Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استقدام 100 ألف هندي للعمل في إسرائيل يهدد عودة العمال الفلسطينيين

يثير الموضوع انقساماً كبيراً بين السياسيين في كل من الائتلاف الحكومي والمعارضة في تل أبيب

بعض الجهات تعتبر أن عودة العمال الفلسطينيين للعمل داخل إسرائيل تشكل خطراً أمنياً (اندبندنت عربية)

ملخص

يرى البعض عودة العمال الفلسطينيين لا سيما في قطاعي البناء والزراعة، ممكنة في حال كانت مشروطة بإجراءات شديدة، أهمها أن يكون ممن يحملون تصاريح عمل وأن يتم نقلهم بمركبات خاصة

لأكثر من 100 يوم متتالية، ظل علاء نور الدين (40 سنة) من مدينة جنين شمال الضفة الغربية يحاول الحصول على وظيفة لكن من دون فائدة، فالأبواب التي طرقها لم تستجب لحاجته الماسة لإعالة أسرته وشراء الأدوية الضرورية لأمه التي تعاني مرض السكري، مما أجبره على قضاء ساعات طويلة ضمن طوابير أمام إحدى الشركات الخاصة، التي طلبت مندوبي مبيعات بالعمولة من دون راتب محدد. ويصارع مئات آلاف العمال الفلسطينيين الذين طردوا من إسرائيل مثل نور الدين، الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها الضفة الغربية منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. فإن الشك بعودتهم إلى أعمالهم فور انتهاء الحرب انقطع مع طلب شركات الإنشاءات الإسرائيلية من حكومتها في تل أبيب السماح لها باستقدام مستعجل لأكثر من 100 ألف عامل هندي، ليحلوا مكان العمال الفلسطينيين الذين أوقفت تراخيص عملهم، وحرموا من العودة إلى وظائفهم داخل إسرائيل بقرار من المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت"، على رغم كل الضغوط الأميركية على الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو، الذي أيد وأحد مستشاريه ووزير العمل بحكومته عودة العمال الفلسطينيين ضمن إجراءات مشددة.

في وقت سابق من هذا الشهر، وصل إلى الهند مسؤولو التوظيف من إسرائيل لإجراء المعاينات، وعرضوا نحو 6100 شيكل (نحو 1625 دولاراً أميركياً) للعامل الواحد، وهو ما أدى لتهافت آلاف العمال باعتبارها فرصة العمر لتحسين ظروفهم المعيشية المتهالكة، كيف لا والعمال والحرفيون في الهند لا يتقاضون أكثر من نحو 300 دولار شهرياً فقط. مغريات إسرائيل لجذب العمالة الأجنبية خصوصاً من دول شرق آسيا كالهند والفيليبين وسريلانكا، أثارت ردود فعل غاضبة وانتقادات عدة، فقد أصدرت 10 من أكبر نقابات العمال في الهند بياناً شديد اللهجة، حثت فيه الحكومة الهندية على عدم إرسال عمال إلى إسرائيل. وجاء في البيان "ليس هناك ما هو مناف للأخلاق وأشد فداحة من تصدير الهند عمالاً لإسرائيل". وأضافت "مجرد تفكير الهند بتصدير عمال يظهر أسلوباً ينم عن نزعة إلى تجريد العمال الهنود من إنسانيتهم وتحويلهم إلى سلعة". وعارض اتحاد عمال البناء في الهند أي محاولة لإرسال عمال البناء الفقراء إلى إسرائيل لسد فجوة نقص العمال، معتبراً أن ذلك "دعم لعمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة".

تعمق الأزمة

قبل اشتعال الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، عمل في إسرائيل نحو 130 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية وأكثر من 20 ألفاً من قطاع غزة، وذلك بموجب تصاريح عمل تصدرها السلطات الإسرائيلية، إلى جانب نحو 60 ألفاً آخرين دخلوا للعمل في السوق الإسرائيلي بطرق غير قانونية. ويعتمد نشاط الضفة الغربية الاقتصادي بشكل كبير على قطاع العمالة داخل إسرائيل، ويقدر الاتحاد العام للنقابات أن تسريح العمال الفلسطينيين، البالغ تعدادهم أكثر من 190 ألفاً، يتسبب بخسارة شهرية للاقتصاد الفلسطيني تقدر بمليار و250 ألف شيكل (313 مليون دولار)، وهو ما ينعكس مباشرة على قدرتهم الشرائية وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي الذي يسهمون فيه بنسبة 15 في المئة، في حين توقعت بيانات من وزارة المالية الإسرائيلية أن تجمد قطاعات اقتصادية في إسرائيل نتيجة منع دخول العمال الفلسطينيين للعمل ما يكلف إسرائيل 3.1 مليار شيكل يومياً (820 مليون دولار). وقال رئيس جمعية "بناة إسرائيل"، راؤول سارغو، أمام لجنة في الكنيست "نحن في حالة يرثى لها للغاية، الصناعة في حالة جمود تام ولا تنتج سوى 30 في المئة فقط، و50 في المئة من المواقع مغلقة وهناك تأثير على الاقتصاد الإسرائيلي وسوق الإسكان".

مسألة البحث في عودة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل أحدثت انقساماً كبيراً بين السياسيين في كل من الائتلاف الحكومي والمعارضة، وحتى داخل الأحزاب السياسية نفسها. ويرى المؤيدون عودة العمال الفلسطينيين لا سيما في قطاعي البناء والزراعة، ممكنة في حال كانت مشروطة بإجراءات شديدة، أهمها بأن يكون ممن يحملون تصاريح عمل، وأن يتجاوز عمر العامل 40 سنة، وأن يكون متزوجاً ولديه أولاد، مع ضرورة تسجيل أرباب العمل الإسرائيليين أسماء مشغليهم، وأن ينقلوهم بمركبات خاصة، وليس عبر مواصلات عامة، وأن توضع قيود أمنية وحراس على الورش ومكان العمل.

وبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، دعا أعضاء منتمون لحزب "الليكود"، إضافة إلى وزيرين، إلى التصدي بشراسة لأي قرار قد يدعم عودة العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية للعمل داخل إسرائيل، بزعم أنهم يشكلون خطراً أمنياً ويقدمون معلومات لهجمات مستقبلية ضد الإسرائيليين. ووفقاً لما نقلت الصحيفة، قال وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات: "خطأ من يعتقد أن توزيع الأموال على الفلسطينيين سيشتري لنا الهدوء من الإرهاب". وأضاف "ليست مهمة إسرائيل إيجاد فرص عمل للعمال الفلسطينيين، وما حدث لن يتكرر". ونقلت الصحيفة عن دان إيلوز، أحد أعضاء الكنيست قوله "لقد بددت هذه المأساة الوهم بأن تعزيز الاقتصاد الفلسطيني سيؤدي إلى السلام"، مردفاً "الحقيقة أن هؤلاء الإرهابيين (في إشارة إلى العمال) تحركهم أيديولوجية الكراهية النازية، لا الصعوبات الاقتصادية". وأضاف "على إسرائيل الآن أن تتصرف بشكل حاسم، وأن نوقف دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية لأن دعمهم لما حدث في السابع من أكتوبر يمثل خطراً واضحاً". وصرح الوزير جدعون ساعر عضو الكابينت الاقتصادي، قائلاً، "إدخال عمال من سكان معادين رهان على حياة الإسرائيليين"، في حين قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إن "إدخال عمال من مناطق السلطة الفلسطينية التي تحرض على الإرهاب للعمل في إسرائيل استمرار لمفاهيم السابع من أكتوبر".

تحديات صعبة

أمام هذه المستجدات الخطرة والتحديات الاقتصادية الصعبة على الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، حذر خبراء اقتصاديون من مخاطر تعميق الأزمة الاقتصادية بمناطق السلطة الفلسطينية، في ظل عجز الحكومة الفلسطينية عن توفير بدائل وتراجع المساعدات والمنح الخارجية، وتجميد دول أخرى دعمها للسلطة مع بدء الحرب، وانخفاض الاستيراد الفلسطيني الذي أدى لتراجع أموال المقاصة (الضرائب التي تجنيها إسرائيل على البضائع الواردة للفلسطينيين بحكم سيطرتها على المنافذ البرية والبحرية مقابل عمولة ثلاثة في المئة). وبحسب وزارة العمل الفلسطينية، فإن ما يزيد على 450 ألف عامل فقدوا فرص عملهم في الضفة وغزة خلال الحرب، الأمر الذي أدى لارتفاع نسبة البطالة 16 نقطة لتصبح 41 في المئة بالمجتمع الفلسطيني. ووفقاً لتقديرات أولية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، رأتا فيها أن إجمالي الناتج المحلي لفلسطين سيهوي بمعدل 8.4 في المئة، مما يمثل خسارة قدرها 1.7 مليار دولار، وفي حال استمرت الحرب أشهراً عدة، تتوقع الدراسة أن يرتفع معدل الفقر أكثر من 45 في المئة، مما سيزيد عدد الفقراء ليتخطى 660 ألفاً. وحذرت الدراسة من التدني الكبير في دليل التنمية البشرية، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لقياس الرفاه، الذي يقدر أن التنمية ستتراجع في دولة فلسطين بما يتراوح بين 11 و16 سنة، وفي غزة بين 16 و19 سنة، وفق حدة النزاع.

وحيال هذا الواقع يقول البروفيسور الإسرائيلي تسفي إيكشتاين من كلية الاقتصاد في جامعة "رايخمان" الإسرائيلية، إن "أصوات الانكسار للمقاولين والمزارعين الإسرائيليين تظهر اعتمادهم الكبير على العمال الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه فالأمر بالغ الأهمية على الجانب الفلسطيني أيضاً"، في حين ترى محللة الشؤون الاقتصادية في صحيفة "دي ماركر" الإسرائيلية ميراف أرلوزوروف، أن هذا القرار هو الأسوأ على الإطلاق. وإلى جانب أنه يأتي خلافاً لالتزام إسرائيل باتفاقياتها مع السلطة الفلسطينية التي تقضي بتشغيل العمال من الضفة في سوق العمل الإسرائيلي، فإنه بحسب المحللة "يستغرق وقتاً طويلاً"، إذ ينظر إلى إسرائيل باعتبارها تحت مخاطر أمنية بسبب الحرب، كما أن أي اقتراح لجلب عمال أجانب وفقاً لقولها "يثير شكوكاً جدية بوجود فساد"، مؤكدة أن "استقدام الأجانب على مر السنين كان مصاحباً بتحصيل الرسوم المحظورة ودفع رشى غير قانونية بقيمة مليارات الشواكل سنوياً"، معتبرة أنه "نوع من الاتجار بالبشر".

تبعات معقدة

صعوبة إيجاد بديل للعمال الفلسطينيين في الضفة الغربية عن إسرائيل، كان، ولا يزال، موضع جدل كبير في الشارع الفلسطيني المنهك أصلاً من الركود الاقتصادي. وبحسب معطيات رسمية لوزارة الاقتصاد الفلسطينية، تراجع أداء 85 في المئة من المنشآت الاقتصادية الفلسطينية خلال الحرب جراء الاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية للمدن والقرى الفلسطينية، وبينت أن 25 في المئة من تلك المنشآت الاقتصادية تضررت بشكل مباشر. وجاء قرار إسرائيل بخصم حصة قطاع غزة من أموال المقاصة الخاصة بالسلطة الفلسطينية ليفاقم الأوضاع الصعبة في الضفة الغربية، فالأخيرة رفضت تسلمها منقوصة، وهو مما شكل تبعات مباشرة على موازنتها المحدودة، وأصبح الموظفون العموميون الذين يتقاضون بين 80 و90 في المئة رواتبهم، يتقاضون 50 في المئة فقط. ونتيجة مباشرة لذلك بدأت أعداد الشيكات المرتجعة من السكان الفلسطينيين بالارتفاع، ووفقاً لسلطة النقد الفلسطينية، خلال الشهر الأول من الحرب، وصلت نسبة الشيكات المرتجعة 49 في المئة مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، في حين بلغت نسبة الشيكات المرتجعة من العدد الكلي للشيكات خلال أول 45 يوماً من الحرب 22 في المئة، بعد أن كانت تسعة في المئة في الشهر الذي قبل الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى أثر ذلك، طالب أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت نصر عبدالكريم، القطاع المصرفي إرجاء ديونه المستحقة على المواطنين عبر تسوية الشيكات وبطاقات الائتمان وغيرها، مؤكداً ضرورة مساعدة العمال الفلسطينيين عبر برامج تنموية وإغاثية مدعومة من الحكومة الفلسطينية ولو لفترات قصيرة وموقتة إلى حين تجاوز الأزمة.

من جانبه، أكد مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) رجا الخالدي، أن تردي الوضع الاقتصادي بشكل عام عند الفلسطينيين، خلق حالة تخوف من الاستثمار أو حتى الإنفاق فيه. وبين الخالدي أن "حجم العلاقات الاقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الذي تقلص بشكل كبير نتيجة الحرب، أدى إلى انخفاض حجم التبادلات التجارية والحركة الشرائية بين الطرفين، وخفض التدفقات النقدية". وأضاف "ستترتب على ذلك خسارة للمنشآت الاقتصادية الفلسطينية في قطاعات التجارة والسياحة بشكل رئيس، خصوصاً التي تعتمد على تدفق فلسطينيي الداخل في نشاطها. ووفقاً للمعهد، فإن الخسائر الأولية على أنشطة التسوق من داخل الخط الأخضر إلى مناطق الضفة الغربية خلال الشهرين الماضيين، قدرت بنحو 350 مليون شيكل (مليون دولار) على رغم من هشاشة الاقتصاد الفلسطيني وعدم قدرته تحمل كل هذه الأعداد الكبيرة من العمالة دفعة واحدة، وصرح وزير العمل الفلسطيني نصري أبو جيش، بأن الحكومة الفلسطينية تناقش خطة الاستجابة السريعة والطارئة للعمال الفلسطينيين عبر إيجاد عمل موقت.

عواقب وخيمة

في المقابل، حذر المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي، من عواقب حظر دخول العمال ومواجهتهم صدمات شديدة لمستوى البطالة والدخل الأساسيين، الذي قد يؤدي لتأجيج الغضب في الضفة الغربية. ويرى مؤيدون أن أجور هؤلاء العمال تساعد في دعم الاقتصاد الفلسطيني المتعثر وتقلل دوافع شن هجمات. وهو ما حذر منه وزير الدفاع يواف غالانت، الأسبوع الماضي، من أن عدم السماح للفلسطينيين بالعمل في إسرائيل من شأنه أن يقوي شوكة "حماس" بالضفة الغربية، ويؤدي في المجمل إلى تدهور الوضع الأمني. وسلطت صحيفة "دي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية الضوء على تداعيات مواصلة حكومة تل أبيب منع دخول الفلسطينيين وتشغيلهم في سوق العمل الإسرائيلي، على الاقتصاد الفلسطيني وانعكاسه السلبي على الاقتصاد الإسرائيلي أيضاً. تعتقد الصحيفة أن العمال الفلسطينيين أكثر كفاءة من العمال الأجانب بكل المقاييس والمستويات.

ووفقاً لدراسة أعدتها مؤسسة راند (RAND) للبحوث والتحليل، فإن التسوية الدائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إذا ما تحققت، يمكن أن تؤدي إلى تحقيق مكاسب مالية على مدى 10 سنوات بقيمة 219 مليار دولار (بحسب أسعار 2023)، من خلال تطوير قطاعي السياحة والتمويل، وتعزيز التبادلات التجارية الثنائية، فضلاً عن تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية واستقطابها بشكل أكبر، كما أن السلام بين الجانبين من شأنه أن يسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي على نحو أسرع، ووصول الفوائد الاقتصادية إلى 1.5 تريليون دولار، خلال الفترة ذاتها، وعلى المدى القصير، فإن المشاعر المتأججة والمخاوف الأمنية المتزايدة تحول دون استئناف المفاوضات، لأن احتدام وجهات نظر الطرفين، جعل تقديم التنازلات وعملية التوصل إلى تسوية أمراً صعباً للغاية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير