Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المقايضة مع دول الجنوب أمل لإنعاش الجزائر اقتصاديا

تلبي احتياجات السوق من الواردات من دون ضغط العملة الأجنبية وتسمح بتصدير المنتجات المحلية بمزايا تنافسية

جانب من ملتقى جزائري حول تجارة المقايضة مع دول الساحل (الإذاعة الجزائرية)

ملخص

لماذا تفضل الجزائر تجارة المقايضة مع جيرانها في الجنوب؟

عاد الحديث مجدداً في الجزائر حول تجارة المقايضة مع دول الجوار الجنوب مما منح انطباعاً بأن هناك اهتماماً كبيراً بهذا النموذج الاقتصادي، لكنه أثار تساؤلات عن أسباب هذا التوجه وما مدى نجاعته، غير أن المتابع يكتشف أن الأمر مرتبط بالعودة إلى الحضن الأفريقي في ظل صراع القوى الدولية على القارة السمراء.

نمط مشروط

وأحيا الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تجارة المقايضة مع جوار بلاده من الأفارقة، خلال تصريحات أدلى بها على هامش افتتاحه معرض الإنتاج المحلي، بالقول إن الشركات مدعوة للعودة إلى التبادلات التجارية مع دول أفريقية مجاورة، بنظام المقايضة، بشرط أن تقتصر المبادلات على السلع والمواد التي تحتاج إليها السوق الجزائرية.

لكن تبون وضع حدوداً لهذا النمط التجاري الذي تم تعليقه لسنوات بسبب الوضع الأمني المتوتر في المنطقة، إذ شدد على إجراء إحصاء دقيق للشركات والمؤسسات التي تمكنت من تغطية الاحتياجات المحلية حتى يرخص لها بالتصدير نحو أفريقيا، كما سمح بتصدير المواد والسلع التي تحتاج إليها بلاده وأصلها بالعملة الأجنبية، على أن يكون بنسب قليلة حتى لا تسبب اختلالاً في الاستهلاك وتخلق ندرة.

وكانت الجزائر أقرت في عام 2020 قانوناً يسمح بتجارة المقايضة على المناطق الحدودية مع دول مجاورة، كما تم ضبط قائمة المنتجات والسلع القابلة للتبادل، وفتح معابر حدودية تم ربطها بشبكة طرق الوحدة الأفريقية التي تبدأ من شمال الجزائر إلى جنوبها في عمق الصحراء الأفريقية لتلتقي مع أجزاء من الطرق العابرة للنيجر ومالي، إضافة إلى عمل وزارة التجارة على إنجاز أسواق على الحدود مع الجيران منها النيجر ومالي وليبيا وموريتانيا.

تجارة موجهة

وأعلن وزير التجارة وترقية الصادرات الطيب زيتوني، منذ أيام، عن انضمام بلاده رسمياً لمبادرة التجارة الموجهة، في إطار التجسيد الفعلي لاتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية "زليكاف".

وقال زيتوني، إنه بإمكان المتعاملين الاقتصاديين بموجب هذه المبادرة، القيام بتبادلات تجارية مع نظرائهم من الدول الشريكة فيها من دون قيود جمركية، داعياً المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين إلى الاستفادة من المزايا التي تمنح في إطار المبادلات التجارية مع الدول العضوة في هذه المبادرة.

وأشار الوزير إلى أن الأمر يتعلق بتونس ومصر وكينيا وغانا، وكذلك الكاميرون ورواندا وجزر موريس، من أجل تعزيز الصادرات الجزائرية خارج المحروقات وتجسيد أهداف اتفاقية "زليكاف" الرامية لرفع مستويات التبادل التجاري بين الدول الأفريقية بشكل محسوس.

ولفت الوزير الجزائري إلى فتح منصات لعرض المنتجات الجزائرية في السنغال وموريتانيا وقريباً في النيجر وكوت ديفوار والكاميرون، وكذلك إطلاق فروع بنكية في موريتانيا والسنغال، وفتح أخرى بدول أفريقية مستقبلاً.

ونوه الزيتوني بأن المبادلات التجارية ستكون مباشرة عن طريق قوانين منظمة التجارة الأفريقية ومبادرة "زليكاف" أو عبر التبادل التجاري للمقايضة. وكشف عن استعداد سبعة قطاعات للتصدير نحو أفريقيا ويتعلق الأمر بمواد البناء والصناعات الدوائية والكهرومنزلية، إضافة إلى الصناعات التحويلية والميكانيكية.

الفضاء الأفريقي

وتعليقاً على الاهتمام الذي توليه الجزائر لتجارة المقايضة، أكد متخصص الاقتصاد أحمد الحيدوسي، أنه يمكن اعتبار تجارة المقايضة كأرضية تعتمد عليها بلاده اليوم لولوج الفضاء الأفريقي. وقال إن الأرقام المسجلة مشجعة لأسباب عدة منها أن السوق المحلية في جنوب البلاد يتم تمويلها بسلع من دول أجنبية من دون الحاجة إلى عملة صعبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح الحيدوسي أن السلع التي يتم تصديرها في إطار المقايضة هي منتجة محلياً وهذا مسعى مهم أيضاً، مضيفاً أن أفريقيا اليوم تشهد تطوراً كبيراً متسارعاً بسوق تعد من أكبر الأسواق في العالم بنحو 1.3 مليار نسمة، وبحجم تبادل يصل إلى 300 مليار دولار، ويتوقع البنك الدولي أن يصل إلى تريليون دولار بحلول 2030.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى تكتلات المنطقة منها ثمانية مناطق اقتصادية، بحسب الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى دخول اتفاقية منطقة التبادل الحر الأفريقي حيز التنفيذ بـ52 دولة من بين 55 دولة، مما يسمح للمنتجات الجزائرية بالاستفادة من إعفاءات جمركية تصل إلى 90 في المئة، وهي فرصة كبيرة جداً للجزائر إذا تم استغلالها بشكل فعال.

وواصل الحيدوسي قوله، إنه لإنجاح العملية لا بد أن تكسب المنتجات الجزائرية ميزة تنافسية، وهذا لا يتم إلا بتوفير مجموعة من العوامل أولها البنية التحتية من طرق وسكك حديدية، إضافة إلى إصلاح المنظومة المالية، كما يجب أن ترافق البنوك الجزائرية المصدرين، ويكون لها فروع خاصة في دول الساحل، إضافة إلى فتح فروع للمنتجين الجزائريين لتسويق المنتجات في الخارج، لافتاً إلى أن كل ذلك يتم عبر مرافقة دبلوماسية وإعلامية بخلفية اقتصادية.

تقليل التهريب

من جانبه، اعتبر الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد عبدالقادر بريش، أن صيغة المقايضة التي تعتبر من أقدم أدوات التعامل بين التجمعات البشرية تسهم في تشجيع التواصل والتقارب بين الشعوب والدول، بخاصة في المناطق الحدودية، موضحاً أن إقدام الجزائر على تقنين وضبط التعامل بالمقايضة مع دول الجوار الجنوبي يساعد في تنشيط حركة التجارة في المنطقة والتقليل من عمليات التهريب ومختلف الجرائم المعروفة جنوباً.

ونبه بريش، إلى أن المقايضة تسمح أيضاً بخلق مناصب شغل عبر دفع كثيرين من الشباب إلى العمل في التجارة المشروعة عوض النشاط في التهريب والممنوعات، مما يسهم في تطوير مناطق تبادل حر مع دول الجنوب، ومنه اقتحام الأسواق الأفريقية.

تبادل البضائع

تجارة المقايضة هي نمط لتبادل البضائع بين المهنيين في مناطق حدودية محددة، إذ تتم بتبادل السلع والمواد سواء غذائية أم غيرها من دون معاملات مالية، لكن وفق شروط متفق عليها بين حكومات الدول المعنية، وهو نظام عريق في المنطقة، بخاصة أن النسيج الاجتماعي في الشريط الحدودي الجزائري يتشكل من عائلات موزعة على البلدان المتجاورة.

وتعود جذور تلك التجارة في الجزائر لقوانين سنت في عام 1968 خلال عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، لكنها خضعت لتعديلات عدة مرات على غرار أعوام 1988 و1994 و1997 قبل انتعاشها بقوة قبل ثلاث سنوات، إلا أنها تحاصرها التهديدات في 2023 أمام تردي الأوضاع الأمنية في مالي والنيجر.

وعلى الرغم من قدم نظام تجارة المقايضة، فإنه عاد للظهور في ثلاثينيات القرن الـ20 مع انهيار الاقتصاد العالمي، إذ لجأ الناس إلى المقايضة للحصول على حاجاتهم اليومية وأساسات الحياة، وتطور في الوقت الحالي مع وجود الإنترنت، إذ أصبح هناك انتشار لهذا النمط التجاري من خلال أوجه مختلفة من المواقع والتطبيقات القائمة على تبادل السلع والخدمات، فإنه لا يقدم ضمانات كافية بجودة السلع والخدمات ووقت تسليمها على الرغم من أنه يتميز بالمرونة والسهولة.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي