Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرسوم المتحركة تعيدنا إلى خيال الإنسان الأول

عالم نطق فيه الجماد والحيوان يجهز الأبناء للتنقل الآمن بين عوالم حقيقية وافتراضية

العالم الافتراضي الذي يدخله الأطفال في يومنا هذا ما هو إلا عالم أدغال محفوف بالأخطار خاضه ماوكلي سابقاً (فيلم مغامرات ماوكلي)

ملخص

الانتقال بين العوالم المختلفة في أية مرحلة زمنية ما هو إلا قفزة إنسانية من فضاء يملك فيه الأطفال كل مقومات الحماية والأمان إلى آخر خطر يهدد وجودهم

هناك دائماً مرحلة انتقال حاسمة في حياة الإنسان، وهي انتقاله من طفل ساذج يعتمد على الآخرين في كل شيء، إلى حين تكوين عقله ومخيلته، وصولاً إلى مرحلة النضج التي يتمكن بعدها من صياغة مصيره والتحكم بمجريات حياته. وتعد مرحلة الطفولة من هذه الزاوية مرحلة حاسمة وخطرة للغاية، إذ تتولى الأشياء الحية والجامدة في محيط الطفل، وبصورة طبيعية مهمة التربية وبناء منظومتهم القيمية والأخلاقية، بعيداً من سلطة الوالدين والأسرة والمجتمع بكامله. وبعد زمن العولمة وسيطرة ثقافة الصورة، تولت الرسوم المتحركة والسينما مهمة دقيقة، وهي مهمة إنطاق ومحاورة تلك الأشياء الجامدة حول الأبناء، لتجهيزهم للتنقل الآمن بين عوالم حقيقية وافتراضية يوجدون فيها قسراً، أو يدخلونها بكامل إرادتهم للمرة الأولى، إذ تكون تلك الأماكن غالباً محفوفة بالأخطار والتحديات.

الطبيعة الساحرة والفضاء الافتراضي

أثناء وجوده في الطبيعة الساحرة تعلم الإنسان قيمة المكان الدافئ الذي احتضن وجوده وتولى مهمة رعايته والمحافظة على حياته، خصوصاً في مرحلة الطفولة، التي يتصف البشر فيها بالعجز والضعف وعدم القدرة على النطق والكلام كوسيلة وحيدة التعبير عن ذواتهم ورغباتهم. وفي "ماوكلي" بطل الحكاية الشعبية البريطانية، وفق كتاب الأدغال للبريطاني الهندي روديارد كبلينغ عام 1894، تقوم الطبيعة الأم/ البيئة، بدور العائلة التي تربي طفل الإنسان وفق منظومة أخلاقية لا تقل أهمية عن منظومة البشر. أما في "بوكيمون 1995" و"أبطال الديجيتال 1999"، فعلى رغم دخولهم العالم الافتراضي الرقمي، الذي لا تقل الأخطار فيه عن أخطار عالم الأدغال أحياناً، يظل الأبطال الصغار مشدودين إلى عالم الطبيعة ودنيا الإنسان، إذ تربطهم بالمكان الحقيقي الذي يواجهون صعوبة دائمة في العودة إليه، مجموعة القيم، التي تركز عليها دائماً برامج الرسوم المتحركة و"الأنيمي"، مثل الشجاعة والنبل والمحبة والصدق، والتي تعكسها الرسوم المتحركة عبر مجسمات وشخصيات الأشياء الناطقة في العمل، سواء كانت من الجمادات أو النباتات أو الحيوانات، لتقدم تلك القيم المهمة للأطفال في قالب بصري مدهش، يعبر عن مكانة الأخلاق الإنسانية، بوصفها ميراث البشرية الذي ينتقل بشكل سلس وطبيعي من جيل إلى آخر، بغض النظر عن طبيعة الفترة الزمنية والأماكن التي يولد، ويوجد فيها الأطفال.

"ماوكلي" فتى الأدغال

تتمتع حكايات "ماوكلي" كما وردت في كتاب الأدغال، بميزة الديمومة وبعد النظر، فالحكاية التي تمثل أسطورة خروج البشر من ثقافة القطيع، القاسية، نحو عوالم الإنسان البدائية، تنبأت أيضاً بشكل ذكي بفترات حديثة من حياة الإنسان الحالية، وذلك بعد انتقاله من الأدغال إلى الحداثة، ومن ثم إلى العوالم الافتراضية. فالانتقال هنا بين العوالم المختلفة، في أية مرحلة زمنية، ما هو إلا بمثابة قفزة إنسانية من فضاء يملك فيه الأطفال خصوصاً، كل مقومات الحماية والأمان، إلى آخر خطر، ويهدد وجودهم، وهو عالم الأدغال الطبيعي/ الغابة، أو العوالم الافتراضية التي يدخلونها وحيدين لأول مرة. وتقول هذه الحكاية التي وضعت قبل ما يقارب قرنين من الزمن، وأعيد عرضها عشرات المرات في عدة صيغ وقوالب فنية حديثاً: إن العالم الافتراضي الذي يدخله الأطفال في يومنا هذا ما هو إلا عالم الأدغال المحفوف بالأخطار، الذي خاضه "ماوكلي" سابقاً، فهو مكان معزول وخطر، خصوصاً حين يدخله الطفل وحيداً، بعيداً من رقابة وحماية الوالدين والأسرة والمجتمع.

"بوكيمون" وأطفال الديجيتال

وصلت شعبية "بوكيمون" ومشتقاته من الرسوم المتحركة إلى درجة شعرت بها الأسرة في أماكن مختلفة من العالم بالتهديد، بسبب الخوف من تحريف منظومة القيم والأخلاق لدى أطفالهم. وتعني "بوكيمون" حرفياً "وحوش الجيب"، وهي مفردة ترجع إلى البراري والأدغال أيضاً، لكن الوحش هنا وهو الحيوان ما هو إلا رفيق الإنسان، الذي حافظ على حياة "ماوكلي" أيضاً، مما يعني تغير نظرة الإنسان في العصر الحديث إلى كل محتويات الطبيعة، شجراً وحجراً وماءً وسماءً، لتصبح هذه الأشياء بمثابة روافع تستند عليها البشرية في صياغة أخلاقها، لا بل وتعتمد عليها في حمل ونقل القيم والمثل الضرورية لتربية الأطفال، إذ انتقلت مهمة تربية الأطفال التي كانت تمارسها العائلة والمجتمع كاملاً في الزمن الحديث إلى مهمة تتكفل بها الصورة وشاشات السينما والتلفزيون، إضافة إلى العالم الافتراضي بكل تطبيقاته ووسائطه، وذلك من خلال آلية بسيطة هي إنطاق هذه الأشياء، والتفاعل معها، لتعبر بصورة أفضل عن ذاتها، لنا ولأطفالنا، خصوصاً في زمن إنترنت الأشياء وغيرها من التطبيقات الرقمية.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات