Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملامح السياسة الخارجية التركية في العام الجديد (2)

على أنقرة تعزيز السياسة الخارجية مع دول منطقة البلقان وأوروبا ومنع ظهور توترات جديدة ولعب دور بالتهدئة واختيار المكان الصحيح بين المنافسة الصينية- الأميركية

رؤساء حكومات دول غرب البلقان الست أثناء توقيع ثلاث اتفاقيات  (أ ف ب)

ملخص

ينبغي على تركيا مواجهة أوجه القصور لديها وتحويل المنافسة في ممرات الطاقة والتجارة لمصلحتها كدولة تعمل كجسر بين الشمال والجنوب، والجنوب والشرق والغرب

في مقال الأسبوع الماضي كتبنا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا خلال العام الحالي في إطار الحرب الروسية- الأوكرانية، ومساهمتها المحتملة في السلام الدائم في القوقاز، والتعاون الذي يمكن أن تقوم به مع القوى الأخرى في آسيا الوسطى التي تحولت إلى منطقة تنافسية؟ وكيف ستطور علاقاتها في مواجهة الأهمية المتزايدة لآسيا والظروف المتغيرة في الشرق الأوسط؟

في هذا المقال سنتناول علاقات تركيا مع دول البلقان التي تتمتع ببنية هشة، والعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي حيث إن التقدم مرغوب ولكن هناك نقصاً في الإرادة المتبادلة، وقضية اليونان وقبرص، والخطوات التي يجب اتخاذها للتغلب على أزمة الثقة العميقة مع الولايات المتحدة، وسنناقش وجهات النظر حول الكيفية التي ينبغي لتركيا أن تضع بها نفسها في مواجهة أوجه القصور لديها وكيف يمكنها تحويل المنافسة في ممرات الطاقة والتجارة لمصلحتها كدولة تعمل كجسر بين الشمال والجنوب، والجنوب والشرق والغرب.

البلقان أخطار وفرص

في عام 2023 ترك التوتر بين الصرب كوسوفو، والصرب والخطاب الانفصالي للمسؤولين في جمهورية صربيا، أحد الكيانين في البوسنة والهرسك، بصماته على المنطقة، وبينما واصلت تركيا تطوير علاقاتها مع هذه المنطقة التي تربطها بها روابط تاريخية وثقافية، فقد حافظت على نهجها في التعامل مع المشكلات بحيادية وتشجيع الحوار، وفي الوقت الذي وصل فيه التوتر بين كوسوفو والصرب إلى أعلى مستوياته، رحب الطرفان بنقل قيادة بعثة الناتو في كوسوفو إلى تركيا ونشر جنود أتراك في المنطقة، وهو ما كان مظهراً من مظاهر الثقة في تركيا.

إضافة إلى هذا فإن حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أدى القسم الذي أقيم في المجمع الرئاسي بعد الانتخابات الرئاسية في كل من كوسوفو والبوسنة والهرسك وبلغاريا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية، وهو ما كان مؤشراً على المكانة التي كانت تتمتع بها تركيا في المنطقة منذ الماضي.

وفي إطار بحث دول المنطقة التي تعتمد بشكل كبير على روسيا في مجال الطاقة بسبب تأثير الحرب الروسية- الأوكرانية اتخذت تركيا خطوات مهمة نحو التحول إلى مركز للطاقة من خلال التوقيع على تصدير الغاز الطبيعي اتفاقيات مع بلغاريا ورومانيا ومولدوفا والمجر في عام 2023، لذلك سيكون من المفيد لتركيا أن تستمر في لعب دور الوساطة لتقليل التوترات المحتملة في الفترة المقبلة، وتعميق علاقاتها مع دول المنطقة نحو التنمية، وزيادة التعاون في مجال الطاقة، وفي الوقت ذاته من مصلحة تركيا أن تتعاون مع الاتحاد الأوروبي في القضايا المتعلقة بدول البلقان كون هذه الدول تعد بوابة أوروبا.

تركيا والاتحاد الأوروبي

على رغم وجود تحركات إيجابية في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 2023، إلا أنه لم يتم إحراز أي تقدم في القضايا الإشكالية بين الطرفين، وفي مؤتمره الصحافي قبل مغادرة البلاد للذهاب إلى قمة رؤساء الناتو الماضية، صرح أردوغان أنه طرح موضوع عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي في محادثته الهاتفية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، فاعتبرت تصريحاته بمثابة رغبته في فتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي.

لكن مفوضية الاتحاد الأوروبي خلصت إلى أن العلاقات مع تركيا التي زادت أهميتها بسبب موقعها الجيواستراتيجي بعد الحرب الروسية- الأوكرانية لا يمكن أن تتقدم ضمن المعايير الحالية، وإضافة إلى تقرير تركيا الذي تنشره كل عام، فقد نشرت أيضاً تقرير "العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا"، كما أعدت تقريراً ثانياً حول المجالات التي ينبغي تناولها خلال الفترة المقبلة في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وكان من المقرر اعتماد هذا التقرير الاستشاري خلال قمة رؤساء الحكومات يومي 14 و15 ديسمبر (كانون الأول)، إلا أنه لم يتم إدراجه في جدول الأعمال وترك للقمة التي ستعقد في الربيع المقبل.

التقرير أشار إلى أنه تم إحراز تقدم في قضايا مختلفة من التجارة إلى الابتكار وإعادة تأسيس حوارات رفيعة المستوى من أجل معالجة القضايا الإشكالية بشكل بناء، وعقد مشاورات مع الدول الأعضاء لتسهيل عمليات الحصول على التأشيرة وتقديم الدعم بشأن المعايير التي يجب على تركيا أن تلتزم بها، وقد تم تقديم اقتراحات بشأن قضايا مثل دعوة وزير الخارجية التركي لحضور اجتماعات غير رسمية لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عند الضرورة. ويشير التقرير أيضاً إلى أن عملية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي هشة، حيث تم إدراج قضايا مثل حقوق الإنسان، وسياسة تركيا تجاه قبرص، والخلاف مع الاتحاد الأوروبي بشأن حركة "حماس"، كعقبات يجب التغلب عليها في عملية العضوية، فكما أن أنقرة ترهق بروكسل فإن الأخيرة أيضاً ترهق الأولى.

ومن ناحية أخرى، يعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيس لتركيا، ويؤيد أكثر من نصف الجمهور عملية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، كما أن الاتحاد الأوروبي لا يريد خسارة تركيا بسبب تغير التوازنات العالمية، ومن المهم أن تركيا لا توافق على أي علاقة غير العضوية الكاملة ومع ذلك، إلى أن تعود المفاوضات إلى مسارها الصحيح، ينبغي إجراء عمليات متزامنة بشأن قضايا مثل الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، وتحرير التأشيرات، والهجرة.

خلال الفترة المقبلة من المهم أن تظهر تركيا تصميمها على أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، والعودة إلى عملية الإصلاح الشامل كما كانت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وإحراز تقدم في التوافق مع مكتسبات الاتحاد الأوروبي، وسيسهم هذا الوضع في تبديد الأجواء السلبية في بروكسل وتحسين علاقات تركيا مع الغرب.

العلاقات التركية- الأميركية

في عام 2023 لم يكن هناك تغيير إيجابي في العلاقات التركية- الأميركية، حيث استمرت أزمة الثقة العميقة بين البلدين، ومع الحرب على غزة، أضيفت القضية الفلسطينية إلى القضايا الإشكالية المطروحة على جدول أعمال البلدين، كما كان الدعم الأميركي لحزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) أحد القضايا الرئيسة التي سممت العلاقات، وعلى رغم أن تركيا اتخذت في 2023 خطوات نحو عضوية السويد في حلف الناتو، إلا أن الولايات المتحدة لم تقدم بعد إخطاراً رسمياً إلى الكونغرس بشأن بيع طائرات "أف-16" لتركيا.

لكن في إطار الاتفاق الذي يبدو أن أردوغان توصل إليه مع بايدن لتنفيذ العمليتين في وقت واحد، وجهت وزارة الخارجية الأميركية إخطاراً رسمياً إلى الكونغرس في افتتاح أعماله بالعام الجديد، إلا أن القضية الرئيسة هنا هي متى سيتم تسليم طائرات "أف -16" إلى تركيا، حيث إن تسليم الطائرات سيشكل خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات، وعلى رغم هذا كله ينبغي على تركيا في 2024 الاستمرار في إرسال الرسائل الحاسمة إلى الولايات المتحدة لإنهاء دعمها للمنظمات التي تصفها تركيا بأنها "إرهابية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في سياق المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تتعاون مع تركيا في الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى وحتى أفريقيا، فمن الواضح أن تركيا شريك لا يمكن إهداره، فإذا أصرت الولايات المتحدة على تنفيذ سياساتها الحالية، فسيكون من المحتم على تركيا تحسين علاقاتها مع الدول والمناطق الجغرافية الأخرى، بخاصة روسيا، وهذا لن يكون في مصلحة واشنطن، ومن غير المتوقع حصول تغيير كبير في العلاقات إذا فاز بايدن مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وفي المقابل، إذا فاز ترمب، صاحب السلوك غير المتوقع، فقد لا يحدث تغييرات جذرية في خط واشنطن-أنقرة، بل على العكس من ذلك، قد يتسبب في أزمات جديدة، لكن على أي حال من المهم بالنسبة لتركيا الحفاظ على العلاقات المؤسسية مع الولايات المتحدة من خلال إبقاء قنوات الحوار مفتوحة من أجل معالجة القضايا المتداخلة.
اليونان وشرق المتوسط

بعد زلزال السادس من فبراير (شباط) وإجراء الانتخابات الرئاسية في كل من تركيا واليونان دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة إيجابية حيث كان إعلان أثينا، الذي تم التوقيع عليه في إطار زيارة الرئيس أردوغان لليونان في بداية ديسمبر، خطوة مهمة لتقدم العلاقات على مسار بناء، ونأمل في أن تتقدم العلاقات الثنائية من الآن فصاعداً، لكن هناك قضايا تحتاج إلى حل بين الجانبين، بخاصة مشكلات بحر إيجه ووضع الأقلية التركية في تراقيا الغربية، كما أن القضية القبرصية تؤثر بشكل مباشر في عملية عضوية تركيا بالاتحاد الأوروبي وعلى الاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط.

يجب على تركيا في 2024، أن تدافع عن مصالحها الخاصة ومصالح جمهورية شمال قبرص التركية في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​بنفس التصميم على أساس القانون الدولي، حيث على أنقرة مواصلة اتخاذ خطوات نحو الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية، وتشجيعها على لعب دور بناء في أي عملية تفاوض محتملة، بشرط تسجيل المساواة في السيادة والوضع الدولي المتساوي للشعب القبرصي التركي لضمان السلام العادل والدائم في الجزيرة.

ملف الطاقة

في 2023 زادت أهمية تركيا كدولة عبور وبلد مصدر، حيث سعت دول ثالثة للحصول على موارد بديلة بسبب حرب أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، واتخذت تركيا خطوات نحو التحول إلى مركز تجاري في مجال الطاقة من خلال الاتفاقيات التي وقعتها مع العديد من الدول خلال العام المنصرم.

إن توافر محطات الغاز الطبيعي المسال ومرافق تخزين الغاز الطبيعي ووحدات التخزين العائمة مزايا لتركيا في سياق أمن إمدادات الطاقة، كما أن تعزيز تركيا لمكانتها كدولة رئيسة في الفترة المقبلة من خلال إضافة فرص جديدة إلى هذه الفرص وتنويع مواردها سيوفر ميزة استراتيجية، خصوصاً في علاقاتها مع الغرب، كما سيقلل من اعتمادها على روسيا.

ومن ناحية أخرى، وبالنظر إلى أن حوض شرق البحر الأبيض المتوسط ​​هو المنطقة الأسرع "احتراراً" في العالم، فمن المهم بالنسبة لتركيا أن تجعل التحول الأخضر أولوية وأن تتخذ الخطوات اللازمة على وجه السرعة.
طرق تجارية جديدة

وكما تخطو تركيا خطوات لتصبح مركزاً في مجال الطاقة، عليها أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة لطرق التجارة مع الاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، حيث تقع في وسط الخط الممتد من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط، ومواءمة الممر الأوسط ومبادرة الحزام والطريق، ومشروع طريق التنمية الذي سيصل تركيا من الخليج العربي، وممر زانجيزور الذي سيتم افتتاحه عاجلاً أم آجلاً، وسيربط لندن ببكين، وحقيقة أن تركيا ستصبح جزءاً من الخط وهو ما سيزيد من تعزيز مكانتها في شبكات النقل العالمية.

إن قيام تركيا بالاستثمارات المادية والمالية اللازمة لهذا الغرض، فضلاً عن البحث عن طرق لربط الممرات الأخرى حولها بطرق التجارة الأخرى في المنطقة، سيسهم في التنمية المستدامة لتركيا ويسلط الضوء على موقعها المركزي، وفي فترة فقد فيها النظام الدولي القائم على القواعد وظيفته، وقامت بعض الدول بجر العالم كله إلى عدم الاستقرار من خلال تجاهل القانون الدولي، فإن كل خطوة تتخذها تركيا في السياسة الخارجية قد تكون لها تداعيات مختلفة.

إن قيمة تركيا تكمن في أنها تتبع سياسة متوازنة متعددة الأوجه، وبالتالي يمكنها تحقيق أقصى قدر من الربح لنفسها، وفي هذا الصدد، من أجل تقليل التهديدات المحيطة بها على الأقل في عام 2024، يجب على تركيا أن تستمر في تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، ومنع ظهور توترات وصراعات جديدة، ولعب دور نشط في هذا الاتجاه من خلال أن تصبح جزءاً من الحل للصراعات القائمة، وأخيراً يجب على تركيا أن تضع نفسها بمكان صحيح أمام المنافسة الصينية- الأميركية.

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت تركية".

المزيد من تحلیل