Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ألكسندر نازاروف عين الروس الأيديولوجية على العالم المعاصر

كيف استطاع الوصول إلى مرتبة حكومية متقدمة؟ وهل ينافس ألكسندر دوغين أم أن كليهما يخدم مشروع بوتين؟

ألكسندر نازاروف (مواقع التواصل)

ملخص

هل نحن أمام رجل دولة روسي بدرجة مفكر، أم مفكر بدرجة مسؤول حكومي روسي؟

طويلاً ما نظر الروس والعالم إلى المفكر ألكسندر دوغين، على أنه عقل بوتين وفيلسوفه، بل ربما الشريك في بلورة النظريات الإيديولوجية الكبرى التي تشغل عقل سيد الكرملين، وتوجه قراراته الخارجية. غير أن هناك رجلاً آخر، بات يعرف في العالم برمته على أنه لسان بوتين الفصيح، الذي ينطق عن معرفة عميقة وإدراك واسع، لا بحقائق الأمور في الداخل الروسي فحسب، بل بأحوال العالم برمته، من الولايات المتحدة في أقصى الغرب، مروراً بأوروبا في المنتصف الجغرافي للعالم القديم، وصولاً إلى تطورات المشهد الآسيوي، وبينهم كثير من التفاصيل.

الحديث اليوم عن المفكر والكاتب ورجل الدولة الروسي الشهير، ألكسندر نازاروف المولود في عام 1951 في جمهورية كازاخستان الاشتراكية السوفياتية.

 بدأ نازاروف تسلق السلم الحكومي منذ عام 1983، أي في أوج الحضور القديم للاتحاد السوفياتي الشهير، إلى أن وصل في عام 1991، إلى منصب حاكم مقاطعة تشوكوتكا المتمتعة بالحكم الذاتي، التي تحدها جمهورية ياقوتيا، وماغادان أوبلاست، وكامتشاتكا كراي، كما تلامسها شرقاً التخوم البحرية للولايات المتحدة.

بد واضحاً أن نازاروف رجل قومي وطني، إذ عبرت تصرفاته عن حميته وحماسته البالغتين لروسيا لاسيما بعد التفكك الذي أصاب الاتحاد السوفياتي.

في عام 2002، أي بعد مرور عقد من الزمن على انفراط حبات العقد السوفياتي، قدم نازاروف طلباً إلى مكتب المدعي العام للاتحاد الروسي للتحقق من شرعية ما بات يعرف باسم اتفاق "بيكر – شيفردنادزه" لعام 1990، في شأن التقسيم بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة لمضيق "بيرينغ"، تلك التي خسر الاتحاد السوفياتي السابق بموجبها حوالى 200 ألف كيلومتر مربع من الإقليم البحري.
وفقاً لنازاروف "أراد شيفردنادزه إعطاء تشوكوتكا بالكامل للولايات المتحدة"، غير أن الأول وبحسب تصريحاته أفشل هذا المشروع في وقته.

 هل هذا هو السبب الذي يجعل من نازاروف بطل قومي في أعين بوتين خصوصاً والروس عامة؟

 تبدو في واقع الأمر السطور الغامضة والخفية في حياة هذا الرجل أوسع وأعرض، والخبايا عطفاً على الخفايا في حياته أعمق، غير أنه وفي كل الأحوال يعتبر بطلاً روسياً بامتياز، الأمر الذي يتأكد من خلال حصوله على وسام الشرف، ووسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الرابعة، ناهيك عن وسام القديس سرجيوس وجائزة الخدمات، وشهادة شرف من مجلس الإتحاد.

هل نحن أمام رجل دولة روسي بدرجة مفكر، أم مفكر بدرجة مسؤول حكومي روسي؟

 حكماً الجواب يمكن أن يخلص إليه القارئ من خلال متابعة رؤيته وتحليلاته المعمقة لأحداث العالم الحالي، التي يمكننا اعتبارها جردة لنهاية 2023، فماذا في جعبة ألكسندر نازاروف؟

عن مشهد البريكس والنظام العالمي

لعله في مقدم القضايا التي يوليها نازاروف أهمية كبيرة في نهاية هذا العام، تأتي قصة تجمع دول البريكس، وما تلاها من محاولات لتوسيع دائرة الشراكات، عبر ما بات يعرف باسم "البريكس بلس". التساؤل الذي يطرحه نازاروف في كتاباته وطروحاته هو "هل تجمع دول البريكس يمثل قدرة بعينها على تشكيل نظام عالمي جديد؟".

حكماً علامة الاستفهام المتقدمة، تحوي في باطنها رغبة في تفكيك الاشتباك مع الولايات المتحدة، وتبيان مدى الضرر الذي يمكن أن يحل بأميركا من جراء نشوء وارتقاء تجمع دول الـ"بريكس" بأشكاله المختلفة.

مثيرة رؤية نازاروف للبريكس، وعنده أن دول العالم تصطف في طابور طويل من أجل شيء ضروري للغاية، لكنه نادر في العالم الحديث، يصطفون من أجل السيادة. لقد سئم الجميع من العالم أحادي القطب، يمكن للجميع أن يروا بالفعل أن الولايات المتحدة والغرب ككل في طريقهم إلى الغرق في أزمة اقتصادية مميتة، والسفينة الأميركية تغرق. ثم تظهر فجأة سفينة أخرى الـ"بريكس". لا يعلم أحد إلى أين تبحر هذه السفينة، أو من قبطانها، وما إذا كان سيتوجه صوب شاطئ أمان. لا أحد يعرف. لكي الشيء الرئيس هو الفرار من السفينة الغارقة بأسرع وقت ممكن ثم نرى ما يحدث بعد ذلك.

هل هذا نوع من أنواع النقد السياسي اللاذع للبريكس، أم أنه توصيف للواقع بصورة حقيقية من دون تهوين أو تهويل؟
في الشأن الأميركي، تنظر الولايات المتحدة إلى "بريكس" بوصفها تهديداً، وتحاول إغراق هذه المنظمة وتقسيمها، فيما ينظر معارضو الولايات المتحدة إلى "بريكس" بوصفها "الأمل في تحرير العالم من الهيمنة الأميركية"، وكلتا الرؤيتين بحسب نازاروف هي حرب كيخوتية (نسبة إلى دون كيخوت) مع طواحين الهواء، أي تضخيم كيان ما بخصائص خيالية.

واقع الأمر في رأي نازاروف، أن "بريكس" هي ترمومتر لقياس الحرارة، اختبار مرئي يظهر الرغبة في الابتعاد عن الولايات المتحدة، وبهذه الصفة فإن المنظمة تشكل تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة، نظراً إلى أن الاقتصاد ودور الدولار في العالم، يعتمد إلى حد كبير على فكرة غالبية الناس حول القوة الأميركية، وهنا فإن إظهار عدد كبير من الدول الرغبة في القفز من السفينة الأميركية إلى سفينة أخرى، يقضي على الإيمان بالهيمنة الأميركية، وبالتالي على الدولار.

وفي كل الأحوال فإن انتقال دول عدة مهمة ومؤثرة وفاعلة، من سفينة الغرب الأميركي والأوروبي إلى سفينة البريكس، يعني الانتقال إلى بدايات لعالم جديد، مهما يكن من شكل الانتقال، ومن هنا لا تبدو "بريكس" تكتلاً لمنافسة أميركا، بقدر كونه فعلاً استعراضياً لتحدي أميركا، بحسب المفكر نازاروف.

واشنطن - بكين هل الحرب حتمية؟

من بين الملفات الرئيسة التي أولاها نازاروف اهتماماً بالغاً خلال العام الماضي، ملف العلاقات الأميركية – الصينية، وطرح تساؤلاً مثيراً بدوره: "هل الصراع والمواجهة العسكرية بين الجانبين قادمة لا محالة؟ وأن كل ما يجري بين الجانبين هو محاولة لتأجيل الموعد من دون أدنى شك".

يقرأ نازاروف المشهد بعيون المنظر الاستراتيجي، الذي يرى أن الملفات الخلافية، وفي مقدمها ملف جزيرة تايوان، وكذلك بحر الصين الجنوبي، والخلافات العميقة من حول أستراليا، والرفض الصيني الواضح والقاطع لقيام تجمعات ذات صبغة عسكرية مثل "أوكوس"، جميعها تقود إلى اليقين بوجود احتمالات مواجهة عسكرية واضحة بين الجانبين.

هل من أسباب أخرى تجعل تلك الحرب قدراً مقدراً في زمن منظور؟

من المؤكد أن تحول العالم عن التسويات بالدولار، يعد من أكثر القضايا سخونة وشعبية بالنسبة إلى الجميع في الداخل الأميركي، والمستفيد الرئيس من هذه العملية بالطبع هو اليوان الصيني، ونتيجة لهذا التحول سيقع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي للولايات المتحدة. كيف يمكن لواشنطن إذاً أن تلقى عنها هذا الخوف الكبير، واعتبر الدولار ولا يزال رمز القوة الأميركية وعلامة جودتها؟

هنا يبدو أنه ليس لدى الولايات المتحدة طريقة أخرى للتخلص من هذا المأزق سوى تدمير الصين بالوسائل العسكرية، مع الأخذ في الاعتبار أن توقيت بدء صراع محتمل يتحدد بشكل أساسي من خلال سرعة تعزيز الصين لقدراتها العسكرية، حيث على الولايات المتحدة أن تختار الوقت المناسب قبل أن تصبح الصين محصنة ضد الخطر، أي حول الأعوام 2027- 2030.
غير أن نازاروف يخيف قراءه من خلال القول بوجود أحداث باتت تسرع اندلاع تلك الحرب.

إن الارتفاع الكبير في التضخم العالمي العام الماضي 2022، والعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والأزمة المالية المصرفية التي حدثت في مارس (آذار) 2023، أدت جميعها إلى تسريع الأحداث على نحو ملحوظ، ومن المحتمل أن تؤثر الأزمة المالية في أميركا في وقت قريب، تحديداً ما بين عامي 2023 و2025، وهو ما يضع القيادة الأميركية أياً كانت، جمهورية أم ديمقراطية، أمام الحاجة إلى حل قضية الصين في أسرع وقت ممكن.

في الوقت ذاته يفتح نازاروف الطريق للتفكير في قصة الهرب إلى الأمام في الداخل الأميركي، أي إقحام البلاد في حرب خارجية كبرى... لماذا؟

يرجع نازراوف المشهد إلى الصراع المجتمعي الدائر بقوة في الداخل والبيئة شديدة الانفجار المحلقة فوق رؤوس الأميركيين، إذ أصبحت الانقسامات الايديولوجية والعرقية في الداخل الأميركي على مدى السنوات الثلاث الماضية، أعمق بكثير، وينزح كثير من الأميركيين نحو ولايات "قريبة سياسياً"، بمعنى خسارة ولايتي كاليفورنيا ونيويورك الديمقراطيتين على سبيل المثال، عدداً كبيراً من سكانهما.

أي مستقبل ينتظر القارة الأوروبية؟

من بين القضايا المهمة التي يوليها السياسي الروسي اهتماماً خاصاً، نجد مسألة مستقبل أوروبا، وتوقعاته لها بالظلامية، من جراء عوامل سياسة واقتصادية، فيما البعد الديموغرافي يمثل بالنسبة إليه عامل فاعل بشكل كبير في تسريع انهيار أوروبا كما نعرفها اليوم... كيف ذلك؟

يرى نازاروف أنه عند تقييم العمليات السياسية، فإنه لا يمكن تجاهل العامل الديموغرافي.

في ذات الوقت، فإن عمليات التكوين العرقي، أي عملية مراحل تطور واندثار المجتمع العرقي عادة تستمر لقرون عدة.
يبدو نازاروف وكأنه يستشعر أزمة "الشتاء الديموغرافي" في الداخل الأوروبي، إذ تناقص عدد السكان الأصليين ماض على قدم وساق، فيما أجناس أخرى بدأت بالفعل تحل محلها.
ويذكرنا حديث نازاروف بما صرح به مسوؤل الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قبل أشهر، عن  "أوروبا الحديقة التي يحاول البعض القفز فوق أسوارها"، بل إنه لا يذكرنا فحسب وإنما يبطل جدوى هذه الصيحة، لا سيما أن الأوروبيين هم من يستقدمون الأيدي العاملة لإدارة عجلة اقتصادياتهم.
يرى نازاروف أن الأزمة الديموغرافية بدأت بالفعل في الداخل الأميركي، وقد تكون سبباً للحرب الأهلية عما قريب، غير أنه يرى أن تبعات هذه الأزمة ستمتد إلى القارة الأوروبية المرشحة  بأسوأ صورة لتمدد الأزمة السكانية بشكل كبير.

يعتقد نازاروف أن الأوروبيين يراجعون أوراقهم الآن لجهة الأعداد الهائلة من المهاجرين واللاجئين الذين تدفقوا عليهم خلال العقد الماضي، لاسيما من الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا، الأمر الذي يجعل مستقبل أوروبا العرقي في مواجهة استحقاقات تساؤلات عن النقاء العرقي، وهو حديث يقود من دون أدنى شك إلى مساحات واسعة من العنصرية العائدة بقوة من خلال التيارات القومية واليمينية. وكان صعود "خيرت فيلدرز"، في هولندا أخيراً حلقة جديدة فيها.

هل الأوضاع الاقتصادية في الداخل الأوروبي أفضل حالاً من نظيرتها الديموغرافية؟

المؤكد أن هناك أزمات مالية عميقة في دول أوروبا، وطفت على السطح مرتين، واحدة خلال أزمة كوفيد -19، والثانية تجلت في تبعات أزمة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وكنتيجة للتضخم الزائد على الدخل من السندات بجميع دول أوروبا، بدأ المستثمرون في الفرار من السندات الحكومية، ونتيجة لذلك ارتفعت الفائدة على السندات الألمانية ذات السنوات العشر لهذا العام إلى 2.3 في المئة، فيما ارتفعت السندات الإيطالية إلى 4.9 في المئة.
ماذا يعني ذلك؟

يعني أن مدفوعات الديون والعبء على الموازنة بالنسبة إلى ألمانيا زاد بمقدار ثلاثة أضعاف على مدار العام، وبالنسبة إلى إيطاليا بمقدار 5.5 ضعف. وهذا لا ينطبق على الحكومة فحسب، وإنما يطاول كذلك الشركات والأشخاص العاديين.

هل أوروبا في مواجهة أزمة واحدة أم أزمات؟ ربما يحتاج الأمر إلى قراءة موسعة لاحقاً.

عن بولندا "ضبع أوروبا القادم"

المتابع لرؤى وكتابات وتحليلات نازاروف، يدرك أن لديه عين ثاقبة بشكل مؤكد قولاً وفعلاً، لا سيما أنه يدرك فرص النمو الكبيرة لبعض مواقع ومواضع العالم، وكذلك ثغرات الضعف من أين تتأتى.

يذكرنا نازاروف في واحدة من مقالاته ببولندا، تلك التي أطلق عليها رئيس وزراء بريطانيا العتيد ونستون تشرشل ذات مرة "ضبع أوروبا"، ودورها القادم في أوروبا المستقبل، ويصفها بأنها "كانت في عداوة مع جميع جيرانها ولم تفوت فرصة لسرقة قطعة من طاولة الآخرين، ما سمحت الظروف بذلك".

هل تسعى بولندا إلى تقسيم روسيا والعودة لمدارات الإمبراطورية ومساراتها؟

في العصور الوسطى، وبعد هزيمة المغول للإمارات الروسية، احتلت بولندا معظم الأراضي الروسية الجنوبية الغربية، وفي القرن الـ16، كانت بولندا أكبر وأقوى دولة في أوروبا، حتى انتعشت الدولة الروسية واستعادت معظم الأراضي الروسية، بما في ذلك الأراضي الأوكرانية والبيلاروسية الحالية.

لاحقاً وخلال القرن الـ20 وفي ذروة الاستعمار، أصبحت فكرة أن تصبح بولندا قوة استعمارية فكرة شائعة للغاية لدى البولنديين.
خلال الحرب الأهلية الروسية بعد اندلاع الثورة البولشيفية، وفي عام 1921، استولت بولندا على جزء كبير من الأراضي الروسية الغربية، وفي ثلاثينيات القرن الماضي، انضم أكثر من مليون بولندي إلى العصبة الاستعمارية البحرية، وكان تعداد سكان بولندا حينئذ لا يزيد قليلاً على 30 مليون نسمة.

وبالوصول إلى الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في عام 1938، قامت بولندا بالاشتراك مع ألمانيا النازية بالعدوان على تشيكوسلوفاكيا، وضمت جزءاً من الأراضي التشيكية والسلوفيكية إلى أراضيها. كانت تلك الحملة هي اللحظة التي أطلق فيها تشرشل عليها هذا الوصف.

هل يعتقد نازاروف أن بولندا تسعى من جديد إلى تنفيذ مخططات هيمنة وسيطرة مشابهة لما جرت به المقادير من قبل؟

غالب الظن نعم، وبخاصة بعد أن أعادت حرب العام الماضي في أوكرانيا، والتي لعبت فيها بولندا دوراً نشطاً، كل الطموحات الإمبريالية – من وجهة نظر روسية – إلى وارسو.

 يتهم الروس بولندا بأنها تتمول وتستضيف وتدرب على أراضيها منظمات مختلفة لها هدف واحد هو العمل على انهيار روسيا، وفي الوقت عينه تمنح الانفصاليين والإرهابيين، من روسيا وبيلاروسيا اللجوء السياسي، فيما أعلن عدد من السياسيين البولنديين جهاراً نهاراً أن تقسيم روسيا في صدارة أولوياتهم، وينظر هؤلاء إلى أن هدف الحرب في أوكرانيا هو تدمير روسيا إلى الأبد.

 هل في الداخل البولندي من علامات تقطع بأن ما يقوله نازاروف حقيقي؟

وارسو تعتزم إنشاء أقوى جيش في أوروبا بالفعل، كما بدأت في زيادة حجم جيشها، فيما يضخ الأنغلوساكسون الأسلحة والأموال بشكل مكثف إلى بولندا، ويخططون على ما يبدو لإشراكها في الحرب مع روسيا، أو بالأحرى أن تقوم بالدور المطلوب عندما تنهزم القوات الأوكرانية، وعليه يخلص مفكرنا إلى أن دخول بولندا الحرب ضد روسيا أمر شبه حتمي ومسألة وقت فقط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


النووي الروسي وآلية "اليد المميتة"

الحديث عن الأزمة الروسية - الأوكرانية يستدعي بالضرورة كثيراً وربما كثيراً جداً من استشرافات نازاروف لمستقبل الأزمة، غير أننا نختار قصة واحدة من بين قصص عديدة، بهدف الوقوف على أخطر جزئية في هذه المواجهة التي يمكنها أن تدمر العالم مرة وإلى الأبد.
هل يمكن أن تستخدم روسيا السلاح النووي حال تعرضها للخطر الداهم في أوكرانيا، أو ما عداها من الظروف القاهرة؟

يقطع الرجل بأن الغرب زاد أخيراً وبسرعة من حجم الأسلحة الموردة إلى نظام زيلنسكي، مما يدل على استعداده لتصعيد غير محدود تقريباً وجاهزيته للمضي قدماً نحو تحقيق هزيمة روسيا في أوكرانيا بأية وسيلة.
يدرك الجميع أن الغرب الموحد يتفوق على روسيا في مجال الأسلحة التقليدية، وهذا معناه أنه عند نقطة محددة، وبحال تعرض الأمن القومي الروسي للخطر الداهم الذي يهدد بقاء الدولة، فإنه لن يكون هناك خياراً آخر غير استخدام الأسلحة النووية.

يميط نازاروف اللثام عن صفحات غير ناصعة في تاريخ الغرب الأنغلوساكسوني، وكيف أنهم لا يتورعون عن أية إبادة جماعية من أجل الحفاظ على هيمنتهم وازدهارهم، وبالفعل في نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما كان الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة لا يزالون حلفاء، بدأ الأنغلوساكسون في تطوير خطوط للهجوم على الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك استخدام أسلحة نووية.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2022 أعلن القيصر بوتين أنه إذا لم تستخدم روسيا أسلحتها النووية أولاً، فمن المؤكد أنها لن تستطيع استخدامها ثانية، ثم أوضح أن العقيدة العسكرية الأميركية الخاصة بضربة نووية استباقية في الظروف الراهنة تجبر روسيا أيضاً على إمكان تطبيق مثل هذه العقيدة، لأنه بعد الضربة الاستباقية الأميركية لن يكون لدى روسيا فرصة للرد.

ما مدى صحة هذا الحديث؟

بعيداً من التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي، التي كررها مراراً، الرئيس الروسي السابق، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف، فإن نازاروف أماط اللثام عن آلية عمل الترسانة النووية الروسية، إذ قال "إذا وجهت ضربة نووية إلى روسيا، ودمرت قيادات البلاد، فإن جهاز الكمبيوتر الخاص بنظام اليد المميتة يقيس الإشعاع في موسكو وعدد الأماكن الأخرى ويقرر توجيه ضربة انتقامية من تلقاء نفسه من دون رئيس، ثم يتم إطلاق صاروخ خاص أو صواريخ مع جهاز إرسال لاسلكي، يطير من الغرب إلى الشرق على طول البلاد بأكملها، ويأمر جميع الصواريخ النووية بإطلاق النار تلقائياً على الأعداء".

هل كانت هذه المعلومة متاحة لأجهزة الاستخبارات الغربية وفي مقدمها الأميركية، أم أنها سربت بقصد أن تصل إلى الأميركيين، لدفعهم في التفكير مئات المرات قبل اتخاذ أي قرار في شأن الحرب النووية؟

الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024

نختتم هذه الطائفة المنتقاة من كتابات وآراء ألكسندر نازاروف، بالحديث عن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة 2024، التي رسم لها غير مرة صورة مأساوية بل سوداوية، إذ اعتبر أنها قد تكون آخر انتخابات رئاسية قبل أن يتفكك الاتحاد الفيدرالي الأميركي، كما جرى بالضبط مع الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود.
هنا يمكن للمرء أن يعتبر المشهد مكايدة سياسية من جانب أحد الكتاب الروس المناوئين للحضور الأميركي العالمي، غير أن ما يجعل المرء يعيد قراءات نازاروف أكثر من مرة، هو أن أحد أساطين المحافظين الجدد الأميركيين، والمؤسس المشارك في مشروع "القرن الأميركي"، ونقصد به "روبرت كاغان"، يرجح السيناريو الخاص نفسه بالاحتراب الأهلي الأميركي في الداخل بين الأميركيين أنفسهم، وخصوصاً في ظل حال الفوضى الطافية على السطح.

غير أن نازاروف، يضفي لمسة أكثر رعباً وذعراً، حين يتساءل "هل يمكن أن يغتال دونالد ترمب قبل الوصول إلى موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟

قد يكون هذا هو الخيار الأخير للدولة الأميركية العميقة، تلك التي قال ترمب إنه يخطط للقضاء عليها بحال وصوله إلى مقعد الرئاسة قريباً.

لكن المخيف هو أن عملية مثل هذه، كفيلة بأن تشق صف الولايات المختلفة من جهة، مما يفتح الباب للعودة للنموذج الكونفديرالي في أفضل الأحوال، ما لم تنشب ثورة داخلية.

من نازاروف؟ مفكر سياسي فحسب، أم عقل مفكر لأجهزة روسية ماورائية؟

المزيد من تحقيقات ومطولات