Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هيا بنا نقضي على المريخ

الزوجان كيلي وزاك وينرسميث راودا في كتابهما المشترك المستقبل المجيد الذي ينتظر البشرية في المستوطنات الفضائية لكنهما بعد سنين من البحث فقدا يقين المجد

ليس القمر محض صحراء رمادية تخلو من الهواء. فسطحه يتألف من حجر وزجاج بالغ الصغر والخشونة ومشحون بالكهرباء، ويلتصق بسترات الضغط ومركبات الهبوط (أ ف ب)

ملخص

"لن تكون الحياة على المريخ في أرجح الاحتمالات مستوطنات تحت قباب زجاجية وإنما أنفاق أسفل الحمم البركانية يعاد تجهيزها بالهواء الصالح للتنفس والمياه الصالحة للشرب"

لم يعد كوكب الأرض صالحاً، فالمناخ كلنا نعلم حالته، والحروب كما نرى في كل مكان، والحضارات تتناحر، بل الأديان والأعراق والأجناس أيضاً. وحتى أوضح الناس شراً لا يعدمون من يدعون لهم على المنابر، أو يستخلصون من لغوهم فلسفات وخططاً للمستقبل. دعكم من هذا الكوكب. وهيا بنا إلى المريخ.
"مدينة على المريخ: هل بوسعنا أن نستقر في الفضاء، وهل ينبغي أن نستقر في الفضاء؟ وهل فكرنا في الأمر ملياً؟"، هذا هو عنوان كتاب جديد لكيلي وزاك وينرسميث، صدر حديثاً عن "بنغوين" في قرابة 450 صفحة. وسبق لمؤلفي الكتاب، وهما زوجة وزوج تأليف كتاب "عما قريب" (Soonish) فكان من أكثر الكتب مبيعاً بحسب "نيويورك تايمز". وكان كتاب العام في فئة العلم الجماهيري بحسب "وول ستريت جورنال".

المستقبل المجيد
في الكتاب الراهن، بحسب ما يقول الناشر، شرع المؤلفان في الكتابة عن المستقبل المجيد الذي ينتظر البشرية في المستوطنات الفضائية، لكنهما بعد سنين من البحث، فقدا يقين المجد، وما عادا يثقان في أنها "فكرة جيدة". صحيح أن "التكنولوجيا الفضائية تتقدم بسرعة، وكذلك التجارة الفضائية، لكننا نفتقر إلى المعرفة اللازمة لإنجاب أطفال في الفضاء، وإقامة مزارع فيه، وتأسيس دول هناك على نحو لا يثير صراعات على الأرض. وفي عالم يسارع إلى التوسع في الفضاء، يدرس كتاب ’مدينة على المريخ’ حلم العوالم الجديدة وما يمكن أن يفضي إليه من كوابيس، سواء للمستوطنين أو لمن تركوهم وراءهم على الأرض".
ينقل ستيوارت جيفريس في استعراضه للكتاب (غارديان الـ14 من ديسمبر/ كانون الأول 2023) عن كارل ساغان قوله "حتى بعد 400 جيل من الحياة في القرى والمدن، لم ننس بعد الطريق المفتوح، فلم يزل ينادينا بهمس خافت، شأن أغنية قديمة منسية". وهذا النداء الآسر الداعي إلى المغامرة، والخروج إلى الطريق، يجعلنا، كما يقول جيفريس، نبدو وكأننا بحاجة عاجلة إلى أن نجترئ و"ننتعل أحذيتنا الفضائية"، غير أنه ينقل عن الزوجين وينرسميث قولهما إن هذه حماقة، لأن "الرحيل عن كوكب الأرض وقد ارتفعت حرارته درجتين مئويتين أشبه بالرحيل من غرفة قذرة للعيش في مقلب نفايات سامة".

يرى الزوجان وينرسميث، كيلي عالمة الأحياء المتخصصة في الديدان الطفيلية، وزاك رسام الكاريكاتيرـ أن حلم إيلون ماسك بسكنى كوكب المريخ بحلول عام 2050 بات معقولاً، وذلك لأن "الكلفة التكنولوجية انخفضت بقدر ما ارتفعت غطرسة ماسك".

يقول جيفريس "بصفة شخصية، لا يمكنني أن أتخيل غير شيء واحد أسوأ من أن أنفق أكثر من ستة أشهر في رحلة ذهاب فقط لمسافة 140 مليون ميل داخل كبسولة صغيرة لا آكل فيها غير المقزز ولا أتغوط إلا في أكياس. وذلك الشيء هو أن أرافق في الرحلة راكباً مزعجاً للغاية، هو إيلون ماسك، يظل يعرض علي مخططات المدينة المريخية التابعة لشركته، التي يطلق عليها الكاتبان اسم (ماسكو)"، فهي مركب من ماسك وموسكو، ويا لوقع هذا النحت على قارئ غربي.

بلا خبرة 

لكن المصاعب أكبر من رفقة مزعجة في رحلة طويلة، فليس هذا الفضاء الشاسع مزوداً بالشروط البيئية الأولية التي تحتاج إليها حياة البشر من حرارة وهواء وتربة، "فضلاً عن ذلك، نحن بلا خبرة تذكر في ما يتعلق بالأنظمة البيئية المغلقة التي سيحتاج إليها بقاؤنا على المريخ. صحيح أن لدينا تجارب من قبيل بيوسفير 2، وهو عبارة عن دفيئة معزولة عن الهواء على مساحة 3.14 أكراً ( 0.0127كيلومتر مربع) في أريزونا حيث رفضت دجاجات شبه برية وضع البيض وانتهت غالباً فرائس للخنازير، أما البشر فبعد سنة فيها، عاشوا خلالها على موز نصف ناضج وفاصوليا سقيمة الطعم تستعمل علفاً للحيوانات، أصابهم الهزال وباتوا يتضورون جوعاً. هذا وليست تجربة بيوسفير 2 بالضخامة الكافية لنستخلص منها كيف يمكن أن تكون الحياة على المريخ".
"وعلى أية حال، لن تكون الحياة على المريخ في أرجح الاحتمالات مستوطنات تحت قباب زجاجية وإنما أنفاق أسفل الحمم البركانية يعاد تجهيزها بالهواء الصالح للتنفس والمياه الصالحة للشرب، فهي مثالية لمن يحبون أن يفتحوا الستائر كل صباح لينعموا بإطلالة جدران الصخور البركانية".
يكتب الروائي دبليو إم آكرز (نيويورك تايمز الـ28 من أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، أن "فكرة المسارعة بالرحيل إلى الفضاء فكرة جذابة، لكن كتاب ’مدينة على المريخ‘ يشير إلى أنه لا يجدر بنا أن نتعجل في اليأس من كوكب الأرض". ويضيف "يصنف الكتاب الحجج القائلة بضرورة الاستعمار الفوري للفضاء ضمن فئتين. الفئة الأولى تندرج في فكرة رفيعة مفادها بأن البشرية يجب أن تنتشر في كواكب أخرى قبل ’أن تتداعى الحضارة‘، وذلك ما قال به إيلون ماسك". أما الفئة الثانية من الحجج فهي "’حجج الحمام الدافئ‘، وخلاصتها أن علينا أن نذهب إلى الفضاء لأن الذهاب إلى الفضاء أمر ظريف".
ويتابع آكرز "يفكك مؤلفا الكتاب النظرية الأولى ببراعة، إذ شرع الزوجان وينرسميث في تأليف هذا الكتاب متوقعين أن يكتبا ’خريطة طريق اجتماعية‘ لبناء مستعمرات خارج العالم في المستقبل القريب. ولكن مع غوصهما في عملهما البحثي، تبين لهما أن أعلى المناصرين لاستيطان الفضاء صوتاً إنما هم مفتونون بجمال صواريخهم افتتاناً يلهيهم عن ’حقيقة العناصر العادية التي تتألف منها الحياة‘ من قبيل الطعام والولادة والديمقراطية والقانون. والمشكلة الأساسية بحسب ما يكتب المؤلفان هي أن ’الفضاء بشع. كله بشع. بشع‘، مضيفين: ’ليس القمر محض صحراء رمادية تخلو من الهواء. فسطحه يتألف من حجر وزجاج بالغ الصغر والخشونة ومشحون بالكهرباء، ويلتصق بسترات الضغط ومركبات الهبوط. والمريخ ليس محض أرض قاحلة بعيدة من العالم، بل إن تربته مليئة بالمواد الكيماوية السامة، وغلافه الجوي الكربوني الهزيل يثير عواصف ترابية في جميع أنحاء الكوكب تحجب الشمس لأسابيع في كل هبة. وهذا عن الأماكن الصالحة للهبوط". ويزيد الروائي "يرى الكاتبان أن بشاعة الفضاء هذه جديرة بأن نتجاهلها، في حال كانت الحضارة حقاً على وشك التداعي. لكنها ليست كذلك. صحيح أن الحياة على كوكب الأرض شاقة. وكانت كذلك دائماً. لكن الإنسانية لا تواجه مشكلات يستعصي حلها إلا بالانتقال إلى مكان آخر، خصوصاً لو أن هذا المكان بلا طعام أو ماء أو هواء. ويكتب المؤلفان أن ’كوكب الأرض، بما فيه من التغير المناخي، وما يحتمل من حرب نووية، بل وبأمثال الزومبي والمستذئبين، يظل مكاناً أفضل بكثير من المريخ‘".
ويتابع المتحدث ذاته "وماذا عن الحمام الدافئ؟ يذهب الكاتبان وينرسميث إلى أن قوانين الفضاء بوضعها الحالي تعني أن التدافع غير المنظم على الموارد القليلة والمتلاشية في القمر والمريخ سيزيد من احتمالات نشوب الحرب هنا على كوكب الأرض. فكلما كبر وجودنا خارج العالم، سهل على إرهابي أو ملياردير ناقم أن يقذف بكويكب على كوكب الأرض فيمحو السلالات التي نحاول نظرياً أن نحافظ عليها".
يكتب ستيوارت جيفريس أن من أكثر ما يرد في الكتاب بعثاً لقشعريرة الفزع مقتطفاً من متخصص في أخلاقيات الحياة خارج الأرض يقول فيه "إننا نفترض أن البيئة في مستوطنة ما على المريخ ستحابي إقرار سياسة الإجهاض التي يحابيها الليبراليون على الأرض"، وذلك "لأن من شأن مولد طفل معاق أن يلحق ضرراً جسيماً بالمستوطنة كلها"، وإذاً "فقبل حتى أن نطأ بأقدامنا المريخ، بدأ البعض بالفعل في الحديث عن سياسات تحسين النسل الفضائية"، على هذا النحو المرعب الذي ربما يؤكد ما يذهب إليه الزوجان وينرسميث إذ يقولان إننا "كلما ازددنا قدرة على إنجاز أمور في الفضاء، ازددنا قدرة على إبادة الذات".

الكلبة "لايكا"
ويمضي جيفريس "يذكرنا هذا الكتاب بأن الاستكشاف يقوم على معاناة الرواد. فأول كلبة في الفضاء، وهي لايكا، ألقيت فيه من دون ما وسيلة للرجوع إلى الأرض، بما يثبت بلا أدنى لبس مدى الشر الذي كان عليه السوفيات. ورائد الفضاء جون غلين قضى أربع ساعات في مدار على متن فريندشيب 7 في عام 1962 مرتدياً مسباراً، وموضوعاً حيث لا تشرق الشمس، على رغم عدم التيقن من جوهرية هذا الأمر للمهمة".
يقول ستيوارت جيفريس إن الحرب الباردة لم تعد ضمن دوافع برامج الفضاء في العالم. فلم يعد التسابق على أول كلبة في الفضاء أو أول إنسان أو أول هبوط على القمر قائماً. لكن لدينا بدلاً من الحكومات المتنافسة سباقاً مستعراً بين رجال أعمال يتنافسون بالفعل على ملكية المريخ. هذا ولم تجمع الصين والولايات المتحدة أوراقهما، لكنهما فور الاستعداد للاهتمام بالمريخ فإن "خطر نشوب حرب نووية في الفضاء من أجل تسوية النزاعات لن يكون بالخطر البسيط" بحسب تقدير مؤلفي "مدينة المريخ". "وهذا ما ينقلنا إلى الخبر الجيد" في تقدير ستيوارت جيفريس "وهو أنه في حدود فهمي للعلم، سيتسنى لنا نحن الباقين على الأرض أن نسترخي متنعمين بمشروباتنا وبالعرض الفضائي الضوئي، آمنين من وراء مجالنا المغنطيسي، وذلك سبب وجيه آخر للبقاء هنا، في البيت".

"غير أن قتامة هذه الأفكار تقل بسبب الطرافة"، فكتاب "مدينة على المريخ" في تقدير دبليو إم آكرز "صاخب الطرافة. تتناثر في نثره الجميل رسوم كاريكاتورية فاتنة تصور كل شيء من سترة الجنس الفضائية التي تتسع لشخصين وحتى ’جهاز التبول‘ المحير الذي صممه مهندسو وكالة ناسا لرائدات الفضاء ويبدو أنهم لم يستشيروا فيه أية امرأة. وفي الكتاب فصول مواضيعها هي ’غرابة اللغة في الفضاء‘ و’هل بوسعك أن تفعل كذا في الفضاء؟‘ و’كيف تنجب أطفالاً في الفضاء من دون الزواج بابنة عمتك الفضائية؟‘ وفصل عن أسماء رواد الفضاء المضحكة، وفقرة كاملة عن ’الخرسانة القمرية‘ وهي خامة نظرية للبناء تتألف من خلط تربة المريخ بالدماء البشرية". ويضيف "لكن أغلب الكتاب مخصص لقضايا مذهلة وعملية تتعلق بالاستعمار الفضائي، فثمة تواريخ للصواريخ ولقانون الفضاء وللدعاية والإعلان في السماء، وعرض لكيفية إقامة مستعمرة فلكية، ولماذا تعد أنابيب الحمم البركانية القاحلة أفضل الممتلكات العقارات المريخية، وكيف أن مدن الشركات تمثل فكرة سيئة عندما تتحكم إداراتها في ما يتاح للقوى العاملة من طعام أو ماء أو ضوء أو هواء".

"وعلى مدار الكتاب، يناصر آل وينرسميث، نهجاً في استعمار الفضاء يطلقان عليه ’التمهل من أجل التوسع‘. ويعتمد المنهج على تمويل إقامة مئات من تجارب المحيط الحيوي على كوكب الأرض من أجل معرفة مزيد عن كيفية بقاء الإنسان في بيئة مغلقة، وعلى القيام بدراسات ممنهجة للتكاثر الحيواني في الفلك لنعرف ما إذا كان بوسع النساء أن يحملن بعيداً من الأرض، وعلى تحديث القانون الفضائي وإنشاء هيئة تنظيمية لضمان الحفاظ على الكون بمثل الحفاظ على قارة أنتاركتيكا وليس نهبها وتخريبها كما حدث للأمازون. ويمضي منهج الزوجين إلى أنه فور اكتمال إطار العمل، يجري نقل مئات الآلاف من المستوطنين دفعة واحدة، بما يكفي لإقامة حضارة حقيقية. وبما يكفي للازدهار".
يكتب آكرز "في الوقت نفسه، علينا أن نقدر ما لدينا. ’ليست الأرض مثالية‘ بحسب ما يكتب الزوجان ’ولكنها مقارنة ببقية الكوكب، كوكب جميل‘. وهذا الكتاب كفيل بأن يجعل قارئه سعيداً بأنه يعيش على هذا الكوكب. وليس هذا بأمر بسيط، لأنكم لن تغادروا هذا الكوكب عما قريب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن "هل تحلمون بالعيش في الفضاء؟"، ذلك هو السؤال الذي يواجه به أندرو كرامي قراء استعراضه للكتاب (ليتراري رفيو ـ ديسمبر 2023). "بعض الناس مستعدون لأن يدفعوا لشركة فيرجين غالكتيك [Virgin Galactic] قرابة نصف مليون دولار لقضاء خمس دقائق في انعدام الوزن، وإذاً فمن الواضح أن الطلب مرتفع بين أصحاب الجيوب الممتلئة. فضلاً عن أن أجيالاً من محبي الخيال العلمي حلمت طويلاً بأن الحياة خارج الأرض باتت على مرمى البصر. ولو أننا صدقنا إيلون ماسك، فبحلول عام 2050 سيكون مليون إنسان مقيمين على المريخ. فهل تريدون حقاً أن يكون نسلكم ضمن هؤلاء؟".
ليس هذا سؤالاً عن الفضاء وحسب، وإنما هو عن الأرض. فهل بلغ اليأس من الأرض منا هذا المبلغ؟ أم أنه اليأس من أنفسنا؟ فالحقيقة أننا لن نجد الحل لمشكلاتنا على كوكب جديد. لكن الأرجح أن الكوكب الجديد هو الذي سيجد مشكلاتنا وقد انتقلت إليه. فليس تراب الأرض هو الذي ينبت لنا من جوفه الطغاة، ولا سماؤها هي التي تمطر علينا الجهل. ليست العناصر التي يتلوث بها مناخ العالم ثمرات نقطفها من غصون الشجر فتسممنا، ولكنها من تخليقنا نحن وابتكارنا، من معامل نمولها، وجامعات نقيمها، وحكومات ننتخبها أو نستسلم لها. نحن مشكلة هذا الكوكب، أو بالأحرى، نحن مشكلة أنفسنا. وقديماً أدرك قسطنطين كفافيس ذلك فقال في استعراض دقيق وغير مقصود، لكتاب (مدينة على المريخ): "إذا كانت حياتك خربت هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما حللت".

العنوان: A City on Mars: Can we settle space, should we settle space, and have we really thought this through?

تأليف:  Kelly Weinersmith - Zach Weinersmith

الناشر:  Penguin Press

اقرأ المزيد

المزيد من كتب