Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قارب مهاجرين انطلق من لبنان وضاع في المتوسط

تطلب عائلات 85 شخصاً معرفة مصيرهم في ظل استمرار عصابات التهريب المنظم لأوروبا

ملخص

لبنان لا يزال ضحية لعصابات الهجرة غير النظامية إلى قبرص

بعد منتصف ليل الـ12 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري انطلقت أربعة قوارب للهجرة غير النظامية من شواطئ شمال لبنان باتجاه قبرص، وعند الظهيرة وصلت ثلاثة منها على متنها 170 راكباً، فيما لا يزال مصير القارب الرابع غامضاً حتى الساعة حاملاً معه 85 شخصاً معظمهم من الجنسية السورية.

حالة من القلق فرضت نفسها على الأسر السورية خوفاً على مصير أبنائهم الهاربين من الحالة الاقتصادية الخانقة نحو "الحلم المتخيل" على ضفة أقرب الشواطئ الأوروبية.

ففي "الموسم الشتوي" للهجرة اتجهت القوارب نحو قبرص اتقاءً للعواصف والرياح القوية، وتغلب الجنسية السورية على هوية الهاربين من واقعهم، فيما يشكل لبنان دولة وسيطة بين بلادهم، والوجهة القادمة.

فرصة الطقس الهادئ

استغل المهربون الأوضاع المناخية الجيدة وانحسار الأمطار في شرق المتوسط لتعجيل عمليات التهريب، إذ يقول أهالي منطقة سهل عكار إن أعمال التهريب قائمة على قدم وساق، ويأتي إحباط التهريب عبر بعض القوارب، أو غرق بعضها ليفضح استمرار هذه الجريمة المنظمة، التي تختلف البدلات المالية بين مهرب وآخر، والوجهة الأوروبية.

عندما يصل هؤلاء إلى الشواطئ القبرصية يجري جمعهم في مخيم "بورنارا" في العاصمة نيقوسيا. ويواجه اللاجئون إحدى التجربتين، أولاهما تتولى السلطات إحصاءهم وإعداد ملفات خاصة بهم وأخذ بصماتهم، تمهيداً لاستقبالهم، أما في الحالة الثانية فيجمعون في مخيم خاص تمهيداً لترحيلهم وإعادتهم من حيث جاؤوا.

تواصلت "اندبندنت عربية" مع بعض أهالي الركاب، وتمكنت من الاطلاع على مجموعة من المحادثات والتسجيلات الصوتية والفيديوهات الخاصة بذويهم المهاجرين غير النظاميين، وفي أحد المقاطع المصورة تظهر مجموعة كبيرة من الرجال والشبان، وحتى الأطفال من أعمار مختلفة، يرتدون سترات داكنة ويحيط البعض منهم أجسادهم بالإطارات السوداء.

حاول الركاب التعبير عن راحتهم للأوضاع، وتحدثوا مبتسمين إلى عائلاتهم، وأخبروا أن "كل شيء بخير"، كما أظهرت المشاهد حجم التكدس داخل المقصورتين الخارجية والداخلية من القارب، حيث اضطر الركاب إلى جلوس القرفصاء.

في المقابل، وصلت هواتف الأهالي مجموعة من التسجيلات الصوتية، في أحدها أبلغ المرسل زوجته أن "القارب انطلق من الشاطئ اللبناني"، محدداً الظهيرة موعداً لوصول القارب. وفي آخر، يودع رجل زوجته طالباً منها الدعاء وتقبيل الأبناء والبنات، مؤكداً أن "جميع الركاب بخير"، فيما أشار إلى أن "الاتصال سينقطع ريثما يصل القارب إلى قبرص، بسبب إزالة الشرائح لعدم تتبع القارب من قبل الجهات الأمنية النظامية".

منذ ذلك الحين، وبعد مرور 17 يوماً، يجهل الأهالي مصير الركاب، لذلك، فهم يحاولون التواصل مع بعض المنظمات الحقوقية، علهم يصلون إلى الخبر اليقين.

 من السويداء إلى نيقوسيا

في الرابع من ديسمبر الجاري أوقف الجيش اللبناني قارباً على متنه 54 راكباً، وكان وجدي (25 سنة) أحد هؤلاء الركاب الموقوفين، وبعد التحقيق معهم سملتهم السلطات اللبنانية إلى الجانب السوري، عاد إلى مسقط رأسه في محافظة السويداء (سوريا) لأيام، لكنه استمر بالتواصل مع المهرب الذي تعتقد عائلته أنه "أجرى مساعي إلى إطلاق سراح كافة الركاب".

تروي عائلة وجدي المقيمة في سوريا، "تواصل المهرب مجدداً مع الركاب، وأبلغهم بوجود رحلة قريبة ثانية إلى قبرص، فما كان من الشاب إلا أن عاد إلى لبنان من خلال أحد المعابر غير الشرعية"، حيث "أقام في مكان هيأه المهرب لهم". ودفع هؤلاء ما بين 2500 و3000 دولار أميركي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دفعت الأحوال السيئة في سوريا الشبان إلى اختيار طريق الهجرة غير النظامية، ناهيك بـ"التقييم السلبي لجواز السفر السوري في أنحاء العالم".

تقول العائلة، "كان ابننا يخطط للاستقرار في قبرص من أجل البحث عن علم أو طلب اللجوء وإعادة التوطين في دولة أوروبية أخرى"، مضيفة "طلب الشاب إلى الخدمة العسكرية الإجبارية في سوريا، لكنه فضل الهجرة إلى أي مكان عوضاً عن الالتحاق والبقاء في بلاد مدمرة".

حالياً، تضع العائلة في رأس أولوياتها "مصير ابنها، ولا يهم توقيفه أو إعادته إلى سوريا، وإنما المهم أن يكون بخير على قيد الحياة وبصحة جيدة".

هجرة جماعية ومصير مجهول

تشهد بعض المناطق السورية هجرة جماعية، إذ يضم القارب الضائع في المتوسط نحو 10 أشخاص من قرية "زردنا" الواقعة في محافظة إدلب، لكنهم يقيمون في طرابلس بسبب الحرب السورية.

من بين هؤلاء قاسم. ق، وزوجته الحامل في شهرها التاسع، وابن عمه محمود (مواليد 2005)، وشبان آخرون كانوا على متن القارب. تؤكد العائلة أن "آخر تواصل حدث مع الركاب عند خروجهم من منازلهم بسبب أخذ الخطوط منهم"، وأن الأهالي كانوا على اطلاع بهجرة أبنائهم.

يأسف الأهالي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي تدفع الشبان لتحمل الخطر من أجل الخروج ومغادرة البلاد، ويختصر هؤلاء الواقع، "لا يمكننا الادخار مطلقاً لتأسيس مستقبل، فاليوم الذي نعمل فيه نؤمن خبرنا وقوتنا، ولكن ماذا عن إيجار المنزل والحاجات الأساسية الأخرى؟".

الأوضاع غامضة

يحمل القارب الضائع على متنه 85 راكباً يتوزعون بين 35 طفلاً و50 رجلاً وامرأة، وهنا يعلق المحامي محمد صبلوح على الأزمة بقوله إن هناك توثيقاً لبيانات 70 راكباً على متن هذا القارب، مشيراً إلى التواصل مع مفوضية الأمم المتحدة في قبرص، التي وعدت متابعة الملف، ولكن دون نتيجة ملموسة حتى الساعة بسبب الأعياد والأعطال السنوية.

بدورها، تحرت منظمة سيدار للدراسات القانونية عن أوضاعهم داخل المخيمات هناك، ولكن دون التوصل إلى مصيرهم، لكنها قدمت شكاوى أمام المقررين الخاصين بالأمم المتحدة على اعتباره "ملف اختفاء قسري".

كما يتجه صبلوح إلى تقديم شكوى أمام النيابة العام التمييزية في لبنان، لتثبيت آخر ظهور لهم في المياه الإقليمية قبل انقطاع الاتصالات بهم. وكذلك، تقديم كتاب لوزارة الخارجية اللبنانية من أجل التواصل مع الدولة المحيطة لجلاء مصير 85 شخصاً.

ويكشف صبلوح عن التعاون مع منظمة "سي ووتش" الأوروبية لتسيير طائرات استطلاع من أجل مسح البحر، ولكن هذا يتطلب تعاوناً من خفر السواحل، مضيفاً "إما أن نكون أمام مركب تائه في عرض البحر المتوسط، و إما أنه موقوف لدى السلطات القبرصية أو اليونانية، وإما تعرض للغرق"، لكنه في الوقت نفسه استبعد غرقه لأنه "لو كان ذلك حدث، لكانت الجثث قد طفت على وجه الماء".

من جهته يلفت مسؤول المناصرة في مركز "سيدار"، الحقوقي سعد الدين شاتيلا، إلى تلقي كتب من مفوضية اللاجئين في قبرص بتاريخ الـ20 من ديسمبر الجاري تضمن إشارة إلى "مراقبة الوضع". فيما، وعد مفوضو الاختفاء القسري في الأمم المتحدة بإرسال "نداء عاجل للسلطات القبرصية، حيث انقطع الاتصال قبالتها لآخر مرة" بعد تقديم شكوى تتضمن حالات 12 شخصاً مخفياً حتى اللحظة، على أن يتقدم تباعاً بباقي الحالات الأخرى الموثقة.

أعداد المخفيين في ازدياد

أعاد "القارب الضائع" إلى الذاكرة ذاك القارب الذي غرق قبالة شاطئ طرطوس، وأدى إلى وفاة نحو 100 راكب من الجنسيات السورية والفلسطينية واللبنانية. وتتكثف المفاوضات بين دول حوض المتوسط من أجل كبح عمليات الهجرة، التي تنطلق بصورة منتظمة من لبنان وليبيا.

يخشى الحقوقي سعد الدين شاتيلا من إعادة هؤلاء الركاب مباشرة إلى سوريا، "لأنه في حال عادوا إلى لبنان، يمكن للأهالي التأكد من مصيرهم وحالتهم، ولكن هذا الأمر سيصبح أصعب في حال إبعادهم إلى سوريا"، معيداً التذكير بحادثة الـ31 من يوليو (تموز) الماضي عندما أبعدت قبرص 237 سورياً إلى لبنان، عندها رحلتهم بيروت قسراً إلى دمشق، وهذا يعطي بعض الأمل بإمكانية الوصول إلى نتيجة عبر القنوات الرسمية النظامية.

في السياق، لم تتوقف جهود الجيش اللبناني في محاولة قمع وإحباط رحلات الهجرة غير النظامية. وخلال ديسمبر الجاري، نجح في عدة عمليات، أبرزها ما حصل في الـ17 من الشهر نفسه، من خلال "إنقاذ 51 شخصاً أثناء محاولة تهريبهم بطريقة غير شرعية على متن مركب مقابل شاطئ طرابلس". وتكرر الأمر في الـ26 من ديسمبر، عبر "إنقاذ 54 شخصاً أثناء محاولة تهريبهم على متن قارب مقابل شاطئ العريضة".

وتأتي عمليات التهريب، وكذلك محاولات قمعها، لتكشف عن استمرار عمليات الهجرة غير النظامية انطلاقاً من الشواطئ اللبنانية، وعدم ارتداع المهربين، بل ارتقائها إلى مستوى "الجريمة المنظمة"، وتوسعها بفعل الأرباح الهائلة التي يجنيها المهرب، الذي ليس عليه سوى تأمين قارب قديم العهد، وربان حالم بالهجرة إلى مكان أفضل، وتنسيق مع بعض النافذين لتأمين "غض الطرف" عن عمليات التهريب، مستغلين تراجع أوضاع القوى الأمنية النظامية وإمكاناتها بفعل الانهيار المالي والاقتصادي.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات