Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا تحسن قدراتها العسكرية وتتفوق على أوكرانيا

واجهت موسكو صعوبة في تغيير مسار الحرب ببداياتها لكنها تتفوق الآن على كييف

جنود روس متطوعون بمطار في غروزني، روسيا، يناير 2024 (جنكيز كونداروف/رويترز)

ملخص

روسيا تحسّن بصورة لافتة قدرتها على التعلم والتكيف العسكريين في أوكرانيا، وكلما طال أمد الحرب، كلما تمكنت من الارتقاء في أدائها الاستراتيجي.

خاضت كل من كييف وموسكو معركة تكيف طوال فترة الحرب في أوكرانيا في محاولة للتعلم وتحسين فعاليتهما العسكرية، وخلال المراحل الأولى من الغزو كانت أوكرانيا أفضل من روسيا في هذا المجال، وإذ مكنت كييف من طريق التدفق السريع للأسلحة الغربية وباتت مدفوعة بالتهديد الوجودي الذي يفرضه العدوان الروسي، ومستعدة بصورة جيدة للهجوم، فقد استطاعت أن تطور طرقاً جديدة للقتال وفي وقت قصير للغاية.

وعلى النقيض من ذلك تخبطت روسيا، فهي كانت بمثابة دب كبير ومتعجرف ومتثاقل ومفرط في الثقة بأنه سيحقق نصراً سريعاً، وبالتالي أدت الصدمة المؤسسية الناجمة عن عدم نجاح روسيا في إبطاء قدرتها على التعلم والتكيف.

ولكن بعد مرور عامين على بداية الحرب اختلفت معركة التكيف، إذ لحقت روسيا بركب أوكرانيا نوعاً ما، فلا تزال أوكرانيا تتمتع بثقافة عسكرية ابتكارية من القاعدة إلى القمة مما يسمح لها بتطبيق تقنيات وتكتيكات جديدة في ساحة المعركة على نحو سريع، بيد أنها قد تواجه صعوبة في التأكد من أن هذه الدروس ممنهجة ومنتشرة في أوساط وحدات القوات المسلحة بأكملها، ومن ناحية أخرى فإن روسيا أشد بطئاً في التعلم من القاعدة إلى القمة بسبب التردد في الإبلاغ عن الفشل وفلسفة القيادة الأكثر مركزية، ومع ذلك فعندما تتعلم روسيا شيئاً ما في نهاية الأمر فإنها تكون قادرة على تنظيمه بصورة منهجية في أوساط الجيش وعبر صناعتها الدفاعية الكبيرة.

وتتجلى هذه الفروق بين الدولتين في الطرق التي تبتكر بها كل منهما، والحال أن أوكرانيا أقدر على القيام بالتكيف التكتيكي، أي التعلم وتحسين [الأداء] في ساحة المعركة، أما روسيا فهي تتفوق عليها في التكيف الإستراتيجي أو التعلم والتكيف اللذين يؤثران في عملية صنع السياسات الوطنية والعسكرية، على غرار كيفية استخدام الدول لمواردها.

إن كلاً من شكلي التكيف مهمان، غير أن النوع الأخير هو الأكثر أهمية من أجل كسب الحروب، وبقدر ما يطول أمد هذه الحرب بقدر ما تحقق روسيا مزيداً من التعلم والتكيف وبناء قوة قتالية أكثر فعالية وحداثة، وعلى نحو بطيء ولكن بثبات ستستوعب موسكو أفكاراً جديدة من ساحة المعركة وتعيد ترتيب [خطواتها] التكتيكية بما يتناسب مع ذلك، فلقد ساعدها تكيفها الإستراتيجي سلفاً في صد الهجوم الأوكراني المضاد، وأعان القوات الروسية على امتداد الأشهر القليلة الماضية في الاستيلاء على مزيد من الأراضي في كييف، وفي نهاية المطاف إذا استمر تفوق روسيا في التكيف الإستراتيجي من دون استجابة غربية مناسبة، فإن أسوأ ما يمكن أن يحدث في هذه الحرب ليس الجمود [أي عجز أي طرف عن تحقيق النصر]، بل هزيمة أوكرانيا.

اللعبة الطويلة

وبعد الصعوبات التي واجهتها روسيا خلال عملياتها العسكرية الباكرة في أوكرانيا عمدت إلى تعديل هيكل القيادة والسيطرة لديها، وفي أبريل (نيسان) 2022 عينت موسكو قائداً واحداً للإشراف على غزوها واسع النطاق، متخلية بذلك عن النظام المختل والممزق الذي كانت أدارت الحرب من خلاله حتى تلك اللحظة، وكانت النتيجة جعل جهودها موحدة بصورة أكبر مما أدى إلى تحويل الغزو الروسي من مجموعة حملات متعددة منفصلة وغير منسقة في شمال وشرق وجنوب البلاد إلى نهج أكثر تزامناً وتنسيقاً.

ومن الواضح أن الجهد الرئيس كان يتمثل في العمليات البرية في شرق أوكرانيا، وتمخض ذلك عن تقدم روسي واستيلاء على مدن مثل سيفيرودونيتسك منتصف عام 2022.

وقد غيرت روسيا أيضاً طريقة إدارتها للقتال المباشر عن كثب، فاستخدمت في وقت باكر من الحرب أسلحة مشتركة ووحدات برية كل منها بحجم كتيبة لم تكن في كثير من الأحيان قوية بما فيه الكفاية، كما كانت قدرتها محدودة على دمج العمليات الجوية والبرية وتنفيذ عمليات الأسلحة البرية المشتركة، بيد أن الروس طوروا أداءهم على مدى الأشهر الـ 12 الماضية في معزل عن هذا النوع من الكتائب، وهم الآن يدمجون قوات النخبة والقوات التقليدية كما يقومون بتدعيم هذا المزيج بقوات يسميها كثير من الأوكرانيين "عاصفة اللحم" بدافع السخرية، وهذه هي عبارة عن موجات من القوات سيئة التدريب التي يمكن التخلص منها وبمقدورها أن تطغى على الجنود الأوكرانيين وترهقهم قبل وصول مزيد من القوات الروسية الموهوبة.

وكان بعض هذا الابتكار التكتيكي مدفوعاً بالضرورة العسكرية، بما في ذلك ضيق الوقت المتاح لروسيا لتدريب القوات التي حشدت لتصبح على مستويات عالية من الكفاءة، غير أن بعضها كان يستند إلى توجيهات إستراتيجية صادرة من أعلى إلى أسفل. وساعد قادة مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية في الترويج لنهج "تكتيكات اللحوم" من خلال تجنيد عناصر انضموا إليها بعدما دينوا [بارتكاب جرائم]، واستخدامهم في الحملة الناجحة للاستيلاء على باخموت كما لو كانوا صيادين للرصاص [يتلقونه بأجسادهم بالنيابة عن المقاتلين المدربين] ويمكن التخلص منهم.

وبعد أن لمست نجاح "فاغنر" بتطبيق هذه الإستراتيجية البشعة تبنت قوات موسكو أساليب مماثلة في معارك أخرى، وقد غيرت المشاة الروسية تكتيكاتها، وبدلاً من محاولة نشر مجموعات كتائب موحدة كمجموعات أسلحة بعضها يعمل إلى جانب بعض، صارت تقوم بتشكيل فرقة طبقية مؤلفة من قوات هجومية متخصصة وإلى جانبها "قوات اللحم" التي يمكن التخلص منها.

كما تكيفت القوات الروسية على المستوى الدفاعي أيضاً، وبعد أن حصنت مواقعها بصورة طفيفة فقط في وقت باكر من الحرب، وبالتالي كشفت عن نفسها أمام الهجمات الأوكرانية، قامت موسكو ببناء خطوط دفاعية عميقة في الجنوب أواخر عام 2022 ومطلع عام 2023، وإلى جانب ذلك كانت هناك التحسينات الروسية في تقصير الوقت الذي يفصل بين اكتشاف الهدف وتنفذ الضربات في ميدان المعركة، مما جعل الأوكرانيين يواجهون خصماً في النصف الثاني من عام 2023 مختلفاً تماماً عن ذلك الذي واجهوه عام 2022.

وللتغلب على هذا العدو الذي طور نفسه اضطرت أوكرانيا إلى تكييف خططها التكتيكية وتقنياتها وعملياتها جزئياً من طريق إرسال بعض القوات إلى بولندا ودول أوروبية أخرى للخضوع إلى تدريب إضافي مشترك على الأسلحة قبل بدء الهجوم المضاد، بيد أن جهود كييف لا تزال غير كافية لإنجاز مهمة استعادة مزيد من الجنوب.

لحقت روسيا بركب أوكرانيا نوعاً ما

كما نجح الجيش الروسي في توفير حماية أفضل لمركباته، وخلال الأيام الأولى من الحرب استخدمت أوكرانيا طائرات مسيرة وصواريخ دقيقة بغرض تدمير كثير من الدبابات والشاحنات الروسية بنجاح، مما أدى إلى مجموعة من الهزائم الروسية المحرجة، ولكن رداً على ذلك بدأت قوات تلك البلاد في صنع دروع موقتة كيفما اتفق، وبعد تعرض أعداد كبيرة من المركبات اللوجستية الروسية إلى الهجوم أثناء التقدم نحو كييف، بدأت القوات بتركيب دروع موقتة لهذه الشاحنات لحمايتها.

واكتسب هذا الدرع الموقت في النهاية مزيداً من التطور مع ما أصبح يُطلق عليه "أقفاص المواجهة"، والدرع الشرائحي أو الدرع على شكل قفص، وظهر هذا النوع من الدروع للمرة الأولى على الدبابات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية إلا أنها استخدمت أيضاً في الصراعات الحديثة، بما في ذلك من قبل قوات التحالف المنشورة في حرب العراق عام 2003، وهي الآن تستعمل على الدبابات الروسية والمدفعية ذاتية الدفع، وقد ساعدت هذه الأقفاص إما في سحق صمامات الأسلحة المضادة للدبابات الأوكرانية قبل أن تصيب التصفيح الرئيس للمركبة، أو تجبر الأسلحة المضادة للدبابات على الانفجار قبل أن تتمكن من اختراق المركبة، كما أمنت الأقفاص مجتمعة طبقة أخرى من الحماية المادية للدبابات والشاحنات الروسية، ويبدو أنها منحت طواقمها مزيداً من الثقة للعمل في أماكن يوجد فيها خطر كبير من هجمات الطائرات من دون طيار أو من الذخائر المسماة بـ "المتسكعة".

وربما بدأ هذا النهج الدفاعي كابتكار تكتيكي إلا أنه في نهاية المطاف أصبح الاعتماد على الأقفاص إجراء منظماً بصورة منهجية، وكانت وحدات الجيش الروسي بصورة جماعية تستخدم الأقفاص كوسيلة نظامية لصد الذخائر المتسكعة [الشبيهة بالمسيرات المتفجرة]، وصواريخ الهجوم التي تأتي من الأعلى مثل "جافلين"، والطائرات من دون طيار.

وفي عام 2023 أصدر القادة الروس توجيهات رسمية حول كيفية بناء أقفاص للشاحنات والمدفعية والمركبات المدرعة وتركيبها، وتعرض موسكو الآن مثل هذه الأقفاص في نسخ من مركباتها المدرعة المخصصة للتصدير.

في غضون ذلك تحسن نشر موسكو بنفسها الطائرات من دون طيار بصورة كبيرة مما يعكس ديناميكية سابقة، ففي بداية الحرب ساعدت أوكرانيا في ابتكار طرق جديدة لاستخدام الطائرات من دون طيار التي يتم التحكم فيها من بعد وشبه المستقلة للقيام بكل شيء بدءاً من إجراء الاستطلاع وحتى إسقاط القنابل.

إن جيش الطائرات المسيرة في أوكرانيا الذي سمى نفسه بنفسه هكذا، وهو ثمرة تعاون بين الحكومة والصناعة والتمويل الجماعي من المواطنين، أعطى كييف أفضلية باكرة مثيرة للإعجاب بصورة خاصة في الطائرات من دون طيار، ولكن على رغم أن روسيا كانت أبطأ في اعتماد الطائرات المسيرة لتنفيذ مجموعة واسعة من الأغراض فقد تفوقت الآن على أوكرانيا من حيث عدد الطائرات من دون طيار والذخائر المتسكعة وقدرة روسيا على استخدامها، وقد فعلت موسكو ذلك من خلال تعبئة صناعتها الدفاعية المحلية والحصول على التكنولوجيات الحيوية من الخارج على رغم العقوبات الغربية، وهي الآن تتفوق في إنتاجها على أوكرانيا عندما يتعلق الأمر بالطائرات من دون طيار والذخائر المتسكعة، وستستمر هذه الفجوة غالباً في الاتساع.

تكاد تكون الحرب الحديثة مستحيلة ما لم تنشر أعداد كبيرة من المركبات الجوية من دون طيار أثناء التصدي بنشاط لطائرات العدو المسيرة، وإن السبب الرئيس وراء فشل الهجوم الأوكراني المضاد في 2023 كان في استخدام روسيا للطائرات من دون طيار بصورة منسقة مع خطوطها الدفاعية، واستعمال قدر كبير من قطع المدفعية والمروحيات الهجومية والذخائر المتسكعة وأنظمة الاستطلاع والمراقبة الأكثر استجابة، وبينما تتعلم روسيا وتستمر في زيادة إنتاجها من الطائرات من دون طيار، فإنها ستكتسب مزيداً من الأفضلية على الطرف الآخر.

تسريع الوتيرة

إن الطائرات من دون طيار ليست السلاح الوحيد الذي قلبت بواسطته روسيا السيناريو رأساً على عقب، فقد كانت أوكرانيا من أوائل الدول التي اعتمدت الأسلحة الدقيقة أو الأسلحة التي تستخدم نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو أنظمة التوجيه الأخرى من أجل ضرب الأهداف بصورة أكثر دقة مما كانت توافره الأنظمة القديمة، وكان على كييف أن تكون كذلك، ونظراً إلى التفاوت في القدرات المدفعية والذخائر في بداية الحرب فلم يكن بوسع أوكرانيا أن تتحمل تبديد ما لديها من الصواريخ والقذائف، إلا أن موسكو تعلمت منذ ذلك الحين وتكيفت [مع هذا الوضع] للحد من تأثير الأسلحة الدقيقة، وقد فعلت ذلك من خلال توزيع قواتها القتالية والمدفعية والخدمات اللوجستية توزيعاً أفضل، كما أنها جعلت عملية الاستهداف الأوكرانية أشد تعقيداً باستخدام وسائل أكثر أماناً للاتصالات الإلكترونية، بما في ذلك الشبكات المشفرة وأنظمة الاتصالات التكتيكية السلكية القديمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كانت الحرب الإلكترونية إحدى نقاط قوة الروس تقليدياً إلا أنها لعبت دوراً ثانوياً خلال الأيام الأولى للغزو، وعادت بقوة مع تعاون الجيش الروسي مع صناعته الدفاعية الإستراتيجية بغرض تطوير مجموعة من أنظمة الحرب الإلكترونية الجديدة والمتقدمة التي تقوم على المركبات والأفراد ونشرها، وتعمل هذه الأنظمة على تشويش الاتصالات الأوكرانية من أجل كسر التماسك في الوحدة العسكرية وإبطاء قدرة البلاد على شن الهجمات، كما تقطع الحرب الإلكترونية أيضاً الصلة بين الطائرات من دون طيار ومشغليها وتساعد روسيا في العثور على محطات مشغلي الطائرات المسيرة، وتجعل من الصعب على أوكرانيا تحديد موقع المقر الرئيس الروسي.

ومن المهم أيضاً أنها تشوش أو تقلل من فعالية الأسلحة الدقيقة الأوكرانية (بما في ذلك أنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة أو HIMARS)) وعلى رغم أن أوكرانيا وشركائها قد عملوا بجد لمواكبة قدرات الحرب الإلكترونية الروسية إلا أنها لاتزال متخلفة عنها في هذا المجال، وهي نقطة أشار إليها القائد العام الأوكراني فاليري زالوجني أواخر عام 2023.

ولعل المجال الأكثر دلالة الذي تكيفت فيه روسيا وخلقت ميزة إستراتيجية فهذا هو مجمعها الصناعي الدفاعي، وأدت التعبئة الجزئية للبلاد في سبتمبر (أيلول) 2022 والمبادرات الحكومية الأخرى إلى زيادة الإنتاج العسكري بصورة كبيرة، وقد تلقت موسكو مزيداً من الأسلحة التي جاءتها على شكل مساهمات من كوريا الشمالية، وعززت تصنيع أسلحتها المتطورة من خلال زيادة التجارة مع الصين مما سمح لروسيا بالحصول على تقنيات مزدوجة الاستخدام لم يعد بإمكانها شراؤها من الغرب، ونتيجة لذلك تملك روسيا الآن أسلحة وذخائر أكثر بكثير من تلك التي في حوزة أوكرانيا.

لقد عادت الحرب الإلكترونية بقوة

من المؤكد أن روسيا ليست أفضل [من أوكرانيا] من حيث التكيف في المجالات كافة، وعندما يتعلق الأمر بالطرق الجديدة لتوجيه ضربات بعيدة المدى فقد تحسنت كييف أكثر من موسكو، وقد طورت أوكرانيا، على سبيل المثال، القدرة على القيام بضربات إضافية بعيدة المدى ضد المطارات الروسية ومصانع الدفاع والبنية التحتية للطاقة خلال العام الماضي، وبينما كانت عاجزة إلى حد كبير عن الرد على الضربات الروسية التي استهدفت بنيتها التحتية المدنية خلال شتاء عام 2022، فإنها باتت تتمتع حالياً بقدرة متطورة على الاستجابة بضربات مماثلة (وإن كان ذلك بما ينسجم مع القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على استخدام الأسلحة الغربية للقيام بغارات داخل روسيا).

وقد استعملت كييف هذه القدرة من خلال ضرب روسيا بصورة حكيمة، وخصوصاً في أعقاب هجمات موسكو الجماعية على أوكرانيا خلال عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة.

كما طورت أوكرانيا قدرة مؤثرة في توجيه الضربات البحرية باستخدام أجهزة استشعار عسكرية ومدنية وصواريخ بعيدة المدى، إضافة إلى أجيال متتالية من الطائرات البحرية من دون طيار، وصار الآن بوسع هذه الطائرات البحرية من دون طيار أن تطلق الصواريخ، إضافة إلى صدم الأهداف ثم تفجير رؤوسها الحربية، ونتيجة لذلك فقد دمرت أوكرانيا كثير من السفن الحربية الروسية، كما أنشأت ممراً جديداً للتصدير البحري غرب البحر الأسود.

إلا أن هذه المزايا قد لا تدوم، وكما فعلت روسيا في مجالات أخرى فمن المرجح أن تتكيف مع هذه التطورات الأوكرانية، وتغير روسيا، على سبيل المثال، حالياً طبيعة هجماتها المعقدة والمكثفة بالطائرات من دون طيار والصواريخ وتوقيتها أيضاً، وذلك لتحديد نقاط الضعف في نظام الدفاع الجوي الأوكراني، كما قامت بتكييف بعض صواريخها الكروز مثل صاروخ "Kh-101"لتصبح قادرة على إطلاق قنابل مضيئة، وهذه آلية وقائية ضد الضربات الأوكرانية.

التدمير الخلّاق

لقد عمل المجمع العسكري الروسي على تطوير دورة تكيف معززة ومتطورة باستمرار، وهي تربط الدروس المستقاة من ساحة المعركة بالصناعة والإستراتيجيات الروسية مما يمنح الروس تفوقاً عسكرياً كبيراً خلال العام المقبل، وإذا تُرك ذلك من دون معالجة فإن الأمر يمكن أن يعطي [روسيا] أفضلية تجعلها تنتصر في الحرب، وربما ينتهي الأمر بروسيا إلى اكتساب قدرة محسنة على توجيه الضربات من السماء، مما قد يؤدي إلى الهيمنة على نظام الدفاع الجوي الأوكراني العاجز عن إطلاق ما يكفي من الصواريخ الاعتراضية، وإلى جعل التقدم وإرهاب المواطنين الأوكرانيين أكثر سهولة بالنسبة إلى روسيا، ومن الممكن أن يقود ذلك إلى تحقيق مزيد من المكاسب الروسية على الأرض مع سيطرة موسكو على مساحات أخرى من الأراضي في الشرق بخاصة، ولكن ربما تنتزع أيضاً أراض في الجنوب.

ومن المستبعد أن يُسيطر على كييف على المدى القصير، ولكن موسكو تتطلع في نهاية المطاف بصورة أكبر إلى تغيير الحسابات السياسية في كييف لتكون أكثر ملاءمة لروسيا، بدلاً من أن تقبل بها كما هي.

ولتجنب هذا المصير يتعين على أوكرانيا أن تسعى إلى بناء نهج إستراتيجي خاص بها في التعامل مع التعلم والتكيف، وهو النهج الذي يمكن أن يأتي استكمالاً مناسباً لتاريخها الرائع في التكيف القتالي، كما تستطيع الوحدات الأوكرانية أن تبدأ بمشاركة حالات التكيف الناجحة مع الوحدات الأوكرانية الأخرى بوتيرة أسرع. ­

وعلى رغم أن الوحدات الأوكرانية ترسل في كثير من الأحيان الدروس إلى الألوية التي تبعث بها بعد ذلك إلى المقار العليا، فإنه يتعين على المؤسسة العسكرية أيضاً أن تؤكد على ضرورة المشاركة الأفقية.

إن تبادل الدروس عبر الوحدات العسكرية لا يقلل الوقت اللازم للقوات للتعلم وحسب، بل إنه يساعد في توحيد الخطط التكتيكية، ومع ذلك فلا بد من أن يشارك كبار القادة في إنشاء نظام أفضل للتعلم الأفقي (ولتوحيد التكتيكات)، وسيكون من الضروري أن تصدر الأوامر من أعلى مستويات القوات المسلحة الأوكرانية إلى الجنود بتبادل مزيد من المعلومات.

ومن أجل أن تصبح أوكرانيا أفضل في ­­­التكيف الإستراتيجي يتعين عليها أيضاً أن تعمل على إزالة العقبات المؤسسية وتلك المتعلقة بالتوقيت اللتين تفصلان بين التعلم التكتيكي والإبداع العقائدي والتدريب، فعلى سبيل المثال يتمثل أحد الدروس الرئيسة المستخلصة من الهجوم المضاد الأوكراني عام 2023 في أن عقيدة الأسلحة المشتركة التي علمها حلف شمال الأطلسي (ناتو) للقوات الأوكرانية صارت بالية وعفا عليها الزمن، ونتيجة لهذا الفشل [باتباع عقيدة حديثة] افتقر الأفراد والوحدات الأوكرانية إلى التحصين الفكري اللازم من أجل القيام بعمليات هجومية في ظل الظروف الحديثة، ومن الضرورة بمكان أن يعمل حلف الـ "ناتو" وأوكرانيا على تسريع وتيرة تبادل الدروس القتالية وربطها بالعقيدة ومؤسسات التدريب حتى يتمكن الطرفان من التوصل بسرعة إلى عقائد أفضل وأشكال أفضل للتدريب. وينبغي على الـ "ناتو" بصورة خاصة أن يستخدم قدراته التحليلية الهائلة بغرض مساعدة الأوكرانيين في التعرف سريعاً على الحلول الناجحة، ومن خلال إقامة الصلة على نحو أفضل بين الدروس التكتيكية من جهة والتغيرات الإستراتيجية من جهة ثانية، يستطيع الغرب أن يعيد صياغة الكيفية التي تُدار بها هذه الحرب على النحو الذي يجعل من الأسهل كثيراً على أوكرانيا أن تتكيف مع إستراتيجيتها الحربية الشاملة.

تمسك روسيا حاليا بزمام المبادرة الإستراتيجية

وبطبيعة الحال يجب على الغرب أيضاً أن يستمر في تسليح أوكرانيا بأسلحة متقدمة، ولكن على رغم أهمية زيادة الإمدادات الغربية بصورة عامة فمن الأهمية بمكان أن يركز الغرب على إنتاج الأسلحة التي من المرجح أن توفر لكييف أفضلية إستراتيجية وإرسالها إليها، ولذلك يجب عليه إنشاء علاقة أقوى بين التعلم التكتيكي الأوكراني والإنتاج الصناعي، وينبغي أن تنتقل الدروس القتالية بسرعة من ساحة المعركة إلى الشركات المصنعة مما يجعل من السهل على الجنود التأثير في إنتاج المعدات والذخائر. (يتعين على أوكرانيا وحلفائها في الوقت نفسه أن يحاولوا التدخل في قدرة روسيا على استخدام الدروس التكتيكية لتحسين الإنتاج الدفاعي، بما في ذلك العبث بسلاسل التوريد في موسكو).

وأخيرا يتطلب الأمر من أوكرانيا عموماً أن تزيد السرعة التي تنشر بها التعديلات الجديدة [التي اقتضى إجراؤها التكيف]. إن إحدى نقاط الضعف الرئيسة الباقية لدى الجيش الروسي هي أن "هيكله يصبح أفضل مع مرور الوقت في إدارة المشكلات التي تواجهه في الحال، ولكنه أيضاً هيكل يكافح من أجل توقع تهديدات جديدة"، كما جاء في تقرير صدر أخيراً عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة، ويشكل هذا ثغرة كبيرة في الدرع الإستراتيجية الروسية، فهو يعني أنه على رغم تحسُن قدرة روسيا على الاستجابة للتحديات إلا أنها لا تزال في موقف محرج، وللاستفادة من هذا العيب يتعين على أوكرانيا أن تقدم تعديلاتها الجديدة وتنظمها بسرعة حتى تتمكن من إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بروسيا قبل أن تتعلم هذه كيفية الرد.

إن إجراء هذه التحسينات لن يكون سهلاً، فكل المؤسسات تملك قدرة محدودة على استيعاب التغيير خلال فترة قصيرة من الزمن، وهو ما يسميه العالم السياسي مايكل هوروفيتز "القدرة على التبني"، وقد قام الأوكرانيون سلفاً بمجموعة هائلة من التعديلات المتنوعة في هذه الحرب، وليس من المفيد أن يكون التكيف متعدد الوجوه وشاملاً لكي ينجح حقاً.

كتب المؤرخ والمحلل العسكري تي إكس هامز في تقرير صدر في أبريل قائلاً "إن التكنولوجيا الناشئة أمر حيوي لكل قدرة"، مستدركاً "ولكن مثل تطوير الحرب الخاطفة أو طيران الناقل لا يمكن تحقيق هذه القدرات التحويلية إلا من خلال الجمع بين كثير من التقنيات بصورة فعالة وتطبيقها من خلال مفاهيم تشغيلية متماسكة تُدرب عليها جيداً"، ويتطلب هذا قيادة جيدة إضافة إلى التجريب السريع والتواضع للتعلم من الأخطاء.

وليس لدى أوكرانيا وقت لتضيعه في تنفيذ هذه التدابير، فلقد حسنت روسيا بصورة كبيرة قدرتها على التعلم والتكيف في أوكرانيا، وكلما طال أمد الحرب في أوكرانيا كلما تمكنت موسكو من جعل تكيفها الإستراتيجي أفضل، وإن المبرر الأكثر إقناعاً من أجل رفع مستوى التكيف الإستراتيجي في أوكرانيا وعرقلة التكيف الإستراتيجي في روسيا هو ضمان عدم خسارة أوكرانيا للحرب، إذ تمسك روسيا حالياً بزمام المبادرة الإستراتيجية، ولذا ولسوء الحظ لا تزال الهزيمة نتيجة محتملة.

• ميك رايان خبير إستراتيجي عسكري ولواء متقاعد من الجيش الأسترالي وزميل مساعد في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية.

مترجم عن "فورين أفيرز" في 5 فبراير  2024

اقرأ المزيد

المزيد من آراء