Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الملاية السوداء" في الجزائر... قصة حداد عابر للزمن

تنتشر في كامل مناطق البلاد باعتبارها إحدى الألبسة التقليدية التي ترتديها المرأة منذ غابر الأزمنة

"الملاية السوداء" في الجزائر لباس يتميز بأبعاد اجتماعية وتاريخية (مواقع التواصل)

ملخص

تتكون "الملاية السوداء" من قطعة أساس تغطي الجسم كله وأخرى صغيرة بيضاء لحجب الوجه تسمى "العجار".

بقدر ما تتنوع الألبسة التقليدية في الجزائر فهي تخفي وراءها روايات وأساطير تحكي واقع كل منطقة من البلاد، وبحكم موقعها الإستراتيجي شمال أفريقيا وقريباً من السواحل الجنوبية لأوروبا والمقابل للقارة الآسيوية والمطل على البحر الأبيض المتوسط، فإنها كانت عرضة لمرور عدد من الحضارات التي تركت خلفها عادات لا يزال بعضها صامداً إلى الآن.

ويشد المتجول في بعض مدن شرق الجزائر ارتداء النساء، ولا سيما كبار السن، لباساً أسود على عكس ما هو حاصل في باقي المناطق، مما يجعل البحث عن السبب أمراً مشروعاً من أجل فك لغز ذلك اللباس الذي يسميه كثيرون "الملاية"، كما يطلق عليها "الحايك"، وتتكون من قطعتين، واحدة أساس سوداء طويلة وعريضة فضفاضة تغطي الجسم كله من أعلى الرأس إلى القدمين، وقطعة ثانية صغيرة بيضاء لتغطية الوجه وتسمى "العجار" أو "النقابية"، إذ لا يظهر سوى العينين.

وتنتشر "الملاية" في كامل مناطق الجزائر باعتبارها إحدى الألبسة التقليدية التي ترتديها المرأة منذ غابر الأزمنة، لكن يبقى التساؤل حول تميزها بالأسود في مناطق شرق البلاد من دون سواها بعد أن كانت النسوة يلبسن "ملاية" بألوان زاهية، وتقول الروايات إن الأمر يرتبط بمقتل حاكم الجهة خلال فترة الحكم العثماني صالح باي.

وحكم صالح باي منطقة الشرق الجزائري وعاصمتها مدينة قسنطينة طوال 21 عاماً وكانت تسمى بايلك الشرق، حيث عرفت المنطقة في فترة حكمه نهضة ثقافية وعمرانية واجتماعية جعلته محبوباً من السكان حتى أطلق عليه لقب "باي البايات"، مما جلب عليه الخصوم من باقي البايات والطبقة الثرية ومن حاكم الجزائر أيضاً الداي حسين، فراحوا يكيدون له لإسقاطه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الثامن من أغسطس (آب) عام 1792 أصدر الداي حسين أمراً بعزل صالح باي وتعيين إبراهيم بوصبع خليفة له، والذي قتل بعد أربعة أيام من تسلم منصبه الجديد من طرف أنصار سابقه الذي عاد مجدداً لمنصبه حاكماً لبايلك الشرق، وهو ما اعتبره حاكم الجزائر الداي حسين تمرداً على سلطته، فأرسل إليه جيشاً لتوقيفه ثم إعدامه خنقاً في الفاتح من سبتمبر (أيلول) عام 1792.

وحركت حادثة الإعدام مشاعر النسوة وأثارت غضب الرجال، فهو الحاكم الذي يحظى بمحبة السكان، ولم يترددن في إعلان حداد لا يزال مستمراً إلى يومنا هذا، وقد لبسن اللباس الأسود من الرأس إلى القدمين وهو المعروف بـ "الملاية".

وتشير رواية أخرى إلى أن نساء المنطقة، وبخاصة مدينة قسنطينة عاصمة بايلك الشرق، حذون حذو ابنة صالح باي الذي أعدم في ساحة القصبة أمام الملأ، إذ لبست ملاية سوداء تعبيراً عن ألمها، وتضيف المصادر التاريخية أن كل النسوة لبسن الملاية السوداء من يومها ما عدا امرأة يهودية تدعى شوعة.

وتتحدث الرواية الثالثة عن أن نساء قسنطينة لبسن "الملاية" السوداء حزناً على وفاة حاكم تونس قبل قدوم الأتراك الأمير ابن عبدالله الحفصي، والذي حكم في وقت من الأوقات جزءاً من الشرق الجزائري، لذلك فإن تاريخها أقدم من الوجود العثماني في الجزائر.

"العش"

وكانت "الملاية" قبل سوادها تسمى "العش"، وتختص بها المرأة غير المتزوجة، مخططة بالأحمر والأصفر والأبيض، بسبب الاعتقاد الذي كان سائداً بأن هذه الخطوط تخفي مفاتن المرأة.

وتختلف طريقة ارتدائها وطرزها وخياطتها من مدينة إلى أخرى، فنجدها مثلاً في منطقة سطيف "العجار" طويلة على عكس قسنطينة حيث تستر الوجه فقط، وليس هذا الاختلاف الوحيد بين الملايتين فالخياطة كذلك تختلف قليلاً، ففي الأولى تكون على شكل الجبة أو ما يعرف بـ "البنوار السطايفي".

أما في مدينة الطارف الحدودية مع تونس فالمفارقة أن المرأة لا تأخذ الملاية معها إلى بيت الزوجية لكونها مبعثاً للشؤم، بحسب اعتقاد سكان الجهة، لكن تشتريها بعد الزواج بينما ترتديها المرأة في مدينة عنابة المجاورة لقسنطينة، لكنها تكاد تكون جزءاً من لباس تقليدي أو فولكلوري في ظل الانفتاح على اللباس العصري.

وبينما كانت "الملاية" لباساً مميزاً للمرأة في الشرق الجزائري ظل لوقت قريب جزءاً مهماً من الحياة اليومية، وعلى رغم نجاحها في مقاومة كل محاولات الطمس التي تعرضت لها من طرف الاستعمار الفرنسي، إلا أنها باتت تعاني التهميش وتواجه الزوال وأصبحت تستمد حضورها كجزء من التراث، بسبب عزوف الجيل الجديد عن ارتدائها.

وفي محاولة لإعادة الاعتبار لهذا اللباس أطلق المتحف الوطني العمومي للفنون والتعابير الثقافية التقليدية "قصر أحمد باي" بقسنطينة دعوة إلى الحرفيين والخياطين والمصورين الفوتوغرافيين للمشاركة في تظاهرة "يوم الملاية القسنطينية" الذي ينظم في السابع من مايو (أيار) كل عام.

وأوضحت مديرة المتحف مريم قبايلية أن الخطوة تهدف إلى تسليط الضوء على هذا اللباس الذي يتميز بأبعاد اجتماعية وتاريخية ويعد من رموز مقاومة الاستعمار، علاوة إلى إعادة اكتشاف جزء من تراثنا غير المادي.

وأشارت قبايلية إلى أن التظاهرة تهدف إلى إثارة فضول الجميع حول "الملاية" من أجل إعادة اكتشاف تقنيات خياطتها وخصوصية قماشها وأنواعها وأكسسواراتها، من خلال تشجيع الشباب على تعلم كيفية خياطتها وعرضها في السوق وتخليدها من خلال صور ومشاهد من الحياة.

المزيد من منوعات