Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفحم استثمار رابح في لبنان لكن على حساب البيئة أحيانا

يكتسب "التشحيل" أهمية كبيرة لنمو الأشجار وتقليص خطر الحرائق

تنتشر المشاحر في المناطق الجردية اللبنانية لإنتاج الفحم الطبيعي (اندبندنت عربية)

ملخص

تنتشر في لبنان المشاحر لإنتاج الفحم الذي يعتبر سلعة رائجة ومربحة

في أعالي الضنية شمال لبنان، وعلى ارتفاع 1800 متر من سطح البحر، ينتقي سامر حسنة بعناية "قضبان" السنديان من أحراج "جرود جيرون" المعمرة، في خطوة أولى نحو بناء "المشحرة" لإنتاج الفحم. ففي فصل الربيع، يعمد المزارعون إلى تقطيع الأغصان بواسطة المناشير، قبل أن تُنزع عنها الأوراق، وتجميعها إلى حين بناء "المشحرة".

بناء الهرم

عبر الأزمان، اكتسب أبناء الجرود مهارة بناء الأهرام "الخشبية"، حيث تُرصَف الأغصان فوق بعضها البعض، بدءاً بتلك العريضة والسميكة وصولاً إلى الرفيعة نسبياً. وتُترك في الأعلى فجوة من أجل إفساح المجال أمام إشعالها. وتحاط المشحرة بالأحجار من أجل الحفاظ على تماسكها. ويُفرَش السطح بأوراق السنديان الجافة، قبل تغطيتها بالتربة الحمراء التي يُفترض أن تكون سميكة نسبياً للحد من كمية الدخان المتصاعد نحو الفضاء.
ومع إتمام بناء "المشحرة" التي أخذت شكلاً هرمياً، ويتراوح حجمها بين الطن والطن ونصف الطن، تُصبح الأرضية جاهزة للإشعال. بعد ذلك، يلجأ المزارع إلى الفوهة من أجل قذف شعلة النار إلى الجوف. ينتظر بعض الوقت إفساحاً للمجال أمام إنجاز عملية التحمية، قبل إغلاقها.
وتدخل "المشحرة" مرحلة انتظار تصل إلى ثلاثة أيام كحد أقصى. ومع انطفاء النيران، نشهد على ولادة موسم جديد من الفحم. يقوم سامر بعملية "التنظيف"، وتنقية "القضبان من التراب. في أعقاب توضيبها، تُصبح المنتوجات جاهزة لدخول السوق.


مصدر للربح

يشكل إنتاج الفحم فرصة لتحقيق كسب دخل موسمي محدود أمام أبناء المناطق الجردية. وهي في حد ذاتها لا تشكل خطراً على الطبيعة، ولكن انفلاشها من دون أي حسيب أو رقيب، يفتح الباب أمام تحولها إلى تجارة رائجة، ويجعل الغابات المعمرة هدفاً للاستغلال، حيث يتحدث سامر عن إقبال كبير على "فحم السنديان" الذي يُستخدم في إشعال النراجيل، وإعداد الطعام والمشاوي. ويمكن رصد هذا الأمر في الأسواق اللبنانية، التي تشهد إقبالاً شديداً على فحم السنديان، على رغم المنافسة الشديدة التي تعترضه من الفحم الحجري أو النوع الأفريقي الآخذ في الانتشار.
في المقابل، يبرز تساؤل حول إعطاء الأولوية للربح على حساب البيئة وسلامة الغابات والأحراج.  ويجزم سامر "نلجأ لانتقاء الأغصان من خلال أعمال التشحيل الدورية، ولا نلجأ إلى التحطيب الذي ينصب على أجذاع الأشجار المعمرة. وفي هذا مصلحة للمزارع، حتى يكون لديه مواد أولية لإنتاج الفحم في العام المقبل". كما يجهد العاملون في المشاحر لبنائها بعيداً عن المراكز الحضرية التي يضرها الدخان المُنبعث.

ماذا عن الرخصة؟

وفي وقت تنتشر فيه "المشاحر" في المناطق الجردية اللبنانية، يُعبر الأهالي عن سخطهم بسبب الدخان المتصاعد من تلك الناشئة على مقربة من البيوت، كما يحصل في بلدة القرقف – عكار. فيما يبرز السؤال عن التراخيص الممنوحة من قبل وزارة الزراعة، وآليات الرقابة.
مبدئياً، تقع رقابة وزارة الزراعة "حصراً" على "المشاحر" الحاصلة على تراخيص رسمية، أما تلك غير المرخصة التي تحظى بالحصة الأكبر من السوق، فهي رهينة شكوى من الأهالي أو المتضررين، حيث يُفترض بالضابطة العدلية والأجهزة القضائية التحرك لوقفها. وحسب أوساط وزارة الزراعة، فإنها تمنح نوعين من الرخص، الأولى تتعلق بالتشحيل، وأخرى بالمشاحر، وتحرص على عدم منح تراخيص المشاحر ضمن المناطق الحضرية أو القريبة بمعدل 500 متر من المنازل، كما تتمسك بحصول المستثمر على إذن وموافقة من قبل البلدية (السلطة المحلية).
في المقابل، تقر الأوساط المحلية بتأثير الانهيار المالي والاقتصادي على عمليات الرقابة والردع. أما في ما يتعلق بمراقبة الأعمال، فإن هناك ضآلة بأعداد حراس الأحراش. والحارس المولج بمراقبة تنفيذ رخصة في منطقة ما، لا يمكنه البقاء على رأس عمله بدوام كامل، وإنما يقوم بين الفينة والأخرى بمهماته التفقدية الدورية للتحقق من حجم الأعمال المنجزة والكميات المستخرجة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رخص التشحيل

من جهة أخرى، تعود أعمال التشحيل بفائدة كبيرة على استمرارية الأحراج وتخفيف خطر الحرائق. وبحسب أوساط وزارة الزراعة، تمنح الجهات الرسمية أذونات لتفريغ الغابات، وترك مساحات ضمن الأحراج لتخفيف كثافتها، ونسبة المخاطر. وفي سبيل ذلك يمكنها استدراج عروض وإجراء مزايدات من أجل تشحيل بعض الغابات والمشاعات لقاء بدل مالي.


خطر التحطيب

في مناطق الأطراف، تنتشر الغابات المعمرة، وترتفع مخاطر القطع الجائر. وتعاني "غابات القموعة" في عكار من اعتداءات متمادية، ازدادت خلال السنوات الأربع الماضية. ويجزم رئيس بلدية فنيدق، سميح عبدالحي، بوجود تهديد وجودي لأشجار عملاقة، يتجاوز عمر بعضها الألف سنة. ويؤكد عبد الحي أنه "لطالما افتخرت بلدته التي تُعتبر أعلى المناطق الريفية في لبنان، وتعلو ما بين 1250 و2250 متر فوق سطح البحر، وبغناها بالتنوع البيئي وأنواع الأشجار كالشوح، والصنوبر، الأزر، واللزاب، والتنوب، والعرعر، وغيرها، التي تتوزع على مساحة 45 مليون متر مربع، وتتجاوز سماكة الثلوج فيها خلال موسم الشتاء المترين".
ويأسف عبدالحي لانتقال أغلبية الناس إلى التدفئة على الحطب، قائلاً "في السابق، كان 80 في المئة من السكان يعتمدون على التدفئة بالمازوت، والأقلية على الحطب والأخشاب، ولكن منذ أربع سنوات، انقلبت الموازين، وأصبحت حصة الحطب هي التي تحظى بالأغلبية الساحقة".
تتقاطع شكوى سميح عبدالحي مع موقف الناشطين البيئيين، إذ يحذر من تجاوز المخاطر التي تهدد الأحراج والغابات، في ظل تراجع فاعلية مؤسسات الدولة اللبنانية. ويشير عبدالحي إلى "المخفر الزراعي الذي يعود تاريخ بنائه إلى عصر الانتداب الفرنسي يتألف من موظفين اثنين، وهو لا يمتلك آلية للتنقل أو حتى محروقات، حيث يقوم على جهد موظف واحد، يتولى مهمة تسطير المحاضر والمخالفات بناء للإخبارات التي تصله"، ناهيك عن غياب آليات المحاسبة وضعف هيبة الردع لدى مؤسسات السلطة المركزية، منطلقاً من تجربة خاصة "حيث يُطلَق سراح المعتدي والمنتهك لحرمة الطبيعة والغابات بعد أسبوع من توقيفه، لا بل عبر العناصر الأمنيين لتعاطفهم معه، تحت حجة أنه لولا حاجته للتدفئة لما قام بالتحطيب".  وأضاف "لذلك عيَّنت البلدية 10 نواطير لحماية الغابات، ولكن أعدادهم تبقى محدودة. وهناك تعاون محدود مع الجيش اللبناني".
ويقول عبد الحي، "لكن هؤلاء يواجهون عصابة الاتجار بالحطب التي تستبيح الأخضر واليابس، وتقطع الشجر المعمر والنادر، لأنها أمنت العقوبة، وأساءت الأدب إلى حد السخرية".
كما يعبر عن حزنه بسبب "فقدان ثلث الغابات والأحراج خلال السنوات الأربع الماضية، وهذا بمثابة الخسارة القومية لأن قيمة هذه الأشجار المعمرة لا تُقدر بثمن".          

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة