Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مؤتمرا "المناخ" و"أوابك" يكشفان عن تناقضات الغرب في قضايا المناخ

العالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة ويجب التعامل مع "التغير" على نحو واقعي وعادل

إحدى جلسات مؤتمر المناخ "كوب 28" (رويترز)

ملخص

الخلاف بين الدول في "كوب 28" حول مصير "الوقود الأحفوري" يوضح أن الفارق بين الدول ما زال كبيراً، وهذه أبرز أسبابه

الدول الغربية تدفع الآن ثمن تناقض سياستها تقريباً في كل مجال لدرجة أنها أسقطت كل المثل العليا التي تتبناها في الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والحيوان وحماية البيئة ومحاربة التغير المناخي، التي لطالما بهرت شريحة واسعة من المثقفين العرب. 

ويوضح الخلاف بين الدول في مؤتمر المناخ "كوب 28" المنعقد في دبي حول مصير "الوقود الأحفوري" (الفحم والنفط والغاز) أن الفارق بين الدول ما زال كبيراً، وهذا الفارق يعود معظمه لأمرين، عدم تطبيق الدول الغربية لسياسات المناخ بصورة عادلة من جهة، وتناقضها، إذ إنها تطالب الآخرين بالتخلي عن أنواع معينة من الوقود هي تستخدمها أو تستخدم أسوأ منها.

وليس هناك أبلغ من لغة الأرقام: نحو 28 في المئة من الكهرباء المولدة في أوروبا تأتي من الوقود الأحفوري، على رغم إنفاق أكثر من تريليون دولار على الطاقة المتجددة منذ عام 2010،  ونحو 60 في المئة من الكهرباء المولدة بالولايات المتحدة تأتي من الوقود الأحفوري.

وأسهم في توسع شقة الخلاف الحرب بين الدول الغربية والصين والحرب الأوكرانية وتوحش وكالة الطاقة الدولية والأمم المتحدة ومن يتبعها من متطرفين بيئيين، حيث بلغ الأمر أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وصف الدول النفطية والمستثمرين بالنفط والغاز بـ"المجانين"، ومطالبة مدير وكالة الطافة الدولية للدول والشركات النفطية بالتوقف الكامل عن الاستثمار في صناعة النفط والغاز. بالطبع، لن يحدث ذلك، ولكن يجمع الخبراء على أنه لو حدق ستحصل أكبر مجاعة في التاريخ وأكبر عملية إبادة كذلك.

الغريب أن تخفيض عدد سكان الأرض بصورة كبيرة هو مطلب أساس لمتطرفي المناخ. وكما ذكرت في مقالات سابقة فإن مؤسسي فكرة التغير المناخي كانوا قبلها ممن يطالب بتحديد النسل قبل حصول "الانفجار السكاني"، وإن بعضهم يتخذ من جنكيز خان نبياً بسبب انخفاض مستويات الكربون في عهده لأنه أباد الحرث والنسل.   

وناقش عدد من وزارء العرب موضوع التغير الطاقي في مؤتمر الطاقة العربي الـ12 الذي عقدته منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، والذي بدأت أعماله أمس في العاصمة القطرية الدوحة. 

وأكد الوزراء أن العالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة، وأن انتقال الطاقة شيء مطلوب ويجب التعامل مع التغير المناخي كقضية جوهرية، إلا أنه يجب أن يكون واقعياً وعادلاً ويركز على التقنية حتى تكون كلف هذا التحول معقولة ومقبولة، وأن محاولة التخلص من النفط والغاز غير منطقية، ولا تتناسب بالأساس مع سياسات الغربيين أنفسهم. 

عبر عن ذلك رئيس المؤتمر ووزير الدولة لشؤون الطاقة في دولة قطر سعد بن شريدة الكعبي بقوله إنه "يجب أن نكون واقعيين ولا ننجرف خلف بيانات لها أهداف سياسية، أو أن نطلق وعوداً في الهواء ستحاسبنا عليها الأجيال المقبلة. لدينا مليار شخص ليس لديهم كهرباء، ومن ثم نحتاج أن نكون عادلين". 

وركز الكعبي على أن كثراً يجهلون أن النفط والغاز يدخلان في إنتاج أشياء كثيرة. وعبر وزير البترول والثروة المعدنية في مصر المهندس طارق الملا عن تناقض الدول الغربية عندما قال "دول عظمى تستعمل الفحم ويهاجموننا لإنتاج النفط والغاز".

رفض التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري

البيان الختامي الذي تتفق عليه الدول في مؤتمرات المناخ مهم من نواحٍ عدة، لذلك علينا أن نقدر الجهود المبذولة من جميع الفرق للتأكد من كل كلمة وكل جملة وكل رقم وكل نسبة وكل تاريخ، لذلك نجد أن معظم الخلاف يتركز على كلمات معينة أو أرقام لا تمثل حتى واحداً في المئة من إجمالي البيان، وذلك للانعكاسات الكبيرة لذلك. ويمكن للقارئ الكريم أن يقارن هذه الجمل، وهي هنا أمثلة للتوضيح  فقط:

- "تتفق الدول الموقعة على أن يتم التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بحلول عام 2100".

- "تتفق الدول الموقعة على ضرورة التخفيف من استخدام الوقود الأحفوري على مدار العقود المقبلة".

- "تتعهد الدول الموقعة أن تخفض استخدامها للوقود الأحفوري بما يتناسب مع متطلبات التنمية فيها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لهذا يتوقع أن نجد وسائل الإعلام الغربية اليسارية تركز على تغيير هذه الكلمات وكيف نجحت الدول النفطية والهند والصين في التأثير وتغيير هذه الكلمات. وهذا يعبر تماماً عن الجهد المبذول من الدول النفطية، بخاصة السعودية والإمارات. 

كما قامت "أوبك"، وللمرة الأولى، بدور فعال، إذ أرسل السكرتير العام لمنظمة "أوبك" هيثم الغيص رسالة إلى وزراء الطاقة والنفط في أعضاء تحالف "أوبك+" يطالبهم برفض اللغة المقترحة في البيان التي تقضي بالتخلص التدريجي للوقود الأحفوري.

ودعا الغيص أعضاء تحالف "أوبك+" وشركاءهم في الرسالة، وفي كلمته التي ألقاها في مؤتمر المناخ، إلى رفض أية لغة تشير إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، إذ ركز على نقطة جوهرية، وهي أن المشكلة في الانبعاثات، وليس في الوقود نفسه، ومن ثم فيجب التركيز على تحجيم الانبعاثات وليس الوقود الأحفوري. 

وحذر الغيص في رسالته، وكذلك الوزراء في مؤتمر "أوابك"، من أن هذا الهجوم على الوقود الأحفوري قد تنتج عنه عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها فيما بعد، بخاصة بسبب نقص الاستثمارات.  وذكر الغيص:

"يبدو أن الضغط المفرط وغير المتناسب على الوقود الأحفوري يمكن أن يصل إلى نقطة تحول ذات عواقب لا رجعة فيها، إذ لا يزال مشروع القرار يتضمن خيارات في شأن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري". ثم ركز على مصالح الشعوب، وهذا يتناسق تماماً مع مواقف لدول كثيرة منها الصين والهند والدول الأفريقية، إذ قال، "على رغم أن الدول الأعضاء وشركاءها يأخذون التغير المناخي على محمل الجد، سيكون من غير المقبول أن تعرض الحملات ذات الدوافع السياسية ازدهار شعوبنا ومستقبلها للخطر".

خلاصة الأمر أن الملاحظ على مؤتمر المناخ في دبي هو التمايز الواضح والصريح بين الأطراف، والذي أسهم في تغير "رواية" المناخ إلى رواية أكثر عقلانية، إلا أن المتطرفين وإعلامهم القوي سيزدادون تطرفاً لعدم قبولهم بهذه "الواقعية"، وسيتوقع أن يكون هناك رد فعل قوي من بعض الفئات اليسارية المتطرفة التي ستعتبر أنه تم "اختطاف" (كوب 28) من قبل صناعة النفط العالمية.

باختصار، الصياح على قدر الألم، وهذا ليس سببه الاهتمام بالبيئة، ولكن الصناعات الصخمة التي ولدت نتيجة هذا التطرف، ومن صالحها استمرار هذا التطرف. عندما يقون حماة بيئة بإنشاء معسكر في أراضٍ مفتوحة بعيدة من العمران احتجاًجا على أنبوب نفط أو غاز يستمر لأسابيع، وأحيانا لأشهر، كيف يعيش هؤلاء؟ ومن ينفق على عائلاتهم؟ لقد أصبح التظاهر المناخي في الغرب فرصة عمل لمن لا عمل له. 

المثير في الأمر من وجهة نظري ما يلي: أن الدول النفطية والفقيرة حاولت التأقلم مع متطلبات السياسات المناخية، والدول النفطية تحديداً قامت بجهود جبارة في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين وتحسين الكفاءة في الاستخدام، وترغب في استمرار الحوار للحصول على انتقال عادل للطاقة، ولكن الطرف الآخر لا يريد إلا أن يملي طلباته وعلى الآخرين التنفيذ. إذا لم يَعِ متطرفو المناخ أن عليهم أن يتخلصوا من هذا الأسلوب "الفوقي" النابع من "تاريخ استعماري" فإن فشلهم سيستمر يوماً بعد يوم.  بالمناسبة، هم أكثر من ينادون بالحرية والمساواة!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء