Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جيل جديد من المهاجرين الأفارقة في الجزائر نحو المجهول

أبرز معضلة تحول دون التحاق هؤلاء الأطفال بالمدارس عدم حيازتهم على وثائق تحدد هويتهم وإقامة ثابتة

المهاجرون الذين يدخلون الجزائر يتحدرون من 44 بلداً أفريقياً (مواقع التواصل)

ملخص

الأمر الأصعب وجود عائلات بأكملها لا تحوز وثائق هوية حتى من بلدانها الأصلية ما يجعل تسوية أوضاعها القانونية شبه مستحيلة

بوجوه بريئة مفعمة بالحيوية وثياب بالية، تحتل مجموعات من أبناء المهاجرين واللاجئين الأفارقة، كل صباح، زوايا في قطار الضواحي بالجزائر العاصمة، مطلقين العنان لأحاديث جدلية صاخبة بلغتهم المحلية، لا تخلو من قهقهات بين الفينة والأخرى تحت أعين مسافرين منهم من يتفاعل معهم وآخر متذمر، بينما يواري بعضهم ابتسامة استغراب من المشهد.

تبدأ رحلتهم الصباحية بجولة تسول رفقة أوليائهم، داخل القطار لعلهم يكسبون بعض الدنانير قبل أن يتفرقوا كل إلى وجهة معلومة حسب تخصصه نحو الساحات العمومية وأمام المساجد والأسواق ووسائل النقل، ليعودوا مساء بحصاد يوم كامل إلى أماكن يأوون إليها، وغالباً ما تكون أكواخاً مصنوعة من القش والبلاستيك، منصوبة تحت الجسور وفي أماكن الظل حتى لا تصل إليها أعين أجهزة الأمن.

ظروف معقدة

ظاهرة تسول المهاجرين الأفارقة في شوارع المدن الجزائرية أصبحت أمراً مألوفاً لدى السكان المحليين، لكن التساؤلات لا تنتهي حول مصير أطفال من مختلف الأعمار، كثير منهم ولدوا في الجزائر، بسبب الظروف المعقدة والمتشابكة في بلدانهم الأصلية ليجدوا أنفسهم تحت مظلة اللجوء والقهر ومكابدة الأهوال.

علامة الاستفهام الكبيرة تدور حول كيفية حصول أطفال اللاجئين الأفارقة في الجزائر على الهوية والاستفادة من التعليم والرعاية الصحية، ومدى اهتمام السلطات بضمان فرص تعليم مناسبة لآلاف المهاجرين الأفارقة وانتشالهم من براثن الأمية.

ولم تكن هجرة اللاجئين الأفارقة تشكل عبئاً كبيراً على الجزائر، إلى غاية الانقلاب العسكري في مالي عام 2013، حينها عرفت طفرة كبيرة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية نتيجة الحرب التي اندلعت بين الحكومة في باماكو والجماعات المسلحة في الشمال، ما دفع بعشرات الآلاف إلى النزوح نحو الجزائر.

ونادراً ما يتم تناول موضوع تعليم أطفال اللاجئين الأفارقة في النقاشات الرسمية وفي وسائل الإعلام، وحتى المنظمات غير الحكومية لا تثير الموضوع، على رغم أن الإحصاءات العامة لمنظمة "اليونسكو" تشير إلى أن نسبة الأطفال اللاجئين الملتحقين بالمدراس الابتدائية والثانوية تقدر بـ50 و25 في المئة على التوالي، وأن الفتيات أكثر عرضة للحرمان من التعليم، ما يزيد من تهميشهن وضعفهن، وأن نسبة حرمان الأطفال والمراهقين اللاجئين من التعليم تفوق بخمس مرات نسبة حرمان أقرانهم من غير اللاجئين.

انتقادات ومساعدات

ووفق تقديرات المسؤولين في الجزائر، تشكل الصراعات الداخلية في بلدان الساحل سبباً رئيساً في دخول مواطنيها إلى ترابها بأعداد كبيرة، مؤكدة في رد على انتقادات تنظيمات حقوقية، أنها "توفر كل الظروف الملائمة لهم، أثناء تنفيذ حملات الترحيل، مع الحفاظ على كرامة المهاجرين، وذلك من خلال إنشاء مراكز إيواء وتقديم الطعام وتوفير النقل، وتمكينهم من الرعاية الطبية والتلقيح، وتوفير المستلزمات الضرورية والألبسة للأطفال".

وحسب تصريحات وزير الداخلية الجزائري السابق، كمال بلجود، فإن الجزائر أنفقت عام 2018 ما قيمته 30 مليون دولار على عمليات التكفل الصحي والإيواء والإطعام والترحيل التي استفاد منها المهاجرون الأفارقة.

وينص الدستور الجزائري في المادة 53 على أن "الحق في التعليم مضمون ومجاني حسب الشروط التي يحددها القانون"، إلا أن أبناء المهاجرين الأفارقة لا يمكنهم الالتحاق بالمدارس الجزائرية بسهولة، عكس بقية اللاجئين كالفلسطينيين والسوريين.

وجاء في المادة نفسها من الدستور أن "التعليم الأساسي إجباري"، أي إن التعليم خلال المرحلتين الابتدائية والمتوسطة إلزامي، ويعاقب القانون كل رب أسرة يمنع أبناءه من الحصول على هذا الحق، فالطفل في الجزائر من حقه التعلم حتى عمر 16 سنة، ولا يمكن طرده من أقسام الدراسة.

الدستور الجزائري ينص كذلك على أن "الدولة تنظم المنظومة التعليمية، وتسهر على التساوي في الالتحاق بالتعليم والتكوين المهني"، لكن ذلك لا ينطبق على أطفال اللاجئين الأفارقة الذين يمثلون 40 في المئة من المهاجرين غير النظاميين الأفارقة المقيمين في الجزائر، حسب إحصاءات إحدى جمعيات حماية حقوق الطفل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسباب متداخلة

ويسوق متخصصون في مجال التربية في الجزائر حزمة من الأسباب تقف وراء عدم التحاق أطفال اللاجئين الأفارقة بالمؤسسات التربوية، تتمثل في اختلاف المناهج الدراسية ولغة التدريس، لكن البعض يسقط حجة اللغة ويرون أن الأطفال الذين ولدوا في الجزائر أو وصلوا إليها وهم رضع استطاعوا تعلم اللهجة الجزائرية المحلية ما يمكنهم من فهم اللغة العربية بكل سهولة.

ولعل أهم مشكل يحول دون التحاق هؤلاء الأطفال بالمدارس الجزائرية هو عدم حيازتهم على وثائق تحدد هويتهم وإقامة ثابتة، إذ كثيراً ما يخلط بين اللاجئين من مالي أو النيجر، والأمر الأصعب وجود عائلات بأكملها لا تحوز وثائق هوية حتى من بلدانها الأصلية، ما يجعل تسوية أوضاعها القانونية شبه مستحيلة.

وأظهرت دراسة أجرتها منظمة "أطباء بلا حدود" بالتعاون مع "اليونيسف" ووزارة التضامن الجزائرية في 2016، أن ثلث الأطفال من الجالية الأفريقية في الجزائر فقط من يلتحقون بمقاعد الدراسة حسب نتائج مسح ميداني لـ 361 طفلاً من مجموع 266 أسرة أفريقية.

وتوصلت الدراسة إلى أن 44.8 في المئة يتعلمون في مؤسسات عمومية، و55.2 في المئة في مدارس خاصة، لكن هذه الدراسة مست الجالية الأفريقية المقيمة بطريقة قانونية فقط، التي قد تدخل فيها الجاليات العربية مثل الليبيين والسوريين.

خطة الهجرة

والمهاجرون الأفارقة من دول الساحل الصحراوي، خصوصاً النيجر، يضعون هدفاً أساسياً في خطة الهجرة، يتمثل في مواصلة المغامرة إلى أوروبا، مع كل ما تحمله من أخطار على حياتهم، تؤدي إلى الموت في أحيان كثيرة.

وتفيد أرقام رسمية لوزارة الداخلية الجزائرية، بأن المهاجرين الذين يدخلون الجزائر يتحدرون من 44 بلداً أفريقياً، مع وجود لافت لمواطني النيجر بحكم القرب الجغرافي.

وفي مايو (أيار) 2022، صرح سفير الجزائر لدى الأمم المتحدة، خلال مؤتمر حول الهجرة السرية نظمته الجمعية العامة، بأن قوات الأمن الجزائري فككت بين عامي 2020 و2021، أكثر من 400 شبكة لتهريب المهاجرين بطريقة سرية نحو أوروبا، مؤكداً أن الجزائر "باتت، بحكم موقعها الجغرافي، بلد عبور ومقصداً للمهاجرين السريين القادمين من دول الساحل في قارة أفريقيا"، وأن حركة الهجرة "ترتبط بالأوضاع القائمة في تلك البلدان التي تعيش اضطرابات وأزمات أمنية".

كما أبرز أن السلطات الجزائرية "تعمل جاهدة على تأمين حدودها البحرية والبرية بهدف مواجهة تهريب المهاجرين، ومكافحة شبكات الاتجار بالبشر، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي".

صعوبات كبيرة

يقول الإعلامي الجزائري صالح عزوز، إن شوارع الجزائر عرفت خلال السنوات الأخيرة تزايداً لافتاً في عدد المهاجرين الأفارقة من مختلف الأعمار من الجنسين.

وأبدى عزوز في حديث لـ"اندبندنت عربية" استغرابه من ظهور أبناء جيل جديد من هؤلاء المهاجرين ولدوا في الجزائر وسط ظروف صعبة وغير صحية بالنظر إلى أماكن إقامتهم.

ويضيف بأن وضعية هذه الفئة معقدة، وعملية إدماجهم في المجتمع من طرف السلطات تواجهها صعوبات كبيرة وليست سهلة.

ويرى المتحدث أن السلطات الجزائرية تقع على عاتقها مسؤولية تنظيم تواجد المهاجرين الأفارقة في البلاد، ووضعهم في مراكز خاصة، وعدم تركهم يتجولون بحرية ويتسولون في كل مكان.

وبالنسبة إلى التعليم والرعاية الصحية، حسب عزوز، فهي أعباء أخرى على كاهل السلطات الجزائرية يجب التعامل معها وفق برنامج خاص بهذا النزوح.

ويقول إن أحسن حل لمعالجة وضع اللاجئين وأبنائهم هو وضع ملاجئ خاصة بهم ككل دول العالم، من أجل حمايتهم والحد من انتشارهم العشوائي في المدن، وتفادياً لانتشار سلوكات عنيفة داخل المجتمع بسبب الحرمان والتهميش.

سياق جيواستراتيجي

ويقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الجزائري، نور الصباح عكنوش، إن موضوع اللاجئين الأفارقة في الجزائر يجب وضعه في سياق جيواستراتيجي ذي صلة بالوضع الإقليمي الهش في الجوار، الذي يشكل ضغطاً حقيقياً على الجزائر.

ويوضح عكنوش أن الجزائر تقدم مقاربة منهجية في إطار التزاماتها الدولية من دون أن تصبح بيئة دائمة لسيناريوهات خارجية باسم حقوق الإنسان وغيرها كما يحدث مع بعض الدول المجاورة.

ويضيف "أعتقد أن مستوى الإدراك يجب أن يصل إلى درجة اليقظة العالية في التعامل مع الوضع حتى لا يصبح أمراً واقعاً في المدى البعيد، بما ينطوي عليه من مسؤوليات كبرى على عاتق بلادنا، التي تقوم بواجباتها الإنسانية في حدود قيمها ومبادئها".

ويؤكد عكنوش أن "الموضوع ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، ويجب استبعاد أي توطين لهؤلاء حفاظاً على الأمن القومي من أي تهديدات تؤثر سلباً في النسيج المجتمعي والتوازن الديموغرافي واستقرار الجماعة الوطنية".

ويرى أن الدور الكبير يجب أن تقوم به فعاليات المجتمع المدني والحركة الجمعوية للإسهام في التكفل إنسانياً بالحالات الموجودة في إطار خيري محدد وبآليات واضحة من دون مساس بالسيادة الوطنية، الخط الأحمر في هذا الموضوع، الذي لا ينبغي أن يتحول لقنبلة موقوتة وسط إقليم مضطرب من البحر الأحمر شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً ومن المتوسط شمالاً إلى الساحل جنوباً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير