Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أبعاد المستجدات الأفريقية في 2024

كعادتها تحافظ القارة على كونها فرصاً "ذهبية" للعالم و"ضائعة" لقطاع واسع من شعوبها

من المتوقع أن تسجل اقتصادات غالبية الدول الأفريقية معدلات نمو إيجابية نسبياً قد تصل إلى 3.2 في المئة خلال عام 2024 (أ ف ب)

تحافظ أفريقيا خلال عام 2024 على كونها تعتلي قمة ألويات دول العالم على رغم الحروب الساخنة التي تنتشر خارجها، وطبيعة الصراعات الدولية المرتبطة بهذه النزاعات، وربما الحاجات المتزايدة للحصول على موارد القارة السمراء، خصوصاً في قطاعي الطاقة والتعدين.

على أن هذه الأولوية لا تنفي على الإطلاق تعرض الأفارقة لتحديات كبرى مرتبطة بعدم الحصول على عوائد عادلة لهذه الموارد لتحسين بعض الاقتصادات الأفريقية، وكذلك ما يرتبط بتداعيات الصراعات المسلحة، سواء الداخلية أو الخارجية، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار السياسي، بخاصة أن عديداً من الدول القارة لديها استحقاقات انتخابية في بيئة سياسية واقتصادية حرجة على المستويين الإقليمي والعالمي.

الأسرع نمواً

أما على الجانب الإيجابي فإن تقديرات اقتصادية عالمية تشير إلى أن خمس دول القارة تقريباً ستكون اقتصاداتها هي الأسرع، خصوصاً في إقليمي شرق وجنوب أفريقيا.

وقد تكون من أهم المؤشرات المرتبطة بحفاظ أفريقيا على أهميتها هو تدفق الاستثمارات العالمية الضخمة في قطاعي الطاقة الأحفورية المهمة للإمدادات العالمية والطاقة المتجددة المؤثرة في توطين بعض الأنشطة التصنيعية ذات الأهمية لاقتصادات أقطاب عالمية، وذلك فضلاً عن أثرها الإيجابي في الاقتصادات المحلية.

أيضاً يركز الاستثمار العالمي خلال هذه الآونة على الاهتمام بالاستثمار في قطاعي المعادن والمنتجات الزراعية، فضلاً عن الفلزات والموارد المؤثرة في صناعات التكنولوجيا والتحول الرقمي.

البنية التحتية

توجهات التعاون الإقليمي بالقارة، سواء في منطقة التجارة الحرة الأفريقية أو التنظيمات الإقليمية الفرعية مثل "الكوميسا" و"الساداك" وتجمع دول شرق أفريقيا وغيرهم تدعم الاستثمار في مجال البنية التحتية للنقل باعتبارها نقطة انطلاق أساسية للتبادل التجاري البيني الأفريقي، حيث من المتوقع أن تحظى صناعات النقل والخدمات اللوجيستية على طلب محلي متزايد في بعض الأسواق الرئيسة في القارة الأفريقية.

وطبقاً لهذه المعطيات من المتوقع أن تسجل اقتصادات غالبية الدول الأفريقية معدلات نمو إيجابية نسبياً قد تصل إلى 3.2 في المئة خلال عام 2024، وذلك بنسبة زيادة أقل من واحد في المئة خلال 2023، وبطبيعة الحال هذا المستوى من النمو لن يتحقق لدول تواجه صراعات داخلية مسلحة ممتدة مثل السودان أو مالي، فضلاً عن غينيا الاستوائية التي يواجه اقتصادها انكماشاً لأسباب اقتصادية محلية.

في هذا السياق فإن إقليم شرق أفريقيا يحظى بفرص واعدة لاقتصادات دوله قائمة على قطاعي السياحة والخدمات، خصوصاً في كينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي القطاعات الداعمة الاقتصادات هذه الدول منذ مطلع العقد الثاني من الألفية.

عامل ضاغط

على الصعيد السلبي تشكل حرب غزة عاملاً ضاغطاً على اقتصادات بعض دول شمال وشرق أفريقيا، حيث إن تصاعد التهديدات الأمنية في البحر الأحمر كأحد تداعيات الحرب من شأنه أن يؤثر في مورد اقتصادي رئيس لمصر، وهي قناة السويس نتيجة تحول شركات الشحن العالمية عن الإبحار في الممر الدولي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن ارتفاع أسعار النفط من المتوقع أن ينعش اقتصادات دول مثل الغابون بينما يؤثر سلبياً في دول أخرى مثل كينيا وتنزانيا اللتين تستوردانه.

ومن شأن تصاعد التهديدات والمتغيرات الجيوسياسية في البحر الأحمر نتيجة متغير حرب غزة أن يؤثر في المشروعات الإثيوبية لامتلاك قوة بحرية عسكرية تابعة لها في البحر الأحمر، وكذلك من شأنه أن ينعكس إيجاباً على بعض التنظيمات المتشددة في شرق أفريقيا مثل "شباب المجاهدين" في الصومال، وهو التنظيم المؤثر على تصاعد التهديدات الأمنية في كل من كينيا وإثيوبيا، فضلاً عن الصومال.

الاهتمام الأكبر

على الصعيد السياسي فربما يحوز إقليم منطقة الساحل الأفريقي على الاهتمام الأكبر نظراً إلى طبيعة الصراعات الجيوسياسية بين الفواعل العالمية في هذه المنطقة والمترتبة على الانقلابات العسكرية فيها خلال السنوات الثلاث الماضية في ضوء انسحاب فرنسا من نقطة ارتكازها الأساسية في أفريقيا، حيث سيصبح الصراع الأساس في هذه المنطقة خلال عام 2024 بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.

واستطاعت واشنطن عبر سياسيات مرنة أن تحافظ على نقاط ارتكازها العسكري في النيجر على رغم الانقلاب فيها وارتفاع خطابات العداء لفرنسا والغرب معاً، وذلك عبر قاعدتين عسكرتين قابلتين للتوسع في دول أخرى، خصوصاً بعد الاستراتيجية الأميركية المعلنة إزاء دول جنوب الصحراء أفريقيا المعلنة في أغسطس (آب) 2022، وكذلك نجاح الغرب بقيادة واشنطن في تجميد المشروع الصيني بإقامة قاعدة عسكرية في الغابون التي واجهت انقلاباً عسكرياً ضد عائلة بونوغو لهذا السبب.

ومن المتوقع أن تشهد المنطقة المتاخمة لدول الساحل، أي خليج غينيا، خلال عام 2024 حضوراً عسكرياً للاتحاد الأوروبي بديلاً للحضور الفرنسي، وذلك بناءً على طلب دول مثل ساحل العاج وبنين، حيث تمت الاستجابة لهذا الطلب في اجتماع للاتحاد الأوروبي في أغسطس الماضي، وستسهم هذه المبادرة طبقاً لمرئيات الاتحاد الأوروبي في دعم ساحل العاج وغانا وتوغو وبنين في معالجة التحديات الإرهابية، مثل انعدام الأمن في مناطق هذه الدول الشمالية المتأثرة بالنيجر ومالي وبوركينا فاسو.

وطبقاً لذلك فقد اعتمد الاتحاد الأوروبي موازنة لدعم القوات المسلحة البنينية (11.75 مليون يورو) والقوات المسلحة الغانية (8.25 مليون يورو)، وتعد المهام الأربعة المنوطة لهذه البعثة الجديدة مؤسسة على بعثة سابقة في مالي هي "تاكوبا" ((EUCAP التي ركزت على أربعة أهداف رئيسة هي: تدريب وبناء قدرات قوات الأمن المحلية وتقديم المشورة، والمساعدة في الاستعداد العملياتي لمكافحة الإرهاب، وتقديم الدعم الفني، وتعزيز تدابير بناء الثقة في قطاعات الأمن المحلية.

أعقد الملفات

قد تكون من أعقد الملفات الأفريقية في عام 2024 هي الاستقرار السياسي، ذلك أن القارة تواجه أكثر من استحقاق انتخابي في دول أوضاعها السياسية ملتهبة مثل تشاد وجنوب السودان التي تم تأجيل الانتخابات فيها إلى ديسمبر (كانون الأول) 2024.

قد تكون غانا من الدول القلائل المرشح فيها تغيير نظام الحكم الحالي لصالح المعارضة "حزب المؤتمر الديمقراطي" وذلك تحت ضغط تدهور مستويات المعيشة ومحدودية فرص العمل وضعف الخدمات العامة.

في المقابل فإن معظم نظم الحكم الأفريقية مرشحة للاستمرار نتيجة طبيعة نظم الحكم الاستبدادية، وكذلك عدم كفاءة النخب المعارضة في بعض الأحيان أو وجود تحديات مرتبطة بالاستقرار الإقليمي، وطبقاً لذلك فإن نظماً للحكم عديدة في أفريقيا ستستمر منها تونس والجزائر وموزمبيق وروندا.

أما جنوب أفريقيا فقد يلجأ حزبها الحاكم حالياً "المؤتمر الوطني" بزعامة رامافوزا لخلق تحالفات جديدة محدودة مع بعض الكيانات الحزبية الصغيرة، ومن المتوقع أن تشهد تونس فوز الرئيس الحالي قيس سعيد بانتخابات رئاسية مدارة بعناية في عام 2024، مما سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات المدنية.

إجمالاً تحافظ أفريقيا خلال العام الجديد كعادتها على كونها قارة الفرص الذهبية للعالم والفرص الضائعة لقطاع واسع من شعوبها بسبب الصراعات المسلحة والمتغيرات البيئية والمناخية، وكذلك الفرص المحدودة لقطاع من الدول الأفريقية يرتكز في شمال القارة، والذي تتمتع نظمه السياسية باقتصادات متوسطة القوة وتتمتع بحالة اندماج قومي مؤسسة على إبعاد حضارية تاريخية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل