Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يلغي انسحاب النيجر وبوركينا فاسو من "جي5" وجودها؟

تطور بدا مثيراً في توقيته ودلالاته خصوصاً أن المنطقة لا تزال تُعاني من هشاشة أمنية كبيرة في ظل الهجمات الإرهابية

أعربت موريتانيا التي ترأس حالياً مجموعة الساحل الخمس عن التمسك بها (رويترز)

ملخص

كانت مجموعة الساحل الخمس تشهد موتاً سريرياً إثر انسحاب مالي التي لها ثقل عسكري وسياسي فيها وذلك إثر حدوث انقلاب غيّر خريطة تحالفات باماكو الخارجية

خرج كل من النيجر وبوركينا فاسو من مربع التردد بالإعلان عن الانسحاب من مجموعة الساحل الخمس المعروفة اختصاراً بـ "جي5"، وهي عبارة عن تكتل سياسي وعسكري مناهض للإرهابيين، في تطور بدا مثيراً في توقيته ودلالاته، خصوصاً أن المنطقة لا تزال تُعاني من هشاشة أمنية كبيرة في ظل هجمات الجماعات المُتشددة المرتبطة بـ"القاعدة" و"داعش".

والآن، باتت المنظمة تواجه الانهيار بعد أن انسحبت منها ثلاث دول مؤثرة هي: مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فيما تُحافظ تشاد وموريتانيا فقط بعضويتهما، وقد عجلت الانقلابات العسكرية التي صعدت بحكومات مناهضة لفرنسا وحلفائها، بإضعاف التكتلات التي تتعاون مع باريس. وترأس موريتانيا حالياً هذه المنظمة وأعربت في وقت سابق عن التمسك بها.

وقالت واغادوغو ونيامي في بيان مشترك إنهما "قررتا بسيادة كاملة الانسحاب من كافة الهيئات التابعة لمجموعة دول الساحل الخمس، بما في ذلك القوة المشتركة اعتباراً من 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت".

وُلدت مجموعة الساحل الخمس من رحم مبادرة كان أطلقها الرئيس الموريتاني السابق، محمد ولد عبدالعزيز، عام 2014 في منطقة تواجه تحديات أمنية تُهدد بقاء دولها متماسكة في ظل انقلابات وتمرد وانتشار للجماعات المتشددة، ومع ذلك لم تحظ المجموعة بالتمويل ولا الإرادة الكافيين حتى تنجح في المهام الموكلة إليها.

نهاية المجموعة

حتى قبل انسحاب النيجر وبوركينا فاسو، فإن مجموعة الساحل الخمس كانت تشهد موتاً سريرياً إثر انسحاب مالي التي لها ثقل عسكري وسياسي فيها، وذلك إثر حدوث انقلاب غيّر خريطة تحالفات باماكو الخارجية، حيث مهدت البلاد لدخول المنطقة فلك النفوذ الروسي عبر عناصر مجموعة "فاغنر".

وقال الباحث السياسي البوركيني، ألفا كوندي، إن "مجموعة الساحل الخمس انتهت بإعلان النيجر وبوركينا فاسو المشترك، بعد أن كانت تشهد موتاً سريرياً طيلة الفترة الماضية بسبب انسحاب مالي، وهو انسحاب يُعطل أي حضور لها على كامل منطقة الساحل".

وأردف كوندي في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "موريتانيا تتمسك بالمجموعة التي ترأسها حالياً، لكن هذا التمسك لا يلغي حقيقة أن هذه المجموعة باتت من الماضي، وليس لنواكشوط أي أدوات لمنع الانهيار التام لها بعد انسحاب واغادوغو ونيامي وباماكو، وهي عواصم تشكل غالبية داخل هذا التكتل".

ولا ينحصر دور مجموعة الساحل الخمس في البعدين الأمني والعسكري، إذ لديها خطة تنموية مشتركة تتضمن عشرات المشاريع المتنوعة والمتكاملة قدمتها للمانحين خلال قمة في نواكشوط عام 2018، والتي تعهد المانحون فيها بنحو مليار ونصف المليار دولار، لكن عدم الإفراج عن هذه المساعدات عرقل تنفيذ هذه الخطة.

وتحتضن موريتانيا مقر المجموعة التي تراجع الاهتمام الدولي والإقليمي تجاهها بشكل كبير منذ نجاح انقلابات عسكرية في إطاحة أنظمة كانت راعية لمصالح فرنسا والغرب بشكل عام، وهذه الانقلابات صعدت بوجوه سارعت إلى الاستنجاد بروسيا في مواجهة التحديات الأمنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحالفات جديدة في الأفق

وجاء هذا الانسحاب الثنائي بعد حوالى خمسة أشهر على انقلاب عسكري شهدته النيجر أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطياً، محمد بازوم، الذي كان حليفاً موثوقاً لفرنسا التي كانت الضحية الأكبر إذ طرد الانقلابيون قواتها ودبلوماسييها من نيامي بعد أيام من الشد والجذب بين الطرفين.

وفيما تتعاون مالي وبوركينا فاسو بوجه مكشوف مع روسيا، إذ رُفعت أخيراً أعلام مجموعة "فاغنر" على قلعة مدينة كيدال المالية إثر السيطرة عليها من قبل الجيش المالي وحلفائه، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت نيامي ستستعين هي الأخرى بالروس في مواجهة التحديات الأمنية في البلاد.

ويرى المحلل السياسي الجزائري المتخصص في الشؤون الدولية، حكيم بوغرارة، أن "انسحاب النيجر وبوركينا فاسو يدخل في سياق الاختراقات الأجنبية لمنطقة الساحل ومخططات ترغب في تغيير خريطة المنطقة، لأن ضعف فرنسا وتراجعها فتح المجال لدول عدة للتوغل في هذه المنطقة مثل روسيا والصين والولايات المتحدة، وما يحدث الآن هو صراع خفي للسيطرة على مواقع النفوذ التقليدية لفرنسا".

واعتبر بوغرارة أن "منطقة الساحل محل تجاذب دولي كبير، فهذه المواقف المتصلبة تؤكد أن قادة المنطقة الجدد يبحثون عن شركاء من خارجها لتعزيز التعاون الأمني والعسكري، والأسابيع المقبلة ستشهد الإعلان عن تحالفات مع قوى غير تقليدية في منطقة الساحل مثل روسيا أو الولايات المتحدة الأميركية، فدول الساحل تريد تجربة محاور أخرى لتجاوز ضغوط فرنسا ومشكلاتها".

وشدد على أن "هذه الدول ترى أنه من الضروري البحث عن حلفاء جدد أقوياء بما يؤمن لها القيام بإصلاحاتها، لكن السؤال المطروح إذا كان تحرك هاتين الدولتين وحدهما؟ فإن هذا يؤكد أن التحالف بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي سيعزز التعاون الإقليمي في مواجهة الجماعات المتشددة نظراً لتقاربهم على المستوى الجغرافي وغيره، وهذا سيفتح الباب أمام تحالف مع روسيا".

تكتل جديد

ويأتي هذا الانهيار لمجموعة الساحل الخمس، التي يُنظر إليها بشكل كبير على أنها حليفة لفرنسا التي كانت تقود عمليات عسكرية في المنطقة في إطار عملية "برخان" التي تم إطلاقها عام 2013 لتقليص نفوذ المتشددين، في وقت بدأت تظهر فيه مؤشرات على إمكانية توافق قادة المنطقة الجدد على تكتل بديل.

بدت هذه المؤشرات أكثر وضوحاً عندما اتفقت مالي وبوركينا فاسو والنيجر على إنشاء تحالف عسكري جديد، وهو ما يطرح أمام هؤلاء رهان توسيع هذا التكتل الجديد في ظل مخاض سياسي تشهده تشاد، من غير الواضح ما إذا سيفرز قيادة جديدة تكون متوافقة مع بقية عواصم الساحل.

وقال كوندي "بالفعل الرهان الآن بالنسبة لمالي وبوركينا فاسو والنيجر هو تثبيت التحالف الجديد كبديل حقيقي وناجع في محاربة الجماعات المتشددة، وطرق الأبواب من أجل النجاح في توسيعه ليشمل بقية دول المنطقة التي تتوق إلى الاستقرار والسلام".

وبينما يُعد انسحاب النيجر وبوركينا فاسو ضربة قاصمة لمجموعة الساحل الخمس، فإن الضغوط ستتزايد على دول منطقة الساحل الأفريقي في خضم عودة الجماعات المتشددة لشن هجمات دموية في منطقة تغرق في الفوضى والفقر المدقع.

المزيد من تقارير