Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق بريطانية تغوص في تفاصيل "فضيحة إيران كونترا"

محطات من "المراوغة" و"الاتفاقيات السرية" لتحسين العلاقات بين واشنطن وطهران بعد الإطاحة بالشاه وأطراف متورطة ببيع السلاح سراً إلى الجمهورية الإسلامية

فضيحة "إيران كونترا" حدثت فيما كانت إيران وأميركا يتبادلان التظاهر بالعداء في العلن (اندبندنت عربية)

بعدما تكشفنا في الحلقة الأولي من الوثائق البريطانية بعضاً من كواليس اضطراب العلاقات الأميركية - الإيرانية التي كانت شديدة التميز قبل أحداث الثورة والإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، فضلا كيفية إدارة واشنطن "أزمة رهائنها" في إيران، نستعرض في الجزء الثاني محطات الاضطراب التالية في العلاقات بين واشنطن وطهران، إذ فضيحة إيران كونترا (Iran-Contra scandal) التي عقدت بموجبها الحكومة الأميركية تحت إدارة الرئيس رونالد ريغان (حكم بين 1981 إلى 1989)، اتفاقاً سرياً مع إيران لتزويدها بالأسلحة أثناء حربها مع العراق في مقابل إطلاق سراح بعض الرهائن من الأميركيين إذ نقلت كميات من الأسلحة إلى إيران من إسرائيل مباشرة، وحرب الناقلات الذي شهدته الخليج العربي، مروراً لشكل العلاقة بين البلدين بعد وفاة الخميني عام 1989، ووصولاً إلا محاولة إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون لتطبيق ما يعرف بسياسة "الاحتواء المزدوج".

تفجير سيارة مففخة في لبنان وقتل أكثر من 200 أميركي

وفق ما جاء في نص الوثائق البريطانية، استمرت عملية احتلال السفارة الأميركية في طهران حتى بعد إطلاق سراح الرهائن الأميركيين، كما كانت العلاقات بين البلدين عدائية. وخلال السنوات القليلة التي تلت العملية تم تبادل الحد الأدنى من الرسائل الرسمية بين إيران والولايات المتحدة، من خلال السويسريين في طهران.
 

وكان المكان الرئيس الوحيد للاتصال الرسمي المباشر هو محكمة الدعاوي في لاهاي. وتم التبادل التجاري، إلى حد كبير من خلال دول ثالثة، لكن إيران حظرت بيع النفط للشركات الأميركية الخمس الكبرى، وكان لدى عدد من الوزارات الإيرانية توجيهات داخلية تحظر أو تثبط التعاملات التجارية الأخرى. وعلى رغم أن التحرك لتطبيع العلاقات مع دول أوروبا الغربية بدأ في الفترة 1983-1984، فقد تم استبعاد الولايات المتحدة من هذه المبادرة.

 

بسبب الأولوية التي أعطيت للحرب مع العراق، كانت إيران حريصة بعد حادثة الرهائن على تجنب أية مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك عملت ضد الوجود الأميركي في الشرق الأوسط عندما سنحت لها الفرصة، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1983، قتل أكثر من 200 أميركي عندما تم تفجير مقر قيادة القوة البحرية الأميركية التابعة للقوة المتعددة الجنسيات في لبنان بواسطة سيارة انتحارية مفخخة. وكان الرأي السائد في واشنطن هو أنه من شبه المؤكد أن الإيرانيين كان لهم يد في هذا الهجوم. وأدى ذلك إلى زيادة الضوابط التجارية الأميركية ضد إيران في يناير (كانون الثاني) 1984، باعتبارها دولة "داعمة للإرهاب".

وأدى احتجاز الرهائن الأميركيين في لبنان بين عامي 1984 و1985 على يد حزب الله، وهي المجموعة التي كان يعتقد أنها تحت السيطرة الإيرانية، إلى زيادة العداء الأميركي تجاه إيران، لكن العملية وفرت لإيران فرصة محتملة للمساومة. وكان القلق الأميركي الرسمي كبيراً لأن أحد الرهائن كان ضابطاً في وكالة المخابرات المركزية وهو ويليام باكلي.

"فضيحة إيران كونترا"

تم التأكيد للمسؤولين البريطانيين الذين زاروا واشنطن في مايو 1986 أن المشاعر السائدة على أعلى المستويات في وزارة الخارجية والبيت الأبيض جعلت من غير المعقول سياسياً أن تتراجع الولايات المتحدة عن موقفها وتفتح اتصالات سرية مع طهران. وحدد مسؤول أميركي الحد الأدنى من الشروط لتحسين - العلاقات مع إيران على النحو التالي:

- الالتزام الإيراني بإنهاء الحرب مع العراق.

- إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في لبنان.

- إنهاء الدعم الإيراني الرسمي للإرهاب.

 

ولكن في نوفمبر (تشرين الثاني)، كشف عن وجود تعاملات خلف الكواليس بين واشنطن وطهران منذ منتصف عام 1985. أصبحت هذه القصة تعرف باسم "إيران جيت" "Irangate". وشملت زيارة قام بها مستشار الأمن القومي السابق روبرت ماكفارلين إلى طهران، وشحن كميات من الأسلحة عبر إسرائيل بشكل مباشر إلى إيران، معظمها صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات، في مقابل إطلاق سراح الرهائن الأميركيين الثلاثة بنيامين وير ولورانس جينكو وديفيد جاكوبسن، وتحويل أموال الأسلحة المرسلة لإيران إلى متمردي الكونترا في نيكاراغوا. كما قدم الأميركيون لإيران بعض المعلومات الاستخبارية حول الخطط العسكرية العراقية. وكان البيت الأبيض يستخدم أموال الأسلحة المباعة لدعم ثوار الكونترا بنيكارجوا عبر نقل الأسلحة والمال لهم، وبعد تفجر الفضيحة توقفت واشنطن عن بيع الأسلحة لإيران، وحنيها صرح الرئيس ريغان علناً أن الإدارة بدأت مبادرة سرية مع إيران في عام 1985 وكانت تهدف لتحقيق أربعة أهداف:

- استبدال علاقة العداء التام بشيء أفضل.

- وضع نهاية للحرب الإيرانية - العراقية عن طريق التفاوض.

- وضع حد للإرهاب.

- إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين.

وفي إحاطة حلفائهم، شدد الأميركيون على الجانب الاستراتيجي. وأخبروهم أن الرئيس كان مقتنعاً بأن أكثر الوسائل فعالية لمنع توسع النفوذ السوفياتي في إيران تعتمد على دعم حكومة في طهران راغبة وقادرة على العمل مع الولايات المتحدة وكذلك الدول الغربية الأخرى. ولقد تطلب تحقيق مثل هذه الظروف مبادرة سياسية سرية من الولايات المتحدة والقادة البراغماتيين في إيران.

وكانت "إيرانجيت" موضوع تقريرين في الولايات المتحدة، أحدهما أعدته لجنة مجلس الشيوخ المختارة للاستخبارات والآخر أعدته هيئة المراجعة الخاصة للرئيس، والمعروفة أيضاً باسم لجنة تاور (Tower). ووجد الأخير أن المبادرة تتعارض بشكل مباشر مع سياسات الإدارة نفسها في شأن الإرهاب، والحرب الإيرانية - العراقية والدعم العسكري لإيران (حيث كانت الولايات المتحدة أطلقت عملية ستاونش (Staunch) لثني الدول الأخرى عن توريد الأسلحة).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان واضحاً من التقارير أن مجلس الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية متورطان على أعلى المستويات، وأن وزير الخارجية شولتز لم يكن سعيداً بذلك ونأى بنفسه، ولم يتم وضع ضباط وزارة الخارجية والسفارات في الخارج في الصورة. وصرح الرئيس ريغان نفسه أنه ليس لديه سوى ذاكرة ضبابية للأحداث. وعلق دبلوماسي أميركي قائلاً إنه من المثير للسخرية أن بعض المسؤولين حاولوا في وقت سابق البدء في تحركات سرية لإقامة اتصالات مع النظام الإيراني تؤدي في نهاية المطاف لتحسين العلاقات بين البلدين، ولكن تم تجاوزها باستمرار من السياسيين الذين كانت وجهة نظرهم تجاه النظام الإيراني ملوثة ومتأثرة بحادثة اقتحام السفارة والرهائن.

ومن الجانب الإيراني، كان من بين المتورطين في هذه القضية أعضاء في مكتب رئيس الوزراء، ومستشار كبير للشؤون الخارجية، وعضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى. كما شارك أفراد من عائلة رفسنجاني، رئيس المجلس آنذاك، في الأمر. ويقال إن الخميني وافق على عملية الاتصال. وبعد ذلك صرح علناً بأنه لا ينبغي أن يكون هناك تحقيق في هذه القضية، وبالتالي تمكن رفسنجاني وآخرون من الصمود بوجه منتقديهم. ومن الواضح أن القيادة الإيرانية ككل كانت متورطة (على رغم أن أياً من كبار أعضائها لم يلتق بالأميركيين)، وأن الولايات المتحدة لم تكن تتعامل فقط مع مجموعة "معتدلة" كما زعمت في إحدى المراحل.

وكان الدافع الرئيس للأميركيين بلا شك هو الدافع الإنساني (والمفيد انتخابياً أيضاً) المتمثل في إخراج الرهائن من لبنان، ولكن على رغم إطلاق سراح ثلاثة رهائن بشكل فردي في لبنان بين سبتمبر (أيلول) 1985 ونوفمبر (تشرين الثاني) 1986، فإن التوقعات الأميركية بإطلاق سراح الرهائن المتبقين لهم في طهران خلال زيارة ماكفارلين في مايو (آيار) 1986 خابت وفشلت، واحتجز ثلاثة أميركيين آخرين كرهائن في لبنان بين سبتمبر (ايلول) 1985 ونوفمبر (تشرين الثاني) 1986. استمرت الاتصالات السرية بين البلدين ورغم ذلك في وقت ما من الفترة نفسها قتل ويليام باكلي.

حرب الناقلات وكارثة "إيرباص"

عندما بدأ الصراع بين إيران والعراق عام 1980، كانت الولايات المتحدة محايدة رسمياً، لكنها رأت أن انتصار إيران سيكون بمثابة انتكاسة كبيرة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وبعد النجاحات العسكرية الإيرانية عام 1982 بدأت تميل نحو العراق. وفي عام 1987 عندما تصاعدت حرب الناقلات، سمحت الولايات المتحدة بتسجيل 11 ناقلة كويتية كسفن تحمل العلم الأميركي، وذلك بشكل أساسي لمنع وضع السفن الكويتية تحت الحماية السوفياتية، وفي الوقت نفسه زادت من وجودها البحري في الخليج العربي من أجل حماية الناقلات من الهجمات الإيرانية.

 

ووقعت بعد ذلك عدد من المناوشات بين القوات الأميركية والإيرانية، وفي سبتمبر (أيلول) 1987 استولت القوات المسلحة الأميركية على السفينة الإيرانية "إيران أجر" التي كانت تزرع الألغام في مياه الخليج. وفي أكتوبر (تشرين الأول) رداً على هجوم صاروخي على ناقلة كويتية كانت ترفع العلم الأميركي، ضرب الأميركيون منصة النفط الإيرانية "رستم"، التي كان يستخدمها الحرس الثوري، وأغرقوا بعض زوارق حربية الإيرانية. وعندما أصيبت الفرقاطة الأميركية صامويل بي روبرتس بلغم في الخليج العربي في أبريل (نيسان) 1988، قام الأميركيون بتدمير منصتين نفطيتين إيرانيتين، وإغراق زورق حربي إيراني، وإخراج فرقاطتين إيرانيتين من الخدمة.

في يوليو (تموز) 1988 قبل أسبوعين من قبول إيران لقرار مجلس الأمن رقم 598، أسقطت السفينة الأميركية "يو إس إس فينسينس" طائرة إيرباص إيرانية كانت في رحلة روتينية فوق الخليج، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها وطاقمها البالغ عددهم 290 راكباً. وعلى رغم أن الطائرة أسقطت عن طريق الخطأ، إلا أن إيران كما كان متوقعا اتهمت الولايات المتحدة، بارتكاب عمل متعمد. وفي عام 1996 وافقت الولايات المتحدة على دفع تعويضات لأسر الضحايا الإيرانيين.

ما بعد الخميني

حين توفي الخميني عام 1989، أصدر الرئيس بوش الأب بياناً غامضاً وأشار البيان إلى هذه الحقيقة، قائلاً "بوفاته (الخميني) نأمل أن تتجه إيران الآن نحو تبني دور مسؤول وبناء في المجتمع الدولي"، واعتبر الأميركيون أن الكرة أصبحت في ملعب الإيرانيين في ما يتعلق بتحسين العلاقات وإعادتها.

وعلى رغم إطلاق سراح آخر الرهائن من لبنان عام 1991 أزيلت عقبة واحدة فقط، وبقيت عقبات أخرى كثيرة، ولم يكن هناك أي تحرك ملموس نحو الحوار. وكان بوش قال في خطاب تنصيبه في عام 1989 إن حسن النية لابد أن تؤدي إلى حسن النية لدى الطرف المقابل، ولكن المسؤولين الأميركيين اعتبروا أن استمرار تورط إيران في الإرهاب من شأنه أن يجعل من الصعب للغاية تبرير أي تغيير في السياسة، وكان الرأي العام في الولايات المتحدة يتلخص في ضرورة معاقبة خاطفي الرهائن بدلاً من ضرورة محاولة المصالحة.

 

وفي عام 1991 ظهرت حساسية العلاقات مع الولايات المتحدة عندما أرسل الأميركيون مساعدات غذائية إلى إيران للاجئين الأكراد الذين نزحوا من العراق، ودان المتشددون في طهران هذه الخطوة قائلين إنهم يخشون أن يمهد الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني الطريق لعودة "الشيطان الأكبر". واستبعد خليفة الخميني، آية الله خامنئي، على الفور قبول أي تطبيع طالما واصلت الولايات المتحدة "سياساتها المناهضة للإسلام والمؤيدة لإسرائيل".

وعلى رغم أن موقف إيران الحيادي ودعمها لقرارات الأمم المتحدة خلال حرب الخليج (غزو الكويت) أكسبها بعض الصدقية على المدى القصير لدى المجتمع الدولي، إلا أن العداء الأميركي الأساسي تجاهها ظل قائماً، وقارنت إيران بين استعداد الأميركيين للقتال من أجل تحرير الكويت وبين حيادهم وعجزهم حتى في إدانة الغزو العراقي لإيران عام 1980.

إدارة كلينتون: "الاحتواء المزدوج"

مع مجيء إدارة كلينتون عام 1993، ظهر موقف أميركي أكثر تشدداً تجاه إيران. في البداية أشار وارن كريستوفر إلى إيران باعتبارها دولة "خارجة عن القانون الدولي" كانت إدارة بوش تتجنبها، ثم حدد مارتن إنديك من مجلس الأمن القومي (الذي أصبح فيما بعد سفيراً لدى إسرائيل ومنذ أكتوبر 1997 مساعد وزير شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية) سياسة "الاحتواء المزدوج لإيران والعراق".

وأشار إنديك في خطاب ألقاه أمام معهد واشنطن، إلى التحدي الخماسي الذي تمثله إيران. وسعيها إلى الحصول على الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وتورطها في الإرهاب والاغتيالات في جميع أنحاء العالم، ومعارضة عملية السلام في الشرق الأوسط، فضلاً عن القيام بأنشطة تخريبية ضد جيرانها، وسجلها السيء في مجال حقوق الإنسان.

 

وأعقب إعلان السياسة الجديدة مشاورات مكثفة مع الحلفاء حول سبل احتواء التهديد الذي تمثله إيران، وشجعتهم الإدارة على الحد من صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى إيران وإنهاء إعادة جدولة الديون الإيرانية، وحاولت منع الإقراض الدولي الجديد لإيران، كما ضغطت على روسيا والصين ودول أخرى لوقف مبيعات الأسلحة لإيران.

ورداً على ما اعتبرته الولايات المتحدة تهديداً متزايداً من إيران، إذ معارضتها المستمرة لعملية السلام في الشرق الأوسط، والاتفاق الروسي في يناير (كانون الثاني) لاستكمال محطة الطاقة النووية في بوشهر، والأنشطة العسكرية في جزيرة أبو موسى - في مارس (آذار) في عام 1995، أصدر الرئيس كلينتون أمراً تنفيذياً ألغى فيه الاتفاق بين إيران وشركة كونوكو لتطوير حقلين نفطيين بحريين في الخليج العربي (ووقعت إيران في وقت لاحق اتفاقاً مع شركة توتال الفرنسية بدلاً من ذلك). وكان المقصود من تصرف كلينتون جزئياً بناء الصدقية لدى حلفاء الولايات المتحدة، حيث كانت التجارة الأميركية مع إيران تسير على مستوى عال. وفي وقت لاحق ألمح رفسنجاني إلى أن موافقة إيران على التعامل مع شركة كونوكو كان المقصود منها إرسال إشارة إلى الولايات المتحدة مفادها بأنه من الممكن أن تكون هناك علاقة بناءة أكثر، وادعى أن الفرصة ضاعت.

وعليه شهد شهر أبريل (نيسان) 1995 مزيداً من الاحتكاك بين الولايات المتحدة وإيران في شأن النفط، عندما طردت إيران من كونسورتيوم نفط بحر قزوين بواسطة جمهورية أذربيجان تحت ضغوط أميركية.

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق