Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

31 ديسمبر عيد ميلاد جماعي للموريتانيين

خطأ إداري وإهمال حكومي يتسببان في مشكلات لكثير من الأجيال المختلفة

موريتانيون في إحدى الأسواق الشعبية في نواكشوط (أ ف ب)

قد لا يكون الاحتفال برأس العام الجديد ضرورياً في موريتانيا بسبب الثقافة الاجتماعية السائدة، ومع ما تفرضه الظروف المعيشية القاهرة، لكنه يبقى حدثاً مهماً، بل واستثنائياً بالنسبة إلى غالبية الموريتانيين، ففيه يحتفل أكثر من 90 في المئة من سكان البلاد بعيد ميلاد واحد في حالة استثنائية ينفرد بها الشعب الموريتاني.

وتسبب خطأ في إدارة قطاع الحالة المدنية في تسجيل غالبية الموريتانيين بأنهم من مواليد آخر يوم في السنة، وبسبب الإهمال والفساد الإداري وعدم اهتمام المواطنين بالأمر وصعوبة المساطير (الإجراءات) الإدارية والقانونية لم يتم تصحيح هذا الخطأ، أصبحت جميع الوثائق الثبوتية للموريتانيين تتضمن تاريخ ميلاد واحداً.

ولم ينجُ من هذه القاعدة إلا القلة القليلة ممن ولدوا في بلدان أخرى وحصلوا على وثائق بتاريخ ميلادهم الحقيقي، ويطاول هذا الخطأ الإداري جميع مواليد الـ60 وإلى عام 2002، بعد إصلاح قانون الحالة المدنية الذي بدأ يسجل المواليد الجدد بتاريخ ميلادهم الحقيقي.

وتكشف نظرة بسيطة لبطاقات التعريف الوطنية لغالبية الموريتانيين عن أنهم ولدوا في التاريخ نفسه (31/ 12) حتى كبار المسؤولين من وزراء وشخصيات عامة لم يستثنوا من الخطأ الذي أصبح قاعدة وحالة فريدة يتميز بها الموريتانيون عن غيرهم.

يثير الإحباط والسخرية

في نهاية كل عام يكثر حديث الموريتانيين عن عيد ميلادهم الموحد وكأنه عيد وطني، وتجتاح مجالسهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي موجة تندر وسخرية، لما تسبب فيه فساد وثائق الحالة المدنية والحالة الفريدة التي باتوا يتميزون بها عن غيرهم.

في هذا الصدد، يقول محمد الناجي (موظف حكومي)، إن الاحتفال برأس السنة في موريتانيا هو أيضاً مناسبة للاحتفال بميلاد عشرات الآلاف من الموريتانيين الذين شاءت الظروف السيئة التي عانتها الحالة المدنية أن تجعلهم يحتفلون بعيد ميلادهم في آخر يوم من السنة. ويشير إلى أن الاحتفال الرمزي تحول إلى مادة للسخرية لدى كثر، سواء ممن يعلمون بتاريخ ميلادهم، أو من يجهلونه، وإن لم يكونوا من مواليد آخر يوم في العام. ويضيف "أتبادل التهاني مع زملائي في العمل قبل عطلة رأس السنة، ليس احتفالاً بالعام الجديد، ولكن احتفالاً بعيد ميلادنا الصوري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح أن هناك من زملائه من يقترح أن يتم اعتبار اليوم الأخير من ديسمبر (كانون الأول) عيداً وطنياً بإجازة مدفوعة، وآخرون يطالبون قطاع الحالة المدنية بإعداد كعكة ميلاد كبيرة احتفالاً بهذا اليوم، وتبسيط المساطير الإدارية والقانونية لمنح فرصة لمن يرغب في إصلاح هذا الخطأ الإداري.

تأثيرات سلبية

لم تكن الغالبية الساحقة من الموريتانيين تهتم بهذا الخطأ وتأثيراته على حياتهم وبخاصة ممن يحتكون بجنسيات أخرى ويضطرون إلى تقديم أوراق ثبوتية، وإن بدا الأمر عادياً بالنسبة إلى شخص واحد فإنه يكون لافتاً ومثيراً أن تعلق بمجموعة أشخاص في مجتمعات أخرى لم يسبق لها أن اطلعت على هذه الخصوصية.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث في مجال إصلاح الحالة المدنية محمد محمود العريبي، إن الأمر يبدو مثيراً وحساساً خارج البلاد، فإذا كان الموريتانيون يدركون أسباب هذه المشكلة فإن الآخرين يثير لديهم الموضوع كثيراً من الاستغراب والتساؤلات، بخاصة الوفود الرسمية التي تمثل موريتانيا في الخارج تضطر في كثير من الأحيان إلى تبرير ذلك، وتحمل انتقادات البعض واستغرابه من مشاركة وفد أعضاؤه ولدوا في اليوم نفسه. ويضيف، "تتضمن البطاقات الوطنية لغالبية الموريتانيين تاريخ ميلاد واحداً هو الـ31 من ديسمبر، وهذا خطأ ممتد يعانيه أجيال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات.. وقد حاول قطاع الحالة المدنية إصلاح هذا الخطأ، لكنه واجه كثيراً من العراقيل التي كانت تحول دون ذلك". ويشير إلى أنه خطأ جسيم تتحمل مسؤوليته الحكومات المتعاقبة التي كانت تدير شؤون البلاد منذ الاستقلال، وحتى بداية الألفية الجديدة، لافتاً الانتباه إلى أنه إذا كان الموضوع بسيطاً بالنسبة إلى غالبية الموريتانيين، فإنه غير ذلك حقيقة ويؤكد حالة الفوضى التي كان يعيشها قطاع الحالة المدنية بخاصة منح الجنسية لمن ليسوا موريتانيين في فترة الثمانينيات.

ويرى أن نقاشات حادة وانتقادات شديدة دامت سنوات حول إصلاح قطاع حالة المدنية من أجل إيجاد حلول عاجلة لكل المشكلات التي يعانيها. ويقول "نجحت الحكومات الأخيرة في تقليص تأثير سلبيات كل القوانين السابقة وحل مشكلاتها، لكنها بقيت عاجزة أمام تاريخ الميلاد الموحد، ففتحت الباب وبددت العقبات أمام من يريد تغيير تاريخ ميلاده".

ويشير الباحث العريبي إلى أن موريتانيا الآن يتوفر لديها نظام حالة مدنية قوي وقوانين قادرة على حماية حقوق المواطنين، إذ إنها بدأت منذ سنوات تطبيق نظاماً للحالة المدنية يعتمد من بين أمور كثيرة على البصمة الشخصية، كما أنها استحدثت قوانين إضافية للإحصاء والتوثيق ومنح الجنسية كلها تقوي من نظام الحالة المدنية الذي كان يعاني مشكلات كثيرة.

وقبل أيام أطلقت الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة تطبيقاً إلكترونياً يدعى "هويتي" تعول عليه الحكومة ليكون "تحولاً فارقاً في مسار إصلاح الحالة المدنية في موريتانيا منذ الاستقلال".

ويتيح التطبيق الذي يمكن تحميله واستخدامه على الهاتف المحمول، طلب جميع الوثائق الشخصية من بعد، ومن بينها جواز السفر وبطاقة التعريف الوطنية ومستخرجات الحالة المدنية وبطاقة الإقامة.

المزيد من متابعات