Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفجر إثيوبيا صراعا جديدا من أجل منفذ بحري؟

مراقبون: وجود قواعد عسكرية للدول الكبرى في جيبوتي لا يعطي أديس أبابا حق امتلاك ميناء تحت مبرر الاضطرابات المحتملة

انتقد آبي أحمد مواقف بعض دول الجوار التي حذرت إثيوبيا من التورط في حرب (موقع البرلمان الإثيوبي)

ملخص

قال آبي أحمد إن "سعي إثيوبيا إلى امتلاك ميناء خاص بها ليس من الأجندات الجديدة"

أعاد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الجدل مجدداً بإثارة قضية "حصول بلاده على منفذ بحري على البحر الأحمر"، في رده على أسئلة نواب البرلمان، الثلاثاء الماضي. ولقد استحوذ هذا الموضوع على معظم أجزاء خطابه. 

قال آبي أحمد إنه "على رغم المحادثات والتحليلات والتوقعات واسعة النطاق التي أثيرت خلال الفترة الماضية، فإن سعي إثيوبيا إلى منفذ بحري وامتلاك ميناء خاص بها ليس من الأجندات الجديدة، بل ظل مطروحاً لدى كل الحكومات المتعاقبة في إثيوبيا"، مؤكداً أنه لا يهدف إلى تهديد سيادة الدول المجاورة في القرن الأفريقي. وأضاف "ما نريد أن تفهمه دول القرن الأفريقي والعالم في الشرق والغرب على حد سواء، بحسن نية، هو أن مصلحتنا القومية تطرح ضرورة إيجاد إطلالة على البحر الأحمر"، مفسراً ذلك بالقول إن إثيوبيا كانت قبل استقلال إريتريا (منذ 30 سنة) تمتلك ميناءين، وتعداد سكانها نحو 46.47 مليون نسمة فقط، وناتجها المحلي الإجمالي من 10 إلى 12 مليار دولار فقط. وبعد 30 عاماً أضحت دولة حبيسة، وتعدادها يتجاوز 120 مليون نسمة، وتعتمد بشكل أساس على ميناء جيبوتي وفق اتفاقات تجارية محددة"، مؤكداً أن ذلك "يعرض مصالح بلاده للخطر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حين أعرب عن تقديره للدعم الذي قدمته جيبوتي بإتاحتها خدمات الميناء بشروط وقواعد التجارة، قال رئيس الوزراء الإثيوبي "نريد أن تتفهم جيبوتي وغيرها مخاوفنا"، منوهاً بأن الاعتماد على ميناء جيبوتي في ظل التطورات الجيوسياسية التي تحدث في منطقة القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر أمر يقلق بلاده ويهدد مصالحها، بخاصة أن جيبوتي تستضيف عدداً كبيراً من القواعد العسكرية الأجنبية على شواطئها. وتابع أن ثمة "سيناريوهات عدة تتجادل حولها القوى الكبرى، وتتعلق بمستقبل المنطقة عموماً"، مضيفاً "إذا بدأت هذه القوى الكبرى صراعاً في المنطقة فإن إثيوبيا هي التي ستتعرض للخطر، ولن تشعر دول مثل كينيا وتنزانيا وجنوب أفريقيا بالمخاوف التي نشعر بها، ففي حال حدوث مثل هذه السيناريوهات فإنها ستؤدي إلى تعطيل تدفق الوقود، مما يضع البلاد في خطر داهم، بصرف النظر عما إذا كانت حكومة جيبوتي متحوطة لأخطار الصراع الدولي على أراضيها أم لا، لكن الأمن القومي الإثيوبي يتطلب إيجاد بدائل مسبقة أهمها الحصول على منفذ بحري خاص". وأشار إلى التطورات الأخيرة التي نتجت من أزمة غزة، وما تردد عن هجمات صاروخية قادمة من اليمن الذي يبعد عن جيبوتي نحو 28 كيلومتراً فقط بعرض البحر، مؤكداً أنه في حال ردت قواعد القوى الكبرى الموجودة في جيبوتي على تلك الهجمات، فإن إثيوبيا التي يبلغ عدد سكانها 120 مليون نسمة ستبقى من دون خيارات.

وأضاف آبي أحمد "ليس من الجيد تجاهل مثل هذه الحقائق"، مؤكداً أن تلك السيناريوهات المحتملة تفرض على بلاده ضغوطاً كبيرة، بخاصة أن التاريخ السياسي المعاصر يؤكد إمكانية وقوع مثل هذه الأخطاء الجيوسياسية، إذ إن القوى الكبرى لديها القدرة على إطلاق النار من مسافة بعيدة.

منفذ من دون حرب 

وفي ما يتعلق بكيفية حصول بلاده على المنفذ البحري، أوضح أحمد أن "ذلك يمكن تحقيقه من دون إطلاق رصاصة واحدة"، قائلاً "على الدول المجاورة الشقيقة أن تتفهم التحديات التي تواجهها بلادنا، إذ إن الاقتصادات الإثيوبية قد نمت على مدى السنوات القليلة الماضية لنحو 20 ضعفاً، فيما تضاعف عدد السكان، والسياق الاقتصادي لتلبية هذا النمو غير متناسب، بل يتقلص".

ورفض رئيس الوزراء الإثيوبي جميع التعليقات التي تفيد بأن بلاده تسعى إلى اختلاق حرب جديدة في المنطقة من أجل الحصول على موانئ، مؤكداً "دعونا نناقش الأمر بموجب قواعد القانون الدولي وبدبلوماسية هادئة، فذلك يحقق منافع متبادلة بين إثيوبيا والدول المطلة على البحر الأحمر".

وانتقد آبي أحمد مواقف بعض دول الجوار التي حذرت إثيوبيا من التورط في حرب جديدة قائلاً "أعتقد أن هؤلاء كانوا غائبين عندما بنينا القوات البحرية، فقد كان من الواضح أننا في حاجة إلى البحر، فليس صحيحاً تحريف مطالبنا واعتبارها انتهاكاً للسيادة الإريترية. وليس لدينا مصلحة في المساس بسيادة أحد أو غزو أية دولة في الجوار، ولكننا في حاجة إلى خيار لا هوادة فيه، وسوف نناضل سلمياً من أجل تحقيقه". 

واعتبر أحمد أن الزيادة السكانية التي تشهدها بلاده، وما يتطلبه ذلك من تنامي الحاجات في ظل الوضع الحبيس، ينبغي أن "يثير قلق دول الجوار إزاء هذه المسألة". وكرر "دعونا نتناقش لتجنب الصراع، فالسيناريوهات المحتملة مقلقة للغاية، وأهمها حرب الجوعى".

عروض لتجنب الصراع 

ووجه آبي أحمد خطابه إلى حكومات العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وأوروبا والشرق الأوسط والدول العربية الأفريقية المطلة على البحر الأحمر، قائلاً "إذا كانت هذه الدول ترى أن ما تطلبه إثيوبيا يتنافى مع مبادئ القانون الدولي وقواعد الدبلوماسية فبإمكانهم انتقادنا، ومطالبتنا بالامتناع عن هذا الطرح". وأكد "أن استراتيجية بلاده للوصول إلى البحر لا تخرج عن هذه الشروط"، مشيراً إلى أن تعداد سكان بلاده سيبلغ حدود 150 مليون نسمة بحلول عام 2030، مما يتطلب الاستعداد لتلك التحديات حتى لا تقاد المنطقة إلى سيناريو الصراعات المسلحة. 

ونفى آبي أحمد التكهنات بوجود صراع وشيك في القرن الأفريقي، مجدداً تأكيده أن "إثيوبيا ليست لديها مصلحة في إطلاق رصاصة واحدة تجاه إريتريا أو الصومال أو جيبوتي أو كينيا، أو أية دولة أخرى في جوارها، وليس لديها شك في شأن سيادة أية دولة". وكشف عما سماه العروض السخية التي تقدمها بلاده لدول الجوار من أجل تمكين أديس أبابا من إيجاد منفذ بحري، قائلاً "لدينا أفضل شركة طيران في أفريقيا، فلنشاركها مع إحدى الدول المجاورة مقابل أن نتشارك معهم الشواطئ". وتساءل "كيف يمكن اعتبار هذا العرض دعوة إلى الحرب، نحن نعرض تبادل المنافع، سواء من خلال تجيير حصص من شركة الطيران الإثيوبي، أو حصص في سد النهضة الذي يمثل مصدر فخر لنا كـإثيوبيين"، داعياً دول الجوار إلى التفكير ملياً في المنافع التي يمكن تحقيقها جراء قبول العرض، فمن الجيد مناقشة هذه المسألة بهدوء وسلام، على حد قوله.

إعادة رسم الخريطة 

بدوره، اعتبر المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن سيد أن خطاب رئيس وزراء إثيوبيا "لم يأتِ بجديد عندما ربط وجود بلاده من عدمه بتوفير منفذ بحري"، مؤكداً أن "المزاعم التي رددها آبي أحمد حول امتلاك بلاده لميناءين قبل ثلاثة عقود غير دقيقة، إذ إن بلاده احتلت إريتريا من عام 1962 وحتى 1991 بشكل ينافي مبادئ القانون الدولي، وبإرادة أحادية من قبل الإمبراطور هيلي سلاسي، وقد انتهى هذا الاحتلال بتمكن الثوار الإريتريين من تحرير بلادهم، ثم عبر استفتاء شعبي رعته الأمم المتحدة، ووفقاً لذلك تعد إريتريا دولة مستقلة ذات سيادة، وعضواً في الأمم المتحدة وفق خريطتها التاريخية براً وبحراً، والاعتقاد أن إثيوبيا كانت تمتلك موانئ سيعيد المنطقة ككل إلى مربع الصراعات، وهو بمثابة إعلان حرب على دولة ذات سيادة، بخاصة أن ذلك يتنافى حتى مع ميثاق الاتحاد الأفريقي، الذي يعتمد على معايير الحدود الموروثة من الاستعمار، وإجراء أي تغيير في تلك الحدود، أو التفكير في إعادة رسمها يمثل اعتداءً على مبدأ أساس للميثاق الأفريقي".

وأضاف سيد أن هذه التصريحات تنتهك سيادة الدول المطلة على البحر الأحمر، مشيراً إلى أن وجود القواعد العسكرية للدول الكبرى في جيبوتي لا يعطي أديس أبابا أية حقوق لإعادة رسم الحدود أو امتلاك ميناء تحت مبررات الاضطرابات المحتملة، فحتى في حال حدوثها، فإن التأثير لا يقتصر على إثيوبيا وحدها، بل على جميع دول الجوار، مذكراً بأن اقتصاد دولة جيبوتي يعتمد كلياً على تأجير موانئ للدول الكبرى، وتقديم خدمات الترانزيت للصادرات والواردات، ولم يطرأ أي جديد في هذا الأمر منذ عقود.

الكونفيدرالية كحل للمعضلة 

من جهته، رأى الباحث في شؤون القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر إبراهيم إدريس أن هناك أزمة تاريخية متعلقة بالجغرافيا السياسية، وأن ثمة نماذج عدة في العالم لمعالجة هذه الأزمة، وذلك من خلال اتفاقات مشتركة بين الدول الحبيسة والدول المطلة على البحار والمحيطات، إذ يلزم القانون الدولي للبحار ضرورة توصل الطرفين (المشاطئ والحبيس) إلى اتفاقات ثنائية منصفة تتمكن من خلالها الدول الحبيسة من الاستفادة بخدمات الموانئ. وأضاف أن "هناك 17 دولة أفريقية حبيسة، ونحو 44 دولة حول العالم تستفيد من الموانئ المجاورة من خلال اتفاقات ثنائية ملزمة". وقرأ إدريس تصريح آبي أحمد حول امتلاك بلاده لميناءين قبل ثلاثة عقود، باعتباره مبرراً سياسياً وليس قانونياً للحصول على منفذ بحري، مؤكداً أن "ذلك تم في إطار احتلال غير قانوني، أسوة بكثير من التجارب التي شهدتها إريتريا، إذ سبق أن احتلت من قبل النظام الاستعماري الإيطالي والبريطاني، لكن ذلك لا يمكن أن يمثل مصوغاً قانونياً للادعاء بامتلاكهما للموانئ الإريترية". 

ولفت إدريس إلى الاتفاقات الثنائية التي وقعتها إريتريا وأديس أبابا عقب استقلال الأولى، والتي منحت إثيوبيا الحق في استخدام ميناءي "عصب" و"مصوع" بشروط تفضيلية، وظل ذلك سارياً حتى بداية النزاع الحدودي الإريتري - الإثيوبي الذي اندلع عام 1998، إذ تخلت إثيوبيا بشكل أحادي عن تلك الاتفاقات، واعتمدت على ميناء جيبوتي في جميع وارداتها وصادراتها التجارية.

يرى إدريس أن ثمة إمكانية لإعادة تفعيل تلك الاتفاقات وفقاً لقواعد القانون الدولي، وبما لا يتنافى مع سيادة إريتريا، مشيراً إلى أن عودة العلاقات الإريترية - الإثيوبية بعد وصول آبي أحمد إلى السلطة في إثيوبيا كانت قد شرعت منافذ مهمة للتعاون الثنائي بين الدولتين، بما في ذلك تفعيل اتفاقات استغلال الموانئ، كما أن التنسيق بين الصومال والدولتين كان مبشراً بعهود جديدة من التعاون بما يعود بالنفع على شعوب المنطقة. 

ويعتقد إدريس أنه لا تزال هناك إمكانية لتشكيل نوع من الكونفيدرالية بين الدول الثلاث، وهو أمر ظل مطروحاً من قبل النخب الأكاديمية والفكرية في المنطقة، إذ سيسهم ذلك في تجاوز أزمة الموانئ، فضلاً عما قد يوفره من فرص كبيرة لنمو اقتصادات الدول الثلاث. ويقدر أن الحوار السياسي بين دول القرن الأفريقي، بما فيها كينيا والسودان فضلاً عن الدول الثلاث، قد ينتج فرصاً مواتية لتنمية مستدامة، إذ تمتلك إثيوبيا قدرات كبيرة في توليد الكهرباء من سد النهضة فيما تمتلك كل من إريتريا والصومال إطلالات مهمة على البحر الأحمر والمحيط، مما يسهم في تبادل المنافع عوض الدخول في صراعات جديدة.

المزيد من تقارير