت الدول التي بها حجم مدخرات معقول في النظام المصرفي تستطيع تمويل الاقتراض الحكومي من القطاع المالي فإن الدول التي ليس بها حجم مدخرات كاف مثل إثيوبيا وغانا ونيجيريا تلجأ إلى تمويل الاقتراض الحكومي من البنك المركزي.

وفي كل الأحوال ترتفع كلفة خدمة الدين المحلي وهو في أغلبه قصير الأجل، وبحسب المؤشر تعد مصر وكينيا وزامبيا في مقدمة الدول الأفريقية التي ترتفع فيها كلفة خدمة الدين.

وتستهلك كلفة خدمة الدين في تلك الدول ما يصل إلى نسبة 30 في المئة من دخل الدولة، ونتيجة قصر مدة الدين تلجأ تلك الدول إلى ترحيل الدين المحلي، وتعد مصر في مقدمة الدول الأكثر ترحيلاً للدين القصير الأجل وبنسبة تصل إلى 40 في المئة في العام الحالي 2023.

الخلاصة من مؤشر الدين المحلي والتقرير المصاحب له أن الدول الأفريقية عرضة لمشكلة دين محلي، حتى وإن كان نصيب الإقراض الخارجي تراجع.

ولأن معظم الاستثمارات التي خرجت من تلك الدول مع بداية أزمة وباء كورونا كانت استثمارات في الدين السيادي بالعملة المحلية لتحقيق عائدات كبيرة للمستثمرين الأجانب، فقد ترك ذلك فجوة كان على الأصول المالية المحلية تحمل ملئها.

والآن أصبحت تلك المصادر المحلية، سواء القطاع المصرفي أو مصادر التمويل غير المصرفية، تحت ضغط كبير بانكشافها الهائل على الدين الحكومي.

وما لم يتم التوصل إلى حلول جذرية لمشكلة الدين المحلي الكبير فإن تلك الديون السيادية قد تتعرض لمزيد من تخفيض التصنيف الائتماني في المستقبل.

اقرأ المزيد