Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان "نحن أفارقة" يسعى إلى نشر الأدب الأفريقي

كتاب أفارقة وأجانب يناقشون في مراكش راهن الثقافة في القارة السمراء ويدعون إلى كسر عزلتها

الفن والأدب الأفريقيان يحتاجان إلى الترويج عالمياً (صفحة الفنان النسغالي خليفة غوي- فيسبوك)

منذ دورته الأولى التي نظمت العام الماضي رفع مهرجان الكتاب الأفريقي في مراكش شعاراً ينتصر بوضوح لثقافة القارة السمراء "نحن أفارقة"، وهو اسم المؤسسة الثقافية التي تسهر على تنظيمه، برئاسة الكاتب والتشكيلي ماحي بينبين. ويحمل هذا الشعار، فضلاً عن قيم التضامن والاتحاد، ما يشبه تذكيراً لبلدان المغرب العربي بانتمائها الأفريقي، على رغم اختلاف اللغة والدين واللون مع البلدان التي تقع جنوبها.

 وإضافة إلى تقديمه نماذج حديثة تمثل الفكر والفن والثقافة في أفريقيا، يراهن المهرجان على المساهمة في التأثير الثقافي والفني للقارة ومغتربيها، وتعزيز التبادل الثقافي بين بلدان الشمال والجنوب، والعمل على ترويج الأدب الأفريقي داخل القارة وخارجها، إضافة إلى تعميق النقاش حول راهن هذا الأدب وإكراهاته والعراقيل التي تقف وراء محدودية تداوله.

راهنت الدورة الثانية من المهرجان، التي أقيمت بين الثامن والـ11 من الشهر الجاري، على ألا ينحصر النقاش حول الشأن الأدبي وهموم الكتابة، بل أن ينفتح على مختلف صور الوجود الثقافي. فاقترحت تيمات كبرى تشغل الإنسان الأفريقي، كما تشغل البلدان التي عاشت وتعيش حالات من التقاطع التاريخي والسياسي مع القارة. وفي هذا السياق نفهم الحضور المكثف لمثقفي فرنسا في مهرجان مراكش.

من بين الموضوعات التي طغت على الدورة الثانية من مهرجان الكتاب الأفريقي: الروحي والسياسي في أفريقيا والاختلاف والتشابه والزنوجة والهجرة وفرنسا السوداء والكتابة من أجل الكرامة والمحكي الأفريقي والكتابة ضد النسيان والأدب الأفريقي الجديد والإنسانية في عالم معطوب وجدوى الجوائز الأدبية اليوم.

ودعيت لمناقشة محاور الدورة نخبة من الأسماء المعنية بالثقافة الأفريقية، سواء من داخل القارة أو من خارجها، كالروائي الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو حامل جائزة نوبل لعام 2008 والفيلسوف إدغار موران والشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي والفيلسوف السنغالي بشير سليمان ديان والكاتب الموزمبيقي ميا كوتو والروائي الجزائري واسيني الأعرج والكاتبة الجامايكية أنطوانيت تيجاني علو والروائي التوغولي سامي تشاك والكاتبة الإيفوارية فيرونيك تاجو والفنانة السنغالية سينابو سونكو والروائي الفرنسي جان نويل بانكرازي والشاعر الهايتي ماكينزي أورسل والشاعر الكونغولي ألان مابانكو والكاتب المغربي ياسين عدنان والباحث الجزائري سعد خياري والكاتبة المغربية المقيمة في فرنسا سهام بوهلال والروائي المغربي المقيم في هولندا عبدالقادر بنعلي والروائي السنغالي محمد مبوغار سار حامل جائزة غونكور لعام 2021 وغيرهم من الأسماء التي أثرت النقاش بثلاث لغات: العربية والفرنسية والإنجليزية.

الأدب قبل السياسة

في ندوة بعنوان "ماذا تبقى من أحلامنا؟" أكد عبداللطيف اللعبي ضرورة النهوض بالأدب الأفريقي، مذكراً بدور هذا الأدب في المقاومة والنضال ضد الاستعمار. وتأسف اللعبي لأن العالم ما زال يجهل القارة الأفريقية، ولا يدرك حقيقة ثرائها الثقافي والفني. وفي الندوة ذاتها أكد الكاتب الأنغولي من أصل برتغالي خوسيه إدواردو أغوالوسا أن معظم الحركات التحررية السياسية كانت مسبوقة بحركات أدبية، وأن الحلم ينبغي أن يكون جماعياً كي تحظى ثقافة القارة السمراء بالتقدير الذي تستحقه. أما الكاتب الموزمبيقي ميا كوتو فقد راهن على الحلم باعتباره حقاً أفريقياً من جهة، وشرطاً لتجاوز كل المحن من جهة ثانية، مذكراً بتاريخه الفردي الذي تشكل في حركة من حركات المقاومة هي جبهة تحرير موزمبيق.

وفي ندوة عن الانتقال من الزنوجة إلى القارية أشارت الكاتبة المغربية الفرنسية ياسمين الشامي إلى أن وظيفة الكتابة اليوم هي تهدئة التوترات، والعمل على ردم الهوة بين المجتمعات، داعية إلى أن يخرج أدب الجنوب من الإرث الاستعماري. وتوقفت الكاتبة الإيفوارية فيرونيك تادجو عند مفهوم الزنوجة، واستشهدت بتجربتها في الكتابة باعتبارها تحدياً يروم الوقوف عند صور التقارب في مجتمعات تعيش اختلافات عديدة.

وفي ندوة بعنوان "كتابة الما بين" استعرضت الكاتبة الفرنسية من أصل موريتاني فانتا درامي تجربتها في الكتابة عن رحلة والدها من موريتانيا إلى فرنسا، مستثمرة تجربته للحديث عن ظاهرة الهجرة من الجنوب إلى الشمال، وعن مآل الإرث الثقافي للمهاجرين. وتحدثت الكاتبة الكاميرونية بوم هيملي عن تجربة الكتابة عن جيلين، الأول ظل في أفريقيا والثاني انتقل إلى أوروبا، وتعقبت أشكال وآثار هذا التحول الجغرافي والفكري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الندوة المركزية لمهرجان مراكش هذا العام فقد رسخها الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، وحملت عنوان "شاهد على قرنين وبوصلة لزماننا"، نوه فيها صاحب "ثقافة أوروبا وبربريتها" بانفتاح المغرب على القارة الأفريقية ليس من باب الثقافة فقط، بل من جوانب عدة أبرزها الجانبان السياسي والاقتصادي، وتحدث موران عن علاقته بالمغرب، وناقش العلاقات التي تجمع الشمال بالجنوب، مستحضراً التاريخ الكولونيالي، ومتوقفاً عند مساهمة المفكرين الأفارقة في مسيرة التحرر. ودعا صاحب "هل نسير إلى الهاوية؟" الأفارقة إلى الحفاظ على هويتهم، على رغم الانفتاح على الحياة التكنولوجية الراهنة.

اختار المنظمون أن يمنحوا الرئاسة الشرفية للمهرجان منذ دورته الحالية إلى الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو حامل نوبل للآداب، بسبب أصوله الأفريقية، فهو ينحدر من عائلة بريطانية هاجرت إلى موريشيوس منذ القرن الـ18. وقد عمل والده طبيباً عالج كثيراً من المرضى في القارة السمراء برفقة زوجته الفرنسية، وعاش لوكليزيو سنتين من طفولته في نيجيريا. فضلاً عن هذا الانتماء القاري فصاحب "رحلات في البر الآخر" معروف باهتمامه الكبير بالثقافة الأفريقية، بل إن روايته "صحراء" تنقل إلى القارئ بصورة عميقة عناصر هذه الثقافة. وقد سبق للوكليزيو الذي كان ضيف الدورة السابقة من المهرجان أن أكد بأن مدينة مراكش الحاضنة هذه التظاهرة الدولية هي في حد ذاتها تجسيد متنوع للهوية الأفريقية.

اللافت أن ملصق هذه الدورة كان من تصميم الفنان المالي عبدالله كوناتي، وهو اسم معروف دولياً في مجال الفنون البصرية، يستلهم أعماله من الروحانيات الأفريقية، ويتخذ الكتاب الأفريقي، وبدا حضور اللغة العربية ضعيفاً في المؤتمر، فقد أقيمت ندوة وحيدة باللغة العربية، في ظل هيمنة اللغتين الفرنسية والإنجليزية.

يبدو أن المغرب ماض بوضوح في طريق الانفتاح على الثقافة الأفريقية والاحتفاء بمكوناتها، عبر عدد من التظاهرات الكبرى التي جعلت من ثقافة القارة السمراء محوراً لها. فالدورات الأخيرة للمعرض الدولي للكتاب جعلت من كل جهات القارة ضيوف شرف تباعاً، وتقام في المغرب مهرجانات تتخذ من الثقافة الأفريقية موضوعاً لها، ليس مهرجان السينما الأفريقية بخريبكة أولها، وليس معرض الكتاب الأفريقي بمراكش آخرها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة