Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العلاقات الباكستانية - الإيرانية بين الماضي والحاضر

التحفظات حول التعامل مع الجماعات المحظورة بين الجارتين ينبغي ألا تصل إلى حد الخلاف الدائم

التنسيق الأمني بين الجارتين باكستان وإيران تشوبه خروق أمنية من قبل الجماعات المسلحة المحظورة (أ ف ب)

ملخص

شهدت الحدود الباكستانية - الإيرانية حوادث مختلفة في الماضي وتبادل الطرفان اتهامات بالتسلل عبر الحدود ووجود منظمات إرهابية على الجانب الآخر من الحدود

شهدت العلاقات الباكستانية - الإيرانية توتراً غير مسبوق بعد هجوم إيران على منطقة بانجفور الباكستانية في الـ16 من يناير (كانون الثاني) الجاري، والرد الباكستاني داخل الحدود الإيرانية بعد يومين.
الهجوم الإيراني على مخابئ تنظيم "جيش العدل" المحظور أدى إلى مقتل شخصين وإصابة ثلاث فتيات، بينما تقول باكستان إنها استهدفت مواقع "جيش تحرير بلوشستان" و"جبهة تحرير بلوشستان" في ايران.
ووصفت الخارجية الباكستانية في وقت سابق الهجوم الإيراني بـ"الانتهاك صارخ" لحدودها الجوية، وقالت إن "مثل هذا الهجوم غير مبرر تماماً، ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة"، كما سحبت باكستان سفيرها من طهران وطردت السفير الإيراني، لكن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عادت إلى طبيعتها بعد الرد الباكستاني والاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية الدولتين.
وقد شهدت العلاقات بين الدولتين فترات من الرخاء والشدة على مر الأعوام الماضية.

العلاقات قبل وبعد الانقلاب

كانت إيران أول دولة تعترف بباكستان بعد انفصالها عن الهند، بينما كانت باكستان سباقة في الاعتراف بالحكومة الأولى بعد الانقلاب الإيراني. ووفقاً لمجلة "دراسات جنوب آسيا" وقعت باكستان وإيران معاهدة الصداقة في عام 1950، وزار أول رئيس وزراء باكستاني لياقت علي خان، طهران في عام 1949، كما زار الشاه الإيراني باكستان بعد توليه المنصب في عام 1950.
وكانت العلاقات الباكستانية - الإيرانية ودية للغاية قبل انقلاب 1979، والسبب وراء ذلك، بحسب بحث كتبته فاطمة رضا من "معهد الدراسات الاستراتيجية" في إسلام آباد، هو أن "إيران كانت حليفة للولايات المتحدة في ذلك الوقت. ويمكن فهم عمق العلاقات آنذاك بأن إيران دعمت باكستان في حربها مع الهند".
وأشارت الورقة البحثية إلى بيان للشاه الإيراني بعد انفصال بنغلاديش عن باكستان عام 1971، إلى أن "إيران لا تريد أن ترى باكستان أكثر تشرذماً، وأنه أخبر الهند أنه لو نشأ توتر آخر بينها وبين باكستان فإن ايران ستتقدم لمساعدة باكستان".
وأخذت هذه العلاقات منحنى آخر بعد الانقلاب في إيران في عام 1979 عندما أعلن المرشد خامنئي "الثورة الإسلامية"، وحول البلاد إلى جمهورية إسلامية شيعية مركزية. وفقاً للمقال، فإن الإعلان تزامن مع جهود الحاكم العسكري الباكستاني "ضياء الحق" لتعزيز الإسلام السني في باكستان، مما أدى إلى أعمال شغب طائفية في باكستان في التسعينيات وتوتر شديد بين باكستان وإيران.


الموقف من حكومة "طالبان"

واتخذت باكستان وإيران موقفاً مغايراً عندما شكلت حركة "طالبان" الحكومة في أفغانستان في التسعينات، بحسب الورقة البحثية في "مجلة الدراسات الآسيوية"، التي تقول إن إيران وباكستان كانتا ضد الاتحاد السوفياتي في الحرب الأفغانية، لكن باكستان دعمت "المجاهدين"، بينما وقفت إيران وراء "الحلف الشمالي" المكون من الهزارة والمناهض لـ"المجاهدين". واستمر هذا الخلاف بين الدولتين بعد تشكيل "طالبان" الحكومة، إذ اعترفت باكستان بحكومة "طالبان"، لكن إيران أعلنت دعمها الحلف الشمالي الذي وقف ضد حكومة "طالبان".
وفي وقت لاحق من عام 1998، قتل دبلوماسيون إيرانيون في مقاطعة مزار الشريف الأفغانية عندما استولت حركة "طالبان" الأفغانية عليها بعد كابول. وعلى رغم كل هذا، فإن العلاقات بين باكستان وإيران لم تصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية. وبحسب ورقة معهد الدراسات الاستراتيجية، فإن السبب الرئيس لذلك هو جهود وزارتي خارجية البلدين لتحسين العلاقات.
من جهة أخرى، غيرت حادثة الـ11 سبتمبر (أيلول) 2001، شكل التحالفات في المنطقة، إذ وقفت باكستان بجانب الولايات المتحدة ضد حليفتها السابقة حركة "طالبان" الأفغانية، وشكل ذلك فرصة بأن تكون إيران وباكستان في صف واحد، لكن طهران، على رغم خلافها مع "طالبان"، تجنبت الوقوف مع الولايات المتحدة، خصوصاً بعد تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش الذي وصف فيه إيران بأنها "مصدر الشر".
من جانب آخر، طورت إيران علاقات أفضل مع الهند، لكن هذا لم يسبب توتراً في العلاقة مع إسلام آباد، وتعتقد إيران بأن علاقتها مع الهند تشبه علاقة باكستان مع السعودية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التوتر الحدودي بين باكستان وإيران

وتشترك باكستان وإيران في حدود بطول 909 كيلومترات مع مقاطعة بلوشستان الباكستانية ومقاطعة سيستان - بلوشستان الإيرانية. وشهدت هذه الحدود حوادث مختلفة في الماضي، وتبادل الطرفان اتهامات بالتسلل عبر الحدود ووجود منظمات إرهابية على الجانب الآخر من الحدود.
وتعيش الأقلية البلوشية السنية على الجانب الإيراني في أجواء من الغضب حيال الحكومة المركزية في إيران، وتتهمها بالتمييز الديني ضد الشعب البلوشي. وبحسب منظمة مكافحة الإرهاب الأميركية، فإن المنظمة التي تسمى "جيش العدل" تتحدث عن حقوق الشعب البلوشي. وهناك تنسيق بين الجانبين الإيراني والباكستاني للتعامل مع التهديدات الإرهابية، ففي عام 2018، على سبيل المثال، اختطف "جيش العدل" 12 من أفراد حرس الحدود الإيرانيين، وتمت استعادتهم بعد ذلك بمساعدة قوات الأمن الباكستانية، كما أنقذت باكستان 21 سائق شاحنة من منظمة تدعى "جند الله" في منطقة جبلية في بلوشستان في عام 2007.
إضافة إلى ذلك، تم اعتقال القائد الرئيس لجماعة "جند الله" عبدالملك ريغي على متن رحلة جوية من دبي إلى قيرغيزستان في عام 2010، ثم قتل لاحقاً. وفي إشارة إلى ذلك قال السفير الباكستاني لدى إيران آنذاك إن هذا الاعتقال لم يكن ممكناً دون مساعدة باكستان. كما اعتقلت باكستان أيضاً في ذلك الوقت عبدالحميد ريغي شقيق زعيم "جند الله"، وتم تسليمه إلى إيران.
وعلى رغم التنسيق تحدث خروق أمنية تثير أسئلة حول جدية أحد الطرفين، إذ تم استهداف قوات الأمن الباكستانية على هذه الحدود في السابق، كما توترت العلاقة بين الدولتين عندما دخل الجاسوس الهندي كولبوشان ياداف إلى إقليم بلوشستان الباكستاني عبر الحدود الإيرانية، وتم اعتقاله هناك.

هجوم غير مبرر وغير مفهوم

وعلى رغم الخلافات بين إيران وباكستان حول "إيواء إرهابيين"، فإن التوتر لم يصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، فضلاً عن انتهاك الحدود استهداف المواقع على الجانب الآخر منها، لذا كانت هجمات إيران في الـ16 من يناير الحالي صادمة للجميع في باكستان، خصوصاً أن رئيس الوزراء الباكستاني المؤقت أنور الحق كاكار قد عقد اجتماعاً قبل يوم واحد من الهجوم مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وكانت القوات البحرية لكلا البلدين تجري تدريبات مشتركة.
يمكن فهم الهجوم الإيراني في سياق واحد فقط، وهو أن الحكومة الإيرانية كانت تواجه ضغوطاً بسبب العمليات الإرهابية في إيران، وكان آخرها قرب ضريح قاسم سليماني وراح ضحيتها أكثر من 100 شخص، كما أن إسرائيل نجحت في الأيام الأخيرة في استهداف قادة المنظمات العسكرية المدعومة من إيران دون أي رد أو رادع من قبل طهران. فربما ظنت الحكومة الإيرانية أن استهداف مواقع خارج حدودها في العراق وسوريا وباكستان ستساعدها على التعامل مع الأسئلة المحرجة التي تثار في الشارع الإيراني.
لم يكن لدى باكستان خيار آخر سوى الرد العسكري على الهجوم الإيراني لأن إيواء الإرهابيين ليس سبباً كافياً لانتهاك حدود دولة أخرى، لا سيما أن مثل هذه الاتهامات تواجهها إيران أيضاً من قبل باكستان، كما أن تجاهل باكستان مثل هذه الانتهاكات سيعني أنها تسمح للدول الأخرى في المنطقة بانتهاك سيادتها كيفما شاءت.
وتشترك الدولتان في مواجهة التهديد الإرهابي وينبغي عليهما التعاون في هذا المجال والتوقف عن دعم الجماعات المناعضة للطرف الآخر لأنها ستؤدي إلى عواقب وخيمة للطرفين وللمنطقة بأسرها.

نقلاً عن "اندبندنت أوردو"

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات