Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقاربة لمفهوم العلاقة بين الإسلاموية والحكم الديموقراطي

تحليل معمّق لباحث أميركي من أصل إيراني يدعو للدمج بين الإيمان والحرية

لوحة لصفوان ميلاد تمثل الفن الإسلامي الحديث (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

تحليل معمّق لباحث أميركي من أصل إيراني يدعو للدمج بين الإيمان والحرية

"الحركات الاجتماعية وتحول ما بعد الإسلاموية" كتاب من تأليف الباحث الأميركي من أصل إيراني آصف بيات Asef Bayat، ترجمه أحمد زايد وصدر حديثاً عن المركز القومي للترجمة. المؤلف أستاذ علم الاجتماع السياسي ودراسات الشرق الأوسط  في جامعة إلينوي الأميركية. الكتاب صدرت نسخته الإنجليزية عام 2007 عن دار نشر جامعة ستانفورد. أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة القاهرة، ومدير مكتبة الإسكندرية، أحمد زايد وضع مقدمة لترجمته بدأها بالسؤال نفسه الذي طرحه المؤلف: هل يمكن أن يكون الإسلام ديموقراطيا؟ وسأل أيضاً: تحت أي ظرف يمكن للمسلمين أن يجعلوا الإسلام متوافقاً مع الديموقراطية؟ ويوضحا أن هذا السؤال تعرَّض له آصف بيَّات على طول صفحات الكتاب (390 صفحة من القطع فوق المتوسط في النسخة العربية).

ولكن ينبغي التفرقة هنا بين الإسلام كدين والإسلاموية كحركات سياسية / اجتماعية؛ تسعى لبلوغ السلطة في هذا البلد أو ذاك، متذرعة بشعارات دينية "إسلامية"، فقهية وغير فقهية. وهذا ما انتبه إليه أحمد زايد عند نقله هذا الكتاب إلى اللغة العربية، وانتبه إليه أيضاً المؤلف الذي رأى أن طرح السؤال بهذا الشكل "هو طرح مضلل". وعلى أية حال فإن هذا الجهد يذكر بما سبق أن بذله باحثون كثر في المسألة نفسها، في حقب مختلفة. ومن ذلك مثلاً ما قدَّمه علي عبد الرازق في كتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم" الصادر في العام 1925، وكان يركز على مساعي البعض، خصوصاً في دائرة الحكم في مصر وقتذاك؛ لإحياء الخلافة الإسلامية، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. ويرى زايد أن المؤلف "اجتهد اجتهاداً كبيراً لتقديم مادة علمية من خلال تحليلات لصيقة بالواقع، تستلهم تجارب تاريخية، فقدَّم منظوراً مختلفاً للحركات الاجتماعية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وقد لاحظ نشوء أشكال جديدة من الحراك الاجتماعي، في النموذجين المصري والإيراني، تحديداً، عبر قراءة تاريخية وملاحظات إثنوغرافية ثريَّة؛ مستمدة من هذين البلدين".

ويقدم آصف بيّات نهجاً جديداً للإسلام والديموقراطية، وتحليلاً عميقاً للثورة الإسلامية في إيران عام 1979 التي تطوَّرت إلى حركة إصلاح في مرحلة ما بعد الإسلاموية، مع مطلع القرن الحادي والعشرين، وكيف تختلف الحالة الدينية في إيران عن الحالة الدينية في مصر التي لم تشهد إلا "الثورة السلبية أو الساكنة". فالثورة الإسلامية في إيران كانت ثورة بلا حركة، وفي مصر فقد كانت حركة بلا ثورة. وبالطبع فإن هذا التحليل سابق على اندلاع ثورة 25 يناير / كانون الثاني في مصر، ووصول جماعة الإخوان المسلمين" عبرها إلى الحكم الذي لم يمتد لأكثر من عام واحد.

الدين والسياسة

ومن خلال التركيز على أحداث الثورة الإيرانية، والتركيز المقارن على الإسلاموية، وما بعد الإسلاموية، والتغيير الديني النشط في جميع أنحاء المنطقة، يستكشف بيَّات العلاقة المريبة إلى حد كبير بين الدين والسياسة، والعادي والمألوف في الشرق الأوسط. ويقدم كتابه فهماً مهماً لحالة القلق الكبير الذي نعيشه في وقتنا الراهن. اتخذ المؤلف بحسب ما لاحظه زايد، من مفهوم ما بعد الإسلاموية محوراً لبلورة المناقشة حول هذا الموضوع. وقصد المؤلف بمفهوم ما بعد الإسلاموية المحاولات التي جرت في ساحة الفكر الإسلامي – وساهم فيها مفكرون من خلفيَّات فقهية وغير فقهية – لتطوير المفهوم الإسلامي عن المجتمع الحديث، وعن الديموقراطية، بحيث يتبنى مفاهيم مثل التعددية والمساواة بين الجنسين وعدم معاداة أيٍ من الثقافات، والسماح بالتفاعل الخلَّاق مع معطيات العصر، وبناء أخلاقيات التواصل والحوار بين الحضارات، إلى آخر هذه المفاهيم التي تقف في مقابل المفاهيم الجامدة التي ارتبطت بالنزعة الإسلاموية؛ والتي تبنّت مفاهيم الجهاد، وتطبيق النصوص بشكل حرفي، وتأكيد النزعة الأبوية بما تمليه من أشكال الوصاية والتفاعل المتوتر مع الآخر، بحسب ما ذهب إليه زايد في مقدمة الترجمة المؤرخة بالأول من مارس / آذار 2018، مما يضع علامة استفهام عن سبب تأخر نشر تلك الترجمة لمدة  تصل إلى نحو خمس سنوات!

ويؤكد المؤلف أن هذه النزعة ما بعد الإسلاموية ليست غير إسلامية أو معادية للإسلام؛ بل تتميَّز في كونها محاولة "للمزج بين التدين والحقوق، وبين الإيمان والحرية"، وتؤكد "الحقوق بدلاً من الواجبات، وعلى التعددية بدلاً من الصوت الأحادي السلطوي، في تمايز واضح مقابل الخطاب الإسلاموي".  

تحاول الفرضية التي ينطلق منها الكتاب أن تطرح حواراً بين هاتين الوجهتين من النظر، أو قل أن تطرح حواراً بين التجربتين (الإيرانية والمصرية) فتوضح كيف حاولت الحركة الإصلاحية في إيران أن تطرح أفكاراً بعد إسلاموية، كان من شأنها أن تحدث تحولاً ديموقراطياً كبيراً، وكيف ظهرت بعض الأفكار التجديدية في مصر من خلال بعض الفقهاء وبعض المثقفين، ولكن الذي حدث في الحالتين أن التف التيار المتشدد على هذه التوجهات وردها |إلى أصحابها ليصبح هو التيار المسيطر، بل إن الأمر لم يخل من مواجهات وأشكال الرفض والتكفير في بعض الأحيان.

تشابه نسبي

لا تعني المقارنة بين حالة مصر وحالة إيران التشابه التام بينهما. حقيقة إن النزعات ما يعد الإسلاموية انحسرت هنا وهناك، ولكن يبقى الاختلاف في الخبرة التاريخية بين البلدين عميقاً. ففي مصر كانت حركة بلا ثورة (الحديث هنا عن ما قبل 2011)، وفي إيران كانت هناك ثورة بلا حركة. وفي إطار هذه الفرضية يدخل المؤلف هذا الجدل الطويل بين الدولة المصرية والجماعات الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، موضحاً كيف حاولت تلك الجماعة أن تسيطر على المجتمع سيطرة عضوية، من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية من ناحية، والسيطرة على النقابات والنوادي من ناحية أخرى، وكيف نجحت في خلق تفاعلات مع نظام الحكم الذي رأى في الدين مصدراً جوهرياً للشرعية والإجماع العام. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التحليل يكشف عن فشل هذه الجماعة في تطوير أفكار ما بعد إسلاموية، أو تبني بعض هذه الأفكار، وانشغالها في المقابل بالوصول إلى السلطة عبر صور من التحالف مع النظام السياسي، والسعي نحو اختطاف المجتمع. أما في الخبرة الإيرانية، فإن الوضع اختلف؛ فنحن هنا بصدد مجتمع شهد ثورة أخذت الطابع الإسلامي، ولكنها خلقت نظاماً غير ديموقراطي، يميل إلى التسلط، وإلى التطبيق الحرفي للدين، عبر أدواته القمعية والاستبعادية والرقابية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترتب على ذلك ظهور صور من الحراك السياسي المناوئ للنظام وتوجهات داخل النظام نفسه لطرح أفكار أكثر انفتاحاً على التعددية والديموقراطية. ولكن النظام التسلطي قاوم هذه الأفكار، وشجبها ليفسح المجال لسيطرة التوجهات المحافظة والمناوئة لهذه الميول الإصلاحية. ولم يتبق إلا هذه التعديلات البسيطة التي أجراها لمواجهة قوى المعارضة؛ كالسماح للنساء بممارسة الرياضة والتسامح مع بعض صور اللهو والغناء، والتوسع في الفتاوى التي تبيح زواج المتعة. ويذهب المؤلف إلى أن التطابق بين الإسلام والديموقراطية ليس مجرد قضية فلسفية، كما هو شائع لدى كثير من الناس، بل هو قضية سياسية. أي أنه من قضايا الصراع.

خبرات تاريخية

 لعل السؤال المهم هنا – يقول زايد - لا يتعلق بما إذا كان الإسلام يتوافق والديموقراطية أم لا، بل يتعلق بمدى استطاعة المسلمين أن يجعلوا دينهم متوافقاً مع الأفكار التي تنشدها الديموقراطية أم لا، وبتحديد الظروف التي في ظلها يمكنهم أن يقوموا بهذا العمل؛ وإلى أي مدى يمكنهم تعزيز وتعميم إحدى القراءات الشاملة لعقيدتهم الدينية بنفس الطريقة التي اتبعت في الصراع من أجل توسيع نطاق الأفكار الديموقراطية. ولاحظ زايد كذلك أن الخبرات التاريخية التي عرضها الكتاب، من هنا وهناك، تكشف عن فشل الجماعات الإسلاموية في تحقيق ذلك، وذلك لميولها التسلطية والوصائية، واستغراقها في أطر أيديولوجية عقيمة، غير قادرة على استيعاب الأطر المدنية الحديثة. ويجد القارئ في نهاية الكتاب أن الطريق يبدو مسدوداً، وأن التحول الديموقراطي عبر الأفكار الإسلاموية صعب المنال. فهذه الأفكار – في رأي زايد - تظهر قدراً كبيراً من الجمود وعدم المرونة، وتميل إلى أن تكون أفكاراً تستنسخ الماضي في الحاضر، وأن تفرض عليه جموداً لا يستطيع تحمله. وعلى هذه الخلفية يتعمق اليقين بأن لا سبيل إلى ديموقراطية وتنمية اقتصادية مستدامة إلا عبر الآليات المدنية التي تتأسس على مبدأ المواطنة والدولة الوطنية.

 لكن المؤلف لا يغلق الباب تماماً أمام فكرة أن يكون هناك حكم ديموقراطي ذو خلفية إسلامية، مستنداً إلى جهود فردية ومؤسسية في غير بلد إسلامي، تدرك أهمية أن يكون الحكم الذي تخضع له الشعوب عموماً، خاضعاً لمعايير الديموقراطية، التي نجد للكثير منها أصولاً في التراث الإسلامي، بما في ذلك المساواة والعدالة والشورى. ويقول بيَّات إن هؤلاء ينبغي أن يلقوا الدعم، بدلاً من تنميطهم في قوالب ذهنية جامدة. بيد أن هذا الموقف – يختتم المؤلف – يتطلب وجود حساسية بالغة وفهم عميق لحقيقة ما تتصف به حركات النضال الشعبية في هذا الجزء من العالم من تركيبة معقَّدة، ونزعات متعددة الطبقات، واتجاهات متضاربة في ظاهرها.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب