Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع حرية التعبير يتفاقم بين جامعات أميركا والكونغرس بسبب حرب غزة 

نجت رئيستا جامعتي هارفرد و"أم آي تي" لكن المشكلة أعمق من أن تنتهي بسهولة

سيارة شرطة تقف خارج مبنى المنظمة الطلابية اليهودية في جامعة هارفرد (أ ف ب)

ملخص

ما حدود حرية التعبير في أرقى جامعات أميركا في شأن حرب إسرائيل و"حماس"؟

على رغم نجاح الضغوط السياسية التي مارسها بعض أعضاء الكونغرس ومئات من المانحين في دفع رئيسة جامعة بنسلفانيا إلى الاستقالة، أزالت رئيسة جامعة هارفرد ورئيسة معهد ماساتشوستس التكنولوجي (أم آي تي) العقبات أمام الاحتفاظ بوظيفتيهما، لكن جدلاً حاداً اشتعل حول الطريقة التي تحدثن بها خلال جلسة استماع متوترة في الكونغرس حول معاداة السامية في الجامعات على خلفية التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين منذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل و"حماس"، فما حدود حرية التعبير في أرقى جامعات أميركا، وما سبب اشتعال الأزمة؟ ومن سينتصر في النهاية؟

حرب النفوذ

بعد سلسلة من التظاهرات المناصرة للفلسطينيين وأخرى مؤيدة لإسرائيل في عدد من الجامعات الأميركية المرموقة ذات السمعة العالمية، تنامى الاستياء من بعض الشخصيات النافذة التي تمنح هذه الجامعات الكثير من الأموال وغالبيتهم من المليارديرات اليهود أو المتعاطفين مع إسرائيل، بالتوازي مع تسليط وسائل الإعلام الضوء بصورة نقدية على الاتحادات والحركات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين، بخاصة في جامعة هارفرد، لينتهي ذلك إلى جلسة استماع ساخنة لرئيسات ثلاث هذه الجامعات في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون حول تزايد "معاداة السامية" في الحرم الجامعي لكل منهن.

وفيما انتهت الجلسة باضطراب كبير وانتقادات شديدة بسبب شهادتهن في جلسة الاستماع التي قادتها النائبة الجمهورية "إليز ستيفانيك"، نجحت الضغوط في دفع رئيسة جامعة بنسلفانيا "ليز ماغيل" إلى الاستقالة، بينما صمدت رئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (أم آي تي) وهي "سالي كورنبلوث"، ورئيسة جامعة هارفرد "كلودين غاي" التي اعتذرت عن تصريحاتها تحت سيل الانتقادات بعدما تجاوزت عين العاصفة وأكدت مؤسسة هارفرد دعمها بعد انقسام أعضاء هيئة التدريس والإدارة في الجامعة حول ما إذا كان ينبغي عليها الاستقالة، ومع ذلك خرجت من رحم هذه الأزمة معركة أخرى حول مدى استقلالية الجامعات وقدرتها على التصدي لأصحاب النفوذ من خارج الجامعات بمن فيهم السياسيون والمشرعون في الكونغرس.

نقطة الوميض

ظهرت نقطة الوميض في جلسة الكونغرس الثلاثاء الماضي في أسئلة النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك، التي تعرضت هي نفسها لانتقادات لعدم انتقادها معاداة السامية في حزبها، حينما سألت بحدة وصرامة الرئيسات الثلاث حول ما إذا كانت الدعوة إلى الإبادة الجماعية لليهود تنتهك قواعد التنمر والتحرش في الجامعات في إشارة من ستيفانيك إلى الشعارات التي ترددت خلال المسيرات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي، مثل "فلسطين حرة"، أو "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر".

وفي حين ينظر البعض إلى هذه العبارات على أنها تعكس موقف حركة "حماس" وأنها دعوة لتدمير إسرائيل وقتل الشعب اليهودي، يعتبر آخرون أنها دعوة مستمرة منذ عقود من أجل إقامة دولة يمكن لجميع الفلسطينيين أن يعيشوا فيها بحرية إلى جانب الإسرائيليين، وربما لهذا أجابت رئيسات الجامعات الثلاث بأنه قرار يعتمد على السياق، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة أدت بعد أربعة أيام فقط من الجلسة إلى استقالة رئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماغيل تحت ضغط أمناء الجامعة والمانحين والخريجين، مدعوماً بتوقيع 26000 شخص أرادوا استقالتها.

ضغوط هائلة

وعلى رغم الاعتذار الذي قدمته في ظهور لها على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن المناخ كان ساخناً بالفعل داخل جامعة بنسلفانيا بسبب غضب المانحين المؤثرين في وقت سابق على حرب غزة بسبب سماح ماغيل لمؤتمر أدبي فلسطيني بالاجتماع في حرم الجامعة في فيلادلفيا، بما في ذلك المتحدثون الذين اتهموا بمعاداة السامية، وهو القرار الذي جعل بعض الخريجين يخشون من أن رئيستهم الجديدة لم تكن مستعدة لدعم المجتمع اليهودي بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، ولهذا تجمعت كل هذه الضغوط، لتنتهي بذلك أقصر فترة ولاية لأي رئيس لجامعة بنسلفانيا منذ إنشاء المنصب في عام 1930.

وبينما نجت بسرعة رئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سالي كورنبلوث، من القدر نفسه من الضغط الخارجي الهائل للاستقالة بسبب الدعم الكامل وغير المشروط من قبل اللجنة التنفيذية للمعهد فضلاً عن مناصرة 10 رؤساء حاليين وسابقين لكورنبلوث في رسالة بعثوها إلى رئيس مجلس الإدارة، إلا أن رئيسة جامعة هارفرد كلودين غاي، وهي أميركية من أصل أفريقي، قاومت لأيام عدة الضغوط الشديدة كي تستقيل، واكتفت بالاعتذار الجمعة الماضي عن تصريحاتها لصحيفة "هارفرد كريمسون" قائلة إن الدعوات إلى العنف أو الإبادة الجماعية ضد المجتمع اليهودي أو أية مجموعة دينية أو عرقية هي أمر حقير، وليس لها مكان في جامعة هارفرد، وأن الذين يهددون الطلاب اليهود سيتم محاسبتهم.

استمرار الضغط

ومع استمرار تحقيق الكونغرس ووزارة التعليم في كيفية تعامل جامعة هارفرد، وجامعات مرموقة أخرى فيما يصفونه بحوادث التحيز تحت ضغط من وسائل الإعلام وجماعات المصالح الموالية لإسرائيل، إلا أن انتصارها في النهاية بحصولها على دعم مؤسسة هارفرد أحبط مطالبات الاستقالة من قبل عضو مجلس النواب الجمهورية إليز ستيفانيك، وهي خريجة جامعة هارفرد، التي كتبت على وسائل التواصل الاجتماعي الأحد الماضي، "سقطت واحدة، وبقي اثنتان" في إشارة إلى رئيستي جامعة هارفرد ومعهد ماساتشوستس التكنولوجي.

وإذا كان لدى ستيفانيك التي عملت في السابق ضمن المجلس الاستشاري لمعهد هارفرد للسياسة، أية دوافع انتقامية بعد أن أقيلت من هارفرد عقب أعمال الشغب في الكابيتول يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021 واتهامها بأنها قدمت ادعاءات في شأن تزوير الانتخابات دون أدلة، إلا أن محاولاتها محاصرة رئيسات الجامعات في جلسة نقلتها شبكات التلفزة الرئيسة كان لها أبلغ الأثر، بخاصة في جامعة هارفرد، حيث قدمت عريضة تطالب باستقالة كلودين غاي ضمت أكثر من 1000 يقودها الخريج البارز الملياردير بيل أكمان وهو من أصل يهودي، فيما ترددت مؤسسة هارفرد، التي تتمتع بسلطة عزل غاي من وظيفتها واجتمعت أول من أمس الإثنين قبل أن تعلن أمس الثلاثاء موقفها النهائي بدعم رئيسة الجامعة.

تيار معارض

يبدو أن السبب في إنقاذ كلودين غاي يعود إلى دعم ما يزيد على 700 من أعضاء هيئة التدريس بجامعة هارفرد ومجلس الإدارة دفاعاً عن استقلال الجامعة ومقاومة الضغوط السياسية التي تتعارض مع التزام جامعة هارفرد بالحرية الأكاديمية، بما في ذلك الدعوات لإقالة غاي التي شغلت منصبها الحالي منذ يوليو (تموز) الماضي، وهي أول أميركية من أصل أفريقي تتولى هذا المنصب في الجامعة منذ عام 2006، وثاني امرأة تتولى رئاسة هارفرد في تاريخها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما كتب أعضاء هيئة التدريس السود في جامعة هارفرد أيضاً رسالة موقعة من أساتذة معروفين، بمن في ذلك أنيت غوردون ريد، التي وصفت غاي بأنها اختيار رائع كرئيسة للجامعة، وقال أستاذ ممارسة القيادة العامة والعدالة الاجتماعية كورنيل ويليام بروكس إن هناك من أخذ على عاتقه تحويل رئاسة غاي إلى نوع من معارك الحروب الثقافية، في إشارة إلى الخلافات السياسية والمجتمعية الممتدة بين الجمهوريين والديمقراطيين.

وأثار كذلك أستاذ التاريخ اليهودي ومدير مركز الدراسات اليهودية بجامعة هارفرد ديريك بنسلار تساؤلات حول استقلال الجامعة عن الضغوط السياسية، وما إذا كانت القرارات ستتخذ استجابة للضغوط الخارجية، أم أنها ستتخذ من قبل الأشخاص المستثمرين فعلياً في الجامعة، وهم أعضاء هيئة التدريس والإدارة.

معركة حرية التعبير

غير أن الضغوط السياسية الخارجية على الجامعات أفرزت مقاومة شديدة انتشرت في الأوساط الثقافية والجامعية، حيث قالت الأستاذة الفخرية في كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن والمتخصصة في قضايا حرية التعبير كاثرين روس إن الضجة في جامعتي هارفرد وبنسلفانيا ستحفز مزيداً من الدعوات للكليات لتعديل قواعد التعبير، بخاصة مع تصاعد الجدل حول المصطلحات المشحونة سياسياً التي تتعلق بالحرب في غزة، لكنها أوضحت أن مزيداً من الأساتذة، مثل أساتذة جامعة هارفرد، سيجدون أنفسهم يقاومون التأثيرات الخارجية.

وأشارت روس إلى أن الجدل الآن ربما يشكل لحظة أزمة في صراع أميركي طويل الأمد حول ما يمكن أن يقوله الطلاب والأساتذة في الحرم الجامعي، ومن الذي سيقرر ذلك، مؤكدة أن حرية التعبير تقلصت منذ سنوات، لكن الأمور تفاقمت أخيراً، مع تدخل المشرعين في الكونغرس الأميركي وفي الولايات الأخرى لتشكيل الخطاب الجامعي وسط مناقشات وطنية مشحونة حول كيفية تدريس قضايا العرق والجنس والنوع.

وعلى سبيل المثال، قدم المشرعون في ولاية أوهايو هذا الشهر، مشروع قانون يتطلب من المؤسسات العامة للتعليم العالي أن تظل محايدة في شأن الموضوعات المثيرة للجدل بما في ذلك تغير المناخ بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، وفي أكتوبر (تشرين الأول) أمر حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري رون ديسانتس إدارات الجامعات بإغلاق فروعها أمام مجموعة طلابية مؤيدة للفلسطينيين، ووصفها المتحدث باسمه بأنها "جزء من حركة إرهابية أجنبية".

مشكلة مجتمعية عميقة

وفي حين تصف روس هذا الوضع بأنه مشكلة مجتمعية عميقة للغاية فيما يتعلق بمبادئ التعديل الأول من الدستور الأميركي المتعلق بحرية الرأي والتعبير، بدأ أساتذة الجامعات في المقاومة بعدما شعروا بوطأة المشكلة بقوة، واتخذ أعضاء هيئة التدريس والإداريون في الجامعات أخيراً مواقف ضد ما يسمونه الرقابة أو تضييق الحوار.

 ومن أمثلة ذلك، رفض قادة جامعة كورنيل في أبريل (نيسان) الماضي طلباً من الهيئة الحكومية الطلابية بأن يضع الأساتذة تحذيرات حول ما يعتبرونه "محتوى مؤلماً"، وهو ما رد عليه قادة الجامعة بأنه ينتهك التزامهم الأساس بالحرية الأكاديمية وحرية التحقيق، وفي جامعة ستانفورد، تسعى مجموعة من أعضاء هيئة التدريس إلى إنهاء نظام الإبلاغ عن التحيز الذي يسمح للطلاب بالإبلاغ عن زملائهم في الفصل الدراسي من دون الكشف عن هويتهم بسبب السلوك التمييزي أو المتحيز، قائلين إن النظام يهدد حرية التعبير.

وفي جامعة هارفرد، شكل 70 أستاذاً في الربيع الماضي مجلساً للحرية الأكاديمية، وكرس جهوده لتعزيز تبني وإنفاذ السياسات التي من شأنها حماية الحرية الأكاديمية، وفي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كانت حرية التعبير موضوعاً ساخناً بصورة خاصة منذ عام 2021 في الأقل، حيث ألغى المعهد في ذلك العام محاضرة ألقاها الجيوفيزيائي الأستاذ المشارك بجامعة شيكاغو  دوريان أبوت الذي تعرض لانتقادات بسبب مقال رأي شارك في كتابته في مجلة "نيوزويك" حول جهود التنوع والمساواة والشمول في التعليم العالي، وكتب أبوت أن مثل هذه الجهود تعزز بعض المجموعات العرقية من خلال التمييز ضد الآخرين، مما ينتهك مبدأ المساواة في المعاملة.

مخاوف أوسع

وأثار كل هذا الجدل ردود فعل عنيفة من الخريجين، حيث أنشأ بعضهم مجموعة غير ربحية، عبارة عن تحالف من أجل حرية التعبير في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، للضغط من أجل حماية حرية التعبير في المعهد.

 وحذر "واين ستارغاردت"، رئيس هذا التحالف من تداعيات جلسة الاستماع في الكونغرس مع رئيسات الجامعات على أساس أنها قد تفرض مخاوف أوسع، حيث يضطر قادة الجامعات إلى التفكير ملياً في تعريف حرية التعبير.

ومنذ أن تولت كورنبلوث رئاسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في يناير الماضي، أيدت بيان المعهد في شأن حرية التعبير والحرية الأكاديمية، الذي وافقت عليه هيئة التدريس، وهو ما وصفه ستارغاردت بأنه خطوة أولى إيجابية قوية.

لا نهاية في الأفق

وعلى رغم كورنبلوث نجت من محاولات إقصائها عن منصبها بعد جلسة الاستماع الملتهبة في الكونغرس، فإن المخاوف حول المستقبل لا تزال ماثلة، حيث قال أستاذ العلوم الإنسانية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إدوارد شيابا إنه يعتقد أن كورنبلوث برأت نفسها بشكل جيد في جلسة الاستماع، ورفضت ما سماه إيحاء ستيفانيك بأن بعض الأفكار فظيعة للغاية بحيث لا يمكن ذكرها، مشيراً إلى فارق السياق بين أي متحدث عام لديه الحق في أن يقول أشياء غبية ومؤذية، وبين صراخ الطالب الجامعي بالأشياء نفسها لزميله في السكن الجامعي الذي يعد بمثابة تحرش غير مقبول يعاقب عليه، لكن يظل الفرق هو السياق.

ومع ذلك، يشعر أعضاء هيئة التدريس بالقلق من أن هذا الفارق الدقيق سيضيع في دوامة السياسة الحالية، إذ يشير أستاذ القانون في جامعة بيركلي جونا غيلباك إلى أنه يشعر بقلق عميق في شأن الأشخاص خارج الجامعة الذين يضغطون من أجل فرض مزيد من القيود على حرية التعبير.

وكتب غيلباك، وهو أستاذ قانون سابق في جامعة بنسلفانيا يحذر من أن الضغوط الخارجية سوف تغري المسؤولين في الجامعات وتخيفهم للمضي قدماً في طريق الرقابة السهل بينما يقولون لأنفسهم إنهم لن يعاقبوا إلا أولئك الذين يستهدفهم السياسيون والمانحون في خطاباتهم، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن هذا الطريق ليس به نقطة توقف سهلة.

المزيد من تقارير