Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموضة والتلوث... صراع الأناقة والاستدامة

تسبب صناعة الأزياء أضراراً كارثية في البيئة كونها تستخدم كميات هائلة من الموارد الطبيعية ومواد كيماوية سامة وتخلف أطناناً من النفايات

ثمة اهتمام متزايد بمبدأ الاستدامة في الشرق الأوسط لكن لا تزال الممارسات المسؤولة خجولة في عالم الكوتور في المنطقة (رامي قاضي)

ملخص

ثمة اتجاه متزايد نحو النهج المستدام في الموضة على صعيد العالم وفي الشرق الأوسط حفاظاً على البيئة... هل تحدث هذه الممارسات المسؤولة تغييراً فعلياً؟

تحتل صناعة الموضة المرتبة الثانية بين مصادر التلوث البيئي بعد صناعة النفط، وأظهرت أرقام برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن هذه الصناعة تستخدم 93 مليار متر مكعب من الماء سنوياً، أي ما يعادل الحاجات الاستهلاكية لخمسة ملايين شخص، كما أنها مسؤولة عن نسبة 10 في المئة من انبعاثات الكربون العالمية سنوياً.

ونظراً إلى وتيرة الموضة السريعة في عصرنا الحالي، من المتوقع أن تزيد انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في صناعة الموضة بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2030، فهي تستخدم كميات هائلة من الموارد، وتنتج نفايات بمعدلات أكبر بعد.

فالنمو المتزايد للصناعة التي تحولت إلى ألد أعداء البيئة، يهدد بزيادة الضرر البيئي الناتج منها، لكن في السنوات الأخيرة زاد الوعي حول هذه الأخطار خصوصاً بعد جائحة كورونا وحقق مبدأ الاستدامة في عالم الأزياء انتشاراً واسعاً بعد أن تبنته العلامات ودور الأزياء الكبرى تباعاً، كما التحق عديد من المصممين بهذا التيار لصناعة أزياء مستدامة، لعل ذلك يسهم في الحد مما ينتج من صناعة الموضة من أضرار بيئية.

صناعة صديقة للبيئة

نشهد في السنوات الأخيرة التزاماً متزايداً للعلامات التجارية العالمية بالاستدامة وحصل تغيير لافت في التوجهات في قطاع الأزياء، فباتت العلامات ودور الأزياء تركز على نهج صديق للبيئة في كافة مراحل التصنيع بدءاً من المواد المستخدمة فيها وصولاً إلى الممارسات المسؤولة في تقنيات التصنيع، وترافق هذا الاتجاه العالمي مع التزام مماثل في الشرق الأوسط سواء في صناعة الموضة أو في الفعاليات والأنشطة الهادفة إلى نشر الوعي في هذا المجال.

وفي عام 2020، كان لافتاً الإعلان عن مجلس أزياء الشرق الأوسط كأول مجلس من نوعه لترسيخ مبدأ الاستدامة في صناعة الموضة، والتشجيع على تبنيه حفاظاً على الموارد الطبيعية، والحد من الانبعاثات الكربونية، بالتعاون مع منظمات تتبع الاتجاه ذاته، ومع مجالس الأزياء الكبرى في العالم مثل مجلس الأزياء البريطاني والاتحاد الفرنسي للأزياء الراقية والموضة، وكذلك مجلس مصممي الأزياء الأميركي والغرفة الوطنية الإيطالية للموضة.

وأطلقت الإمارات في عام 2021 أول دليل للموضة المستدامة كمنصة تشارك فيها المؤسسات والأفراد لنشر مبدأ الاستدامة والحد من أخطار صناعة الأزياء على البيئة، شيئاً فشيئاً، اعتمدت مزيد من العلامات التجارية ودور الأزياء والمصممين في العالم وفي الوطن العربي بشكل خاص هذا النهج، وأصبحت استراتيجية الاستدامة في الأزياء أساسية في توجهاتها، هذا، وصولاً إلى فعاليات "كوب 28" في دبي التي شهدت أول عرض للأزياء المستدامة في تاريخ مؤتمرات الأطراف للمناخ، وقدم خلاله مصممون تصاميم مصنوعة بمواد صديقة للبيئة وقابلة لإعادة التدوير، ومن بينهم المصمم اللبناني وسفير النوايا الحسنة في المنطقة لبرنامج الأزياء المستدامة التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا رامي قاضي الذي كان أول مصمم في المنطقة يقدم تصميماً مصنوعاً بالكامل بمواد صديقة للبيئة.

ممارسات حماية

في حديثه مع "اندبندنت عربية" أوضح المصمم رامي قاضي أن صناعة الموضة تعتبر من الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة في العالم، ما يترك أضراراً كارثية بسبب الصباغ والقماش وارتفاع معدلات النفايات فيها، إضافة إلى كثرة استهلاك الموارد الطبيعية واستخدام المواد الكيماوية السامة، علماً أن إنتاج قميص قطني واحد يتطلب 2700 ليتر من الماء فيما تتطلب صناعة الجينز نحو 20 ألف ليتر منه.

وتنتج الملابس وحدها نسبة سبعة في المئة من إجمالي كمية النفايات العالمية كونها تخلف أطناناً منها، حتى إنه تقطع 70 مليون طن من الأشجار سنوياً لتلبية حاجات صناعة الموضة، لذلك، تسهم الموضة في دمار بيئي تدريجي، وثمة حاجة ملحة لأن يتحمل الكل المسؤولية، وأن يزيد الوعي في مختلف القطاعات حول هذه الأخطار التي تطال البيئة، إضافة إلى العمل على تبني ممارسات مستدامة للحد من هذا الأثر البيئي، "هذا ما أحرص عليه عبر اعتماد تقنيات صديقة للبيئة في التصميم والإنتاج، فأستخدم التطريز الصديق للبيئة والمواد العضوية، إضافة إلى التركيز على المقاربة الرقمية في العمل اليومي في مكاتبنا حرصاً على ألا يكون إنتاجنا في الموضة مستدام فحسب".

يشكك البعض بجدوى استراتيجية الاستدامة للحد من الأثر البيئي، ويعتبرها كثيرون مجرد صيحة أو عبارة عن حملة تسويقية تلجأ إليها دور الأزياء والعلامات التجارية، إنما في الواقع، يهدف اعتماد هذا النهج إلى ترسيخ الذهنية في المجتمعات ليزيد الحس بالمسؤولية لدى مختلف الأطراف مما يسمح بحماية الكوكب، هذا ما يؤكد عليه قاضي، مشيراً إلى أن هذه الممارسات ترسم مستقبلاً أفضل في صناعة الموضة كونها تحدث التغيير الإيجابي والواضح، لذلك، يعتمد المصممون هذه الممارسات الصديقة للبيئة، والمسؤولة، والأخلاقية ضمن أطر معينة لترك أثر بعيد المدى في عالم الموضة.

وتجدر الإشارة إلى أن التركيز على إعادة التدوير وإعادة البيع وإبطاء التصنيع والتوعية حول أخطار "الموضة السريعة" خطوات أساسية في هذا المجال، وهذا لا يندرج ضمن الإطار التسويقي أو ضمن الصيحات الرائجة كما يروج البعض، بل ينبع من قناعة راسخة بأنه يمكن إحداث فارق مهم في عملية الحفاظ على البيئة من خلال عالم الموضة.

أما المواد الصديقة للبيئة التي يستخدمها قاضي، فتنسجم مع مبادئه الهادفة إلى الحفاظ على البيئة، إلى جانب اعتماده التقنيات المساعدة على خفض الانبعاثات السامة في عملية التصنيع بما أن قطاع الموضة يمكن أن يسهم بفاعلية في الأنظمة التي تحد من التلوث البيئي، لذلك يعتمد الأقمشة الصديقة للبيئة ذات المصادر المؤمنة بطريقة مسؤولة وأخلاقية، كما يحاول قدر الإمكان الاعتماد على مواد قابلة لإعادة التدوير، كما فعل عندما قدم التصميم المصنوع بالكامل من البلاستيك المعاد تدويره، ضمن مجموعة (Kaleidoscope) لربيع وصيف 2020، ليؤكد من خلاله التزامه التام بمبدأ الموضة المستدامة، حتى إنه يستخدم الترتر الصديق للبيئة في تصاميمه لتقديم "تصاميم أيقونية من دون التسبب بأي ضرر للكوكب ومن أجل مستقبل أخضر أكثر استدامة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يخلو استخدام المواد الصديقة للبيئة في التصاميم الفاخرة من التحديات، إنما في الوقت نفسه لا تتعارض صناعة الملابس الفاخرة مع مبدأ المسؤولية البيئية بما أن صناعتها بمواد مستدامة لا يقلل أبداً من فخامتها، وبالفعل ثمة اتجاه اليوم نحو توفير سبل إعادة استخدام المواد البلاستيكية، وإعادة تصنيع مواد الزينة من خلال تكنولوجيا حديثة صديقة للبيئة مع الحفاظ على جودة ورقي التصاميم، كما يركز المصممون على استبدال الجلد الطبيعي بالجلد الصديق للبيئة، وإن كان التحول نحو التصميم الصديق للبيئة قد يكون مكلفاً أكثر في المراحل الأولى، ومن المؤكد أن براعة المصمم وخبرته كفيلة بتقديم تصميم صديق للبيئة لا يقل فخامة.

 أما مجموعة الأزياء المستدامة التي عرضت ضمن فعاليات "كوب 28" فقدم خلالها قاضي 10 تصاميم انتقاها من مجموعات عدة مستوحاة من فكرة "المحيط"، وفي كل منها تأكيد على الالتزام بمبدأ الاستدامة، وقد استخدمت في التصاميم تطريز ذات أساس عضوي، ومواد زينة ذات مصادر مستخرجة بطرق أخلاقية ومسؤولة، ومواد معاد تدويرها ليكون لكل تصميم أثر خاص لدعم الأجندة العالمية الهادفة إلى الحفاظ على المناخ والبيئة، "كانت تجربة لا تنسى جمعت بين الأناقة والممارسات الصديقة للبيئة لتذكر الكل بأهمية المسؤولية البيئية".

ويبدو الالتزام المتزايد بمبدأ الاستدامة واضحاً على صعيد العالم، وأيضاً بين المصممين العرب الذين يتجهون أكثر فاكثر نحو الممارسات الصديقة للبيئة، على رغم من ذلك، لا تزال هذه الممارسات خجولة في عالم الكوتور في منطقة الشرق الأوسط ولم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، وفق قاضي، وإن كانت الفعاليات والأنشطة التي تقام دعماً لمبدأ الاستدامة في غاية الأهمية لنشر الوعي حول أهميته، إلى حين تبني هذه الممارسات على نطاق أوسع في عالم الكوتور.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات