Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهن الاستجابة السريعة... على حافة الخطر

الصحافيون ورجال الإنقاذ في البر والبحر تصدروا المشهد بعد مهماتهم القتالية في الحروب والزالزل والفياضانات والحرائق وحوادث الغرق

خلال وقفة احتجاجية في نيويورك إحياء لذكرى الصحافيين الذين قتلوا في حرب غزة (أ ف ب)

"شكراً يا إسعاف بنحبكم كتير"... كلمات بسيطة معبرة عن الامتنان بأكثر الطرق مباشرة، خرجت من طفل فلسطيني باكٍ كان ينقله رجال الإسعاف بصحبة رفيق صغير آخر معه بعيداً من المنزل المدمر جراء القصف الإسرائيلي، ربما لم يصدق الطفلان أنهما قد ينجوان أو أن أحداً قد يتمكن من انتشالهما، ولذلك بادر الطفل بشكر مَن غامر بحياته وجاء لنجدتهما.

إنها من المرات القليلة التي ينتبه فيها الجمهور العادي للدور الهائل الذي تقوم به مهن مثل الحماية المدنية والإغاثة وخدمات الإسعاف، إنهم وجوه مجهولة تماماً بلا أسماء أو ألقاب تفرّق بين مستوياتهم الوظيفية، ولكن الحرب والكوارث جعلت المتابعين يلمسون عن قرب ودهشة أدوارهم التي لا يمكن الاستغناء عنها، إنهم أبطال حقيقيون في مهمات صعبة.

المؤكد أنها المهن المعنية بالخطر دون غيرها، وإن كانت هناك مواثيق دولية من شأنها أن تيسر عمل المنتمين إليها وأن توفر لهم غطاء من الحماية، إلا أن الواقع ليس دائماً مثلما تحكي الدفاتر ولا يأتي عادة على هوى "المعايير"، لذا شاهدنا للمرة الأولى منظمة الأمم المتحدة تتحدث عن فقدانها أكثر من مئة من موظفي الإغاثة لديها في حرب غزة، مؤكدة على لسان المديرة العامة لمكتب المنظمة في جنيف تاتيانا فالوفايا أنه العدد الأكبر الذي تخسره المؤسسة في تاريخها خلال هذا الوقت القصير، إضافة بالطبع إلى عشرات الإصابات.

الكوارث التي عاشتها البلدان خلال 2023 وبينها زلازل وحرائق وفيضانات وأعاصير وحروب وضعت مهناً دون غيرها في بؤرة الضوء، فحينما يتوارى الجميع تظهر مجالات بعينها لتكون هي العون الوحيد للناس على الأرض، وكل منهم يقوم بما هو مطلوب منه باحترافية حتى إن كان بوسائل بسيطة وبلا ضمانة للحماية، فهذا يسهم في رفع الأنقاض وذلك يقوم بعملية إسعاف سريعة، وآخر يستعمل مهاراته التي تعلمها في إخماد حريق هنا أو هناك، هي مهن يواجه أصحابها الأخطار بل يحدقون بها عن قرب، على أمل أن ينقذوا العدد الأكبر من الأرواح، بينما الصورة بشكل كامل ينقلها المراسل الصحافي ومعه طاقم كامل يعينه على القيام بدوره، ففي عصر الذكاء الاصطناعي واستبدال البشر بالآلات، لا تزال هناك مهن عصية على الأدوات المبرمجة وتحتاج إلى لمسة إنسانية حتى لو عرضت صاحبها للأهوال!

من يستهدف الصحافيين؟

الضحايا في المهن التي تعمل على خط النار حرفياً وليس مجازاً، كان من بينهم 71 صحافياً وإعلامياً في حرب غزة كذلك، ففي حين ذكرت لجنة حماية الصحافيين مطلع هذا العام أن 2022 كان الأكبر منذ 2018 في حصيلة قتلى مهنة "البحث عن المتاعب" بـ67 صحافياً، بينهم 15 صحافياً لقوا حتفهم أثناء تغطيتهم العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، جاءت حرب القطاع لتصعد بالرقم إلى مستويات قياسية في 2023، ففي بقعة واحدة فقط سقط عشرات مما يشير إلى أن الحصيلة نهاية العام في العالم أجمع سوف تكون ضخمة، وبالحديث عن المراسلين الإعلاميين، بخاصة المصورين فقد تحولوا في قطاع غزة على رغم مأسوية الوضع "بحسب التقديرات ما يقارب 20 ألفاً فارقوا الحياة منذ بدء القصف الإسرائيلي قبل شهرين تقريباً"، إلى نجوم على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنهم يقومون بمهمات عدة، فهم موجودون في المستشفيات وعلى أنقاض البيوت المهدمة وينقلون الوضع كما هو  بالصورة والصوت ويجرون لقاءات سريعة، وكذلك يتحولون إلى مسعفين في الأوقات الحرجة ويحملون الصغار ويهدهدونهم، كما يعينون المسنين على الحركة، ويسهمون حتى في استخراج الأشلاء ولا يترددون في أصعب الظروف بتحويل مركباتهم إلى سيارات إسعاف تحمل الجرحى وتهرع إلى مراكز العلاج على رغم أنهم معرضون تماماً للنيران وستراتهم المعنونة بـ"صحافة" لا تحميهم كما ينبغي في مناطق الصراع، وهذا ما بدا واضحاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هنا يعلق الأمين العام المساعد السابق لاتحاد الصحافيين العرب الكاتب الصحافي كارم محمود، معتبراً أن حصيلة ضحايا العاملين بالحقل الإعلامي في حرب غزة الأخيرة من وجهة نظره هي استهداف ممنهج لرجال ونساء تلك المهنة، وتابع أن "أحد أهداف إسرائيل المستمرة على مدى عقود هو التعتيم على الحقيقة وإسكاتها، وهذا واضح وجلي في جولات كثيرة من الصراع العربي- الإسرائيلي عامة والفلسطيني- الإسرائيلي خصوصاً، وهناك شواهد كثيرة وبينها قنص المراسلة شيرين أبو عاقلة، وتعقب مكالمات المراسلين الأكثر نشاطاً خلال الأزمة الأخيرة واستهدافهم وكذلك قتل أفراد عائلاتهم"، وتساءل عن سبب صمت المؤسسات العالمية على تعمد إسرائيل قصف طواقهما العاملة على الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أن هناك حالاً مريبة من غض الطرف التي قد تصل إلى حد التواطؤ في هذا الملف.

رجال العام!

وفي حين برزت عشرات الأسماء لمصورين صحافيين يعملون لمصلحة وكالات إخبارية أو مستقلين خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، إلا أن معتز عزايزة المصور المستقل الذي أكد مراراً أنه ليس صوتاً لأي تيار أو فريق سياسي محدد ومهمته الأولى هي تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية لأهل وطنه، يعتبر من أكثرهم بروزاً، فقد تغير حال منشوراته تماماً منذ الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ إن عمله كان يتمحور حول نشر صور ترفيهية يبرز فيها جمال المدن التي يزورها وأيضاً لمحات للحياة اليومية لسكان الأراضي الفلسطينية، ثم تحول مسار تغطياته تماماً وفقاً لمتطلبات الوضع القائم وبات يغطي لحظة بلحظة وقائع تأثيرات نيران القصف في الناس، وارتفع عدد متابعيه من مختلف أنحاء العالم إلى 15 مليوناً، واكتسب شعبية بين عدد من النجوم العالميين الذين أثنوا على مدى موضوعيته، واختارته مجلة "جي كيوـ GQ" في نسختها للشرق الأوسط كرجل العام مشيدة بشجاعته وبدوره في إحداث التغيير، طالبة من المتابعين الدعاء من أجل سلامته هو وزملائه.

 فعلى رغم مناشدات توفير الحماية للعاملين في الحقل الإعلامي أُثناء النزاعات العسكرية إلا أنهم يتساقطون في مختلف مناطق الصراع، ففي مايو (أيار) الماضي نعت وكالة الصحافة الفرنسية صحافي الفيديو لديها أرمان سولدين (32 سنة) الذي قتل أثناء تغطيته وقائع الحرب الروسية- الأوكرانية في ضربة صاروخية استهدفت منطقة تشاسيف يار شرق أوكرانيا، وأصاب الصاروخ المكان الذي كان يحتمي فيه الإعلامي الشاب. وعلق على نبأ مقتله، رئيس مجلس إدارة الوكالة فابريس فريس مذكراً الجماهير بصعوبة عمل الصحافيين على جبهات القتال وقال إن "مقتله تذكير رهيب بالأخطار التي يواجهها الصحافيون كل يوم أثناء تغطية النزاع في أوكرانيا"، كذلك قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العزاء لعائلة سولدين، مؤكداً أنه كان يوثق الحقائق بشجاعة.

وفي وقت تكررت الحوادث من هذا النوع على مستوى العالم إلا أنه وعلى ما يبدو لا توجد سوابق واضحة تشير إلى معاقبة الجناة أو حتى إجراء تحقيق جدي على مستوى دولي للكشف عن الحقائق بخصوص ظروف مقتل الصحافيين، وطالب محمود بضرورة أن تضطلع هذه المنظمات الدولية بدورها في الدفاع عن الصحافيين وحمايتهم للتصدي لهذا النوع من التحقيقات وأن تعمل على عدم إفلات الجناة في حق الصحافيين من العقاب، كي لا يصبح دمهم بلا ثمن، مشيراً إلى أن ذلك يمكن أن يحدث عن طريق دعاوى قانونية من قبل المنظمات والمؤسسات الإعلامية التي ينتمي إليها القتلى وكذلك يمكن أن ترفع الاتحادات والنقابات الإقليمية أمام المحكمة الجنائية الدولية دعاوى لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الصحافيين، وأضاف أنه "بالتكامل بين الجهود قد يحدث ويصدر حكم يصبح رادعاً"...

في كل الأحوال مهنة الأخبار والإعلام هي بالأساس موجهة للجمهور، وتقدم لهم خدمة احترافية لتمنحهم حقهم في المعرفة، لذا حرصت المواثيق على التشديد على حماية المنتمين إليها لضمان استمرارية تدفق المعلومات، فنصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل شخص حق حرية الرأي والتعبير، ويتضمن الحق التمسك بالرأي من دون تدخل، والبحث أو تسلّم المعرفة والأفكار ونقلها، عن طريق الإعلام بصرف النظر عن أية عراقيل"، وتشكلت منذ عام 1987 منظمة باسم المادة 19 معنية بالعمل على حماية حرية التعبير والمعرفة حول العالم.

من يغيث عمال الإغاثة؟

من ضمن المشاهد الواردة في تقارير المراسلين أيضاً، آلاف المنازل المهدمة في غزة، لتحضر مهنة أخرى بقوة، على رغم أن حياة أفرادها على المحك، إنهم موظفو وعمال الدفاع المدني والإغاثة الذين يعتمد عليهم مئات الآلاف في توفير الخدمات الأساسية لهم وبينها الطعام والشراب والدواء، كما يمكنهم التعامل مع مهمات انتشال الجثث من تحت الأنقاض، وهي مهمات يظهر أثرها بقوة في أوقات النزاعات والكوارث، إذ يعمل أفراد الحماية المدنية على محاولات تأمين السكان وحمايتهم من الأخطار ومنها الحرائق أو الكوارث الطبيعية أو النزاعات المسلحة، خصوصاً أن المنظمة الدولية للحماية المدنية ومقرها جنيف في سويسرا، نشأت بالأساس مطلع ثلاثينيات القرن الماضي في ظل نشوب عدد من الصراعات العسكرية سواء كانت أهلية أو بين الدول وكان لزاماً أن تكون هناك قوانين محددة تيسر عمل من يقدمون الغوث للمدنيين، فمن أبرز خدماتها تعريف الجمهور بقواعد السلامة بين الناس في الحالات الطارئة وتدريب المتطوعين للمساعدة وإطفاء الحرائق وتوفير ناقلات الإسعاف وإزالة آثار الكوارث وتوفير المؤن اللازمة، إذ إن لكل دولة جهاز الحماية المدنية الخاص بها وفي مناطق النزاع المسلح تكون المنظمات الدولية مشاركة بصورة فاعلة، وبالنظر إلى الوضع في غزة، فإن الهلال الأحمر والصليب الأحمر يشتركان في تقديم خدمات الإنقاذ السريع وكان لهما دور بارز في نقل الجرحى لمحاولة إسعافهم على رغم الظروف شديدة التعقيد التي قد تجعل مهمتهما شبه مستحيلة معظم الوقت، نظراً إلى أن كثيراً من أسس البنية التحتية دمرت إضافة إلى أخطار التنقل، فضلاً عن معضلة نفاد الوقود مما يجعل سيارات الإسعاف بلا جدوى في غالبية الأوقات، كما أن ما يقارب 20 سيارة إسعاف استهدفت ودمرت في بداية الأزمة وقبل مشكلة نفاد الوقود، وفقاً لما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية.

 وعلى رغم كل ذلك قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية لين هاستينغز إن المنظمة ستظل موجودة لتقديم الماء والطعام والإمدادات الطبية لإنقاذ الأرواح، كما أعلن مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك أن اسئناف إطلاق النار بعد الهدنة القصيرة أمر كارثي، ولكنه ذكّر الأطراف المعنية أيضاً بضرورة المساعدة في السماح بالوصول العاجل ومن دون عوائق للإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين إلى الدعم في قطاع غزة، وكل ذلك بالطبع يقوم به أفراد منظمات الإغاثة.

يبدي المدير التنفيذي للهلال الأحمر المصري الطبيب رامي الناظر حزنه من عدم تفعيل القوانين الخاصة بحماية العاملين في منظمات الإغاثة ومن يعاونون المتضررين في سد حاجاتهم الإنسانية من طواقم طبية وموظفي دفاع مدني وغيرهم، لافتاً إلى أن بروتوكولات جنيف من المفترض أنها تضمن توفير غطاء أمني للمنشآت الصحية وسيارات الإسعاف والفاعلين في العمل الإنساني بصورة عامة، خصوصاً ان لديهم شارات واضحة تنوه عن هوية مؤسساتهم، ويقول إن كل هذه الاتفاقات لا تنفذ، ضارباً مثالاً استهداف سيارات الإسعاف ومدارس النزوح من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية، ويضيف أنه "من النادر أن نجد التزاماً من جهة محاربة بتنفيذ بنود تلك القوانين، مما يعرض حياة من ينتمون إلى الحقل الطبي والإنساني للخطر".

الدفاع المدني... من إنقاذ القطط للمهمات الانتحارية

على الجانب الآخر، فبعد ما يقارب سبعة أشهر من الحرب المتواصلة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" التي قوضت وصول المساعدات إلى المنكوبين والنازحين، يزداد الوضع سوءاً وبخلاف نحو 10 آلاف قتيل من المدنيين بحسب تقديرات المؤسسات الرسمية المعنية، ووسط ما يبذله أفراد الدفاع المدني من جهود مضنية في ما يتعلق بتقديم الخدمات على الأراضي السودانية والأقاليم التابعة لها وحتى للدول المجاورة المتضررة بسبب النازحين، لم يتمكن موظفو الإغاثة التابعون للأمم المتحدة من إيصال المساعدات إلى إقليم دارفور منذ اندلاع القتال في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بحسب ما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وهي القافلة الطبية التي استغرقت خمسة أيام للوصول إلى وجهتها نظراً إلى أخطار التنقل وانعدام الأمن، إذ يواجه العاملون في هذا القطاع الموت المحقق في كل لحظة.

وفي حين أن دور رجال الحماية المدنية التابعة عادة لسلطة وزارات الداخلية في الدول، وقت السلم يتمتع بأهمية كبرى أيضاً مثل المشاركة في إطفاء الحرائق الطارئة، وتسيير الطرق في وقت سقوط الأمطار كي لا تقع حوادث أو يتعرض السكان لصواعق كهربائية، وفي بعض الأوقات حتى تتم الاستعانة بهم للمساعدة في إنقاذ الحيوانات العالقة مثل القطط وهي واقعة تكررت في مصر أكثر من مرة، لكن في أوقات الحروب تصبح المهمة شبه انتحارية، والأمر نفسه بالنسبة إلى الكوارث الطبيعية، فتتشعب البنود وتتضمن إيصال مواد إعاشة وانتشال الأشلاء وإبعاد المواطنين من مواطن الخطر وغيرها، وقد شهد سبتمبر (أيلول) من 2023 قصصاً مؤثرة تتعلق بمحاولات الإنقاذ المستميتة التي خاضها رجال الدفاع المدني في منطقة درنة الليبية التي ضربها إعصار "دانيال"، متسبباً باختفاء أحياء بأكملها ابتلعها البحر، إضافة إلى أكثر من 11 ألف قتيل وآلاف المفقودين وعشرات آلاف النازحين، وعلى رغم أن المنطقة هناك ليست منطقة صراع عسكري ولكن الظروف البيئية الصعبة وقلة الإمكانات كانت تحول دون إكمال مهمة رجال الدفاع المدني بالتنقيب تحت الأنقاض، ومع ذلك نجحوا في إنقاذ عشرات الأشخاص العالقين تحت جدران بيوتهم وبينهم شاب في منطقة الجبيلة ظل أربعة أيام حتى أنقذه المتخصصون، وحرصت دول عدة على تقديم المساعدة في ما يتعلق بمهمات الحماية المدنية في ليبيا وبينها إيطاليا التي أمدت البلاد بأجهزة متقدمة ومروحيات للبحث عن العالقين لتساعد الخدمة الوطنية في القيام بواجبها.

 

 وخلال الفترة نفسها أيضاً كان العاملون في الدفاع المدني المغربي يسابقون الزمن لمحاولة العثور على ناجين بعدما ضرب زلزال قوته سبع درجات على مقياس ريختر وسط البلاد في إقليم الحوز، وتسبب بصعوبات بالغة في الوصول إلى بعض الأماكن نتيجة الانهيارات الصخرية، وكانت عيون السكان وقلوبهم معلقة على رجال الدفاع المدني الذين يحاولون رفع الأنقاض أملاً في إيجاد أحياء، تعاونهم الكلاب المدربة وآلات الاستشعار والمروحيات والطائرات المسيّرة والأهم خبراتهم ومهاراتهم وتفانيهم في التعامل مع تلك الأوضاع، بعدما توفي ما يقارب 3 آلاف شخص جراء انهيارات المباني، وانتفضت دول العالم لإرسال مساعدات إنسانية عاجلة لتقليل خسائر تلك الكارثة.

 لكن عدد الدول التي أرسلت فرقاً للمساعدة في أعمال الدفاع المدني وانتشال الجثث وإخراج العالقين وصل إلى 70 دولة في مأساة زلزال سوريا وتركيا الذي وقع في فبراير (شباط) من هذا العام، وأسفر عن وفاة حوالى 60 ألف شخص في البلدين، معظمهم من الجانب التركي حيث زاد العدد على 50 ألفاً، إضافة إلى ملايين المتضرريين من مصابين ونازحين ومشردين.

 وخلال الأيام التي أعقبت الزلزال المدمر تداول النشطاء قصصاً ملهمة تتعلق بجهود معاوني الحماية المدنية الذين كانوا يقومون بكل ما يلزم لإنقاذ الأرواح حتى إن بعضهم نجح في استخراج أطفال رضع كتبت لهم النجاة بعد أيام من وجودهم تحت الأنقاض، فالجانب الإنساني هو أساس تلك المهنة.

مكافحو الحرائق يحدقون في وجه الخطر

هناك رجال إنقاذ أيضاً كانوا ضمن من سلطت الأخبار الضوء عليهم خلال العام، وهم الإطفائيون إذ إنهم من أكثر موظفي الحماية المدنية ثقة وأهمية بالنسبة إلى الجمهور العادي في الظروف الطبيعية، ولكن أهميتهم اتخذت أبعاداً أخرى مع انتشار حرائق الغابات حول العالم خلال السنوات الأخيرة، وقد شهد عام 2023 كثيراً منها، مما جعل مرتدي تلك السترات الواقية والخوذات الذين يجيدون التعامل مع طرق إجلاء السكان من المناطق الخطرة، قادرين على التبنؤ بتداعيات حرائق الغابات ومستوى كل منها يتصدرون العناوين، نظراً إلى أنهم مكلفون بتقليل المساحات التي تطاولها النيران والحفاظ على أرواح سكان الأحياء المحيطة وأيضاً الخروج بأنفسهم من هذا الجحيم بسلام.

 

 وشهد صيف 2023 حرائق هائلة ما بين تركيا وجزر الكناري الإسبانية وهاواي وكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية وكندا واليونان، والأخيرة صنفت مأساة الحرائق بها على أنها الأكبر في أوروبا منذ ما يقارب نصف قرن، حيث اندلعت في شمال شرقي البلاد قرب مدن ساحلية عدة وتسببت في مقتل العشرات والتهمت عشرات آلاف الهكتارات من الأراضي، وبحسب خدمات الإطفاء اليونانية شارك في عملية الإطفاء بمنطقة ألكسندروبوليس فقط أكثر من 400 من العاملين في الدفاع المدني من اليونان ودول الاتحاد الأوروبي، فيما واجهت كندا انتقادات بسبب قلة الموظفين في قطاع إطفاء الحرائق في البلاد وسط موجة قاسية من حرائق الغابات التي سببتها درجات الحرارة المرتفعة المتأثرة بدورها بالتغييرات المناخية، فالعاملون في تلك المهنة أقل من 6 آلاف وهو عدد أقل بكثير من الحاجة، وعلى الغالب فإن سبب عدم الإقبال يعود للمبالغ الزهيدة التي يتقاضونها، إضافة إلى الأخطار الصحية التي قد تصيبهم على المدى البعيد والقريب وأبرزها تلك المتعلقة بالجهاز التنفسي تنيجة الأبخرة والأدخنة المتصاعدة.

 ووفقاً لما صرح به خبير حرائق الغابات والأستاذ في جامعة تومسون ريفرز الكندية مايك فلانيجان إلى وكالة "رويترز"، فإن الأيدي العاملة المدربة على مثل تلك المهمات الصعبة في تناقص نظراً إلى خطورة تداعياتها الصحية على مدى أعوام مقبلة.

خفر السواحل

وبصورة أقل أيضاً توجهت الأنظار خلال العام إلى أصحاب مهنة خفر السواحل وحراس الشواطئ على خلفية تكرار حوادث ظهور القروش واعتدائها على السياح، لا سيما على شواطئ البحر الأحمر في مصر، حيث كان الحديث عن مهمة حراس الشواطئ مثار جدل وأخذ ورد، فيما خاض خفر السواحل في المحيط الأطلسي مهمة يائسة من أجل إنقاذ من كانوا على متن الغواصة "تيتان" التي غرقت في يونيو (حزيران) الماضي، وعلى متنها خمسة أشخاص كانوا في رحلة استكشافية لحطام سفينة "تايتانك"، وقد لقوا جميعهم حتفهم على رغم الجهود الحثيثة التي بذلها رجال الإنقاذ في تتبع مسارهم على عمق 4 آلاف متر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات