Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تضر أميركا بجهود مكافحة التغير المناخي مع زيادة إنتاجها النفطي؟

زيادة هائلة في صادرات واشنطن من الخام والغاز بخاصة إلى أوروبا وآسيا وزيادة حصتها من سوق الطاقة

الإنتاج الأميركي من النفط وصل إلى مستوى غير مسبوق في سبتمبر الماضي عند 13.2 مليون برميل يومياً (أ ف ب)

يعود الهبوط الشديد في أسعار النفط في الأسبوع الأخير بنسبة ما بين ثمانية و10 في المئة بصورة كبيرة إلى الزيادة الكبيرة في إنتاج الولايات المتحدة، التي أضعفت أي تأثير لتخفيضات الإنتاج من جانب المنتجين الآخرين في تحالف "أوبك+" والتي تقرر تمديدها خلال الربع الأول من العام المقبل.

إلى ذلك فإن ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز بصورة غير مسبوقة لا يؤثر فحسب في الأسعار، بل أيضاً على حصص المنتجين والمصدرين، إذ إن معظم الزيادة في إنتاج الولايات المتحدة هي للتصدير من ثم تزيد حصة أميركا من السوق على حساب تراجع حصة "أوبك" وشركائها.

الأهم من ذلك هو التناقض بين موقف إدارة الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن الذي كثيراً ما أعلن أن أميركا رائدة جهود مكافحة التغير المناخي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) لصالح استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة المنعدمة الانبعاثات الكربونية.

وبدا التناقض واضحاً عندما أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية الأسبوع الماضي أن الإنتاج الأميركي من النفط وصل إلى مستوى غير مسبوق في سبتمبر (أيلول) الماضي عند 13.2 مليون برميل يومياً، مما يجعل الولايات المتحدة الآن أكبر منتج للنفط في العالم، كما أن معظم الزيادة في الإنتاج تذهب إلى التصدير خصوصاً إلى أوروبا وآسيا. وتصدر الولايات المتحدة حالياً نحو 4 ملايين برميل يومياً من النفط، لتصبح ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم بعد السعودية.

الغاز والنفط الصخري

تأتي النسبة الكبرى من تلك الزيادة غير المسبوقة في الإنتاج الأميركي من قطاع النفط الصخري، وتحديداً من حوض برميان في تكساس ونيو مكسيكو، وهو أكبر حوض إنتاج غاز ونفط صخري في أميركا الشمالية، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".

ويمثل ذلك زيادة غير مسبوقة في إنتاج منصات الحفر في الحوض عما كانت عليه قبل 10 سنوات، إذ يبلغ متوسط إنتاج كل منصة حفر صخري الآن 1319 برميلاً يومياً، بينما كان المعدل قبل عقد من الزمن عند 183 برميلاً يومياً فحسب.

ولا تقتصر الزيادة الهائلة في الإنتاج الأميركي على النفط فحسب، بل إن إنتاج الغاز الطبيعي وصل أيضاً إلى مستوى غير مسبوق ليزيد على 125 مليار قدم مكعبة يومياً في سبتمبر الماضي، بحسب الأرقام الرسمية الأميركية.

ومنذ العام الماضي بينما كانت إدارة الرئيس بايدن تهاجم "أوبك" وحلفاءها وتطالبهم بخفض الإنتاج، كانت الولايات المتحدة تعمل بقوة على زيادة إنتاجها من النفط والغاز، ليس فحسب بهدف خفض أسعار المشتقات في محطات البنزين لأسباب انتخابية داخلية، وإنما أيضاً لزيادة حصة أميركا من أسواق الطاقة العالمية على حساب المنتجين والمصدرين التقليديين في العالم.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن مبعوث المناخ الأميركي جون كيري قوله إن "الزيادة في الإنتاج هي بسبب الخروج من أزمة وباء كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا مع قطع روسيا الغاز عن أوروبا"، مضيفاً "نرسل مزيداً من النفط والغاز إلى هناك وإلى أماكن أخرى لمساعدتهم".

والواقع أن الولايات المتحدة ضغطت منذ بداية حرب أوكرانيا كي تتخلى أوروبا عن استيراد الغاز من روسيا التي كانت تمد أوروبا بنحو 40 في المئة من احتياطاتها من الغاز الطبيعي، ثم توالت حزم العقوبات على موسكو خصوصاً على قطاع النفط بهدف الحد من الصادرات الروسية خصوصاً إلى أوروبا.

ومنذ العام الماضي زادت صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية إلى أوروبا بنحو 15 في المئة، مما وفر أرباحاً بعشرات المليارات لشركات الطاقة الأميركية، كذلك تتوجه الصادرات النفطية الأميركية إلى أوروبا وبعض دول آسيا لتعويض خفض الصادرات الروسية.

أهداف المناخ

تشكل الزيادة في إنتاج النفط من الولايات المتحدة حالياً نسبة 80 في المئة من نمو الإنتاج العالمي، ويقدر أن الشركات الأميركية أضافت هذا العام زيادة بمعدل 850 ألف برميل يومياً، ويتوقع أن تضيف أكثر من نصف مليون برميل يومياً العام المقبل.

وبحسب تقديرات الرئيس التنفيذي لشركة "بايونير ناتشورال ريسورسز" سكوت شيفيلد، فإن "هناك فرصة جيدة لأن يصل الإنتاج الأميركي من النفط إلى 15 مليون برميل يومياً في غضون خمس سنوات".

في غضون ذلك تستخدم شركات الطاقة الأميركية الكبرى الأرباح الكبيرة من الإنتاج والتصدير في الاستثمار أكثر في مشروعات إنتاج جديدة، إضافة إلى زيادة عمليات اندماج واستحواذ وشراكات بالمليارات لتعزيز القدرات على الاستكشاف والإنتاج، إذ وافقت شركة "إكسون موبيل" على شراء شركة "بايونير" في صفقة بقيمة 60 مليار دولار، واستحوذت "شيفرون" على "هيس" في صفقة بقيمة 53 مليار دولار.

يبدو أن التوجه الحالي لشركات الطاقة الكبرى في الولايات المتحدة هو الاستمرار في زيادة الإنتاج لسنوات مقبلة، وعلى عكس التصريحات في شأن الحد من استخدام النفط والغاز والاستثمار أكثر في الطاقة المتجددة، تواصل إدارة الرئيس بايدن إعطاء الموافقات لمساحات واسعة في البر والبحر لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه قال كبير علماء معهد ستوكهولم للبيئة مايكل لازارس إنه "من المزعج أن نرى تقديرات إنتاج النفط والغاز غير المسبوقة من الولايات المتحدة حتى عام 2050، إذ تعمل واشنطن على زيادة إنتاجها لسنوات مقبلة مما يصعب عليها الالتزام بأهداف المناخ"، مشيراً إلى أن الأمر غير متسق وعليها إعادة التفكير فيه.

في المقابل اعتبر بعض المحللين والمسؤولين الأميركيين السابقين أن زيادة أميركا إنتاج الطاقة لا تحقق عائدات لشركاتها وزيادة حصتها من السوق العالمية فحسب، وإنما تحقق أهدافاً سياسية أيضاً.

 في غضون ذلك نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مبعوث الطاقة في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما ديفيد غولدوين قوله إن "هناك أيضاً فائدة كبرى على صعيد السياسة الخارجية من إبقاء أسعار النفط منخفضة".

إلى ذلك لا يروق ذلك التوجه لآخرين، حتى من الحزب الديمقراطي الحاكم لتناقضه التام مع دعوات خفض الانبعاثات للحد من التغيرات المناخية.

وأخيراً قال عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي الحاكم السيناتور جيف ميركلي إن "المفاوضين الأميركيين في مؤتمر (كوب28) بدبي في الإمارات لن يستطيعوا قيادة جهود التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري"، مستدركاً "ليس فحسب لأننا ننتج النفط والغاز بقدر أكبر من أي بلد آخر، وإنما لأن فريق بايدن يواصل الموافقة على مشروعات طاقة من الوقود الأحفوري الواحد تلو الآخر".

وأضاف السيناتور الديمقراطي أن "أميركا تفتقد أي أرضية أخلاقية لقيادة خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري".

من جهتها قالت المستشارة السابقة لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما كيلي غالاهر، في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" الأسبوع الماضي "ما لم يؤد إليه قانون خفض التضخم هو عدم التشجيع على استخدام الوقود الأحفوري، إذ القانون كله إغراءات من دون عقوبات"، مستدركة "لو أن الولايات المتحدة فعلت ذلك قبل 20 عاماً لكان أمراً عادياً أن تطور طاقة نظيفة أولاً قبل أن تبدأ في خفض إنتاج الوقود الأحفوري، إلا أنه ليس أمامنا وقت الآن"، مضيفة "الأمر الصعب هو أننا في عام انتخابات، ومن غير المحتمل أن يتخذ بايدن أي خطوات لتقليل استخدام الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة".

من جانبه قال الناشط المناخي وعضو المجلس الاستشاري للبيت الأبيض في شأن العدالة البيئية جيروم فوستر "يقولون إنهم لديهم رغبة في ريادة جهود مكافحة التغير المناخي"، مستدركاً "لكنهم يفعلون العكس هذا متناقض، ومن المحزن أن نرى ذلك"، مضيفاً "بايدن قال في وقت سابق إنه سيكون (رئيس المناخ) لكننا لا نرى ذلك وهو لا يفي بوعده".