Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يدير الكرملين انتخابات رئاسة تفتقد التشويق؟

اللجنة المركزية استبعدت المعارض الوحيد والخط الأيديولوجي لبوتين يتمسك بتعزيز اقتصاد روسيا ونفوذها والتركيز على "قيم العائلة"

بوتين يترأس اجتماعاً حول التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا (أ ف ب)

ملخص

كيف يثير الكرملين اهتمام الناس بالانتخابات وكيف يجذب انتباه الناخبين للمشاركة في الاقتراع، عندما لا يكون هناك صراع سياسي وبرامج متعارضة ومكائد مثيرة؟

فقدت الانتخابات الرئاسية الروسية المقررة في مارس (آذار) المقبل أحد أهم عناصر التشويق الصوري فيها بحرمان المعارض الوحيد بوريس ناديجدين الأسبوع الماضي من خوضها. فلم يكن رفض تسجيله كمرشح رئاسي رسمي مفاجئاً إلا لقليل من الناس في روسيا وخارجها، لقد فهم الجميع مسبقاً أنه إذا لم تكن هناك حركة عميقة وعجيبة من العجائب السياسة النادرة، فلن يسمح أحد بإثارة المجتمع بأجندة مناهضة للحرب الدائرة في أوكرانيا.

لقد عبر ناديجدين عن كثير من الأفكار التي تتعارض مع خط الكرملين ونهجه وسياسته، لذلك جاء الرد ممنهجاً وهادئاً ودون ضجيج، برفض لجنة الانتخابات المركزية في الاتحاد الروسي تسجيل ترشيح المرشح المعارض الوحيد واليتيم للانتخابات الرئاسية، مستشهدة بعدد كبير من التوقيعات الباطلة في اللوائح المطلوب تقديمها لقبول ترشيحه.

التبرير الرسمي للرفض هو وجود توقيعات باطلة ومزورة وغير حقيقية لا يؤدي إلا إلى رسم ابتسامة حزينة على وجوه من تبقى من الليبراليين، والوالغين في معتقداتهم الديمقراطية، وأحلامهم الوردية، فالنظام لا يسمح لآلياته "الناعمة" بالتوقف عن العمل، أو التوقف في منتصف الطريق، كما لا يسمح لها بالفشل في تمييز الخيط الأبيض عن الأسود، والغث من السمين، لذلك تم حذف بوريس ناديجدين من لوائح المرشحين الرسميين، وتركه يستهلك وقته وجهده وقدراته ومال حملته الانتخابية في المحاكم التي سيعترض أمامها على منع ترشيحه، وأولها المحكمة الروسية العليا.

لم أكن قدرياً ولا متنبئاً ولا راديكالياً حين لاحظت قبل أسبوع أنني سأفاجأ إذا سجل هذا المعارض الحالم في لوائح المرشحين الرسمية، ومنحه رقماً انتخابياً على غرار غيره من المرشحين، لأن هذا الأمر سيبدو كما لو أنه فشل في النظام وحصانته وآليات عمله وصيرورته. الآن وبعد إبعاد هذا المرشح الذي كانت حظوظه بالفوز معدومة أصلاً، أصبح كل شيء هادئاً ولا جدال فيه، لا ارتباك في العقول ولا تشويش ولا أحلام مستحيلة في الأفق الرمادي الذي يزداد وضوحاً وسطوعاً.

المؤسف أن الإخراج كان ضعيفاً ومملاً ومستهلكاً بعض الشيء، فلجنة الانتخابات المركزية انخرطت في لعبة تكاد تكون لغير البالغين فقط. فتم رفض آلاف التوقيعات بناءً على استنتاج توصل إليه أحد علماء الرسم البياني الذي اعتبر أن تواريخ التوقيعات أو غيرها من المعلومات المتعلقة بالموقع لم تكن مكتوبة بخط اليد. في الوقت نفسه من المعروف من نظرية علم الإجرام أنه للحصول على استنتاج موضوعي من عالم الرسم البياني، يجب أن يكون لديك في الأقل نصوص عدة مكتوبة بخط اليد للشخص الذي تتم دراسته. في هذه الحالة، لم يكن لدى خبير الكتابة اليدوية سوى سطر واحد تحت تصرفه.

لا منافس لبوتين

منذ الخريف، يتحدث الكرملين بصورة مباشرة عن فوز بوتين في الانتخابات على رغم أنه في ذلك الوقت لم يكن قد أعلن بعد عن خططه للترشح لمنصب الرئاسة.

وقال السكرتير الصحافي الرئاسي ديمتري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي "رأيي الشخصي - على رغم أنه ليس لديَّ الحق في قول ذلك - لكن، مع خرق القواعد، أستطيع أن أقول إنه (بوتين) ليس لديه منافسين في الوقت الحالي، ولا يمكن أن يكون له أي منافسين في الاتحاد الروسي".

وقال في نوفمبر (تشرين الثاني)، "ليس لديَّ شك في أنه سيفوز في الانتخابات، وليس لديَّ شك في أنه سيستمر في كونه رئيسنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعندما سئل عن الصورة التي ينبغي أن يكون عليها رئيس روسيا المقبل، أجاب بيسكوف: "نفس بوتين". وأضاف "أو مختلفاً، لكن نفسه".

ويتجلى الدعم الساحق لبوتين أيضاً في بيانات المسح التي أجرتها مؤسسات استطلاع الرأي التابعة للحكومة. وهكذا، تثبت مؤسسة الرأي العام (FOM) أن عمل بوتين تم تقييمه بصورة إيجابية من قبل 77 في المئة من الروس (وسلبياً من قبل 11 في المئة). ووفقاً لـمؤسسة "فتسيوم" للاستطلاعات، فإن 78.5 في المئة من سكان البلاد يثقون بالرئيس.

استطلاعات الرأي التي تشير إلى الدعم الإجماعي للسلطات وأفعالها أكثر أهمية بالنسبة إلى السلطات نفسها لتعزيز وهم الغالبية. ومن وجهة نظر علماء الاجتماع، إذا كان السؤال لا يقسم من أجاب إلى مجموعات، فإنه "لا يجدي"، ولا فائدة من تحليل البيانات التي حصل عليها.

لم تكن هناك أي مغامرات في الانتخابات الرئاسية في روسيا منذ تربع بوتين على سدة الرئاسة عام 2000، لذا فإن المؤشر الرئيس للكرملين لم يكن دائماً النسبة المئوية للأصوات التي يحصل عليها بوتين، بل نسبة المشاركة في الانتخابات، فالانتخابات الرئاسية هي مسألة مكانة الرئيس لدى رعاياه. إنها مسألة تتعلق بسمعته الدولية وتفاخره بدعم الأكثرية الساحقة من مواطنيه له، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالخطاب الرسمي الذي يقول إن غالبية السكان معنا.

المشكلة الرئيسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في روسيا، تتمثل في عدم وجود حوافز للناس ولا تشويق حتى صوري للتوجه إلى مراكز الاقتراع، لأنه لن تكون هناك مغامرات أو منافسة حتى بين مرشحي الدرجة الثانية. والسؤال الآن، كيف يثير الكرملين اهتمام الناس بها، وكيف يجذب انتباه الناخبين للمشاركة في الاقتراع، عندما لا يكون هناك صراع سياسي وبرامج متعارضة ومكائد مثيرة؟

برنامج بوتين: الدفاع عن الوطن وقيم الأسرة

وعلى رغم عدم وجود أي مغامرات أو تنافس فعلي في الانتخابات، فإن بوتين مع ذلك لا يزال في حاجة إلى حملة انتخابية تعزز دوره في البلاد وتزيد عدد ناخبيه. ووفقاً لتقارير إعلامية، يعتمد الكرملين على الأخبار الإيجابية وعلى الدفاع عن "القيم العائلية".

وفي الوقت نفسه قرر الكرملين أن يضع حداً لبوتين بنسبة 80 في المئة من الأصوات مع نسبة إقبال عالية تراوح ما بين 70 في المئة و80 في المئة، ولهذا السبب فإن حملة بوتين الانتخابية تحولت إلى "سلسلة من الاستعراضات"، أولها معرض "روسيا" في مدينة المعارض بموسكو، الذي افتتح في نوفمبر بموازنة لا تقل عن 5.1 مليار روبل لعرض عديد من الإنجازات الروسية والمبادرات الثقافية والمعارض المخصصة لمناطق روسيا. ويروي المعرض كيف ساعد بوتين منطقة معينة أو مؤسسة ثقافية أو رياضة معينة خلال فترة رئاسته.

إضافة إلى ذلك، ستكون هناك مسابقة "إنها في العائلة"، حيث سيتم السحب على شقق ورحلات عائلية مقدمة من الإدارات الرسمية، لا يرتبط الأمر بالانتخابات، لكن مراحله ستتزامن مع حملة بوتين الرئاسية، ومثل هذه المبادرات ضرورية من أجل "خلق خلفية إيجابية للحملة في الأوقات الصعبة". وفي الوقت نفسه ستركز المسابقة خصوصاً على الحفاظ على القيم العائلية، التي ستصبح أحد رموز حملة بوتين.

الخط الأيديولوجي الرئيس لبوتين يتمسك بتعزيز اقتصاد روسيا وقوتها ودورها ونفوذها، وبتعزيز القيم المحافظة فيها، ويتلخص في أننا "عائلة مكونة من عائلات".

وفي إطار حماية هذه القيم العائلية، قدمت السلطات بالفعل مبادرة تشريعية واحدة - فقد اعترفت بـ"حركة المثليين" باعتبارها متطرفة وحظرت أنشطتها في روسيا. وفي اليوم الذي أعلنت فيه وزارة العدل الروسية ذلك، كتبت مجلة "فيستك" والصحافية فريدة رستموفا أن ذلك تم في إطار حملة بوتين الانتخابية. 

وعلاوة على ذلك، فإن أحد أهداف الحملة الرئاسية هو "إخفاء الصدع في المجتمع في ما يتعلق بالحرب"، ولهذا السبب، يروج الكرملين لموضوع "تعبئة الأمة في مواجهة العدو" من أجل تبرير التعبئة الإدارية للانتخابات والأهداف العالية بالنسبة إلى نسبة الأصوات والإقبال.

ويقوم بوتين بزيارة المناطق بنشاط ويلتقي السكان، حيث يظهر أنه في حالة جيدة، ومنفتح على التواصل، ولا يخاف من التواصل مع الناس.

وكتبت صحيفة "كوميرسانت" واسعة الانتشار، أن الانتخابات يجب أن تتم بهدوء، دون "عرض سياسي"، لكن مع التركيز على أطروحات "الأمل والثقة والمستقبل". على خلفية الحرب، يجب أن يكون للانتخابات، كما خطط لها الكرملين، "طابع علاجي نفسي"، كما كتبت "كوميرسانت" أن "الناس ينتظرون انتهاء العملية العسكرية في أوكرانيا، وهم متعبون، لذا من المهم إظهار ألا شيء يهدد حياتهم العادية، والبلاد لديها مستقبل مفهوم".

لا شباب ولا نساء بين المرشحين

الانتخابات الرئاسية المقبلة في روسيا ستشبه الاستفتاء على مواصلة بوتين رئاسة البلاد، وستكون بمثابة مبايعة شعبية جديدة له ذات طبيعة تعبوية، ومن غير المرجح أن يتلقى أي من منافسي بوتين دعماً جماهيرياً ملحوظاً، فهم من أحزاب ووجوه مجربة دورها معروف ومحصور في إضفاء ديكور ديمقراطي على الانتخابات الرئاسية وليس أكثر.

فالكرملين يختار ليس فقط مرشحه للرئاسة، بل ويختار أيضاً المنافسين المحتملين لبوتين في الانتخابات، سواء من حيث أيديولوجيتهم أو تطلعاتهم أو حتى أعمارهم، فمن بين منافسي بوتين لا ينبغي أن يكون هناك أشخاص في مطلع شبابهم، وهذا ضروري حتى لا يبدو بوتين البالغ من العمر 71 سنة وكأنه صار متقدماً في العمر.

والغريب أن جميع النساء الحسناوات اللاتي تقدمن بترشيحاتهن للانتخابات لم يتم تسجيل ولا واحدة منهن، بل اقتصرت لائحة المرشحين على أربعة رجال فقط، ثلاثة منهم يمثلون أحزاباً في مجلس النواب، إضافة إلى بوتين الذي يرشح نفسه بصورة مستقلة، مع أن كل الروس يعلمون أن حزب السلطة "روسيا الموحدة" سيدعمه، وكذلك حزب "روسيا العادلة - الحياة"، إضافة إلى حشد من الأحزاب الصغيرة التي تنال رضا الكرملين.

وفي الانتخابات السابقة، لعبت الصحافية كسينيا سوبتشاك دور مرشح "الجنس اللطيف"، لكنها حصلت في النهاية على 1.68 في المئة فقط من الأصوات. وترددت إشاعات في موسكو، وقتذاك، أنه اتفق على ترشيحها مع الإدارة الرئاسية، وناقشت الترشيح شخصياً مع فلاديمير بوتين.

3 مرشحين "ينافسون" بوتين

من أصل 11 مرشحاً كانوا أعلنوا عن نيتهم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، أعلنت رئيسة لجنة الانتخابات المركزية في الاتحاد الروسي، إيلا بامفيلوفا، أن أربعة مرشحين فقط تم تسجيلهم للمشاركة في السباق الرئاسي، وهم ليونيد سلوتسكي عن "الحزب الديمقراطي الليبرالي"، ونيكولاي خاريتونوف مرشح "الحزب الشيوعي الروسي"، وفلاديسلاف دافانكوف عن حزب "الشعب الجديد"، إضافة إلى بوتين كمرشح مستقل.

ويعد بوتين المرشح الأوفر حظاً دون منازع للفوز في انتخابات الرئاسة القادمة، وبنسبة أصوات عالية جداً، إذ تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تأييد 79.8 في المئة من المواطنين الروس له.

ولا ينبغي لأحد أن يتوقع تمكن أي من هؤلاء المرشحين المدرجين في اللائحة الرسمية، حتى من الناحية النظرية، من منافسة بوتين جدياً على منصب الرئاسة.

المزيد من تقارير