Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أطلق ماكرون رصاصة الرحمة على "أفريقيا الفرنسية"؟

عين مبعوثاً للقارة معروفاً بمناهضته لتلك السياسة ومراقبون يعتبرون القرار "رسالة إنسانية" وتصحيحاً لأخطاء سابقة

ماكرون استعان بالوزير السابق جان ماري بوكل المناهض لسياسة أفريقيا الفرنسية ليكون مبعوثا للقارة السمراء (رويترز)

ملخص

استعان ماكرون بالوزير السابق جان ماري بوكل، والمعروف بمواقفه المناهضة لسياسة "أفريقيا الفرنسية"، لتمثيله في القارة السمراء التي انزلقت نحو أزمات أمنية واقتصادية

في وقت تلفظ فيه سياسات بلاده تجاه أفريقيا أنفاسها الأخيرة عين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبعوثاً خاصاً له إلى هذه القارة في تطور يبقى الهدف الرئيس منه يلفه الغموض، خصوصاً أن باريس تخطط لتقليص حضورها العسكري في المنطقة.

واستعان ماكرون الذي لم تتوان دوائر سياسية فرنسية في توجيه وابل من الانتقادات له جراء الانتكاسات المتتالية في الساحل الأفريقي بالوزير السابق جان ماري بوكل، والمعروف بمواقفه المناهضة لسياسة "أفريقيا الفرنسية" لتمثيله في القارة السمراء التي انزلقت نحو أزمات أمنية واقتصادية.

وسياسة أفريقيا الفرنسية هي استراتيجية شاملة اتبعتها باريس بعد استقلال دول عدة من القارة السمراء في الستينيات. ويرى منتقدو هذه السياسة أنها تقوم على الهيمنة والفوقية واستغلال ثروات الأفارقة الذين لم يترددوا في السنوات الماضية في إخراج العداء الذي باتوا يكنونه لفرنسا إلى العلن.

رسالة إنسانية

وبالعودة لمحيط بوكل وسيرته الذاتية نجد أنه من اللافت التناقضات التي يحملها الرجل تجاه أفريقيا، فابنه الضابط بالجيش الفرنسي، بيير بوكل، توفي في مالي عام 2019 في تصادم عرضي لطائرتي هليكوبتر كانتا تشاركان في عمليات فرنسية لمكافحة الإرهاب.

في الوقت نفسه يصدح الرجل بمواقف قوية مناهضة لسياسات فرنسا تجاه القارة الأفريقية الغارقة في فوضى أمنية وسياسية واقتصادية، وهو ما يثير تساؤلات حول الرسائل التي أراد ماكرون إرسالها من خلال تعيين بوكل مبعوثاً له.

الباحثة السياسية الفرنسية لوفا رينال قالت إنه "يمكن القول إنها رسائل إنسانية قبل كل شيء، فالجميع يتذكر مقتل ابن بوكل في مالي، ماكرون يريد أن يقول إن أفريقيا وفرنسا لديهما مصير مشترك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردفت رينال في حديث خاص مع "اندبندنت عربية"، "لا أعتقد أن ماكرون بصدد مغازلة الأفارقة أو الانقلابيين في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهو لا يعلن أيضاً الحرب عليهم بهذا التعيين. هو فقط يبعث برسائل إنسانية". وشددت على أن "الرئيس الفرنسي يريد أن يقول إن دماء فرنسا أيضاً سفكت في معركة الساحل الأفريقي ضد الإرهاب. وأن بلدنا سيواصل مسيرته التي بدأها من أجل القارة".

ومن غير الواضح ما إذا كان القادة الأفارقة الجدد في الساحل سيتلقفون رسالة ماكرون، خصوصاً في ظل العروض المكثفة التي يجدونها من دول مثل روسيا وتركيا والولايات المتحدة الأميركية لملء الفراغ الذي تركه الانسحاب الفرنسي.

وقالت رينال إنه "من الصعب التكهن ما إذا كانت رسالة ماكرون الإنسانية ستنجح في إقناع قادة الساحل بالتراجع عن حجم العداء الذي يظهرونه تجاه فرنسا".

انسحابات جديدة

وعلى رغم أن كثيراً من المراقبين يستبعدون استسلام فرنسا للأمر الواقع الذي تحاول الأنظمة المنبثقة عن انقلابات عسكرية فرضه في أفريقيا، فإن باريس تبدو مصممة نحو إنهاء حضورها العسكري.

وبحسب ما كشفت عنه وسائل إعلام محلية في فرنسا فإن بوكل مطالب بتقديم توصياته إلى قصر الإليزيه في شأن أفريقيا بحلول شهر يوليو (تموز) المقبل.

وأفادت تلك الوسائل ومن بينها وكالة الصحافة الفرنسية بأن باريس تخطط لمزيد من الانسحابات.

وعلى رغم اضطرارها إلى الانسحاب من النيجر ومالي وبوركينافاسو، وهي دول شهدت انقلابات عسكرية، فإن فرنسا لا تزال تحتفظ بقوات على الأرض في تشاد، وبنحو 900 جندي في ساحل العاج و400 في الغابون التي عرفت هي الأخرى انقلاباً قبل أشهر.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال عند التطرق إلى هذا الاستعداد للانسحابات المحتملة تجاهل زيارة مثيرة للجدل قادت رئيس المجلس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي إنتو إلى روسيا، حيث أجرى محادثات مع فلاديمير بوتين وكأن باريس تخشى أن تحذو إنجامينا حذو باماكو ونيامي وواغادوغو.

يأس من أفريقيا

ويرى مراقبون أن هذه الانسحابات المحتملة تعكس نوعاً من يأس الرئيس إيمانويل ماكرون من إمكانية المحافظة على الحضور العسكري لبلاده في القارة.

وقال الباحث السوداني المتخصص في الشؤون الأفريقية الصادق الرزيقي إن "هذا القرار يؤكد يأس الرئيس ماكرون من أفريقيا، حتى إنه بات ينادي بمفهوم جديد للعلاقات الأفريقية – الفرنسية تحت شعار (فليربح الجميع)، وهو يريد من هذا التعيين أن يقدم حلاً عملياً للمأزق الفرنسي في القارة".

وأوضح الرزيقي في تصريح خاص أن "ماكرون يريد أن يقول إن فرنسا تغيرت، وإن هذا التعيين رسالة للشباب الصاعد في القارة بأن باريس ستنتهج سياسة جديدة، ما من شأنه طمأنة هذا الشباب الذي يقف ضد الوجود الفرنسي". ومضى قائلاً إن "الأمر الآخر هو أن ماكرون يسعى إلى تصحيح أخطائه السابقة، خصوصاً أنه في السابق على سبيل المثال عول على علاقاته الشخصية فقط مثل ما حدث مع الرئيس النيجري محمد بازوم".

مغازلة للأفارقة

وعلى رغم هذه التسريبات والتقارير التي بدت لافتة في توقيتها وسياقها فإن مراقبين من أفريقيا يرون أن ماكرون يناور بقراره الأخير ويسعى إلى مهادنة القادة الجدد، لا سيما في الساحل.

الباحث السياسي المالي حسين آغ عيسى اعتبر أن "هذا القرار يمثل رسالة مغازلة للقادة الأفارقة. من الغرابة أن نرى ماكرون، يعين ماري بوكل، المعروف بمعارضته لسياسة أفريقيا الفرنسية، فالرجلان مختلفان على الصعيد السياسي".

وأبرز عيسى أنه "يمكن فهم تعيين ماري على أنه جاء لمغازلة الدول الأفريقية التي طالبت فرنسا بمراجعة سياستها تجاههم. باريس لم يعد صوتها مسموعاً في مستعمراتها السابقة، بل والأسوأ من ذلك أنها هيبتها ومصالحها الأمنية والاقتصادية ضاعت في كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر".      

وختم المتحدث بأنه "باختصار يمكن القول إن إيمانويل ماكرون قتل السياسة الخارجية الفرنسية التي كانت تسير كما رسمها الجنرال شارل ديغول الذي احترمه الأفارقة ونظروا إلى بلاده باعتبارها فرنسا جديدة وليست التي استعمرتهم في السابق".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير