Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطوات تحمي الناس من الخرف

شأن كثير من الأمراض، لا يصيب هذا الداء الناس سواسية على اختلاف مراتبهم الاجتماعية، ولكن تتوفر تدابير معينة تساعد، إذا ما لجأنا إليها، الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالخرف في التعامل معه بسهولة أكبر أو حتى وقف تقدمه تماماً

أظهر تقرير جديد صادر عن "مؤسسة أبحاث ألزهايمر في المملكة المتحدة" أن العيش في ظروف من العوز يعزز خطر الإصابة بالخرف (غيتي/آي ستوك)

ملخص

الخرف لا يصيب الناس سواسية بل يفتك بالأكثر فقراً

إنه الخرف، الخطر الذي يتهددنا شبحه جميعاً. ولكن، شأن كثير من الحالات المتصلة بالصحة، لا يصيب هذا الداء الناس بشكل متساو.

شطر كبير في وسطنا ممن يهتمون بالتفاوتات التي تشوب أشكال الرعاية الصحية والأمراض صبوا اهتمامهم على الأطفال. وأحد المواضيع التي اكتسبت مكاناً ثابتاً لها في تقاريرنا الصادرة عن "معهد كلية لندن الجامعية للمساواة الصحية" UCL Institute of Health Equity ضرورة أن نضمن تحقيق العدالة بين الجميع منذ البداية، وأن نمنح كل طفل أفضل انطلاقة في الحياة من شأنه أن يحصل عليها. ومن هنا، تبدت المخاوف عندما ذكرت "مؤسسة جوزيف راونتري" الخيرية، أخيراً، أن مليون طفل في المملكة المتحدة يعيشون في ظل ظروف من العوز المدقع، في زيادة تقرب من ثلاثة أضعاف الرقم المسجل بين عامي 2017 و2022.

ولكن ماذا عن 2.8 مليون شخص يكابدون الفقر المدقع، ولا يندرجون ضمن فئة الأطفال؟ ألا يجب أن نعيرهم الاهتمام أيضاً؟ هل يفوت الأوان بعد تجاوز المرء سن السنوات الخمس لاتخاذ أي خطوات تصب في مصلحته في شأن الصحة، وغياب المساواة الصحية، خصوصاً في صفوف فئات السكان الأكبر سناً؟

ثمة ميل إلى اعتبار الموت تلك القوة العظيمة التي تحقق المساواة بين الجميع، إضافة إلى أنه قبل هذه النهاية لا يجد الإنسان مفراً من التراجع الذي يشهده الأداء الجسدي والعقلي لديه. في المبدأ الأساس، إنما المبتذل، لما كنا جميعاً بشراً فانين يبقى الموت المصير المحتوم الذي يحقق المساواة بين الجميع، ولكن العمر الذي يقض فيه شبح الموت مضجعنا تحكمه بشدة الظروف الاجتماعية التي نعيشها. وعلى نحو مماثل، تبدو الحياة قبل الموت بعيدة كل البعد عن أي مساواة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك تترك الظروف التي نولد فيها وننشأ ونعيش ونعمل ونتقدم بالعمر، علماً أنها العوامل الاجتماعية المحددة للصحة، تأثيرها الشديد في ما يصيبنا من مرض وما نقاسيه من أشكال المعاناة. هكذا، فإن التفاوتات في متوسط العمر المتوقع الذي يعيشه الإنسان في صحة جيدة أكبر من التفاوت [التباين] في متوسط العمر المتوقع. ويحوز الخرف على جزء مهم من السنوات المشوبة بحالة صحية سيئة.

يظهر تقرير جديد صدر عن "مؤسسة أبحاث ألزهايمر في المملكة المتحدة" أن خطر الإصابة بالخرف يرتفع كلما تفاقم الحرمان، وأن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الفقيرة يموتون بسبب الخرف في سن مبكرة مقارنة مع سكان المناطق غير المحرومة. علاوة على ذلك، يزداد خطر الإصابة بالخرف لدى الأشخاص من العرق الأسود والمتحدرين من جنوب آسيا في المملكة المتحدة، ويموت هؤلاء في وقت مبكر بسبب الخرف.

وكما أن الحرمان ليس نظير حكم مبرم بالموت المبكر، لا يفترض أن يكون أيضاً حكماً بالخرف المبكر. في هذا السياق، تدعو مؤسسة "أبحاث ألزهايمر في المملكة المتحدة،" التي تراجع الأدلة، إلى اتخاذ إجراءات في خمسة مجالات علها تؤخر ظهور الخرف وتحد من عدم المساواة: تنقية الهواء من التلوث، العمل على التخلص من التدخين، وتعزيز الطعام الصحي، ومعالجة ارتفاع ضغط الدم، وتشخيص فقدان السمع وعلاجه.

وتتوزع التأثيرات التي تطرحها كل من العوامل الخمسة المذكورة آنفاً على نحو غير متكافئ بين الناس، على حساب سكان المناطق الأكثر حرماناً. كذلك تقدم تفسيرات جاهزة لارتفاع خطر الإصابة بالخرف بين أوساط السكان الأكثر فقراً، وللحرمان بين صفوف البريطانيين من السود والآسيويين. ومع ذلك، لا ينتهي الكلام هنا.

يؤكد بحث من شرق لندن ارتفاع خطر الإصابة بالخرف في المناطق الأكثر حرماناً. ولما كانت عوامل الخطر، قائمة تتداخل مع العوامل الخمسة المذكورة آنفاً، مرتبطة بالحرمان، فإن ذلك لا يغير في الواقع شيئاً، إضافة إلى هذه المخاطر، يرتفع معدل الإصابة بالخرف في المناطق المحرومة لأسباب أخرى. يشير الباحثون الذين تولوا الورقة البحثية، ومنهم فازا بوثونجو، من "جامعة كوين ماري" في لندن، وزملاؤها، إلى حقيقة أن الأحداث المجهدة والمؤلمة والصدمات التي يمر بها الإنسان تؤثر في خطر الإصابة بالخرف، وربما تكون أكثر شيوعاً في صفوف بعض المجموعات الإثنية والمحرومة.

هذه النتائج، التي تؤشر إلى أنه في يدنا أن نمنع، إلى حد ما، أوجه التفاوت في خطر الإصابة بالخرف، تدخل في نقاش مختلف: أين تقع المسؤولية عن العمل على تحسين الصحة والحد من غياب المساواة الصحية. إنه تقريباً اختبار حقيقي للقناعات السياسية. الأشخاص الموجودون على يمين المشهد السياسي يشددون على مسؤولية الفرد عن الصحة، والأشخاص على يسار الانتماءات السياسية يدعون إلى العمل الاجتماعي [إصلاحات اجتماعية].

وأنا أرى أن البحث في الإجراءات الخمسة الموصى بها سابقاً، يدل على ضرورة العمل الاجتماعي. بالنسبة إلى تلوث الهواء، واضح أنه ليس في مقدور الناس كأفراد أن يحدوا منه بمفردهم، لذا يبقى الهواء النظيف مسؤولية اجتماعية. أما مسألة تناول الطعام الصحي فربما تبدو مفتوحة أكثر على النقاش. فإذا كان يسع أحد الساسة أن يزعم أن النوم في العراء أحد الخيارات في أسلوب العيش، فإنه لن يجد صعوبة كبيرة في إلقاء اللوم على الفقراء لأنهم يستهلكون أطعمة غير صحية.

وبطبيعة الحال، يتبين من الأدلة أن الفقر هو السبب وراء تناول الطعام غير الصحي. ومعلوم أن التقدم الذي شهده الحد من آفة التدخين قد تحقق بفضل العمل الاجتماعي. أما السيطرة على ارتفاع ضغط الدم من طريق اتباع نظام غذائي صحي والحد من استهلاك الكحول، فضلاً عن اللجوء إلى العلاج الفوري، فيستلزم مزيجاً من السلوكيات الفردية والعمل الاجتماعي على حد سواء.

حتى الآن، كان وارداً أن نعتقد أن عامة الناس يظنون أن الصحة مسؤولية فردية أيضاً. يبعث هذا التفكير على الخيبة والإحباط. فإذا كان اعتلال الصحة ينجم، في رأي الناس، عن الحظ السيئ أو الاختيارات الخطأ في الحياة، فليس من المستغرب أن يشعر الساسة [من هم في موقع القرار] الميالون إلى هذه القناعات بعدم الحاجة إلى تغييرها.

ولكن استطلاعاً للرأي نهضت به، أخيراً، مؤسسة "فيرنس فاونديشن"Fairness Foundation ومؤسسة "أوبينيوم" Opinium وجد أن الناس يدركون الأهمية التي تنطوي عليها معالجة العوامل الاجتماعية المحددة للصحة. نصف السكان الذين شملهم الاستطلاع أشاروا إلى العمل على أنه العنصر الذي أثر في صحتهم، فيما كانت كلفة المعيشة العامل الذي ذكره النصف الآخر من المستطلعين. وبالنسبة إلى الجهة المسؤولة عن إصلاح التفاوتات في الرعاية الصحية، اختار 54 في المئة الحكومة في إجابتهم.

في نهاية المطاف، إذا أردنا أن ترتقي بصحتنا إلى مستوى الصحة [الجيدة] التي يتمتع بها جيراننا الأوروبيون، علينا أن نعمل على تقريب معدلات الضرائب والإنفاق العام من مستوى المعدلات لدى جيراننا هؤلاء. لا يسعني أن أتولى منصباً سياسياً أبداً. والمثير للاهتمام أن استطلاع مؤسسة "فيرنس فاونديشن" يظهر أن 52 في المئة من البريطانيين يؤيدون رفع الضرائب لزيادة الإنفاق على الحد من أوجه عدم المساواة في الرعاية الصحية.

ويقدم هذان التقريران رسالتين قاتمتين [متشائمتين] ورسالتين مشجعتين. يبدو من المجحف تماماً أن، إضافة إلى جميع المحن الصحية الأخرى، يبقى سكان المناطق المحرومة ومجموعات السكان من العرق الأسود والآسيويين أكثر عرضة للإصابة بالخرف. ومن المشجع جداً أن في جعبتنا أدلة على أن في مقدور السياسات الاجتماعية أن تصنع فارقاً مهماً. ومن المشجع أيضاً أن نصف الناس على أقل تقدير يدركون ويدعمون الإجراءات الحكومية الرامية إلى الحد من التفاوتات في الصحة. إن لم يكن الآن، فمتى؟

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة