Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يواجه اقتصاد الصين ركودا عنيفا في 2024؟

محللون يتوقعون عاماً صعباً في ظل انهيار العقارات وانتشار البطالة وتراجع النمو

 توقعات بتراجع معدل النمو في الصين إلى 3.5 في المئة خلال عام 2028 (أ ف ب)

كان من المتوقع أن يتعافى الاقتصاد الصيني سريعاً خلال عام 2023 ويستأنف دوره كمحرك النمو العالمي بلا منازع، وبدلاً من ذلك تبدلت هذه التوقعات وتحول ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى أكبر عائق أمام تعافي ونمو الناتج العالمي.

وعلى رغم مشكلاته الكثيرة التي ظهرت بصورة واضحة في أزمة العقارات وضعف الإنفاق وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، يعتقد معظم الاقتصاديين أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم سيحقق هدف النمو الرسمي الذي يبلغ نحو خمسة في المئة هذا العام، لكنهم في الوقت نفسه عبروا عن قلقهم من أن هذا لا يزال أقل من متوسط ​​النمو السنوي الذي يزيد على ستة في المئة خلال العقد السابق لجائحة "كوفيد"، ويبدو أن عام 2024 مشؤوم بصورة متزايدة، وربما تكون البلاد على أعتاب عقود من الركود بعد ذلك.

وعن ذلك قال الزميل في معهد "أميركان إنتربرايز" ديريك سيسورس  إن "التحدي الذي يواجه الاقتصاد الصيني عام 2024 لن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي من المرجح أن يتجاوز 4.5 في المئة، بل سيكون أن الاتجاه الوحيد من هناك هو الأسفل"، محذراً من أنه من دون إصلاحات كبيرة في السوق فيمكن أن تظل البلاد عالقة فيما يسميه الاقتصاديون "فخ الدخل المتوسط"، في إشارة إلى فكرة أن الاقتصادات الناشئة تخرج بسرعة من الفقر فقط لتقع في فخ قبل أن تصل إلى مستوى الدخل المرتفع.

لكن ولعقود من الزمن منذ إعادة انفتاح الصين على العالم عام 1978، كانت واحدة من أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً على وجه الأرض.

وخلال الفترة بين عامي 1991 و2011 نما 10.5 في المئة سنوياً، وبعد عام 2012 عندما أصبح شي جينبينغ رئيساً تباطأ التوسع، لكنه ظل في المتوسط ​​بنسبة 6.7 في المئة خلال العقد الممتد حتى عام 2021.

وقال "سيسورس" في مذكرة بحثية حديثة إن "النصف الثاني من العقد المقبل سيشهد تباطؤ النمو"، مستشهداً بتصحيح في قطاع العقارات المضطرب إلى جانب التراجع الديموغرافي.

إلى ذلك أصبح صندوق النقد الدولي أكثر تشاؤماً في شأن توقعاته على المدى الطويل، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قال إنه يتوقع أن يصل معدل النمو في الصين إلى 5.4 في المئة خلال عام 2023، ثم ينخفض ​​تدريجاً إلى 3.5 في المئة عام 2028 وسط رياح معاكسة تتراوح بين ضعف الإنتاجية وشيخوخة السكان.

سيولة ضخمة عبر الاقتراض في 2009

والاقتصاد الصيني الذي واجه سلسلة من التحديات لم يصل إلى هذا الموقف بين عشية وضحاها، وقال سيسورس إن الإدارة السابقة للصين غمرت الاقتصاد بالسيولة عام 2009 خلال ذروة الأزمة المالية العالمية لتعزيز النمو.

وكانت حكومة شي جينبينغ مترددة في كبح جماح الاقتراض بعد وصولها إلى السلطة عام 2012 مما أدى إلى تفاقم المشكلات الهيكلية، ويتفق مع ذلك مدير أبحاث الأسواق الصينية في مجموعة روديوم لوجان رايت قائلاً إن "التباطؤ في اقتصاد الصين هيكلي وناجم عن نهاية التوسع غير المسبوق في الائتمان والاستثمار على مدى العقد الماضي"، مضيفاً أن "النظام المالي للبلاد ببساطة لن يكون قادراً على توليد مستويات النمو الائتماني نفسها التي كان عليها خلال السنوات السابقة، وبالتالي فإن بكين ستكون لديها سيطرة أقل بكثير على اتجاه اقتصادها مما كانت عليه في الماضي".

وما جعل الأمور أسوأ هو احتضان بكين العنيد لسياسة القضاء على "كوفيد-19" المتمثلة في عمليات الإغلاق الصارمة وحملتها القمعية الشاملة على المؤسسات الخاصة، والتي أضرت بشدة بالثقة وأضرت بالجزء الأكثر حيوية من الاقتصاد، ويمكن رؤية عواقب هذه السياسات في التباطؤ هذا العام، وكانت أسعار المستهلك ضعيفة خلال معظم عام 2023 بسبب تباطؤ الطلب مع خطر حدوث دوامة انكماشية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأيضاً فقد تفاقمت أزمة العقارات، إذ دفع انخفاض مبيعات المنازل بعض المطورين الأصحاء مثل "كانتري غاردن" إلى حافة الانهيار، بل امتدت الأزمة إلى قطاع الظل المصرفي الضخم، مما تسبب في التخلف عن السداد وأثار الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد.

في غضون ذلك تعاني الحكومات المحلية صعوبات مالية بعد ثلاثة أعوام من الإنفاق بسبب "كوفيد-19" وتراجع مبيعات الأراضي، للدرجة التي لا تستطيع بعض المدن سداد ديونها، واضطرت إلى خفض الخدمات الأساس أو تقليل المزايا الطبية لكبار السن، فيما أصبحت البطالة بين الشباب سيئة للغاية لدرجة أن الحكومة توقفت عن نشر البيانات.

وأصبحت الشركات الأجنبية حذرة من التدقيق المتزايد في بكين وبدأت الانسحاب من البلاد، وخلال الربع الثالث تحول مقياس الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين إلى المستوى السلبي للمرة الأولى منذ عام 1998.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي أظهر استطلاع أجرته غرفة التجارة الأميركية في شنغهاي أن نحو 52 في المئة وحسب من المشاركين كانوا متفائلين في شأن آفاق أعمالهم مدة خمسة أعوام، وهو أدنى مستوى منذ بدء الاستطلاع عام 1999.

هل تصبح الصين مثل اليابان؟

ومع تباطؤ النمو في الصين أجرى بعض الاقتصاديين مقارنات مع اليابان التي شهدت عقدين ضائعين من ركود النمو والانكماش بعد انفجار فقاعتها العقارية أوائل التسعينيات، لكن سيسورس لا يعتقد أن الأمر سيسير على هذا النحو وأقله ليس على الفور، قائلاً "لن تبدو بقية فترة العقد الثاني من القرن الـ 21 وكأنها عقد ضائع، إذ سيظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني أعلى بكثير من الصفر".

ولكن على المدى الطويل قد تكون المشكلة الاقتصادية الأكبر هي الديموغرافيا، ففي العام الماضي انخفض عدد سكان الصين إلى 1.411 مليار نسمة، وهو أول انخفاض له منذ عام 1961، وأيضاً انخفض معدل الخصوبة الإجمالي، وهو متوسط ​​عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة خلال حياتها، إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 1.09 خلال العام الماضي من 1.30 قبل عامين، وهذا يعني أن معدل الخصوبة في الصين أصبح الآن أقل حتى من نظيره في اليابان، وهي الدولة المعروفة منذ زمن طويل بمجتمعها المتقدم في السن.

ويمكن أن يكون للتركيبة السكانية تأثير كبير في إمكانات نمو الاقتصاد، إذ من الممكن أن يؤدي انخفاض المعروض من العمالة وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والاجتماعية إلى عجز مالي أوسع نطاقاً وزيادة عبء الديون.

ومن الممكن أيضاً أن يؤدي صغر حجم القوى العاملة إلى تآكل المدخرات، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الاستثمار، فالطلب على الإسكان، على سبيل المثال، قد ينخفض ​​على المدى الطويل.

وقال سيسورس إنه "في أربعينيات القرن الحالي سيؤدي الانكماش السكاني إلى جعل النمو الكلي مستحيلاً"، مستدركاً "ومن دون تغييرات حادة في السياسة فلن يكون هناك انتعاش بالنسبة إلى الصين"، وموضحاً أن "ثلاثينيات القرن الحالي ستكون أسوأ من عشرينيات هذا القرن".

هل يستطيع شي تحديد مسار جديد؟

وأشارت القيادة الصينية التي اجتمعت هذا الشهر لمناقشة الأهداف والسياسات الاقتصادية للعام المقبل إلى أنها ستكثف الدعم المالي والنقدي للاقتصاد، بل إن المسؤولين تعهدوا بتعزيز الدعاية الاقتصادية وتوجيه الرأي العام في محاولة لتعزيز الثقة.

وذكرت وسائل الإعلام الصينية أن الحكومة قد تحدد الهدف الاقتصادي للعام المقبل مرة أخرى عند نحو خمسة في المئة، وهو ما يبدو طموحاً بالمقارنة مع التوقعات المستقلة.

ومن المقرر أن يتم الإعلان عن الهدف الرسمي خلال مارس (آذار) المقبل عندما تعقد الصين اجتماعاتها التشريعية السنوية، لكن من غير المرجح أن تساعد هذه التحركات في حل المشكلات الهيكلية.

وقال رئيس قسم اقتصادات الصين في "كابيتال إيكونوميكس" جوليان إيفانز بريتشارد "يبدو أن صناع السياسات يعتقدون أنه مع القليل من التحفيز وتحسن المعنويات يمكن للاقتصاد العودة لمسار أقوى"، موضحاً "يبدو أن المسؤولين يأملون أيضاً في أن يساعد تحديد هدف نمو طموح في تعزيز الثقة"، ومضيفاً أنه "على رغم وجود بعض الحقيقة في هذا فإننا نعتقد أن المسؤولين يقللون من تقدير مدى كون التباطؤ في الصين هيكلياً بطبيعته ولن يكون من السهل عكسه، إذ إن معظم التباطؤ يعكس تراجعاً هيكلياً في الإنتاجية ونمو الدخل، وليس الضعف الدوري الذي يمكن معالجته من خلال تحفيز جانب الطلب أو غير ذلك من تدابير تعزيز الثقة".

وقال سيسورس إنه "إذا لجأت بكين إلى قواعد اللعبة القديمة مثل زيادة الاقتراض فلا يزال بإمكانها تحفيز النمو عام 2024"، مستدركاً "لكن كمسكن للألم الاقتصادي وليس علاجاً".