Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرياضة القتالية فرصة لبنان للمنافسة الدولية لكن الدولة غائبة

لا يحظى الأبطال الرياضيون بأي شكل من الدعم الرسمي في ظل الانهيار الاقتصادي

تشكل الرياضة القتالية فرصة لتحقيق لبنان بطولات دولية (اندبندنت عربية)

ملخص

خلال السنوات الأخيرة، دخل الشباب اللبناني حلبة المنافسة الدولية في الألعاب القتالية على رغم غياب أي دعم رسمي للرياضيين

خلال العقود الثمانية الماضية، حافظت الرياضة القتالية في لبنان على نجاحاتها الدولية بفضل الجهود الفردية التي بذلها "عشاق المواجهة". ويعول المؤسسون على الجيل الجديد من الأبطال للحفاظ على موقع عالمي متقدم، مؤكدين أن "الرياضات الفردية هي الفرصة الوحيدة للمنافسة الأولمبية".

مسيرة النجاح "مضنية"

في عام 1948، تأسس "زهرة الشباب"، أول ناد للرياضات القتالية في شمال لبنان، على يد الضابط في سرية الإطفاء مصطفى زيلع، مشكلاً نقطة انطلاق لعدد كبير من الرياضيين والمدربين. ومنذ ذلك الحين، راكم الأعضاء كثيراً من الخبرة والنجاحات على مستوى المصارعة، ورفع الأثقال، وبناء الأجسام، والكاراتيه. خلال النصف الثاني من القرن العشرين، تأسس عدد كبير من الأندية، وتوسع نطاق الرياضات القتالية، وارتفعت شعبيتها بين الناس. ولعب الشغف دوراً كبيراً في تأمين استمرارية هذه الرياضات بسبب انعدام الدعم الرسمي، وعدم وجود نظام للاحتراف على غرار باقي الرياضات في لبنان.

تختصر تجربة البطل العالمي محمد الغمراوي ماضي الأبطال وحاضرهم في ظل غياب "نظام الاحتراف"، واضطرار هؤلاء لتحمل مشقة التجهيز والسفر للمشاركة في البطولات الدولية. أخيراً، حصد الغمراوي المركز الأول في البطولة الدولية لرياضة الـ"كيوكوشين كاراتيه" المقامة بجمهورية كازاخستان. يؤكد محمد ابن منطقة المنية، والأب لأربع بنات، أنه "تكبد على نفقته الخاصة كامل أعباء السفر، من التذاكر إلى التأشيرة، وحجز الفندق، والنظام الغذائي، والملابس"، وقد بدأ بادخار المبلغ المطلوب منذ أكثر من عام، بمجرد أن علم بتنظيم البطولة ومشاركة 70 دولة من مختلف القارات. عاش تجربة ضاغطة، فهو كان مضطراً لتوزيع برنامجه التدريبي وفق دوامه، فهو يعمل في مجال طلاء السيارات، فكان يتدرب صباحاً من الساعة السادسة إلى الثامنة، ليبدأ بعدها نهار عمله المعتاد. وبعد الانتهاء، يضطر للعودة إلى النادي مجدداً في المساء، فيقضي 16 ساعة من الجهد بين المؤسسة والنادي، وفق ما يروي. وشكلت بطولة كازاخستان تحدياً كبيراً للبطل اللبناني في حضور أبطال اللعبة المحترفين، و"ممثلي المعسكر السوفياتي (الدول التي كانت في الاتحاد السوفياتي سابقاً) المشهود لهم بالخشونة والقوة البدنية والذهنية".

يعود محمد الغمراوي إلى نقطة الانطلاق في مسيرته الرياضية قبل 17 عاماً، "دخل النادي لتخفيض وزنه، فوجد أنه بدأ يتعلق بالكاراتيه مع الوقت"، وبدأ المسار الصعودي إلى أن جاءت البطولات العربية والدولية التي أثبتت تميز اللاعب اللبناني، وتمكن من حصد المركز الثالث في البطولة الآسيوية، والأولى في البطولة العربية لعام 2022، وذهب إلى كازاخستان من أجل "حصد الثمار" دولياً.

يتحدث الغمراوي عن نظرة نمطية سائدة تقلل من شأن التضحية من أجل الرياضة، وتعيب عليه ذلك. ويروي، "يقول لي القريبون والبعيدون: ألم تتوقف بعد؟ لأن إنفاق المال على العائلة هو الأولوية"، لكن "الحب والشغف" لهذه اللعبة يدفعه للتمسك بها، وتخصيص جزء من دخله لها، لأنها "بمثابة النفس للاعب"، بحسب الغمراوي مشيراً إلى أنه "لم يكن قادراً على أخذ إجازة للتمرين، لأن فقدان العمل قد يؤدي لنتائج كارثية على المدى البعيد".

التقدير الرسمي غائب

يأسف الرياضيون لغياب الدعم الرسمي أو التقدير على رغم الشهرة التي يمتلكها هؤلاء في الأوساط الرياضية المحلية والعربية. ويلفت محمد الغمراوي إلى أن "إهمال الرياضة مزمن في لبنان، وهي في آخر اهتمامات الدولة، وقد توسع نطاق التنازل عن المسؤوليات ليشمل كافة القطاعات"، "ولا يبقى من قيمة للمطالبة في وقت نعلم الجواب سلفاً، فالدولة أهملت الصحة والتربية، والكهرباء، وغيرها"، كما ينوه بأن "الأبطال اللبنانيين لا يمتلكون التأمين الصحي، ففي حال الإصابة لا يمتلك البوليصة الشاملة لتغطية نفقات العلاج".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا تقف تلك العقبات أمام شغف الرياضي في الاستمرار. ويلفت الغمراوي إلى أنه "سيستمر في الحلبة إلى أمد بعيد"، وسيشارك في بناء جيل جديد من الأبطال، ناصحاً الأهل بدعم أولادهم الذين يحبون الرياضة، لأنها "تبني الجسد والشخصية والتفكير السليم"، مؤكداً أهمية المثابرة ومراكمة الخبرة، والسماع إلى نصائح المدربين لأنه "ليس بالضرورة أن يكون البطل الناجح مدرباً ناجحاً". من جهة أخرى، يلاحظ أن "هناك ميلاً لدى كثير من الشبان للبحث عن الربح، والنتائج السريعة. حيث يأتي البعض ويسأل، كم حجم الجوائز المالية التي يمكن تحقيقها، وهذا خطأ كبير، لأن الشغف هو الذي يجب أن يحرك الرياضي، وليس المكسب المادي"، و"التدريب المتواصل ضروري لأن التوقف لفترة زمنية يقود اللاعب إلى مرحلة الصفر أحياناً، وبلوغ البطولات يحتاج إلى التضحية"، محذراً من "السقوط في لعبة المنشطات، وتقديم الشكل على حساب القوة والمضمون".

يجزم الغمراوي أن "الفوز هو حافز إضافي للعطاء وتطوير القدرات، ولا يجب أن يخشى الرياضي الخسارة بعد تحقيق الألقاب، لأن الرياضة قائمة على معادلة الفوز والخسارة"، وأن "يؤدي اللاعب دوراً اجتماعياً من خلال نقل خبراته للزملاء والهواة، وتشجيع الجيل الجديد على دخول عالم الرياضة الفردية التي ترتكز على مهارات الشاب المندفع".

 

الرياضة أخلاق وتعايش مع الآخر

مع التقدم في السن، يسعى عشاق الرياضات القتالية إلى نشرها من خلال الدورات التدريبية الصيفية، والتدريب في النوادي قدر المستطاع. يؤكد سايكو أحمد إسماعيل "الدور المهم الذي لعبته المصارعة الرومانية، قبل تثبيت الكاراتيه أقدامها على مستوى لبنان من خلال مجموعة من الأبطال الذين استفادوا من التواصل المثمر مع اليابان". يعود في الذاكرة إلى عام 1991، عندما قصد طوكيو، واكتسب المهارات الأساسية بوجود "مؤسس رياضة كيوكوشين كاراتيه البطل ماسوتاتسو أوياما"، المولود عام 1923 والمتوفى عام 1994، والتي كانت مقدمة لتحقيق بطولات عديدة بالرياضة التي أدخلها إلى لبنان أحمد أبو خزعل، وجاء ذلك بـ"مجهود شخصي محض"، ووفي ظل مخاطرة كبيرة في ذلك الحين. يقول إسماعيل، "كان توجه شاب عشريني إلى اليابان ضرباً من الجنون في حينه لشخص لا يعرف أي منطقة أخرى سوى بيروت ومسقط رأسه في طرابلس"، ولكنه "اكتشف عظمة الرياضة هناك، وتعلق الناس بها، حيث تجد رجالاً طاعنين في السن، أو جالسين على كراسي، يوجهون الشبان والمتدربين".

يتحدث سايكو أحمد إسماعيل عن دور الكاراتيه في إكساب الرياضي "اللغة الأم"، حيث يكرر اللاعب التعابير والألفاظ والأعداد اليابانية خلال أداء الحركات والتواصل بين اللاعبين. ويكشف عن رابط وثيق بين الحب والكاراتيه، فهي بحسب تعبيره "أكثر من رياضة، وترقى إلى مصاف الفلسفة، وفن الحياة، وثقافة حية". ويعود في الذاكرة إلى عهد التأسيس، عندما كانت هذه الرياضة وسيلة للبقاء وحماية الذات من الأخطار المتعددة.

جيل جديد من المقاتلين

لا يوجد سن للتقاعد في رياضة الكاراتيه، حيث ينتقل العاشق من مستوى اللاعب المقاتل إلى المدرب المنور والناقل للفكر، "لا بل يتمنى أن يموت على حلبة القتال، وهو مرتدياً اللباس التقليدي" بحسب سايكو، الذي يشدد على أن "الأطفال هم مستقبل أي رياضة". وفي هذا السياق، يتطرق إلى مبادرة تدريب أطفال في قبة النصر طرابلس، منذ نحو 30 عاماً، قبل انتقاله إلى مختلف مناطق الشمال اللبناني، داعياً الجمعيات والمجتمع المدني والرعاة إلى سد الفجوة الناجمة عن غياب الدولة، نظراً إلى الفائدة الكبيرة للرياضات القتالية على المجتمع بصورة عامة، ومحاربة التسرب المدرسي، والإدمان على المخدرات، والتدخين في مجتمع اليافعين، كما أن "الرياضات الفردية هي فرصة لبنان للمنافسة على المستوى الأولمبي، والعودة إلى ما كان عليه الأمر قبل الحرب الأهلية التي دمرت أجيالاً متعاقبة من الشبان".

يعتبر سايكو أن "الكاراتيه ليست مجرد حركات، وإنما هي أخلاق، وتكوين شخصية للشباب اليافعين، وترسيخ قيم الاحترام، والتفاني، وخدمة الآخرين، ومحبتهم، وأن يكونوا أقوياء. لأنه في الكاراتيه ممنوع التراجع، ولزوم الإقدام، وعدم قبول الهزيمة، والتفوق، وتطوير الذات، وأن تنطلق القرارات من خلفية الكاراتيه".

يختصر سايكو أهداف التكوين القائم على الكاراتيه ومحاربة كافة أشكال الأنانية والرهاب، التي تشكل سنداً للعملية التربوية النظامية، مستعيداً المبدأ المؤسس وهو "أخفض رأسك، وارفع بصرك، أغلق فمك، وافتح عقلك"، وهي ليت مبادئ عابرة في حياة الشخص، وإنما هي روحية تنعكس على سلوكه وعلاقاته مع الذات والآخر.

اقرأ المزيد

المزيد من رياضة