Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثغرة قانونية تتيح لمسؤولين جزائريين التكتم على ممتلكاتهم

المنتخبون المحليون في المجالس الولائية والبلدية وشاغلو الوظائف العليا ملزمون باكتتاب تصريح يحدد جرداً لجميع الأملاك العقارية والمنقولة للمكتتبين وأولادهم

البرلمان الجزائري على موعد للمصادقة على مشروع قانون البلدية والولاية (الإذاعة الجزائرية)

ملخص

لا توجد أية عقوبة في حالة عدم الاستجابة لطلب التصريح بالممتلكات، ويرى حقوقيون أنه يستحيل على المجتمع الفاسد أن يكون قوياً أو أن تكون الدولة التي ينخرها الفساد ذات سيادة فعلية

أظهرت أرقام السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته في الجزائر أن "معادلة الفساد في البلاد تغيرت معطياتها التقليدية"، وبات شاغلو الوظائف العليا "لا يجدون حرجاً في التصريح بممتلكاتهم عكس منتخبي المجالس المحلية الذين توقفت نسبة تجاوبهم عند 14.95 في المئة.

ويبدو أن التصاق ظاهرة الفساد بالوزراء والإطارات العليا في البلاد سواء من المدنيين أو العسكريين من النظام السابق، والزج بكل من ثبت تورطه في نهب أموال الشعب في السجون بعد محاكمات، أثار اهتمام الرأي العام الداخلي والخارجي، وجعل المسؤولين الحاليين من نظام ما بعد الراحل عبدالعزيز بوتفليقة يعيدون حساباتهم بشكل جدي عندما يتعلق الأمر بالمال العام أو الثراء الفاحش أو الحصول على هدايا وإكراميات فخمة أو امتيازات غير قانونية، وهو ما أوضحته السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته في آخر تقرير لها صدر منذ يومين.

ارتفاع وضعف... مفارقة لافتة

وأشارت الهيئة إلى ارتفاع نسب التصريح بالممتلكات بالنسبة إلى الموظفين العموميين شاغلي الوظائف العليا بنسبة 96.22 في المئة، وعلى رأسهم موظفو رئاسة الجمهورية التي حققت 100 في المئة بمجموع 270 موظفاً، والوزارة الأولى والأمانة العامة للحكومة وبعض الوزارات، باستثناء المديرية العامة للأمن الوطني ووزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني التي لم تقدم الأرقام، كما تضمنت الحصيلة موظفين في 10 مؤسسات عمومية كالمحكمة الدستورية ووسيط الجمهورية والمحافظة السامية للأمازيغية وغيرها، الذين جاءت تصاريحهم بنسبة 100 في المئة.

في المقابل عرفت نسب تعاطي المنتخبين المحليين مع المسألة ضعفاً كبيراً، إذ إنه على رغم انقضاء ثلاثة أعوام على العهدة الحالية، وتبليغهم رسمياً من طرف وزارة الداخلية والجماعات المحلية، فإن السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته أحصت 23 ألفاً و166 منتخباً لم يصرحون بممتلكاتهم من إجمالي 27 ألفاً و241 منتخباً، أي ما نسبته 14.95 في المئة، كما سجلت صفر تصريح على مستوى 50 محافظة (ولاية) من أصل 58، سواء منتخبين في المجالس البلدية أو الولائية، منها محافظات كبرى كالجزائر العاصمة ووهران وتيزي وزو وسطيف وقسنطينة وسيدي بلعباس وعنابة، فيما حققت أخرى كورڤلة 100 في المئة، وتلمسان 94.28 في المئة، وغليزان 96.34 في المئة، كما أشار التقرير إلى عدم ورود ملفات وأرقام محافظات جديدة عدة، وهي خلاصات بعيدة عن طموحات السلطات المعنية بالشفافية المطلقة في الحياة العامة.

بين الإلزام ورفع سقف الشفافية

وينص القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته لا سيما المادة 04 منه، أن المنتخبين المحليين بالمجالس الولائية والبلدية، والموظفين العموميين شاغلي الوظائف العليا، والمناصب المعرضة للفساد، ملزمون باكتتاب التصريح بالممتلكات بحسب نموذج يحدد جرداً لجميع الأملاك العقارية والمنقولة للمكتتبين وأولادهم في الجزائر أو الخارج، في آجال لا تتعدى الشهر الذي يعقب تاريخ تنصيبهم في وظيفتهم أو بداية عهدتهم الانتخابية.

وأوضح معدو التقرير أن المأمول في السنوات المقبلة، لا سيما بالنسبة إلى شاغلي الوظائف العليا، هو رفع سقف الشفافية بوضع تصريح ممتلكات كل أعضاء الحكومة والمؤسسات العمومية على موقع السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته مباشرة لتكون في متناول كل مواطن راغب في الاطلاع على ممتلكاتهم وحساباتهم البنكية، كما هو معمول به في عديد من الدول المتقدمة، إذ يعتبر هذا الإجراء آلية لتعزيز مبدأ الشفافية والحد من استغلال الامتيازات، وصون نزاهة الأشخاص المكلفين بالخدمة العمومية عند ممارسة وظائفهم، كما أن التصريح بالممتلكات الذي يعد التزاماً قانونياً هو وسيلة فعالة للوقاية من الفساد ومكافحته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثغرة قانونية

المفارقة التي كشف عنها التقرير، فسر أستاذ القانون أبوالفضل بهلولي، أنها تعكس وجود ثغرة قانونية في مجال التصريح بالممتلكات، إذ لا توجد أية عقوبة في حالة عدم الاستجابة للطلب. وقال في حديث خاص "حسب تصوري، تريد سلطة مكافحة الفساد أن تنبه لوجود قصور في عدم التزام منتخبين بالقواعد القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد، وكأن هناك تخوفاً من قبل المنتخبين المحليين"، مبرزاً أن الهيئة تدفع المشرع ضمنياً إلى التدخل وإدراج تعديلات على القوانين، لا سيما أن الفرصة مناسبة خلال عرض مشروع قانون البلدية والولاية على البرلمان.

أما بخصوص استجابة أصحاب الوظائف العليا، فيعتبر بهلولي أنه من الطبيعي ارتفاع النسبة لأن هذه الفئة تخضع للسلطة الرئاسية التي تجبرهم على الخضوع لهذا الالتزام، وهو ما يطلق عليه بالرقابة الرئاسية، في حين يخضع المنتخبون إلى الرقابة الوصائية من قبل الهيئات الإدارية التي لا يجوز لها فرض تعليمات تلزم بالتصريح بالممتلكات، موضحاً أن أرقام التقرير هي دعوة إلى وزارة الداخلية بضرورة تفعيل إجراء التصريح بالممتلكات للمنتخبين المحليين. وختم أنه لا بد من التنسيق بين هيئة مكافحة الفساد ووزارة الداخلية من أجل تحسيس المنتخبين المحليين بأهمية احترام الإجراء الذي يدخل ضمن عناصر الشفافية والحكم الراشد.

محاربة "العصابة" في الأذهان

إلى ذلك، اعتبر معدو التقرير في ما يخص الوقاية من تضارب المصالح وحالات التنافي، أنه على رغم وجود أحكام في قوانين متفرقة، فإنها غير كافية ولا تفي بالغرض للحد من هذه الوضعيات، وعليه أصبح من الضروري إعداد نصوص تنظيمية تؤطرها. وأشاروا إلى إرادة الدولة التي تعززت من خلال الاستفتاء الشعبي على دستور 2020، المتضمن مكاسب عدة في مجال أخلقة الحياة العامة ومكافحة الفساد ودعم قدرات الهيئات، بالعمل على مكافحة الفساد وتكريس مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة في تسيير الأموال والممتلكات العمومية في عديد من أحكام الدستور.

من جانبه، يقول الحقوقي أحمد موهوبي "قد لا نتفق في إعطاء تعريف كامل وشامل لمعنى الفساد لتعدد صوره واختلاف أنماطه من مجتمع إلى آخر، ولكن ما لا نختلف عليه هو أن شيوع الفساد من أهم أسباب الضعف الداخلي والخارجي للدول"، وهو ظاهرة دولية تمس جميع المجتمعات من دون استثناء لا الجزائر فقط، لذلك فإن تحرك سلطة ما بعد حراك 2019 يندرج في سياق حماية الدولة والمجتمع، على اعتبار أنه يستحيل على المجتمع الفاسد أن يكون قوياً، أو أن تكون الدولة التي ينخرها الفساد ذات سيادة فعلية، معتبراً أن "تجربة الجزائر مع الفساد خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة التي لا تزال ارتداداتها متواصلة إلى غاية اليوم تركت أثراً كبيراً في الدولة والمجتمع على حد سواء".

قوانين جديدة وحماية المنتخب

وناقشت الحكومة برئاسة الوزير الأول نذير العرباوي، في آخر اجتماع لها قبل خمسة أيام، المشروع التمهيدي للقانون المتعلق بالبلدية تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالمجيد تبون، الرامية إلى التجسيد الفعلي للمبادئ الدستورية في مجال اللامركزية والديمقراطية التشاركية والحوكمة الراشدة على المستوى المحلي، وفق ما جاء في بيان للوزارة الأولى.

وبحسب ما ورد في نص مشروع القانون الجديد، فإن المنتخب المحلي لا سيما رئيس المجلس الشعبي البلدي ونوابه، محمي قانوناً من خلال عدم متابعته قضائياً أو فتح تحقيق إلا بموافقة مسبقة من قبل الوزير المكلف بالجماعات المحلية، كما بإمكانه حق الطعن أمام المحكمة الإدارية في القرارات التي تصدر ضده، ويتمتع بالحصانة القانونية بالنسبة إلى الأعمال المتصلة بوظيفة التمثيل داخل المجلس خلال العهدة الانتخابية.

وينص القانون على وضع ميثاق أخلاقيات المهنة يتعلق بالمنتخب المحلي ويحدد في مبادئ الآداب والأخلاقيات الواجب عليه التحلي بها بهدف ترقية الممارسة السياسية لدى المنتخبين المحليين، كما يلزم رؤساء المجالس المحلية بأداء اليمين وإدراج صيغة القسم في محتوى مشروع قانون البلدية، الذي يهدف إلى غرس روح المسؤولية من خلال التذكير بضرورة الحفاظ على الأمانة الملقاة عليهم.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات