Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأرجنتين ساحة صراع دولي لاستخراج الليثيوم

تسعى دول مثل الصين والولايات المتحدة إلى الحصول على هذا المعدن الأساس لتصنيع البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية وهي سوق آخذة في الاتساع

 استخراج الليثيوم في الأرجنتين (مواقع التواصل)

ملخص

تعد المسطحات المحلية في الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي مسؤولة عما يقارب 60 في المئة من موارد الليثيوم في العالم حالياً

تواجه الأرجنتين معضلة في شأن احتياطاتها من الليثيوم. ففي حين كانت حكومة الرئيس السابق ألبرتو فرنانديز تسعى إلى تعزيز تطوير القطاع، وتأمل في أن تلعب الدولة دوراً رائداً في استخراج المعدن وتطوير بطاريات السيارات الكهربائية، يرى الرئيس اليميني المتشدد المنتخب قبل أسابيع خافيير ميلي عكس ذلك. فهو يعتقد أن على الدولة ترخيص الشركات لاستخراج المعدن الذي أصبح يعرف بـ"الذهب الأبيض" وتصديره ومعالجته في الخارج من دون أن تكون للسلطات يد في الإشراف على العملية.

وقد ولد هذا الوضع توترات اقتصادية واجتماعية وبيئية قوية بين الأرجنتينيين، الذين يرى معظمهم في الليثيوم ثروة استراتيجية ينبغي استغلالها بحكمة وبصورة تساعد في إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية الحالية.

ويرى الاقتصاديون أن لطموحات الأرجنتينيين ما يبررها، فعلى الصعيد العالمي تشير التقديرات إلى أن قطاع النقل مسؤول عن 24 في المئة من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ولهذا السبب ينظر إلى إعطاء الأولوية للمركبات الكهربائية على السيارات التي تعمل بالمحروقات كشرط أساس للمرحلة الانتقالية في مجال الطاقة، التي يتهيأ لها العالم، وهنا يلعب الليثيوم دوراً رئيساً، وهو الدور الذي تمتلك الأرجنتين أدوات المشاركة فيه بفاعلية لكونها تحتضن 9 في المئة من احتياط العالم من هذه المادة.

 

 

وتعد المسطحات المحلية في الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي مسؤولة عما يقارب 60 في المئة من موارد الليثيوم في العالم حالياً، والتي كان استكشافها مجدياً من الناحيتين الفنية والاقتصادية ضمن مساحة حدودية بين الدول الثلاث تعرف باسم "مثلث الليثيوم". كما تحتل الأرجنتين المركز الثالث في التصنيف العالمي، خلف تشيلي وأستراليا.

وتسعى دول مثل الصين والولايات المتحدة للحصول على هذا المعدن الأساس لتصنيع البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية، وهي سوق آخذة في الاتساع، لذلك تخوض الدولتان تنافساً شرساً في الأرجنتين للفوز برخص التنقيب والاستغلال.

الصراع بين القوى العظمى

يوجد في الأرجنتين حالياً ثلاثة مشاريع لإنتاج الليثيوم للتصدير، الأول في منطقة سالار شمال غربي مقاطعة كاتاماركا، حيث بدأت شركة "ليفنت"  Liventالأميركية، المرتبطة بشركةBMW  للسيارات قبل أعوام إنتاج 20 ألف طن من الليثيوم سنوياً باستثمار قدره 640 مليون دولار، والمشروع الثاني في مقاطعة خوخوي، بطاقة إنتاجية تبلغ 17.5 ألف طن من الليثيوم سنوياً. وتدير المشروع الشركة الأسترالية "أوروكوبري" Orocobre، بالشراكة مع الشركة اليابانية "تويوتا"Toyota  وبمشاركة شركة محلية هي "سالس دو خوخوي" Sales de Jujuy. وتبيع شركة Sales de Juju الليثيوم لشركة "تويوتا" في اليابان وغيرها من الشركات المصنعة للبطاريات في كوريا الجنوبية والصين. أما المشروع الثالث فهو مشروع "كاوشاري – أولاروز "Caucharí-Olaroz، الموجود أيضاً في مقاطعة خوخوي، والذي تديره شركة "مينرا أكسار"Minera  Exar  وتشترك في ملكيته شركتا  Lithium Americasالكندية وGanfeng Lithium الصينية، ولديه القدرة على إنتاج 25 ألف طن من كربونات الليثيوم سنوياً. ولدى Caucharí-Olaroz عقود مع شركات "تيسلا" و"فولزفاغن" و"بي أم دبليو".

وفي سياق متصل، دخلت شركات التعدين الصينية على الخط بمشاريع في الأفق في الأرجنتين، وقد التزمت استثمار ملايين الدولارات بحثاً عن "الذهب الأبيض"، بحسب ما أعلنت الحكومة الأرجنتينية في بيان بمطلع يونيو (حزيران)، الماضي بعد زيارة قام بها وزير الاقتصاد آنذاك سيرجيو ماسا إلى شنغهاي.

 

 

وأكدت شركة "تيبت سامت ريسورسس" أنها ستستثمر 1.7 مليار دولار في مشروعي سالار أريزانو وسالار دي ديابليوس، لإنتاج ما بين 50 و100 ألف طن من الليثيوم بين المشروعين.

وخصصت شركة "غانفيغ ليثيوم "Ganfeg Lithium، التي لديها حالياً أربعة مشاريع في الأرجنتين، 2.7 مليار دولار لإنتاج 74 ألف طن من كربونات الليثيوم. ومن ناحية أخرى، ستستثمر مجموعة "تسينغشان القابضة" 120 مليون دولار في مصنع لمعالجة الكلور والقلويات في خوخوي. وتقوم أيضاً بتطوير مشروع الليثيوم شركة "سالار سنتناريو – راتونس Salar Centenario-Ratones، في سالتا باستثمار قدره 770 مليون دولار، والذي سيبدأ الإنتاج عام 2024، بقدرة تصل إلى 24 ألف طن سنوياً، وفقاً لمصادر أرجنتينية.

إضافة إلى ذلك، سيقوم منجم الليثيوم Olaroz-Cauchari التابع لشركة "إكسار"، والذي تسهم فيه شركتان صينية وكندية، ووفقاً لاتفاقاته جديدة، بإرسال 40 ألف طن من الليثيوم سنوياً إلى الصين، وفق المصادر ذاتها.

قانون مثير للجدل

يسمح قانون الاستثمار في مجال التعدين في الأرجنتين وقانون التعدين الخاص به، الذي ينظم نشاط الليثيوم، باستيراد المعدات معفاة من الرسوم الجمركية، ويتضمن حوافز واستقراراً مالياً، ويفرض ضرائب بنسبة ثلاثة في المئة فقط على الصادرات، ولكنه لا ينشئ آليات للحوار مع المجتمعات، ولا يتضمن أدوات للتقدم في مجال إضافة القيمة، خلافاً لما عليه الوضع في الأرجنتين وشريكتيها في مثلث الليثيوم تشيلي وبوليفيا، حيث يعتبر البلدان الليثيوم مورداً استراتيجياً.

وفي تشيلي، تعمل الشركات الخاصة بموجب عقود مع الدولة، بموجب ضرائب مرنة تراوح ما بين ستة و40 في المئة، وتستخدم الموارد لتمويل مراكز البحوث. وفي الوقت نفسه، في بوليفيا، أصبح النظام عاماً وتم تطوير مشاريع تجريبية، ولكنها لم تصل بعد إلى المرحلة الصناعية. وتطالب منظمات نقابية وهيئات اجتماعية أرجنتينية بمراجعة قانون الاستثمار في البلاد وملاءمته مع تطلعات الأرجنتينيين على غرار ما قامت به دول الجوار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول مارسلو كوينغ، وهو متخصص في الشأن الاقتصادي ونائب برلماني سابق في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن على الأرجنتين أن تكون حذرة، فهذا المعدن كغيره من المعادن يمكن أن يجلب الخير كما يمكن أن يتسبب استغلاله في كوارث بيئية وصراعات اجتماعية ونزاعات عمالية. ويضيف "لا ينبغي للأرجنتين أن تعرض عملياً كل مواردها على الصين والولايات المتحدة ودول أخرى مقابل الدعم الاقتصادي والسياسي، لأن اقتصادها معطل الآن بسبب الأزمة الخانقة، وعليها أن تتريث حتى تحدد الطريق الأمثل للاستفادة من الذهب الأبيض".

في المقابل، يرى فيديريكو ناصيف خبير الليثيوم في المجلس الوطني للبحث العلمي والتقني في الأرجنتين أن "أول شيء يجب تنظيمه المشاريع الجاري تنفيذها حالياً". ويضيف "على أية حال، فإن خطط إنتاج الليثيوم مع شركة مملوكة للدولة يمكن أن تدخل حيز التنفيذ في غضون ثمانية أعوام إذا ما توصل إليها، ولكن ينبغي إزالة الليثيوم من نطاق قانون الاستثمار في التعدين في الأرجنتين وإعلانه مورداً استراتيجياً. وباعتبار أننا دولة فيدرالية تسيطر فيها المقاطعات على مواردها، فإن التحرك في هذا الاتجاه سينطوي على صراع سياسي كبير".

الصراعات البيئية

يحذر خبراء البيئة من الآثار السلبية للاستغلال غير المعقلن للثروات المعدنية في مثلث الليثيوم، وما تسببه عمليات الاستخراج من استنزاف للموارد المائية في منطقة تشهد صراعات منذ أمد بسبب شح المياه. ففي المناطق المتنازع عليها، قد تنشأ صراعات بين المزارعين وشركات التنقيب.

وتوضح ماريا لورا كاستيلو دياز، من مؤسسة البيئة والموارد الطبيعية، "أن تعدين الليثيوم سينافس السكان المحليين على مورد أساس لحياتهم هو الماء، لأن الأحواض المحلية التي يوجد بها المعدن هي عبارة عن مناطق شديدة الجفاف، ولأن المياه العذبة القليلة المتوفرة موجودة تحت الأرض، وهي مورد أساس للمجتمعات والتنوع البيولوجي".

وتقوم الشركات بحفر آبار بعمق يراوح ما بين 200 و400 متر لاستخراج المياه والمعادن. ويتدفق السائل لمدة عام إلى اثنين في برك ضخمة، حيث يتبخر الماء، من ثم يتطلب المركب الناتج كميات كبيرة من المياه العذبة لتكوين كربونات الليثيوم.

اتفاقية إسكازو

وقد صادقت الأرجنتين عام 2020 على اتفاقية "إسكازو" التي وقعت عليها 12 دولة من أميركا اللاتينية، والتي تتعلق بحماية أراضي الشعوب الأصلية والتقليدية، وهي أول معاهدة بيئية في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تضع معايير إقليمية للحقوق البيئية يجب على الشركات والحكومات التقيد بها على حد سواء، ولكن ليست الشركات العالمية الكبرى والقوى الاقتصادية العظمى وحدها من يجذبها مثلث الذهب الأبيض، فحكومات الدول الثلاث كذلك ترى فيه وسيلة لجعل أميركا الجنوبية مركزاً للاقتصاد العالمي خصوصاً الأرجنتين، التي تعيش أزمة اقتصادية خانقة، تطمع أن يكون استخراج الليثيوم أحد أهم مفاتيح حلها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير