Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد تقنين الكهرباء... الشموع ملاذ دمشق في الليالي المظلمة

سكان المدينة يعتمدون على أضواء الهواتف ويضربهم الهلع لدى تذكر الشتاء المقبل

حال الناس المارة في شوارع المدينة ليلاً يشعر المرء بالغربة والبؤس، إنها ليست مدينتهم التي يعرفونها (اندبندنت عربية)

ملخص

انخفضت كثيراً ساعات وصول التيار الكهربائي التي تصل في المجمل إلى قرابة ثلاث ساعات فقط يومياً

وحدها خيوط الفجر الأولى كسرت وحشة المكان بعد مضي ليلة طويلة مظلمة. قبل ذلك كان ضوء ينبعث من مصباح يتوسط غرفة المعيشة هو كل ما هناك، وقد تحلق حوله أفراد العائلة مع انقطاع الكهرباء لأكثر من 20 ساعة.

لقد انخفضت كثيراً ساعات وصول التيار الكهربائي التي تصل بالمجمل إلى قرابة ثلاث ساعات فقط يومياً، مما أحال ليالي دمشق إلى ظلام دامس، وأطفأ فيها وهج السهر والمسامرات.

صراع لبقاء الضوء

يصف أبو سليم، وهو مواطن من مدينة دمشق، الحال الصعبة التي يعيشها بالتساوي مع السواد الأعظم من أهالي مدينة اعتمدت عبر عقد من الحرب على ما يسمى (اللدات) لإنارة منازلهم. ويعكف الرجل على شحن بطارية صغيرة الحجم متصلة بضوء أبيض لا يكفي العمل طوال الليل، ساعات قليلة يصارع فيها الضوء الأبيض من أجل البقاء قبل أن يخفت شيئاً فشيئاً ليسقط البيت بكامله في الظلمة. يقول "نحاول قضاء حوائجنا في المنزل بعدها على ضوء الهواتف الجوالة إذا ما تبقى بها ما يكفي من الطاقة".

حال هذا المنزل يشبه كثيراً من بيوت العاصمة، ويزداد توجس الناس مما يتداول حول نقص التوريدات النفطية وانخفاض طاقة التيار الكهربائي، بينما ترتعد فرائصهم حين يتخيلون ما سيحل بهم مع اشتداد البرد، وما ستخلفه العواصف المطرية.

"من المؤكد أن الكهرباء ستأخذ إجازة من بيوتنا"، هكذا يصف أبو سليم، رب العائلة الذي يعمل موظفاً بإحدى الشركات، ما ستلحقه العواصف الثلجية والمطرية بشبكات التيار الكهربي حتى تحيلها خارج الخدمة.

حال الناس المارة في شوارع المدينة ليلاً يشعر المرء بالغربة والبؤس، إنها ليست مدينتهم التي يعرفونها، ففي هذه الأثناء يطبق الصمت على الأزقة في دمشق القديمة بعد أن كانت الوجهة المفضلة لمطارح السهر، وبالكاد تسمع أصداء أبواق المركبات العابرة من الشوارع الرئيسة، رجال ونساء يسترشدون في مشيهم بأضواء هواتفهم أو بأضواء ضعيفة تخرج على مضض من بعض المحال التجارية لتكسر وحشة اللون الأسود الذي يخيم على العالم من حولهم.

ازدهار المولدات

مع تقنين كهربائي شديد ترك تأثيره في الحياة العامة، لا سيما الاجتماعية والاقتصادية، لن تجد بعد الساعة التاسعة مساءً كما المعتاد العدد الوفير من المقاهي وأماكن السهر، لقد أغلقت أبوابها مبكراً إلا التي توفر لديها ما يكفي من مواد لتشغيل المولدات الكهربائية مع كل ما تنفثه من دخان وضجيج.

هذا ما يقصه علينا الشاب زكور، الذي يعمل في أحد مطاعم الشام القديمة، مضيفاً، "لقد قلصت الملاهي والمطاعم عدد عمالها في الآونة الأخيرة، لا كهرباء ولا زبائن، والجميع في حيرة من أمره، كيف يستمرون بالعيش؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل ترد المؤسسة العامة لتوزيع الكهرباء بأن خفض تزويد المدينة بالتيار الكهربائي وتدني مستويات الإنتاج يعود إلى عوامل عدة، منها دخول فصل الشتاء، وهو ما يحمل "الطاقة الكهربائية ما لا طاقة لها بتحمله"، إذ يتزايد تشغيل السكان للمدافئ الكهربائية، مما يرفع من استهلاك الطاقة.

ولعل تأخر وصول مخصصات المازوت المنزلي إلى مستحقيه جعل العائلات تعتمد بشكل أساس على وسيلة التدفئة بالكهرباء، بينما يعزو وزير الكهرباء السوري غسان الزامل زيادة ساعات التقنين إلى حال النقص في توريدات مادة الغاز لحدود 1،5 مليون متر مكعب يومياً مع ارتفاع الطلب واستهلاك الكهرباء.

بجوار الشموع

ثمة شمعة على مائدة صغيرة تتوسط الغرفة، وعلى طرفي المائدة يجلس زوجان أمامهما بعض المكسرات، يبدو المشهد رومانسياً بامتياز. يقول أبو ظافر بينما يتندر حول انقطاع الكهرباء، "لم نستخدم الشموع منذ سنوات طويلة، لكننا مع هذا التقنين عدنا إلى هذا الزمن، إنه جو رومانسي بعض الشيء لزوجين عجوزين".

في المقابل، ومع ما يجترح الناس من حلول بديلة لفقدان الكهرباء يسري في الأوساط الشعبية أمل يتضاءل حول وصول الحكومة لحل نهائي في المنظور القريب، وهذا ما يفسر ازدهار تجارة ألواح الطاقة الشمسية في الأسواق، وقبل ذلك المولدات والبطاريات للإنارة منذ اندلاع الحرب عام 2011 حتى اليوم.

لقد خرج كثير من محطات التوليد من الخدمة بشكل نهائي، أو أصابه الضرر ويحتاج إلى إصلاح، ولكن فاتورة ذلك كبيرة، علاوة عن نقص شديد في قطع الغيار في حال اللجوء إلى إعادة تأهيلها، ويعزو الباحث الاقتصادي رضوان المبيض ذلك إلى الحصار الأميركي والأوروبي الذي يرفض التعاون مع السلطة، ويعاقب الشركات والأفراد والدول التي تتعاون معها.

ويردف المبيض، "لا يمكن التنبؤ بزمن محدد يمكن أن تستقر به أحوال التيار الكهربائي، لكن من المترقب تحسنها في مدينة حلب شمال سوريا بعد تأهيل محطاتها بالتعاون مع شركة إيرانية، وقد زاد معها توليد 200 ميغاواط".

في هذا الوقت يتجه بعض السكان إلى وضع ألواح الطاقة الشمسية فوق بيوتهم، ويجدون فيها الخلاص الوحيد من حال عدم استقرار حال الكهرباء، لكن المبيض يرى أنها لا تلبي الحاجة في وقت الشتاء، وأن الأمر يتطلب البحث عن بدائل على مستوى أوسع وأشمل عبر إنشاء منظومة طاقة بديلة تغطي نطاق المدينة، عبر الاستعانة مثلاً بتوليد الطاقة الكهربائية من الرياح، والاستفادة من الخبرات الخارجية في هذا المجال، لا سيما أن محطات الطاقة التي تعتمد على الفيول غير مستقرة.

في هذه الأثناء تنتشر حلول على مستوى ضيق بالنسبة إلى إيصال الكهرباء للمنازل والقطاع الصناعي والتجاري، وذلك بالاعتماد على اشتراكات المولدات الكبيرة التي توضع بين المنازل، ويتسع انتشارها مع الوقت، بحسب التاجر فواز الحاج رمضان، الذي يقول، "لا يمكن لمحل تجاري واحد الاستغناء عن الكهرباء، لا بد من إيجاد حل سريع، ويبدو أن المشاركة بالمولدات أمر حتمي ولا مناص منه على رغم خوفنا من أن تصبح تجارة مربحة لضعاف النفوس، كما حدث في مدينة حلب قبل عقد من الزمن مع بداية الحرب".

المزيد من تقارير