Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نزيف هجرة الأطباء يجفف شرايين المغرب الطبية

زهاء ثلث الخريجيين من "ذوي البذلة البيضاء" يتجهون صوب دول أوروبا وأميركا

أقر وزير الصحة المغربي باستحالة القضاء النهائي على ظاهرة هجرة الأطباء إلى أوروبا (وكالة الأنباء المغربية)

يتلقى الحاج الداودي، أب في عقده الخامس، نفس الجواب في شأن غياب الطبيب المكلف والمتخصص بحالة ابنه القاصر المريض الذي يرافقه كل مرة إلى أحد المستشفيات الحكومية لمدينة تمارة المغربية.

هذا المستشفى هو أحد المشافي الحكومية في المغرب التي تعاني ظاهرة نزيف "ذوي البذلة البيضاء" بسبب هجرتهم المكثفة صوب دول أوروبا وأميركا، وهو الواقع الذي دفع فاعلين وبرلمانيين إلى تكرار دق ناقوس الخطر في شأن تداعيات هذا النزيف.

أرقام النزيف

تفيد إحصاءات متطابقة بأن المغرب يخسر نحو 700 طبيب كل سنة، جراء هجرتهم صوب أوروبا بالخصوص، وهو ما يعني خسارة زهاء 30 في المئة من مجموع الأطباء الذين يتخرجون كل عام من جامعات الطب بالبلاد.

ووفق إحصاءات وزارة الصحة المغربية، فإنه إلى غاية ديسمبر (كانون الأول) من عام 2022، يمارس 28.892 طبيب عملهم داخل البلاد، بينما يزاول زهاء ثلث الأطباء المتخرجين هذه المهنة في الدول الأوروبية.

وسبق لدراسة ميدانية أن كشفت عن أن معدل الأطباء في المغرب يبلغ 7.3 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، بينما معيار منظمة الصحة العالمية يشير إلى توفير 15.3 طبيب لكل 10 آلاف شخص.

واقع هجرة الأطباء المغاربة صوب أوروبا وأميركا وحد مواقف أحزاب الغالبية الحكومية والمعارضة البرلمانية، حيث تكاد تتطابق أسئلتهم الموجهة إلى الحكومة ووزارة الصحة الوصية على القطاع بخصوص ضرورة الحد من نزيف هجرة الأطباء إلى الخارج.

ونبه نواب برلمانيون من الغالبية والمعارضة على السواء في أسئلتهم الأسبوعية الموجهة إلى وزير الصحة إلى معضلة هجرة الأطباء، مما أفضى إلى خلل فادح في الموارد البشرية في المستشفيات الحكومية.

وأبدى برلمانيون مغاربة خشيتهم من تقهقر الخدمات الصحية المقدمة إلى المواطنين بسبب استمرار نزيف هجرة الأطباء إلى الخارج، داعين الحكومة إلى العناية بظروف اشتغال الطبيب المغربي مادياً ومعنوياً ومهنياً، من أجل إقناعه بالعدول عن فكرة الهجرة صوب الغرب.

ظروف العمل

"واقع مر"... بهذه العبارة الموجزة لخص وسيم، وهو طبيب شاب متخرج حديثاً من إحدى جامعات الطب المغربية، حال النقص الفادح للأطباء وحتى الممرضين في المستشفيات، مشيراً إلى استفحال ظاهرة حزم آلاف الأطباء المغاربة كل سنة لحقائبهم صوب فضاءات أخرى.

يقول وسيم إنه يفكر رفقة عدد من زملائه في "الهجرة إلى فرنسا أو كندا بحسب المتوافر، من أجل الاشتغال هناك لأن مثل هذه الدول توفر ظروف عمل أفضل بكثير، لا سيما من حيث الراتب والتعويضات المالية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كلام يؤكده وزير الصحة المغربي خالد آيت الطالب نفسه عندما صرح قبل بضعة أشهر داخل قبة البرلمان، بأن أستراليا مثلاً "تمنح الأطباء المغاربة 10 أضعاف الرواتب التي يتقاضونها داخل البلاد".

يعود الطبيب الشاب ليستدرك بأن "ما يدفعه ومثله من الأطباء المتخرجين إلى طرق أبواب الهجرة، هو سياق الممارسة المهنية، حيث توجد في الدول الأوروبية وغيرها تطورات في التجهيزات الطبية، وسهولة الترقي المهني، وولوج التكوينات العلمية والتخصصية اللازمة".

وبحسب هذا الطبيب الشاب، فإن "ما يغريه في العمل في أوروبا أيضاً هو جودة الحياة هناك، وأيضاً التقدير الذي يحيطون به الطبيب، وانتفاء الصورة النمطية المتداولة المنتشرة في المجتمع المغربي حول مهنة وعمل الطبيب، والذي يصور كأنه مجرد مصاص دماء يستغل أموال المرضى".

صحاري صحية

ويلتقط خيط الحديث الخبير في السياسات الصحية الدكتور الطيب حمضي بالقول إن المغرب في حاجة ماسة إلى الكوادر الطبية والصحية، فلديه زهاء 29 ألف طبيب، ونحو 30 في المئة من الأطباء يهاجرون سنوياً من المغرب إلى خارج البلاد، وهو ما يعني أن طبيبين اثنين يهاجران يومياً، كما أنه ملزم توفير 32 ألف طبيب إضافي لبلوغ معيار منظمة الصحة العالمية.

وأفاد حمضي بأن هجرة الأطباء إلى الخارج أسهمت في تعميق نزيف الموارد البشرية في المستشفيات المغربية"، مبرزاً أن "تكوين الدولة للأطباء يستنزف الموارد المالية للمغرب، بينما تحصل الدول الأوروبية عليهم بشكل شبه مجاني".

وجواباً على سؤال انعكاسات ظاهرة نزيف هجرة الأطباء على المنظومة الصحية بالبلاد، أورد الخبير بأن "هذا الواقع المتفاقم يؤثر في معدل التطبيب وجودة الخدمات، ويؤدي إلى تناسل وتوسع الصحاري الطبية في المغرب".

ويشرح حمضي قائلاً إن الدول الأوروبية تواجه ظاهرة "الصحاري الصحية" في بعض المناطق باستقطاب وجلب الكفاءات الطبية من دول الجنوب، بينما "المغرب يعاني عكساً من اتساع رقعة الصحاري الطبية جراء هذه الهجرة إلى تلك البلدان".

وخلص الخبير إلى أن هجرة الأطباء إلى الخارج تؤدي أيضاً إلى نقص في جودة التكوين، وإلى تأخر تشخيص وعلاج المرضى، الشيء الذي ينعكس على كلفة العلاج، بالتالي تتأثر كل المنظومة الطبية والصحية للبلاد، باعتبار أنه "لا صحة جيدة من دون موارد بشرية"، وفق تعبيره.

هجرة عكسية

مسألة تفاقم الصحاري الصحية (أو الطبية) التي أثارها حمضي تقول الحكومة إنها توجد ضمن خطة عملها الممتد من 2021 إلى 2026، إذ إنها تعترف بوجود مناطق كثيرة في المغرب عبارة عن "صحاري طبية" بسبب "غياب الخدمات الصحية الناجمة عن قلة عدد المهنيين الصحيين، وظروف العمل القاسية التي تدفع الأطباء والكوادر الصحية إلى مغادرة القطاع"، وفق تصريح سابق لرئيس الحكومة عزيز أخنوش.

ولمواجهة نزيف هجرة الأطباء إلى الخارج التزمت الحكومة ضمن مخطط عملها الحالي بتكوين أزيد من 3300 طبيب في السنة الواحدة، وأيضاً الزيادة في رواتب الأطباء في المستشفيات، وتخصيص منح خاصة للأطباء من أجل تشجيعهم على العمل في المناطق النائية، والعمل على تجهيز المستشفيات بالمعدات والتجهيزات اللازمة.

وفي المقابل، أقر وزير الصحة المغربي في مداخلة سابقة له بالبرلمان باستحالة القضاء النهائي على ظاهرة هجرة الأطباء إلى أوروبا. وقال "ترغب العديد من الدول خصوصاً أستراليا وألمانيا في استقطاب الكفاءات الطبية المغربية، لكن في المقابل يسعى المغرب إلى جلب أطباء أجانب لتعويض النقص المسجل في الموارد البشرية".

وعمد المشرع المغربي إلى تغيير القانون رقم 113.13 بموجب القانون رقم 33.21 من أجل تجاوز العراقيل التي تقف أمام استقطاب الأطباء الأجانب للعمل في المملكة، وذلك بغية خلق نوع من التوازن، بالتالي خلق هجرة عكسية للأطباء من الخارج إلى البلاد.

المزيد من تقارير