Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حادثة التلفريك تضع لبنان فوق شفير الحقيقة

كثيراً ما جسد قبل ذلك صورة للبلد الجميل المزدهر لكنه بات أخيراً في عيون الناس نذيراً بالهاوية

كانت تجربة مفزعة بالنسبة إلى الركاب الذين اضطروا إلى الانتظار ساعات في الهواء (صفحة الجيش اللبناني على "إكس")

ملخص

سلطت حادثة "تلفريك جونية" الضوء على معايير السلامة العامة في المؤسسات السياحية ذات الأخطار المحتملة في لبنان.

شكلت حادثة "تلفريك جونية" صدمة للسياحة اللبنانية خلال موسم الأعياد وأعادت طرح إشكالية "إجراءات السلامة العامة" في المنشآت السياحية ذات الخطورة المحتملة. وبانتظار نتائج التحقيق النهائية فضحت الحادثة سوء التنسيق بين المؤسسات الرسمية، إذ حاولت كل وزارة التنصل من المسؤولية ورمي اتهامات الإهمال والتقصير على الآخرين.

أيقونة السياحة

في 1969 توج فيلم "أبي فوق الشجرة" التلفريك في لبنان على رأس قائمة المواقع السياحية المفضلة في العالم العربي، حين كان شاهداً على الحب المتقد بين بطلي الفيلم عبدالحليم حافظ ونادية لطفي، وحينها غنى حليم أغنية "جانا الهوى جانا"، واصطحب معها مئات الآلاف من المشاهدين في رحلة عبر جمال الطبيعة اللبنانية التي داعبت خيال العرب.

منذ ذلك الحين وطوال ستة عقود من الزمن، اجتذب التلفريك الصاعد من ساحل البحر المتوسط إلى جبل حريصا عابراً مدينة جونية التي تضج بالحياة إعجاب الجميع، لكن خلال السنوات الأخيرة شهدت مسيرته بعض العراقيل، ففي عام 2022 أدى انقطاع الكهرباء عنه إلى احتجاز العشرات من الركاب بقوا معلقين في الهواء طوال ساعات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تسترجع ميسا (20 سنة) تلك اللحظات بالقول "كنا صاعدين بالتلفريك، وفجأة توقف في السماء وتحول لون وجهي إلى الأحمر، كاد قلبي يتوقف". وتضيف "استغرق انقطاع التيار ثماني دقائق فقط لكنها كانت تجربة مرعبة". متابعة "أقنعوني بالصعود على رغم عدم حبي للمرتفعات، ويا ليتني لم أصعد، بالتأكيد لن أكررها مجدداً، وما حصل الآن هو صورة عن بلد على شفير الهاوية".

شكلت الحادثة الجديدة التي جرت في الـ28 من ديسمبر (كانون الأول) 2023 عندما اصطدمت مقصوران في التلفريك، مقدمة لتجربة "مفزعة" بالنسبة إلى الركاب، الذين اضطروا إلى الانتظار ساعات قبل الهبوط إلى منطقة آمنة.

تشير شهد (18 سنة) إلى أن الحظ حالفها وصعدت إلى الرحلة السابقة لتلك التي علقت. موضحة "لكننا شعرنا ببعض الخوف، إذ ارتجت المقصورة، كما كنا نسمع صوت طقطقة الحديد. لن أكرر هذه التجربة".

وبحسب رواية شهود الحادثة، فقد "وقع تصادم لمقصورتين، وقد يعود السبب إلى توقف إحداهما أو أن سرعتها انخفضت إلى حد كبير بسبب خلل ما، لأن هناك مسافة يبن الواحدة والأخرى. وعندها توقفت حركة باقي المقصورات على الكابلات".

يؤكد رئيس وحدة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني اللبناني وليد حشاش أنه "لولا الاستجابة السريعة من قبل الفرق الإغاثية قبل حلول الليل لكانت الأخطار تعاظمت أكثر من ذلك".

تناقضات المشهد

في أعقاب تلك الحادثة كان اللبناني أمام مشهدين: فمن جهة شهد تقاذفاً رسمياً بالاتهامات بين الوزارات المعنية، إذ حمل كل طرف مسؤولية الرقابة والحفاظ على السلامة العامة إلى طرف آخر. وفي المقابل أظهرت عناصر الجيش اللبناني والدفاع المدني كفاءة عالية في عمليات الإنقاذ وإخلاء العالقين على رغم قلة التجهيزات.

يعتقد حشاش أن "عمليات الإنقاذ أثبتت كفاءة عالية للكادر البشري، وهي ليست وليدة الصدفة وإنما نتيجة تدريب وقدرات عالية، إذ منح المنقذون الطمأنينة للناس العالقين، وأنزل أشخاص عاديون غير مدربين عبر الحبال من ارتفاعات عالية"، متحدثاً عن "تدخل سريع بالتعاون مع الجيش اللبناني قبل حلول الليل، وعلى مراحل، لتخفيف الأخطار عن أكبر عدد من الركاب".

 

 

ويكشف عن وضع خطط عدة قبل بدء أعمال الإنقاذ، وكانت الخطة "أ" تقوم على فصل الكابينتين المتضررتين وإعادة تشغيل الخط لإنزال الركاب، لكن بعد التأكد من أنها غير مضمونة وقد تستغرق وقتاً لإصلاح الخلل الفني انتقلت الفرق إلى الخطتين "ب" و"ج"، وارتكزتا على استخدام الحبال والرافعات العملاقة.

وتحدث عن "تعاون واسع النطاق بين مختلف المراكز المنتشرة على الأراضي اللبنانية ضمن هذه العملية المعقدة التي شاركت فيها أعداد كبيرة على مستوى الرقابة والتنظيم واستخدام الأدوات، وتولي عمليات الخروج الآمن، والحفاظ على حياة الركاب".

من يراقب الصيانة؟

اتفق المسؤولون السياسيون على تحميل الشركة المستثمرة للتلفريك مسؤولية التقصير في الصيانة. وقال وزير الداخلية بسام مولوي "ما حصل هو دليل على التقصير وعدم الصيانة، وأبطال الجيش اللبناني والدفاع المدني والصليب الأحمر عملوا ببسالة لمعالجة آثار الحادثة".

في المقابل أصدرت "الشركة اللبنانية لإنماء السياحة والتلفريك" بياناً أكدت فيه أن "العطل الميكانيكي الذي طرأ على خط التلفريك لم يؤد إلى أية أضرار بشرية للركاب الموجودين ضمن الكبائن، وكان عددهم 25، أما بالنسبة إلى العطل الذي طرأ على جهاز التلفريك فتبين لفريقنا الفني أنه عطل ميكانيكي محتمل جرى على مستوى المحطة الثابتة في حارة صخر، ويجري فحص التجهيزات لمعالجة العطل".

 

 

كما أكد البيان أن "نظام الأمان الأوتوماتيكي هو الذي أوقف سير خط التلفريك فور حصول العطل لتفادي أية أضرار إضافية على الخط"، وفي محاولة لطمأنة روادها لفتت الشركة إلى أنه "لا داعي للقلق بالنسبة إلى إعادة استئناف العمل بشكل طبيعي وآمن فور التأكد من جميع أسباب العطل الميكانيكي وإصلاحه بكل مهنية تحت إشراف فنيي الشركة ومستشاريها التقنيين المحليين والأجانب".

ماذا عن السلامة؟

وفتحت حادثة التلفريك سجالاً بين وزارتي السياحة والطاقة، إذ طالب وزير السياحة وليد نصار بالمحاسبة، مشيراً إلى أن "التلفريك امتياز تابع لوزارة الطاقة، وتحديداً للمديرية العامة للاستثمار فيها، وانتهى الامتياز نهاية عام 2022". وأكد أنه تقدم بكتاب إلى وزارة الطاقة سأل فيه عن سبب وجود هذا الامتياز لديها لا لدى وزارة السياحة.

من جهتها، وضعت وزارة الطاقة التصاريح المنتقدة في دائرة "المزايدات"، مشددة على أن صيانة التلفريك تحدث من قبل الشركة المشغلة بشكل دوري، وتجريه كبريات الشركات المتخصصة الأجنبية والمحلية، وعلى أساسه تحصل على التأمين اللازم والضروري، وهو ما حصل بالفعل.

المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة المهندس غسان بيضون، يشرح آلية الرقابة على التلفريك. ويقول "تخضع أعمال الرقابة للمديرية العامة للاستثمار في وزارة الطاقة، التي توكل مصلحة المراقبة الفنية إلى فريق هندسي منتدب لمواكبة أعمال الصيانة المقررة من قبل صاحب الامتياز، وتقوم به عادة شركة فرنسية، ويتولى الفريق المتابعة والمراقبة والتحقق من سلامة الأعمال، ومن ثم إعداد تقرير فني".

 

 

يقر بيضون بالتأثير النفسي الكبير لتعطل التلفريك في الجو، لكنه يطالب بمقاربة واقعية للحادثة، إذ لم نشهد انقطاع كابل مثلاً، وقد تولى نظام الحماية كبح الحركة فوراً، وما جرى برأيه هي "حادثة ناجمة عن عطل في نقل الكابينة من خط إلى آخر".

كما يلفت إلى أن امتياز التلفريك تبلغ مدته 60 عاماً، وأسس في عهد الرئيس فؤاد شهاب، وقد تعود إدارته لاحقاً إلى الدولة التي قد تجري مزايدة لاستدراج عروض الشركات المشغلة، معبراً عن اعتقاده أن "لا مصلحة للشركة المشغلة في إهمال التلفريك لأنهم سيحرقون اسمهم ويضرون بسمعتهم".

حماية إضافية

وطرحت الحادثة السؤال حول فاعلية إجراءات السلامة العامة في لبنان والجهة التي تتحمل مسؤوليتها. هنا يؤكد وليد حشاش أن مسؤولية تأمين السلامة العامة تقع على الجهتين الرسمية والخاصة. فمن جهة لا بد من تزويد الأجهزة الرسمية بالمعدات الفنية الكافية من أجل مواجهة الحوادث المشابهة، كما يجب على المؤسسة التي تدير المشروع تجهيز نفسها للتدخل السريع وإسعاف الزبائن في الأحوال الطارئة، لأنه "لا يمكن تشغيل مؤسسة من دون أخذ الأخطار في الاعتبار، لأنه في حال لم يكن التدخل سليماً منذ البداية فستكون النتائج أسوأ".

ويؤكد حشاش "وضع الدفاع المدني خططاً استباقية لأي خطر محتمل، وتختلف عناصر الخطط بحسب طبيعة المنطقة ومكامن الخطر سواء كانت سياحية أو صناعية، لتكون الاستجابة فاعلة ومتناسبة". مضيفاً "لا بد من تجهيز المؤسسات وإعطائها الاهتمام لمواجهة الكوارث والحوادث من أجل تخفيف آثارها".

المزيد من العالم العربي