Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثلاثية الخطر على "الديموغرافيا اللبنانية"

اهتزاز التركيبة السكانية بنشاط المقيمين الأجانب في لبنان

مخاوف متزايدة من تعرض التركيبة الديموغرافية الحساسة في لبنان لاهتزازات متتالية (أ ف ب)

ملخص

يشكل "اللجوء السوري في لبنان" عامل ضغط أساس على التركيبة الاجتماعية في الجار الشامي.

 

تشهد "الديموغرافيا اللبنانية" تحولات سريعة بفعل ثلاثة عوامل، الهجرة اللبنانية إلى الخارج، وحركة اللجوء باتجاه لبنان، وتراجع مستوى الولادات والخصوبة بفعل تأثيرات اقتصادية وثقافية.

وتبرز المخاوف من انتقال المجتمع اللبناني من حقبة "مجتمع الفتوة" إلى "الشيخوخة" خلال العشرية القادمة من جهة، ومن جهة أخرى تعميق التغيير في التركيبة الاجتماعية والطائفية.

ويشكل "اللجوء السوري في لبنان" عامل ضغط أساس على التركيبة الاجتماعية في الجار الشامي، حين يحتضن أكبر عدد من اللاجئين (لناحية كثافتهم) مقارنة بعدد سكانه، فيما يستمر التباين في النظرة للحل بين الحكومة اللبنانية المتحمسة لإعادتهم إلى موطنهم، والموقف الدولي المتحفظ على عودتهم قبل الحل السياسي في سوريا.

في جنيف، ومن أمام المنتدى الدولي للاجئين، اشتكى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي من تأثير اللجوء السوري على بلاده، محذراً من "أخطار تطاول الأمن الاجتماعي واهتزاز التركيبة الديموغرافية الحساسة لجهة تجاوز عدد الولادات السورية نظيرتها اللبنانية".

وأضاف ميقاتي "أظهر التقرير السنوي الذي أعده البنك الدولي أن كلفة النزوح السوري في لبنان منذ بداية الحرب السورية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات"، مكرراً المطالبة بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، و"توقف المنظمات الدولية عن إغرائهم للبقاء في لبنان. وليتوجه الاهتمام الدولي نحو إعادتهم إلى المناطق المستقرة في سوريا، ولتقدم لهم مساعدات في وطنهم"، كما أعلن ميقاتي رفض لبنان "مشاريع الأوطان البديلة"، وضرورة السعي إلى إنقاذ البلاد.

أما على الضفة الدولية فتبقى العودة مشروطة بتحقيق مجموعة من الشروط السياسية والاقتصادية، إذ طالب رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي بـ400 مليون دولار لتغطية نفقات تقديماتها لغاية نهاية 2023، "متهماً الدول التي هجرتهم بعدم التعاون لإعادتهم".

مندوب الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون بدوره أعاد التأكيد على أهمية الاتفاق السياسي، الذي يعتبر مدخلاً لإعادة النازحين، إلى جانب معالجة الوضع الاقتصادي السيئ في بلادهم.

نصف السكان من الأجانب

يعيش في لبنان نحو ثمانية ملايين إنسان، ونصف المقيمين على أراضيه هم من غير اللبنانيين. يشبه رئيس مركز السكان والتنمية الدكتور علي فاعور "لبنان بمخيم كبير يضم النازحين السوريين وعددهم يزيد على 2.5 مليون نسمة شاملاً المسجلين وغير المسجلين بطرق غير شرعية، إضافة إلى 500 ألف لاجئ فلسطيني".

ويوجد أيضاً عشرات الآلاف من عديمي الجنسية ومكتومي القيد، والأطفال من أمهات لبنانيات من دون جنسية، الذين يقدرون بـ300 ألف حالة، "وهذا مما يجعل عدد الموجودين غير اللبنانيين في لبنان يتراوح ما بين 3 ملايين و700 ألف مقيم، و4 ملايين عربي وأجنبي".

وعليه، يشكل هؤلاء ضغطاً كبيراً، ومتعدد الأوجه على الواقع اللبناني، إذ يعتقد فاعور "لبنان فقد القدرة على الاستيعاب، وتغيرت معالم الخريطة الديموغرافية خلال السنوات الأخيرة، إذ يصنف لبنان البلد الأول في العالم من حيث عدد اللاجئين بالمقارنة مع عدد سكانه، وكذلك بالنسبة إلى مساحة الأرض الصغيرة، كما يأتي حالياً 2023 في المركز الأول في العالم من ناحية تناقص عدد سكانه، وبات أول بلد عربي يدخل مرحلة الشيخوخة، في ظل تناقص عدد الأطفال وتزايد عدد المسنين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مقاربته لتوزيع المحليات وتجمعات النازحين في القرى والمدن، يشير فاعور إلى "خرائط مخيفة من جهة انتشار المخيمات، ثم نشوء وتمدد عشوائيات ومحليات جديدة كانت تنمو كالفطر وتتوسع طوال السنوات الـ12 الماضية، بينما لا يملك لبنان عنها بيانات مفصلة توضح أرقامها من منظار توزيعات الطوائف ثم استقرار البيئة وتأثيرها في التوازن الطائفي القائم والتغيير الديموغرافي المتسارع في بعض المناطق".

ويخشى أن تتحول هذه التوزيعات إلى قنابل متفجرة تهدد الأمن والاستقرار، فالتركيبة السكانية الحالية تشكل مجتمعاً ضعيفاً وبيئة قابلة للانفجار، وفقاً لما ذكره فاعور.

ووصف تلك المشكلة بأنها "أزمة من صنع الإنسان وهي متعددة الأبعاد، وتطورت بسبب السياسات الفاشلة في الحكم، خصوصاً ارتباطها بأسوأ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان منذ عقود، مما جعله إحدى بؤر الجوع الساخنة في العالم عام 2022"، بحسب برنامج الأغذية العالمي.

آثار عميقة في بنية الاقتصاد

لا تقتصر آثار حركة اللجوء على المستوى الاجتماعي، وإنما تتجاوزها إلى المستوى الاقتصادي. ويعتقد المتخصص في الشأن الاقتصادي بلال علامة أن "في لبنان نحو 2.8 مليون لاجئ سوري مسجلين لدى مفوضية اللاجئين في لبنان، مع وجود أعداد من المقيمين غير معروفي الوجهة".

ولفت إلى أن "لهؤلاء المقيمين تأثيراً سلبياً في الاقتصاد لناحية الكلفة الكلية، على البنى التحتية والكهرباء والمياه والتلوث والاضطرابات، علماً أن لهم تأثيراً إيجابياً لناحية مساعدات الأمم المتحدة التي تدخل نحو 600 مليون دولار إلى لبنان".

يتطرق علامة إلى أثر هؤلاء في سوق العمل، خصوصاً حالة الفوضى في لبنان التي فرضها هذا العدد من النازحين، حتى إن فرص العمل للبنانيين اختلت نظراً إلى استبدال النازح باللبناني.

كما أن "أكثر ما يتضرر هو الاستقرار المالي، من خلال نشاط التهريب والشركات التي ينشئها النازحون"، محذراً من تأثير العمالة الرخيصة، والمحرومة من الضمانات الاجتماعية. واعتبر أن "هذا يمثل المصيبة الكبرى، لأن الأجور التي يتقاضونها تهرب إلى الخارج، ولا تفيد تمويل الاقتصاد، ولا تعزز أمان سوق العمل".

الهجرة المتزايدة وإفراغ البلاد

خلال عام 2023 غادر لبنان 200 ألف مواطن أغلبيتهم الساحقة من طبقة الشباب، فيما تناقص عدد اللبنانيين المقيمين 450 ألف مهاجر خلال السنوات الأربع الأخيرة منذ عام 2019.

وبحسب علي فاعور، فقد لبنان نحو 12 في المئة من اللبنانيين المقيمين، وهم من الشبان أصحاب الكفاءة والشهادات العليا، والأطفال دون 18 سنة، بفعل الأزمات الاقتصادية والسياسية، والانهيار المالي.

يستند فاعور إلى مجموعة من الإحصاءات الرسمية، ليشير إلى حجم النزف الديموغرافي، وفي مقدمها أرقام "إدارة الإحصاء المركزي" الصادرة في أغسطس (آب) 2022 إلى أن "أكثر من نصف اللبنانيين يرغبون في الهجرة، ونصفهم تقريباً يعيشون بدخل أدنى من 100 دولار أميركي".

كما أظهرت إحصاءات الأمن العام اللبناني، أن عدد جوازات السفر المصدرة منذ مطلع عام 2021 ولغاية نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، بلغ نحو 260 ألف جواز سفر، مقارنة بنحو 142 ألف جواز سفر في الفترة نفسها من عام 2020، أي بزيادة نسبتها 82 في المئة.

واستند فاعور إلى بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تكشف عن أن "لبنان يخسر موارده البشرية، إذ يأتي في مقدم البلدان العربية التي تستنزف مواردها، وبخاصة من الأطباء، وقد بلغ عدد الأطباء المهاجرين خلال السنوات الأربع الأخيرة أكثر من 3500 طبيب".

وتتسارع هجرة الأساتذة الجامعيين والمديرين العامين وموظفي الفئة الأولى في الدوائر الرسمية في الدولة، إذ بلغت نسبة الوظائف الشاغرة نحو 70 في المئة أي نحو من 19 ألف وظيفة شاغرة.

وبحسب بيانات مجلس الخدمة المدنية، بلغ عدد الذين تركوا الوظيفة خلال 2020-2021، نحو 1100 موظف، كذلك الحال في مديرية التعليم الثانوي، إذ بلغ عدد الذين تركوا الوظيفة، أو أخذوا إجازات من دون راتب نحو 2100 أستاذ، و"هذا سيؤدي لاحقاً إلى إفراغ الإدارة، والمؤسسات التعليمية والصحية من أصحاب الخبرة الذين فضلوا الهجرة للبحث عن عمل في الخارج"، وفق ما أكده فاعور.

تراجع الخصوبة

في موازاة تزايد موجات اللجوء والهجرة يشهد لبنان خفضاً في معدلات الولادات والخصوبة. وتقود المقارنة بين عامي 2018 و2022، على ضوء أرقام الولادات والوفيات، إلى تراجع كبير في معدل الزيادة الطبيعية للسكان اللبنانيين، إذ تراجع عدد الولادات بنسبة 38 في المئة، في مقابل زيادة أعداد الوفيات 6.2 في المئة.

ويشير فاعور إلى أن "عدد الولادات ما يزيد على 95 ألف طفل في 2010، ثم انخفض إلى ما دون 63 ألف طفل عام 2022، كما تبين تراجع كبير في عدد معاملات الزواج نحو 25 في المئة، وفي المقابل فإن عدد معاملات الطلاق، تصل إلى مستوى 26.5 في المئة من مجمل عقود الزواج عام 2022".

أما أرقام الزيادة الطبيعية، أي الفارق بين عدد الولادات وعدد الوفيات، فتكشف عن التراجع الكبير بين ما كانت عليه عام 2018 ومستوى عام 2022، إذ انخفضت الزيادة الطبيعية من 63 ألفاً إلى 33 ألفاً بنسبة 50 في المئة.

يخلص علي فاعور "وجود تراجع الخصوبة دون الخط الأحمر، وخفض حجم الأسرة، إذ انخفض متوسط حجم الأسرة في لبنان من 4.6 فرد عام 1996 إلى 4.3 عام 2004، ليبلغ مستوى 3.8 ولد كمتوسط عام في لبنان عام 2018، وذلك بالنسبة إلى مجمل السكان المقيمين (مع غير اللبنانيين)، وإلى 3.6 بالنسبة إلى الأسر اللبنانية وحدها، وهذا يشمل حجم الأسرة الممتدة (مع الأقارب والعمال المنزليين)".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير