Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليبيا "الفقيرة مائيا" أكثر شراهة فمن يدرأ العطش المقبل؟

الأمم المتحدة تصنفها من بين أكثر دول العالم هدراً للمياه واستهلاك الفرد فيها يعادل ثلاثة أضعاف المعدلات العربية

 سد وادي غان بالقرب من منطقة غريان الليبية في منطقة الجبل الغربي (أ ف ب)

ملخص

استنزاف سريع لمصادر المياه القليلة في ليبيا... فمن يدرأ العطش؟

أثار تقرير صدر أخيراً لمعهد الموارد المائية الدولي يصنف ليبيا من بين أكثر الدول المهددة بـ"الإجهاد المائي" مخاوف جديدة من تعرض البلاد لنقص حاد في مياه الشرب والزراعة في غضون سنوات قليلة، في ظل شح الموارد المائية الطبيعية بالبلاد والاستنزاف المجحف للمياه الجوفية، خصوصاً في الجنوب الذي يوفر أكثر من 70 في المئة من الإمدادات المائية.

هذا التقرير ليس ناقوس الخطر الأول الذي تدقه منظمات دولية للتحذير من خطر تعرض ليبيا للعطش في السنوات المقبلة، إذ سبق لبعثة الأمم المتحدة أن حذرت من معدلات الاستهلاك اليومي للماء في ليبيا، الذي يتجاوز المعدلات العربية بثلاثة أضعاف، مما يسرع وتيرة استنزاف مصادر المياه الشحيحة أصلاً في البلاد.

خطر محدق

التقرير الأخير الصادر عن معهد الموارد العالمية وضع ليبيا من بين 25 دولة في العالم تتعرض حالياً لإجهاد مائي مرتفع للغاية، مؤكدة أن "البلاد تحتاج إلى خطط طموحة من أجل الاستغلال الأمثل لثرواتها المائية، والتوسع في عمليات تحلية مياه البحر لتخفيف الضغط عن المياه الجوفية المتمثلة في مشروع النهر الصناعي، أحد أكبر المشروعات التي تهدف إلى نقل المياه من الصحراء إلى الحضر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا الإنذار الجديد، الذي يفاقم الأخطار التي تهدد الأمن المائي والغذائي لليبيا، جاء بعد أشهر قليلة من إنذار آخر أطلقته الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، عبر بعثتها في طرابلس، وضعت فيه البلاد بالمرتبة الـ20 ضمن تصنيف الدول الأكثر تضرراً من نقص المياه، التي من المتوقع أن تعاني أفدح إجهاد مائي في العالم.

وتنبع موارد المياه العذبة الصالحة للشرب والزراعة في ليبيا بشكل رئيس من المياه الجوفية الموجودة في الأحواض الرسوبية في أربع مناطق هي الكفرة ومرزق والحمادة في الجنوب، وسرت في الوسط. وتحذر تقارير متواترة منذ سنوات من نضوب الأحواض الثلاثة الأولى بسبب الاستهلاك الجائر.

وتواجه البلاد في حال صدقت توقعات هذه التقارير أخطار العطش الحقيقي، لأن طبقات المياه الجوفية هذه تشكل جزءاً كبيراً من شبكة مشروع النهر الصناعي العظيم الذي يوفر أكثر من 90 في المئة من المياه في ليبيا، والذي وصفه القذافي بأنه "الأعجوبة الثامنة في العالم". وأشاد به باعتباره الحل النهائي لحاجات ليبيا من المياه، لكن بعد رحيله بدأ الليبيون في فصل الحقائق عن الأوهام التي تحوم حول هذا المشروع، ليتبين لهم طبيعة أزمة المياه ومدى فداحتها.

استهلاك مجحف للمياه

بالعودة إلى تقرير بعثة الأمم المتحدة، الصادر في الربع الأخير من العام الماضي، تحتل ليبيا الصدارة على المستوى العربي في معدل استهلاك المياه، إذ يقدر استهلاك الفرد في البلاد بنحو 2392 ليتراً يومياً، وفق تقديراتها.

وقالت البعثة وقتها إن "كميات المياه المستهلكة في ليبيا تقدر بثلاثة أضعاف معدل استهلاك الفرد في نظيراتها من الدول العربية، على رغم شح الإمكانات المائية في البلاد".

كما أكد التقرير الأممي أن مما يزيد من خطورة الاستهلاك المتصاعد للمياه في البلاد، أن كثيراً من الاستخدامات غير مستدامة، وكثيراً من الأعمال الزراعية تكون بأشكال تقليدية ولا يراعى فيها الاستخدام المقنن للمصادر المائية.

فزان في قلب الخطر

وأعطت هذه التقارير الدولية إنذاراً خاصاً باللون الأحمر في ما يتعلق بمستقبل الموارد المائية لمناطق الجنوب، خصوصاً إقليم فزان بالجنوب الغربي، لبعده عن المناطق الساحلية وندرة الأمطار فيه واستنزاف مخزونها الاستراتيجي من المياه الجوفية لنقلها إلى مدن الشمال، إضافة إلى إهدار كميات كبيرة في أعمال الزراعة غير المدروسة.

في هذا الصدد سبق أن حذرت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" من أن هذه الإجهاد المائي قد يكون له تأثير كبير في المناطق الجنوبية في البلاد.

وأشارت هذه التقارير إلى أن الجنوب الليبي توجد به كميات وفيرة من المياه الجوفية، لكن هذه المياه غير متجددة وتستنزف بسرعة، كما أن الكميات المستخدمة في الزراعة لا يمكن تعويضها بسهولة، وهو ما قد يهدد الأجيال المستقبلية في حال استنزاف هذا المورد الحيوي.

هذه الأخطار دفعت المنظمة الدولية إلى مطالبة السلطات الليبية بضرورة العمل على استبدال الطرق التقليدية في الزراعة بالطرق الحديثة التي توفر المياه، وكذلك استبدال المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه بمحاصيل أخرى تكون أقل استهلاكاً للمياه.

تحرك سلطات الشرق

النقص المحتمل في إمدادات المياه المستخرجة من الأراضي الجنوبية بات يشكل تهديداً حقيقياً لإمدادات المياه المتجهة شمالاً، وبدأت بوادره تظهر في بعض مدنه الكبيرة، خصوصاً بنغازي في السنوات الماضية.

سلطات الشرق بدأت فعلياً في التحرك لسد العجز الحالي في إمدادات المياه للمدينة وبعض المناطق المحاذية لها، الذي من المحتمل أن يتزايد في السنوات المقبلة، ودخلت في مفاوضات مكثفة مع شركات صينية نهاية العام الماضي، لتشغيل حقول المياه قرب بنغازي المعطلة منذ سنوات.

وهذه المفاوضات أجراها وفد من الخبراء والفنيين الصينيين مع مهندسي الشركة العامة للمياه والصرف الصحي في بنغازي، ونوقشت فيها كل البيانات والتفاصيل الفنية الخاصة بمحطات وآبار المياه في منطقتي بنينا وسيدي منصور جنوب المدينة، لصيانتها وتطويرها وإعادة ضخ المياه منها في الفترة المقبلة.

مدير مكتب المتابعة والتشغيل والصيانة بالشركة العامة للمياه والصرف الصحي مساعد العوامي، قال إن "الاجتماع تمت فيه مناقشة بعض الدراسات الموجودة في بعض الحقول، ومنها حقل سيدي منصور (النفق) لاختصار الوقت، كما اتفق على تزويد هؤلاء المتخصصين ببعض الدراسات الأخرى المتاحة عن حقلي بنينا الشمالي والجنوبي وحقل سيدي منصور 2".

وبين العوامي أنه "تم الاتفاق خلال اللقاء على تطوير التصاميم الخاصة بحقلي بنينا الشمالي والجنوبي نظراً إلى قدمها، إذ وضعت في عقد الستينيات من القرن الماضي، ومن ثم يحتاج تطويرها وتأهيلها إلى تصاميم جديدة".

 كما أكد "أهمية إعادة ضخ المياه من هذه الحقول، لأنها تعد مصدراً داعماً لمصادر المياه الأخرى مثل النهر الصناعي، وتلافي انقطاع المياه عند حدوث أي توقف من أنابيب النهر".

تحلية مياه البحر

أحد الحلول العملية المتاحة التي يطرحها المتخصصون لتخفيف العبء عن المياه الجوفية في ليبيا والحد من عملية استنزافها المتسارعة كانت فعلياً تحت الدراسة على طاولة السلطات الليبية منذ سنوات، وهي تحلية مياه البحر كخيار استراتيجي للإمداد المائي في ليبيا، خصوصاً أن البلاد تمتلك خطاً ساحلياً طويلاً يمتد لقرابة 2000 كيلو متر، ومع ذلك لا تملك إلا محطة تحلية واحدة عاملة في خليج البنمبة شرق مدينة درنة.

وعلى رغم أهمية هذا المشروع لتعزيز مصادر المياه الصالحة في ليبيا، فإنه لم ينفذ على رغم صدور قرار تنفيذي منذ عام 2012 بإنشاء محطة تحلية في بنغازي بقدرة 400 ألف متر مكعب، وطرابلس 500 ألف متر مكعب، ومصراتة 200 ألف متر مكعب، لكن هذه الخطة ظلت حبيسة الأدراج الحكومية في انتظار المخصصات المالية من أجل تكليف شركة لإعداد كراسة المواصفات حتى يومنا هذا.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي