Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء عصر النهضة "المطابقات للمواصفات"

كتاب جديد يتناول رحلات المرأة مع المكياج ومحاولات التجمل الأنثوي

يؤمن البعض بأن أسلوب المكياج لإخفاء عيوب الوجه أمر مطلوب للنساء (مواقع التواصل) 

في قصيدة عنوانها "مكياج" كتبت الشاعرة الأميركية دورا ماليتش، "أمي لا تثق في ما لا تضعه النساء، وتقول ما الذي لسن يخفينه؟"، وكأنما هذه وظيفة التجمل البديهية، أن يخفي شيئاً، وأن يحول بين حقيقة ما والعيون. وأيضاً، ثمة بديهية أخرى تفترضها الأم، وهي أنه ما من امرأة إلا ولديها ما يجدر إخفاؤه.

وتمضي ماليتش فتقول عن المكياج إنه "يجعل الميت حياً، والحي يجعله أكثر حياة" فيا لها من قدرة إعجازية يحق لنا معشر الرجال أن نأسى لحرماننا منها. وقرب نهاية القصيدة تقول الشاعرة الأميركية إن "تراب الأرض نفسه يطلب اللون مرة كل عام". فها هي إذن أمنا الأرض لا تتورع عن بعض التجمل كل ربيع، فلمَ لا تقتدي بها النساء؟

صدر حديثاً في أكثر من 300 صفحة كتاب يتناول الموضوع نفسه، وإن كان من زاوية أخرى، بعنوان "كيف تكونين امرأة من عصر النهضة: التاريخ غير المحكي للجمال والإبداعية الأنثوية" للكاتبة والمؤرخة جيل بيرك أستاذة الثقافات المادية والبصرية في عصر النهضة بجامعة إدنبره.

استهلت سارة دونانت استعراضها لكتاب ليتيراري رفيو في أغسطس (آب) الماضي بقولها إن حكومة "طالبان" فعلت أخيراً في حق النساء "فعلاً خبيثاً" بإجازتها قانوناً بإغلاق جميع صالونات التجميل "فبعد أن وطأت جميع الحريات، هاجمت الموضع الأخير الذي كان لا يزال بوسع النساء أن يجدن فيه عملاً ويلتقين ويختلطن خارج البيت".

النساء والسلطة

وفي محاولة البحث عن مزيد من التفسيرات لهذا القانون، عدا قمع الحرية، تساءلت الروائية والناقدة البريطانية "هل رأى المقاتلون المتدينون الأبطال في هذه الأماكن مراجل للكبر والغرور؟ أم كان هدفهم هو منع النساء من ذلك القدر الضئيل من التضامن والإحساس بالسلطة وإن اقتصرت على أجسامهن؟".

تمضي دونانت فتكتب "أن مسألة السعي إلى الجمال الأنثوي، وما يعنيه للنساء وكيفية حكم المجتمعات التي ينتمين إليها عليه، وبخاصة المجتمعات التي تنكر عليهن المساواة، تكمن في صلب كتاب جيل بيرك الرائع (كيف تكونين امرأة من عصر النهضة) الذي يدرس بالدرجة الأساسية 250 سنة من النهضة الأوروبية، مع التركيز في الغالب على إيطاليا، ولو أن الكاتبة تتجاوز ذلك فلسفياً إلى آفاق أبعد. وبيرك، باعترافها، مؤرخة تمضي إلى حيث تمضي بها مصادرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حالة هذا الكتاب، لا بد أن تكون خرجت وهي مكسوة بغبار السعي، إذ يتبين بوضوح أن البحث ساقها إلى شتى أنواع الجحور الأرشيفية، فمن خلال الاعتماد على أوائل ما نشر من كتيبات الجمال والرسائل والقصائد والأغنيات واليوميات وكتب الوصفات، ناهيكم عن أبحاث لرجال ونساء ومادة خصبة هي فن عصر النهضة نفسه، خرجت بمعرفة كافية لفتح متجرها النهضوي للعناية بالجسم.

تنقل بيكا روثفيلد في صدر مقالها عن الكتاب "واشنطن بوست" "14 ديسمبر (كانون الأول) الجاري" عن متخصصة في صناعة مستحضرات التجميل قولها إنه "ليست هناك نساء قبيحات، لكن هناك نساء كسولات"، والجمال المقصود هنا "هبة ذات حدين، فهو من ناحية غير مقصور على المنعمات به بيولوجياً ولكنه متاح للجميع، ومن ناحية أخرى، هو مغنم بعيد المنال لأنه نتاج تفانٍ مضنٍ أمام المرآة".

ثم تسارع روثفيلد فتتساءل، إن كان هذا الجمال جديراً بالطلب؟ وتجيب بأن "بعض المفكرات النسويات رفضن هذا الجمال بدعوى كونه إلهاء مصطنعاً، فقد كتبت ماري وولستونكرافت في عام 1972 في ازدراء سافر تقول إنه "بسبب تلقين منذ الطفولة بأن الجمال صولجان المرأة، يشكل العقل نفسه بحسب الجسم، ويحوم في قفصه الذهبي، فلا ينشد إلا تجميل سجنه، ولكن ثمة مسحة من كراهية المرأة في الاتهام الشائع بأن مستحضرات التجميل محض توافه فارغة. ولعلنا نجد قدراً أكبر من الحقيقة (ومن الاحترام) في رؤية الروائي هنري جيمس إذ وصف مرة ميل شخصية نسائية إلى الصرعات بأنه من ضروب العبقرية".

 

 

التجمل والقوة

وتتساءل، هل التجمل دائماً تعبير عن تسلم لضغوط جنسية، أم إنه قد يكون وسيلة تعبير عن الذات؟ "هذان هما السؤالان الدائمان في كتاب جيل بيرك. والسؤالان أيضاً كانا موضع جدال محتدم في عصر النهضة إذ كان من النساء من يوبخن بعضهن ويتهمنهن بالغرور، في حين كان منهن فريق يرى أن التجميل أتاح لهن نصيباً من القوة".

تكتب روثفيلد أن جيل بيرك "مستودع حقيقي للمعلومات الغامضة والمسلية، فكتابها يتطرق كلما أمكن إلى مواضيع من قبيل الجراحة التجميلية للأنوف المجدوعة من جراء طقوس عقاب "الزوجات اللاتي كن يستعملن مكونات سامة في التجمل ليسممن أزواجهن". فلو أن الكتاب "لا يقدم سردية متصلة منسجمة الأجزاء فإن النوادر المفككة التي يتألف منها تظل مثار بهجة وإدهاش".

"كان عصر النهضة، في ما بين قرابة سنة 1400 وقرابة سنة 1650، عصر انتقال وتحول، وزمان اختراعات واكتشافات فاختراع المطبعة سمح بتوزيع الكتب والمنشورات على نطاق واسع، والمستكشفون رجعوا من رحلات البحار المجهولة حاملين أخباراً عن (عالم لم يكن يعرفه الأوروبيون من قبل) فشرعوا على الفور في نهبه. وفي الوقت نفسه مكنت الثورة العلمية جيلاً من العلماء المغامرين من التلاعب بالبيئة بطرق طموحة لم يكن من الممكن تصورها حتى ذلك الحين".

في سياق تلك التوجهات الجديدة الدراماتيكية وانتصارات العلم المؤزرة على الطبيعة، وجدت نساء عصر النهضة أنفسهن مرغمات في بعض الأحيان، وفي بعضها الآخر، قادرات على رؤية الجسد لا بوصفه عطية وإنما بوصفه "قماشة" يمكن أن يعاد تخيلها، على حد تعبير بيرك. فـ"سواء نحن بدينات أم نحيلات أم صافيات البشرة أم سليمات الصحة أم مجهدات، فإن ذلك لا يرتبط بجيناتنا فقط، وإنما يتشكل بفعل علاقات أخذ وعطاء بين الداخل والخارج، بين أجسامنا وبيئتنا مثلما تكتب بيرك عن نساء النهضة، وعن نساء عصرنا في تقديري".

"فآنذاك، والآن، أدت التغيرات التكنولوجية إلى تحولات في فهم الجمال وطلبه. كان من الصعب على الناس قبل القرن الـ16 أن يروا أنفسهم مكتملين من وجهة نظر الخارج، فلما ظهرت المرآة بارتفاع قامة الإنسان في مطلع القرن الـ16 مكنت النساء من تقييم مدى استيفاء أجسامهن لمعايير العصر أو خروجها عليها".

"أما هذه المعايير نفسها، فقد انتشرت من خلال موجة أخرى من الابتكارات. فبظهور لوحات العاريات الطبيعية والبورتريه الواقعي" وكلاهما نوع من أنواع الرسم نشأ وتزايد انتشاره في كل مكان فأدى إلى إنتاج نموذج شبه معياري حاكته النساء، وذلك إلى حد كبير شبيه بما تفعله وسائل التواصل الاجتماعي اليوم.

"تقدم لوحة (فينوس أوروبينو) لتيتيان التي اكتملت في عام 1538 مثالاً أساسياً لنموذج (امرأة) عصر النهضة. ففينوس في هذه اللوحة لديها فيض من الشعر الأشقر المصطبغ بحمرة الفراولة، وبشرة لافتة البياض، ولها ما تصفه بيرك بقوام ’ساعة رملية من اللحم’".

مستحضرات معقدة

وشأن الشابة الجميلة التي خلدها بترارك في سونيتاته الشهيرة في مطلع القرن الـ14، تنعم فاتنة تيتيان بـ"شعر ذهبي، وجبهة عريضة، وعينين وديعتين، ووجنتين موردتين، وشفتين ياقوتيتين، وعنق أبيض، ونهدين تفاحتين، ويدين بيضاوين" وستكون البشرة البيضاء بصفة عامة ضرورة لنساء أوروبا بعد أن يؤتى بالأفريقيات المخطوفات والمستعبدات إلى القارة في القرن الـ16.

"حققت النساء الأوروبيات بياضهن الثلجي استعارياً بإصرارهن على النأي بأنفسهن عن ذوات البشرة الداكنة الخاضعات لهن، وحققنه حرفياً بإنتاج مستحضرات معقدة (وسامة في كثير من الأحيان)، فوصفة التبييض لإحدى النبيلات تتألف من ’12 ليمونة، و25 بيضة، ومزيج من مطحون الشب والأسبستوس والبوراكس والكافور والزئبق’".

 

 

وكانت الأنظمة الغذائية المتقنة، المستندة إلى النظرية الطبية البيزنطية، بمثابة عنصر أساسي آخر من عناصر تحقيق معايير الجمال. "لقد أوصى أحد نصوص القرن الـ16 المتفائلة بأن تستهلك النساء الراغبات في زيادة الوزن (البيض الطازج، والقمح، والأرز، والفاصوليا المطبوخة مع الحليب، والجبن الكريمي، واللوز، والفستق، والصنوبر، والجوز، والتين، والعنب، والديوك المخصية السمينة والدجاج والضأن والبط والحمام ولحم العجل)، ثم يتابع "أسلمي نفسك للرقصات الممتعة والألعاب والأغاني وغيرها من وسائل التسلية، وأنفقي ثلاث ساعات في الأشياء التي تسعدك".

أما من يكرهن تعديل أجسادهن (أو ترفض أجسادهن التعديل)، فظهرت لهن صرعات تحل هذه المشكلة، إذ تبين بيرك أنه "تم استحداث ملابس داخلية في القرن الـ16 تجعل جذع المرأة يبدو منحوتاً"، وبخاصة في أعقاب الولادة.

وتذكرنا بيرك أن كثيرات من نساء عصر النهضة "كن يقضين معظم وقتهن في ما بين سن البلوغ وسن اليأس وهن حبليات"، فغالباً ما كانت كتيبات مستحضرات التجميل تعمل أيضاً بوصفها مصدر معلومات للحيض والولادة بل وكيفية صنع وسائل الإجهاض. واستعانت النساء بمشدات لتسوية البطون البارزة، و"أكياس الأثداء"، بحسب تسمية حمالات الصدر آنذاك، لتحويل أنفسهن، قدر الإمكان، إلى فاتنات تيتانيات.

ولم يقتصر طموح التحول إلى أعمال فنية حية على النساء الثريات فقد كان عصر النهضة "عالماً يمكن فيه حتى لبائعة فواكه قروية أن تجد الدافع إلى محاكاة فينوس" كما تكتب بيرك. وكان لانتشار المواد المقروءة على نطاق واسع عواقب غير مقصودة تمثلت في إشاعة أسرار الجمال. حتى إن "أول كتاب مطبوع معني بنصائح الجمال"، وهو كتيب نشر في عام 1526، راج بين الأستقراطيين والمزارعين على السواء.

المتعة والواجب

تكتب بيرك أن "الالتزام بالتجمل كان متعة بقدر أقل مما كان واجباً منزلياً بالنسبة لبعض النساء، شأنه شأن تنظيف البيت، ورعاية صحة الأسرة، والطبخ"، لكن الأمر تجاوز البيت، إذ احترفت بعض النساء الجمال أو التجميل بالأحرى، إذ في إيطاليا ظهرت معلمات "متخصصات في مختلف جوانب الحفاظ على أجسام النساء وتجميلها"، لكن حتى اللاتي لم يعملن في صناعة التجميل الرسمية اضطررن إلى الاعتراف بأن الجمال مربح، إذ ساعدهن في ضمان الحصول على أزواج مرغوبين أو بيع بضاعتهن في أسواق الموانئ الساحلية، حيث كان الرجال بلا شك أكثر انجذاباً إلى الشراء من البائعات الأكثر جذباً.

"وذهب البعض في عصر النهضة إلى أن التجمل زيف الخداعي، فقد مضى بهذه الرؤية حتى أقصاها طبيب إسباني ذائع الشهرة عظيم التأثير يدعى خوان هوارتي، إذ رأى هو وأتباعه- ممن تتماثل رؤيتهم مع علماء النفس التطوري اليوم-أن التجمل يخفي مظهر المرأة الحقيقي ومن ثم يضلل الخطاب في شأن خصوبتهن" وكان رجال ذلك الزمن يعدون الجمال دليلاً على الصحة بل وعلى الفضيلة. "فأخذ الطبيب الإسباني على عاتقه مهمة تعليم الرجال كيفية تقييم ملاءمة المرأة للزواج على أساس مبادئ علم الفراسة".

لكن حتى أمثال هوارتي كانوا يعتقدون أن النساء يجب أن يعملن على أن يكن جميلات، لا باستعمال حيل تجميلية خادعة وإنما بالاعتراف بأنه "يمكن فهم القبح باعتباره مشكلة طبية" فيبذلن جهداً أكثر منطقية للتداوي بعلاجات لا تبخل بها بيرك في كتابها، وربما لا يؤمن نشرها على نطاق أوسع.

تكتب بيكا روثفيلد أن التجمل قد يكون نقمة أحياناً، وقد كان كذلك قطعاً "في حالة من فرضت عليهن علاجات مضنية من نساء عصر النهضة اللاتي كن يعانين "مرض" القبح. ويمكن أيضاً أن يكون نعمة. فلم تكن للنساء في عصر النهضة سيطرة تذكر على حياتهن، فكان مجال التجمل أحد المجالات القليلة المسموح لهن فيها بنصيب من الاستقلال الذاتي" حتى لو أنه استقلال في اتباع النموذج التيتاني.

تقول سارة دونات، إن كتاب بيرك التاريخي الجاد يصل إلى ذروة جماله عند التطرق إلى الجدل القديم حول التزام النساء بالجمال، وهل هو دليل ضعف واسترضاء واستسلام لرغبة الرجل أم هو شكل من أشكال التمكين. "لا نعدم بالطبع من رجال عصر النهضة من رأوا في التجمل غروراً من جانب النساء وهوساً منهن بأنفسهن، لكن المدهش هو ما تعثر عليه بيرك من آراء نساء ذهبن إلى أن النساء في حاجة إلى التحرر من قيود المظهر وأغلاله للتنعم بحياة العقل. وأخريات رأين السعي إلى الجمال إما تعويضاً عن غياب السلطة أو سلاحاً ضرورياً لأي امرأة تسعى إلى اقتناص مكان لنفسها في عالم خاضع لسيطرة الرجال. تكتب جيل بيرك أن "نساء عصر النهضة اهتممن بمظهرهن، لكنهن جميعاً بطريقة أو بأخرى "كن مرغمات على ذلك".

تكتب دونانت أن ذلك السعي إلى التجمل والتنافس فيه والهوس به أدى بحلول منتصف القرن الـ16 إلى أن بلغت المهور ذروتها، فإذا بما يقارب نصف النساء من ربيبات البيوت المحترمة ينتهين إلى الأديرة (إذ بدا يسوع أيسر منالاً من الخطاب والأزواج على حد تعبير سارة دونانت)، ويمكن أن تكونوا على يقين من أن أولئك اللاتي لجأن إلى يسوع لم يكن صاحبات المظاهر الأكثر مطابقة للمعايير.

العنوان: How to be a Renaissance Woman: The Untold History of Beauty and Female Creativity 

تأليف: Jill Burke 

الناشر: Wellcome Collection

اقرأ المزيد

المزيد من كتب