Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بلينكن يحمل استراتيجية أميركية مختلفة إلى المنطقة فهل ينجح؟

تحديات ضخمة تواجه إدارة بايدن لكنها لن تتحمل الفشل على أبواب انتخابات حاسمة

بلينكن يواجه خلال زيارته المنطقة تحديات صعبة في وقت تعمل واشنطن على تعميق تدخلها الدبلوماسي والعسكري في الشرق الأوسط (أ ف ب)

ملخص

تحتاج إدارة بايدن إلى رؤية إصلاحات في السلطة الفلسطينية

تشير زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخامسة للشرق الأوسط إلى استراتيجية أميركية مختلفة عن سابقاتها في ما يتعلق بكيفية إنهاء القتال في غزة وإرساء حجر الأساس لحل مستدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بما يفضي إلى سلام أوسع في المنطقة ككل، لكن هذه الخطة التي تأتي بعد أيام من تنفيذ الولايات المتحدة ضربات انتقامية ضد أهداف مرتبطة بإيران في العراق وسوريا، تواجه تحديات ومصاعب كبيرة، فما هذه التحديات؟ وكيف يمكن لإدارة الرئيس جو بايدن في عام الانتخابات الرئاسية أن تعبر الحواجز المرتفعة التي تواجهها على الطريق؟

أمل جديد

قبل أن تطأ قدما بلينكن أرض الشرق الأوسط في زيارة تشمل كلاً من السعودية ومصر وإسرائيل والضفة الغربية وقطر، أطلق تصريحات متفائلة في شأن الاقتراح الذي صيغ خلال المحادثات التي جرت قبل أسبوع في باريس، وشارك فيها رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومسؤولون إسرائيليون ومصريون وقطريون، ويقضي بإيقاف القتال بين إسرائيل و"حماس" ستة أسابيع بصورة مبدئية مع تبادل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الذين احتجزتهم الحركة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) مقابل إطلاق عدد من السجناء الفلسطينيين في إسرائيل. ووصف بلينكن الاقتراح بأنه جيد وقوي ويمنح أملاً حقيقياً في خطوات تالية.

وعلى رغم هذا التفاؤل، أبدت إدارة بايدن نوعاً من الإحباط تجاه إسرائيل عبر فرض عقوبات، الخميس الماضي، على عدد من المستوطنين المتطرفين، ولا يزال الصقور في حكومة بنيامين نتنياهو يعارضون تقديم أي تنازلات محسوسة لحركة "حماس"، أو الرضوخ للأفكار الأميركية حول حل الدولتين، كما تصر قيادات "حماس" في غزة على رفض مقترحات باريس، ويشترطون وقفاً نهائياً لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية خارج غزة.

تحديات صعبة

يعني ذلك أن بلينكن يواجه خلال زيارته التي تستغرق أربعة أيام تحديات صعبة في وقت تعمل فيه واشنطن على تعميق تدخلها الدبلوماسي والعسكري في الشرق الأوسط لمحاولة إنهاء الاقتتال العنيف في غزة، ودحر النفوذ الإيراني في الوقت نفسه، وسعت الولايات المتحدة على الجبهة العسكرية إلى كسب الوقت الكافي لإنجاح دبلوماسيتها من خلال إبقاء الميليشيات الوكيلة لإيران في سوريا والعراق في مأزق عبر أقوى رد عسكري من إدارة بايدن حتى الآن، والذي أعقبته ضربات أخرى ضد الحوثيين في اليمن بعد يوم واحد فقط من الضربات في سوريا والعراق.

وتشمل التحديات التي تواجه تحقيق اختراق دبلوماسي أميركي ضمان تعاون إسرائيل التي أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو معارضته إقامة دولة فلسطينية، كما يهدد الوزراء المتطرفون في حكومته مثل وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالاستقالة، ومن ثم إسقاط الحكومة إذا قدم نتنياهو تنازلات للفلسطينيين، أو وافق على الدولة الفلسطينية التي تدعو إليها واشنطن.

التوفيق بين الأضداد

وتحتاج إدارة بايدن إلى رؤية إصلاحات في السلطة الفلسطينية حتى تتمكن من المساعدة في حكم الضفة الغربية وقطاع غزة بدعم من الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه تحتاج الإدارة الأميركية إلى التغلب على مخاوف عديد من الإسرائيليين الذين يشعرون بالقلق إزاء إنشاء الدولة الفلسطينية بعد هجوم "حماس" على إسرائيل.

وبحسب المفاوض والمسؤول الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط دينيس روس، فإنه من المهم التوفيق بين المخاوف الإسرائيلية من أن الدولة الفلسطينية لن تهيمن عليها "حماس" أو جماعة شبيهة بها، وفي الوقت نفسه تأمين حاجة الدول العربية إلى رؤية الدولة الفلسطينية تتحقق بالفعل، مشيراً إلى أن التحدي الظاهر من أجل إحداث تحرك استراتيجي أكبر هو كيف يمكن تجميع هذه القطع معاً والتغلب على الصعوبات.

فرصة لتغيير النهج

لكن، على رغم الجهود التي يبذلها بلينكن والإدارة الأميركية للحصول على تنازلات صعبة من جميع الأطراف، يبدو أن تغيير النهج الذي اتبعته الإدارة الأميركية على مدى سنوات طويلة بات أمراً حتمياً في شرق أوسط متغير. كان البيت الأبيض يأمل في أن يكون خلف أولوياته الأبرز في كل من الصين وأوكرانيا، لكنه أصبح الآن التحدي الأكثر إلحاحاً للسياسة الخارجية الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد المبعوث الأميركي الخاص السابق للمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية والسفير لدى إسرائيل مارتن إنديك أن حرب غزة مثل أي حرب تخلق فرصاً لتغيير النهج تجاه صراع طويل الأمد، مشيراً إلى أن إدارة بايدن تدرك الآن أنها لا تستطيع تحقيق أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط من دون تطوير نهج أكثر استدامة لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

ومع تزايد حصيلة الضحايا في غزة التي تجاوزت 27200 قتيل وعشرات الآلاف من المصابين، تدعو الاستراتيجية الأميركية الآن إلى معالجة معضلة السلام في الشرق الأوسط من خلال إعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية، بعدما أصبح تعزيز آفاق الفلسطينيين في إقامة دولة خاصة بهم شرطاً أساسياً سعودياً لمتابعة إمكانية التطبيع مع إسرائيل، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

مصلحة بايدن

ومع ارتفاع وتيرة الصراع السياسي في عام الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية وإنهاء القتال في غزة يمكن أن يتيح للبيت الأبيض الرد على المنتقدين من اليسار الديمقراطي وقطاع واسع من الشباب الذين أبدوا تذمرهم من أن إدارة بايدن كانت متعاطفة للغاية مع إسرائيل وعاجزة عن التهديد بخفض الدعم العسكري، لكن انهيار الجهود الدبلوماسية الأميركية من المحتمل بدرجة كبيرة أن يضر بفرص بايدن للفوز بدورة رئاسية ثانية، بخاصة في الولايات المتأرجحة، وعلى رأسها ولاية ميشيغان، التي تضم عدداً كبيراً من الناخبين العرب الأميركيين الذين أعلنوا مراراً عن استيائهم من سياسة بايدن، وأنهم لن يصوتوا له في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ولتحقيق هذه الأولوية للرئيس بايدن، تركز حسابات إدارته الآن على الجمع بين الدبلوماسية والقوة الصارمة في مواجهة الميليشيات الوكيلة لإيران في المنطقة، والذي ربما يوفر لواشنطن فرصة لإحداث نقلة نوعية ذات عواقب استراتيجية جيدة ونفوذ كبير في منطقة أثبتت في كثير من الأحيان مقاومتها العنيدة المبادرات الأميركية السابقة.

عقيدة بايدن

يصف الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان استراتيجية بايدن الجديدة في الشرق الأوسط بـ"عقيدة بايدن"، التي يحذر من أنها إذا لم تكن كبيرة وجريئة، فإن الأزمة في المنطقة ستنتشر بطرق من شأنها أن تعزز إيران، وتعزل إسرائيل، وتضعف قدرة الولايات المتحدة على التأثير الإيجابي في الأحداث.

وتشمل "عقيدة بايدن" ثلاثة مسارات يتمثل أولها في اتخاذ موقف قوي وحازم تجاه إيران، مثلما حدث في توجيه ضربة عسكرية على الميليشيات الوكيلة لها في سوريا والعراق، بينما يتمثل المسار الثاني في مبادرة دبلوماسية أميركية غير مسبوقة للترويج لقيام دولة فلسطينية، بما في ذلك صورة من صور اعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي لن تظهر إلى الوجود إلا بعد أن يطور الفلسطينيون مجموعة من المؤسسات والقدرات الأمنية المحددة ذات الصدقية لضمان استمرار هذه الدولة من دون أن تهدد أمن إسرائيل. أما المسار الثالث فسيكون تحالفاً أمنياً أميركياً موسعاً مع السعودية، والذي ربما يتماشى مع بدء خطوات نحو التطبيع بين السعودية وإسرائيل شرط تلبية المطالب السعودية أولاً في موافقة الحكومة الإسرائيلية على تبني عملية دبلوماسية تؤدي إلى دولة فلسطينية.

حساب مزدوج

وإذا تمكنت الإدارة الأميركية من تحقيق كل ذلك وربط المسارات الثلاثة معاً، فإن "عقيدة بايدن" يمكن أن تصبح أكبر إعادة تنظيم استراتيجي في المنطقة منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية عام 1979.

ووفقاً لنادر موسوي زادة الذي شغل منصب كبير مستشاري الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان فإن "عقيدة بايدن" تشكل استراتيجية ذات حساب مزدوج، فهي من ناحية تكشف عن خدعة إيران استراتيجياً وتعزلها عسكرياً وسياسياً، كما تكشف عن خداع نتنياهو وتعزله أيضاً، وفي الوقت نفسه تشرع في مبادرة غير مسبوقة لوضع الأساس لدولة فلسطينية منزوعة السلاح، بطرق لم تفعلها الولايات المتحدة من قبل.

وإذا نجحت "عقيدة بايدن" فستكون جيوسياسية جيدة في الخارج وسياسية جيدة في الداخل الأميركي، إذ يمكنها أن تردع إيران عسكرياً وسياسياً على حد سواء من خلال سحب الورقة الفلسطينية من طهران، ويمكنها أن تعزز قيام الدولة الفلسطينية بشروط تتفق مع رغبة إسرائيل في الحفاظ على أمنها، وفي الوقت نفسه تخلق الظروف اللازمة لسلام وتطبيع أوسع في المنطقة مع إسرائيل بشروط يمكن للفلسطينيين أن يتبنوها.

وإضافة إلى ذلك فهي استراتيجية يمكن أن تنجح مع الأميركيين العرب في ولاية ميشيغان ومع الحلفاء العرب، وهي استراتيجية يمكن أن تفرض حسابات داخل السياسة الإيرانية وداخل السياسة الفلسطينية وداخل السياسة الإسرائيلية.

نهاية التسامح

ويرى فريدمان أن الولايات المتحدة تسامحت كثيراً مع قيام إيران بتدمير كل مبادرة بناءة حاولت واشنطن تمريرها في الشرق الأوسط، كما تسامحت الإدارات الأميركية المتعاقبة مع حكومة نتنياهو التي تسعى إلى منع قيام أي صورة من صور الدولة الفلسطينية بصورة دائمة، بما في ذلك دعم نتنياهو لـ"حماس" ضد السلطة الفلسطينية خلال سنوات عديدة من أجل ضمان عدم وجود شريك فلسطيني موحد، ولهذا من المهم أن تنجح "عقيدة بايدن" في الشرق الأوسط، ويجب على الإسرائيليين دعمها بعدما خسرت إسرائيل على ثلاث جبهات.

خسرت إسرائيل جبهة الخطاب الإعلامي، ومثلت أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بسبب الخسائر في صفوف المدنيين التي تسببت فيها في غزة، وخسرت عندما فقدت القدرة على الحفاظ على أمنها وردت بغزو قطاع غزة من دون أي خطة لكيفية العثور على شريك فلسطيني شرعي غير "حماس" ليحكم هناك بصورة فعالة حتى تتمكن إسرائيل من الانسحاب، وهي تخسر حالياً على جبهة الاستقرار الإقليمي بعدما أصبحت هدفاً لهجوم إيراني على أربع جبهات من قبل "حماس" و"حزب الله" والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق، بينما ما زالت ترفض القيام بأي شيء لقبول شريك فلسطيني.

ومن خلال جولة بلينكن الخامسة ستتكشف ملامح جهوده لتجاوز العقبات الكثيرة التي تواجهه من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وإذا نجح في تجاوز هذه الصعاب فسيكون قد ألقى بذرة جديدة في الشرق الأوسط يمكن أن تثمر وتزدهر بشرط الإبقاء على الضغوط الأميركية قوية، ومن دون ذلك فلا شك أن بايدن سيواجه أزمة كبيرة قد تهدد استمراره في البيت الأبيض لدورة رئاسية ثانية.

المزيد من تحلیل