Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب القطاع فتحت شهية العالم للتنقيب عن أصل الصراع

المنعطف الجديد لـ"النكبة" الذي يتردد على ألسنة أصحاب القضية ومحللين ومتخصصين ومعلقين دفع غير العرب إلى البحث عن معنى الكلمة والمقصود بها

مع سقوط مزيد من القتلى في غزة وتفاقم أعداد المصابين وتصاعد حدة المأساة وتضاؤل قدرة الإعلام الغربي على تجاهل أو تهوين ما يجري تزيد عمليات البحث العنكبوتي عما يجري هناك (رويترز)

ملخص

يبحث البعض عما يتطابق وما يعرفه أصلاً، فيقرأ مزيداً منه، والبعض الآخر دفعته بشاعة تفاصيل حرب القطاع إلى توسيع دائرة القراءة لعل الصورة تصبح أوضح

تظل كلمات وعبارات البحث على "غوغل" مؤشراً مهماً إلى ما يبحث عنه المستخدمون في كل بلد على حدة، وبحسب النوع والفئات العمرية والطبقات الاجتماعية والدرجات التعليمية والانتماءات الثقافية والأيديولوجية. وحين يجتمع مستخدمون من مشارق الأرض ومغاربها، أطفالاً وشباباً وكباراً، إناثاً وذكوراً، من الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية، وغير الحاصلين إلا على أقل القليل للبحث عن موقع غزة، و"من يملكها" وجنسية قاطنيها وعلاقة "حماس" بها وأصل التسمية وعلاقتها بفلسطين وسبب العداء بينها وبين إسرائيل، بل وعن أصل حكاية فلسطين وقصة إسرائيل وعلاقة الأديان بهما وهوية النبي أشعيا وحكاية شجرة الغرقد، فإن هذا يعني أن حرب القطاع استحوذت على اهتمام القاصي والداني.

القاصي والداني

صحيح أن القاصي يبحث عن الجوانب التي أغفلها بعده الجغرافي عن المنطقة، والثقافة التي شكلتها مكونات المجتمعات البعيدة من الصراع والتعليم والتربية والاقتصاد والترفيه القريبة من طرف دون غيره في الصراع، وصحيح أن الداني يبحث عما غاب عنه من معارف تتعلق بأصل الصراع تاريخياً وعلاقته بالأديان ومدى صحة النبوءات والتوقعات وماذا يقال عن "حماس" والفصائل و"حزب الله" وإيران وأسباب تقارب الشيعة والسنة في هذا الفصل من الصراع وتناحرهما في غيره من الفصول، لكن النتيجة واحدة: حرب القطاع تسيطر على جانب كبير من جهود البحث العنكبوتية وتهيمن على أثير الـ"سوشيال ميديا"، كما لم تهيمن حرب من قبل.
على محرك البحث "غوغل"، وعلى مدار نحو شهر تقريباً منذ اندلاع الصراع هيمنت الكلمات والعبارات التالية على "موضوعات البحث" بالترتيب التنازلي، أي الأكثر فالأقل: "عرق الفلسطينيين" و"فلسطين" و"إسرائيل في الشرق الأوسط" و"بطولة الكريكيت 2023" و"الهالوين" و"أفكار ملابس هالوين" و"الحرب". وفي "استعلامات البحث" هيمنت الكلمات والعبارات التالية في الفترة نفسها: "حماس" و"ماثيو بيري" و"غزة" و"فلسطين" و"بطولة الكريكيت 2023" و"آديلايد هول" و"كأس العالم" و"سقوط عائلة آشر".

البحث عن النكبة

ومع سقوط مزيد من القتلى في غزة وتفاقم أعداد المصابين وتصاعد حدة المأساة في القطاع وتضاؤل قدرة الإعلام الغربي على تجاهل أو تهوين ما يجري في غزة تزيد عمليات البحث العنكبوتي عما يجري هناك، أسبابه وتاريخ المنطقة والتفسيرات المتناقضة المتداولة، مما يرتبط بها من قصص وخرافات وحقائق، وقائمة البحث تتجدد وتتطور مع تجدد أبعاد الحرب ومصطلحاتها وتطور مجرياتها ومنعطفاتها.

المنعطف الجديد لـ"النكبة" الذي يلوح في الأفق ويتردد على ألسنة أصحاب القضية ومحللين ومتخصصين ومعلقين على القنوات الإخبارية العربية والغربية، وكذلك في المواقع والصحف، دفع غير العرب إلى البحث عن معنى الكلمة والمقصود بها.
الكلمة لا وجود لها في غالب القواميس والمعاجم غير العربية، لكنها موجودة في القواميس التي تترجم من العربية إلى لغات أخرى. في الترجمة إلى الإنجليزية مثلاً النكبة هي "الأسى" أو "البلاء" أو "الذائقة"، لكن هناك من يورد "النكبة الفلسطينية" ضمن المعاني.
معنى الكلمة لم يعد مجرد مفردات بديلة باللغة نفسها أو بلغات أخرى. تحولت "نكبة" إلى وصف لما يجري، تكتب بحروف لاتينية وتفسح لنفسها مكانة في ثقافات لم تكن تعرفها قبل اندلاع حرب القطاع، أو ربما كانت تعرف ما جرى يوم 15 مايو (أيار) قبل 75 عاماً بدرجات متفاوتة من المعلومات المؤدلجة والحقائق المسيسة.

يوم النكبة

في 15 مايو (أيار) الماضي مضى احتفاء الأمم المتحدة بالذكرى الـ75 للنزوح الجماعي للفلسطينيين، والمعروف بـ"النكبة"، كغيره من الاحتفاءات الدولية التي لا تهم أو تعني سوى الأطراف الضالعة فيها أو المنظمة لها. وعلى رغم بلاغة الكلمات المستخدمة في الاحتفاء وقسوة السرد لوقائع أكثر قسوة من منظمة تتنزه عن الهوى أو الميل إلى صالح طرف على حساب آخر، فإن قليلين هم من التفتوا إلى المناسبة.
في ذلك اليوم قالت المنظمة الأممية إن "يوم النكبة" هذا العام يصادف الذكرى الـ75 للحدث الذي شهد تحول أكثر من نصف السكان الفلسطينيين إلى لاجئين. حاولت الأمم المتحدة أن يكون اليوم فرصة لجذب انتباه من يقرأ عن الحدث أو يصادفه أثناء تجواله العنكبوتي عن أطول أزمة متفاقمة للاجئين، وعن 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى "أونروا" (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى) ما زالوا يعيشون وسط نزاع وعنف واحتلال، ويتطلعون إلى حل عادل ودائم لمحنتهم.

نكبة أم أسى أم بلاء؟

اليوم، وبعد مرور نحو ستة أشهر على الاحتفاء والتعريف وجهود جذب الانتباه لـ"النكبة"، يبحث الملايين عن حكاية النكبة الأولى، وما يثار في الإعلام وعلى ألسنة فلسطينيين وعرب على الأثير عن "نكبة" ثانية تلوح في الأفق، وهو ما ينقله الإعلام الغربي مستخدماً كلمة Nakba لا "أسى" أو "بلاء" أو غيرهما. "ما الفرق بين النكبة والكارثة؟"، "لماذا يستخدم العرب أو الفلسطينيون كلمة نكبة؟"، و"لماذا يقول البعض إن ما يجري الآن هو نكبة ثانية؟"، و"ماذا حدث في النكبة الأولى؟"، و"هل يسميها الإسرائيليون نكبة أيضاً؟".

منع "النكبة"

ومع عمليات البحث عن "النكبة" يتداول البعض خبراً عمره 14 سنة مفاده أن وزارة التربية الإسرائيلية قررت في عام 2009 إزالة كلمة "نكبة" من كتاب دراسي عربي مقرر على الطلاب المتراوحة أعمارهم بين ثماني وتسع سنوات. في هذا الكتاب، جاء أن "العرب يسمون حرب 1948 وقيام دولة إسرائيل (نكبة) لأنها كانت حرب خسارة وذل، بينما يسميها اليهود (حرب الاستقلال). وعلى رغم أن الكلمة لا ترد إلا في الكتاب المطبوع بالعربية ولا تظهر في الكتب العبرية، فإن وزارة التربية حينها قالت إنه ليس من المقبول أن تقبل دولة وصف قيامها بـ(الكارثة)".

"كارثة" أم "حرب استقلال"؟ وأسئلة شبيهة وإجابات تؤجج خلافات بحثية على الأثير ونقاشات على وقع حرب القطاع. إنها أجواء الحراك البحثي الذي أدى بالبعض إلى التنقيب في أغوار التاريخ. أصل كلمة "إسرائيل" وجذور اسم "فلسطين" وعلاقة هذه بتلك وأسباب الصراع بينهما جميعها يجري البحث عنه أملاً في العثور على إجابات من التاريخ أو الدين أو كليهما لعلها تلقي ضوءاً على ما يجري.

مؤرخون ومعلومات

بين موسوعات تسرد تاريخي إسرائيل وفلسطين وتداخل كليهما على وقع "معلومات" أرخها وكتبها مؤلفون ومؤرخون غربيون وقلة قليلة من المؤرخين العرب المترجمة كتبهم إلى لغات غير العربية، يبحث كثر عن أصول الشعبين وتاريخ الأرض وماهية الصراع.

يتوه الباحثون بين "ويكيبيديا" (الموسوعة الشعبية التي يكتبها المستخدمون) التي تعرض أصل إسرائيل وتاريخ نشأتها باعتبارها أصولاً مؤكدة ونشأة مستحقة بشتى اللغات عن هذه الدولة "العلمانية الديمقراطية التي تسمح بحرية الاعتقاد، ولكن يتمتع فيها اليهود بامتياز"، وذلك بشتى اللغات بما فيها العربية، لكن معظمها مكتوب من قبل غير العرب، وبين سرد مفصل على مواقع وزارات الخارجية الإسرائيلية والأميركية وغيرهما لنشأة هذه الدولة ودور الاتحاد السوفياتي، وتحديداً ستالين، في نشأة الدولة اليهودية، وبين مقاطع من كتب تاريخ شارك في تأليفها مؤرخون وأكاديميون عرب تحمل قدراً أوفر من التوازن في تناول التاريخ، يدور الباحثون في دوائر بحث عديدة. يبحث البعض عما يتطابق وما يعرفه أصلاً ويؤمن به، فيقرأ مزيداً منه، والبعض الآخر دفعته بشاعة تفاصيل حرب القطاع في توسيع دائرة القراءة وتمديد أدوات البحث لعل الصورة تكون أكثر وضوحاً والحكم على الأحداث أكثر عدلاً.

الوضوح والعدل

الوضوح والعدل يتطلبان تعدد المصادر. وغالب المصادر المتاحة للقراءة بالإنجليزية إما كتبها مؤرخون وساسة وأكاديميون لغتهم الأم الإنجليزية وقلة من العرب ممن يتقنونها، أو مصادر عربية معظمها لم يترجم إلى الإنجليزية، لكن الجديد في عمليات البحث الحالية هي اعتبار مناقشات المستخدمين على منصات الـ"سوشيال ميديا" وغيرها من منصات "السؤال والإجابة"، مثل "كورا" و"رديت" و"ياهو آنسرز"، مجالات خصبة، وإن بقيت تحتاج دائماً إلى التفنيد والتأكيد لإثراء المعلومات، أو في الأقل إيقاظ الرغبة في البحث عنها من مصادرها وجذورها.
البحث عن جذور الصراع تبدو ملامحه البحثية الشعبية واضحة في حرب القطاع. عمليات البحث تتدرج في مراحلها بين "المبتدئين"، حيث "من أين قدم الإسرائيليون؟" و"وأين كانوا يعيشون قبل عام 1948؟" و"هل كانت فلسطين دولة؟ أم إنها مسمى عرقي؟" و"من كان يعيش في إسرائيل قبل تأسيس دولة إسرائيل؟". و"المتوسطين"، حيث "لماذا أعطى الفلسطينيون دولتهم لإسرائيل؟"، وفي أقوال أخرى "لماذا أعطت بريطانيا فلسطين لإسرائيل؟". وفي مرحلة ثالثة "لماذا دعمت أميركا اليهود ليأخذوا فلسطين؟"، و"لماذا يرفض الفلسطينيون أو الإسرائيليون، أو كلاهما العيش معاً في سلام؟". وانتهاءً بالمرحلة المتقدمة وأسئلة مثل "هل غزة دولة؟"، و"هل غزة هي الضفة الغربية؟"، و"هل رام الله في غزة؟"، و"هل غزة تتبع إسرائيل أم السلطة الفلسطينية أم سلطة منفصلة؟"، و"ما هي حماس؟"، وبالطبع "هل (حماس) جماعة إرهابية؟"، و"هل (حماس) تابعة لجماعة الإخوان المسلمين؟".
كم هائل من الأسئلة يجري طرحها على مدار ساعات اليوم الـ24 منذ اندلاع حرب القطاع. المشكلة لا تكمن في الأسئلة التي تعكس رغبة شعبية أكيدة حول العالم في معرفة أسباب وأصول ما يجري، بل في الإجابات التي تأتي مثقلة بالتسييس، محملة بالمظلومية التي يحملها طرفا الصراع، أو بالأحرى أطراف الصراع.

مكانة "حماس"

أوجدت "حماس" لنفسها مكانة خاصة في عمليات البحث، بدءاً بالبحث والسؤال عن نشأة الحركة، ومعنى اسمها، مروراً بتبعيتها ومصادر تمويلها وأماكن إقامة قياداتها وأسباب عدم وجودهم داخل القطاع، وسر التلثيم، وانتهاءً بالسؤال الكلاسيكي "هل (حماس) إرهابية أم حركة مقاومة أم ماذا؟"، تدور عمليات البحث الذي تتلون نتائجه أيضاً إما مسبقاً بما يحمله الباحث من هوى وميل، أو في ضوء المجريات، حيث فتح الأفق وتوسيع الصدر تجاه ما يمكن أن يسفر عنه البحث.

"أبو عبيدة مان"

وعلى رغم ابتعاد أو تجاهل أو اختيار الإعلام الغربي عدم التركيز كثيراً على شخصية "أبو عبيدة"، ربما منعاً لخلق هالة محببة أو جذابة حوله، أو تجنباً لتعظيم ما يفعل، أو لأن هذا النوع من الشخصيات والصفات لا تلقى رواجاً أو شعبية لدى الشعوب التي صنعت "سوبر مان" و"بات مان" و"سبايدر مان" وغيرهم، حيث مواصفات الشخصيات الخارقة التي تلقى رواجاً في بلاد الغرب تختلف عن بلاد العرب، فإن جهوداً متنامية تبذل للبحث عنه.
نتائج البحث غير العربية عن "أبو عبيدة" تسفر عن ثلاث نتائج رئيسة: إما معلومات واردة عنه على مواقع المراكز البحثية الغربية التي تعرف نفسها بأنها تناهض الإرهاب، أو أخبار حرب القطاع وإطلالات "أبو عبيدة" الصوتية وملخص ما يرد في إطلالاته عبر الصوت والصورة الفوتوغرافية بالوضعية المميزة لأصابعه ولثامه، أو ترجمات حرفية تقوم بها جماعات ومؤسسات إسلامية لما يقوله بغرض نقلها للغرب.
الطريف أن "غيتي إيمادجز" (شركة وسائط مرئية تعتمد على الصور الفوتوغرافية) باتت تحوي عدداً كبيراً من الصور لـ"أبو عبيدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وجه "أبو عبيدة"

وتدور عمليات البحث في معظمها حول "وجه (أبو عبيدة)"، "أخبار أبو عبيدة"، و"علاقة (أبو عبيدة) بـ(حماس)"، وهذه الأخيرة تفتح الباب أمام مزيد من البحث، حيث "ما هي كتائب القسام؟"، و"من هو عز الدين القسام؟"، "وما مصادر تمويل هذه الكتيبة؟"، و"ما نوع التسليح؟"، و"هل هناك مزيد من الكتائب التابعة لـ(حماس)؟".
مثل هذه الأسئلة حين تطرح عادة تقود الباحث إلى مزيد من الأسئلة الصعبة بحثاً عن إجابات غالباً إما تتشابك أو تتعارك أو لا تفضي إلا إلى مزيد من البحث الصعب. "ما علاقة (حزب الله) بما يجري في غزة؟"، و"ما هو (حزب الله)؟"، و"هل (حزب الله) حزب سياسي؟"، و"هل يحكم (حزب الله) لبنان؟"، و"ما علاقة (حزب الله) بإيران؟"، و"ما دخل (حزب الله) بالعراق؟"، و"ما هي الفصائل العراقية المسلحة؟"، و"لماذا دخلت سوريا على خط الحرب؟"، و"من يطلق الصواريخ من سوريا تجاه الجولان؟"، و"من يملك الجولان؟"، و"لماذا يعيش فيها إسرائيليون ما دامت سورية؟"، والبحث يستمر ويتسع.

يستمر البحث ويتسع ليتطرق إلى الجوانب العقائدية والدينية التي تطرح بين الحين والآخر في حرب القطاع. "لماذا تحدث بلينكن (وزير الخارجية الأميركي) حين زار إسرائيل في أعقاب عملية (حماس) عن ديانته، وأنه جاء لإسرائيل ليس فقط كوزير خارجية أميركا، بل كيهودي؟"، و"لماذا يتبنى بعض العرب خطاباً دينياً إسلامياً حين يتطرقون إلى الصراع العربي الإسرائيلي؟".

مسيحيو الصراع

يجد مسيحيو غزة أنفسهم في هذه الآونة مثار بحث مكثف. حتى المواطنون العرب يبحثون عن "المسيحيين في غزة". اللافت أن هناك من يسأل: "هل هناك عرب مسيحيون؟"، و"ما موقف المسيحي العربي من إسرائيل؟"، وبالطبع "كيف ينظر مسيحيو غزة إلى حركة (حماس) الإسلامية؟"، إضافة بالطبع إلى السؤال المتكرر "هل هناك مسيحيون في غزة؟"، وأخيراً يذهب البعض إلى السؤال العاكس للفكرة، "لماذا لا يتم وضع المسيحيين ضمن جداول المسموح لهم بترك القطاع شأنهم شأن الأجانب ومزدوجي الجنسية؟".
البحث عن مسيحيي غزة تظهر نتائجه أولاً في الأخبار، وتحديداً القصف الإسرائيلي الذي استهدف موقعاً قريباً من كنيسة القديس بروفيريوس للروم الأرثوذكس، ثالث أقدم كنيسة في العالم، وذلك يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، القصف الذي أوقع قتلى ومصابين ساعد الباحثين على معرفة أن الإجابة عن سؤال "هل هناك مسيحيون في غزة؟" هي "نعم"، ولكن أعدادهم قليلة جداً لا تتجاوز الألف.
البحث يشير إلى أن الألف كانت ثلاثة آلاف قبل نحو عقد، ويكشف الستار عن كثير مما كان يقال ويثار حول حياة المسيحيين في غزة. تقارير صحافية غربية نشرت على مدار سنوات أشارت إلى أن عدد المسيحيين يتقلص في غزة بسبب سلطة "حماس" وبزوغ عديد من الجماعات "الأصولية" في القطاع وهيمنة الجانب المحافظ الإسلامي بشكل متزايد، لكن بين التقارير أيضاً ما تطرق إلى أن مسيحيي غزة، شأنهم شأن مسلميها، تجرعوا مرارة الحصار المفروض عليها من قبل إسرائيل منذ أطاحت "حماس" حركة "فتح" في قطاع غزة، وفرضت سيطرتها المستمرة حتى اليوم.

نبوءة أشعيا

ومن المسيحيين حيث يعرج البحث إلى الجوانب الدينية والعقائدية في الصراع إلى نبوءة أشعيا التي يتداولها الباحثون العرب بشكل غير مسبوق، على رغم أن الإشارة إليها صدرت من إسرائيل، وتحديداً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي اختار أن يتحدث قبل أيام عن عمله وحكومته على تحقيق "نبوءة أشعيا" في أرض فلسطين، مشيراً إلى أن "الحرب تدور بين الشر والظلام (حركة حماس) من جهة، والحرية والتقدم والنور (إسرائيل) من جهة أخرى". وحين خلص نتنياهو إلى أن "النور سيقهر الظلام"، كان ذلك عقب إشارته إلى نبوءة أشعيا، حيث "لن يسمع بعد ظلم في أرضك"، و"إقامة المدينة المقدسة في إسرائيل للشعب المضطهد".
يبحث العرب عن أشعيا فيجدونه نبياً يهودياً في المملكة الجنوبية ليهوذا، أحد أبناء النبي يعقوب الـ12، وأنه تم توثيق نبوءاته عن التاريخ والدين والسياسة والحروب والملوك والشعوب في سفر أشعيا في "التناخ" (كتاب اليهود المقدس). ويبحث غير العرب فيجدون نتائج شبيهة، ولكن بنكهات مختلفة. عمليات البحث عن أشعيا ونبوءاته في الشرق والغرب لا تختلف نتائجها كثيراً، ما يختلف هو تفسير النتائج بحسب معتقد الباحث والمنقب.

الجذور الدينية

أما الأبحاث الدائرة على هامش حرب القطاع فتندفع دفعاً إلى التنقيب عن الجذور الدينية للصراع، مما يؤدي إلى دوائر بحث لا تنتهي عن قيام إسرائيل على أرض فلسطين لتكون وطناً لليهود، وكون فلسطين في الأصل منطقة مقدسة للأديان السماوية الثلاثة، وموجات الهجرة اليهودية بدءاً من القرن الـ19، ودور الجمعيات الصهيونية في تشجيع وتمويل هذه الهجرات، وتركيبة سكان فلسطين قبل عام 1948، ودور الانتداب البريطاني، والبحث على هامش الصراع لا ينتهي.

المؤكد أن حرب القطاع فتحت شهية الجميع للبحث عن أصل هذه الحرب الضروس الدائرة رحاها، والتي بدأ مراقبون يصفونها بأنها "الأشرس" في العصر الحديث. لم تعد المناهج المدرسية كافية، حيث كل منهج ملون بألوان توجهات الدولة التي أصدرته، كما لم يعد كثر يعتبرون كتب التاريخ منصفة بالضرورة، حيث التاريخ لا يكتبه المنتصرون وحسب، بل المتحيزون والمسيسون وأصحاب المصالح والرؤى الأحادية. ومما لا شك فيه هو أن حرب القطاع فتحت شهية العالم على معرفة الأسباب الحقيقية لما يجري هناك.

المزيد من تحقيقات ومطولات