Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الناجون من الحروب... نفوس مهشمة في وطن الشتات

تصاحبهم الصدمات النفسية حتى في بلاد اللجوء وتلاحقهم الاضطرابات من دون علاج إذ من المستحيل محو مشاهد قتل ذويهم من ذاكرتهم

تترك الحرب في ذاكرة الناجين مشاهد محفورة وألم نفسي وصدمات لا يمكن نسيانها (أ ف ب)

ملخص

اضطراب ما بعد الصدمة يلاحق الهاربين من الحروب... تعرف إلى معاناتهم

صفارات الإنذار ومشاهد الدبابات مع سقوط الصواريخ وانهيار المنازل والمستشفيات، حتى الأطفال ينزفون أمام أعين ذويهم، ويفقد الناس بيوتهم ويتركون كل شيء خلفهم للهرب والبحث عن مكان آمن، إنها الحرب تغير كل شيء، وحتى من ينجو بنفسه لا يبقى كما كان قبل، لأنها تترك في ذاكرته مشاهد محفورة وألم نفسي وصدمات قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان في حال عدم العلاج.

ألم الذكريات

على خلاف أصدقائه الذين تمكنوا من النجاح في اختبار اللغة الألمانية ودخول الجامعة أو الاستفادة من تكوين مهني يمكنه من الاندماج في سوق العمل، وجد علاء وهو لاجئ سوري في ألمانيا يبلغ 28 سنة صعوبة في ذلك، بسبب ما يعانيه من صدمات نفسية.

ويقول في هذا الصدد "أشعر بعد الحرب بأني شخص آخر، أحاول الهرب من ذكرياتي بالسهر مع الأصدقاء والتدخين، لا أستطيع أن أكون بمفردي، كل شيء شاهدته في الحرب يرافقني، مشهد قتل والدي ووالدتي في الحرب، ما زال راسخاً في ذاكرتي، لا يمكنني النوم ولا أشعر بالراحة".

علاء واحد من السوريين الذي فروا من الحرب في سوريا ولجأوا إلى ألمانيا في عام 2015، ويجد الشاب السوري صعوبة في الحديث عما يعيشه، متابعاً "عندما تخبر أحد أصدقائك أنك تعاني مرضاً نفسياً يسخر منك، لأنه يقارن وضعك باللاجئين العرب العالقين في المخيمات، الذين لم تتح لهم فرصة الوصول إلى أوروبا، لهذا أحتفظ بما أعانيه لنفسي".

معاناة خاصة

وفي هذا السياق، تقول الألمانية ريتا روزنر وهي باحثة في علم النفس بالجامعة الكاثوليكية في أيشتيت-إنجولشتادت لمعالجة اللاجئين من مناطق الحرب "إن كل حرب تنتج معاناتها الخاصة، ويعتمد نمط المعاناة على عوامل كثيرة".

وتشير الباحثة إلى أنه كلما طال أمد النزاع ارتفع خطر التعرض لتجارب مؤلمة وصدمات. وتضيف رونزر "في أفغانستان هناك أجيال كاملة لم تعش السلام، وأولئك الذين يفرون من هناك، وخصوصاً عبر طريق خطر، غالباً ما يتعرضون لصدمات شديدة، وهنا تلعب طول فترة الحرب دوراً مهماً".

تعتبر الباحثة الألمانية أن الحرب لا تعني الشيء نفسه للجميع، مشيرة إلى أن "الحرب هي مجموعة من الأحداث التي يتم تأليفها بشكل مختلف من شخص لآخر". وتضيف "بينما يتمكن بعض الأشخاص من الهرب بسرعة إلى أقاربهم في الخارج، يعلق آخرون ويعانون سلسلة من الأحداث المروعة، وأي شخص يشاهد جريمة أو قتلاً غير متعمد من مسافة قريبة يتعرض للإصابة بالصدمة، ويكون في خطر، بخاصة إذا كان المقتول أحد أقاربه، ومن الممكن أن يكون أكثر عرضة لخطر المضاعفات النفسية".

ولفتت روزنر إلى أنه عندما تضطر الأسرة إلى الفرار، غالباً ما يصدم الأطفال، وفي لحظات ومن دون تفسير "تنهار حياتهم".

تفاعل الأهل

تختلف طريقة تفاعل الأشخاص الذين عاشوا الحروب مع الصدمة، ففي وقت يتمتع بعض الأشخاص بقدرة أفضل وراثياً على تنظيم مخاوفهم وتوترهم، هناك من يصعب عليهم ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول المديرة الطبية لعيادة اللاجئين في مستشفى جامعة هامبورغ-إيبندورف، أريج زيندلر "الأطفال أكثر عرضة للخطر في الحرب من البالغين، لأنهم لا يزالون في طور النمو، وبالنسبة إليهم يعد الترابط والثقة والأمن أمراً ذا أهمية، ومجرد مشاهدتهم إصابة الوالدين يمكن أن يكون مؤلماً".

عاينت زيندلر حالات للاجئين فروا من الحرب، وعندما كانت تسألهم عن الذكريات المؤلمة التي لا يستطيعون نسيانها، كانوا يردون "عندما تنزف الأم أو الأب".

جروح غير مرئية

تظل الصدمة حاضرة في حياتهم، بغض النظر عن مدى تأثيرها عليهم، حيث تقول زيندلر "صدمة الحرب مثل المنزل الذي نجا من الزلزال، يمكن إصلاحه وجعله صالحاً للسكن مرة أخرى، لكن الشقوق الصغيرة ستظل موجودة، إنه نفس الشيء لدى الأشخاص المصابين بصدمات نفسية، مثل هذه التجارب القاسية لا تختفي أبداً".

وبحسب دراسة بعنوان "جروح غير مرئية ما الذي تفعله ست سنوات من الحرب النفسية للأطفال السوريين"، قامت منظمة "إنقاذ الطفولة والمنظمات الشريكة" باستطلاع رأي أكثر من 450 طفلاً وشاباً وبالغاً في سوريا في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 2016 إلى فبراير (شباط) 2017.

وذكر 84 في المئة من البالغين أن القصف والقنابل كانا من أكبر عوامل التوتر في حياتهم، وأفاد 71 في المئة من البالغين أن الأطفال يعانون مشكلات متزايدة مثل التبول اللاإرادي، ويمكن أن يكون ذلك من أعراض الإجهاد السام واضطراب ما بعد الصدمة، إذ يحدث الإجهاد السام عندما يتم إفراز كمية كبيرة من هرمونات التوتر باستمرار.

تأثير علاجي

وتؤدي الحروب إلى صدمات تتطور إلى أمراض مزمنة، فيمكن أن تغير الخلايا المناعية وتتسبب في صراعات نفسية، وتؤدي إلى الاكتئاب وتعاطي الكحول، وأيضاً أمراض القلب والسرطان بسبب تأثير الصدمة على الخلايا التنظيمية لجهاز المناعة.

وبحسب دراسة لمجلة أبحاث الطب النفسي حول "تأثير العلاج الذي يركز على الصدمة على توزيع الخلايا المتغيرة لدى الأفراد المصابين باضطراب ما بعد الصدمة" فإنه "حتى لو كانت النفس مريضة بشكل خطر، فإن العلاج النفسي الجيد الخاص بالصدمة يمكن أن يكون له تأثير ويسهم في الشفاء ويخفف بعض الضرر عقلياً وجسدياً أيضاً".

أظهرت الدراسة التي أجريت على الناجين من الحرب والتعذيب من أفريقيا والشرق الأوسط والبلقان أن التجارب المؤلمة تؤثر في الخلايا التنظيمية لجهاز المناعة، بنسبة تصل إلى 50 في المائة، لكن هذه الخلايا تعافت بعد علاج نفسي.

وتكشف الدراسة أن "الأضرار التي لحقت بالحمض النووي للناجين من التعذيب والناجين من الحرب الذين يعانون اضطراب ما بعد الصدمة يمكن عكسها جزئياً من خلال العلاج النفسي الخاص"، لافتة إلى أن الجسم يدفع دائماً ثمناً صحياً لفقدان الطاقة النفسية والجسدية بسبب الصدمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير