Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإثنية الإثيوبية لا ترحم المدنيين ولا الدولة

تقارير حقوقية تؤكد عمليات إعدام في حق مواطنين خارج نطاق القضاء وتفاقم الأوضاع الإنسانية في أقاليم بحسب العرقيات

القتل امتد إلى المدنيين الذين تم القبض عليهم للاشتباه في أنهم أعضاء في "فانو" (أ ف ب)

ملخص

ما أسباب القتل الممنهج للمدنيين في إثيوبيا؟

كشفت تقارير صحافية وحقوقية دولية عن أن ما لا يقل عن 45 مدنياً في إثيوبيا قتلوا أخيراً في عمليات إعدام خارج نطاق القضاء في أجزاء مختلفة من منطقة غوجام شرق إقليم أمهرة.

وأثارت هذه التقارير الرأي العام الإثيوبي ونشطاء حقوق الإنسان في البلاد، حول تفاقم الأوضاع في الإقليم الذي شهد نزاعات مسلحة بين جماعات قومية والجيش النظامي الإثيوبي.

وأكد تقرير أولي صادر عن لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية "وقوع جرائم تصفية جسدية لمدنيين خارج نطاق القانون" في الإقليم، وأن عشرات المواطنين تمت تصفيتهم خلال الأسبوع الماضي على أيدي قوات الأمن الحكومية بسبب اتهامهم بدعم حركة "فانو" المسلحة، مشيراً إلى أن اللجنة تنتظر استكمال التحقيقات الإضافية للوقوف على كافة جوانب هذه الأحداث.

وقالت اللجنة إن القتل امتد أيضاً إلى المدنيين الذين تم القبض عليهم للاشتباه في أنهم أعضاء في "فانو"، والذين لا يمكن تأكيد عددهم في الوقت الحالي.

وقال سكان بلدة ميراوي في منطقة شمال غوجام في منطقة أمهرة المضطربة، والذين كانوا في حالة صدمة بعد أسبوع من وقوع الجريمة إن عمليات القتل كانت "على طراز الإعدام".

ومن قائمة أسماء المدنيين التي جمعت من مصادر مختلفة، تمكنت اللجنة من تحديد وتأكيد مقتل 45 مدنياً فقط، ومع ذلك "من الممكن اتخاذ تقدير معقول بأن حجم الضرر قد يكون أكبر من هذا".

مواجهة قتل

وأشار التقرير إلى أن عمليات التصفية شملت "ما لا يقل عن 18 مدنياً أثناء اختبائهم في مكان واحد بعد أن غادروا منازلهم للعمل"، في أعقاب القتال الذي اندلع بين قوات الأمن الحكومية وقوات "فانو" الأمهرية في بلدة ميراوي.

وأضاف تقرير اللجنة أن شهوداً عيان ذكروا لمحققيها "أن قوات الأمن الحكومية أثناء بحثها عن عضو مفقود في منطقة كيبلي أعدمت ثمانية مدنيين اتهمتهم بعدم التعاون في البحث". وذكر التقرير أن المسلحين قاموا أيضاً بإشعال النار في 12 سيارة أجرة.

وأضاف التقرير أن اللجنة "لم تتلق بعد المعلومات التي طلبتها" من السلطات المعنية وأصحاب المصلحة الآخرين، ونظراً إلى الوضع الأمني ومختلف الأسباب ذات الصلة، لم تتمكن بعد من جمع المعلومات الكاملة عن نطاق الهجوم، وحذرت من أن عمليات القتل تعوق استكمال التحقيقات الكاملة.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد دعت في التاسع من الشهر الجاري إلى السماح "لمراقبي حقوق الإنسان المستقلين، فضلاً عن إجراء تحقيق محايد لضمان تقديم الجناة إلى العدالة" في الأحداث التي وقعت في ميراوي. 

من جهته قال رئيس مفوضي اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان دانييل بيكيلي إن معاناة جميع الأطراف، وبخاصة السكان المحليين والمدنيين في إقليم الأمهرة تتزايد خلال النزاع، وتدعو اللجنة "جميع الأطراف إلى قبول أن الحل الدائم الوحيد هو الحوار السلمي وتنفيذه بكل عزم".

بدورها أعربت السفارة البريطانية لدى أديس أبابا الأربعاء الماضي عن قلقها، قائلة إن "عمليات القتل المبلغ عنها للمدنيين في ميراوي مثيرة للقلق، وتأتي في أعقاب تقارير عن انتهاكات أخرى، لا ينبغي أبداً أن يكون المدنيون هدفاً".

وبالمثل، وصفت السفارة الكندية لدى إثيوبيا قتل المدنيين بأنه "أمر مقلق للغاية"، مضيفة أن حماية السكان المدنيين عنصر أساس في القانون الإنساني.

ويخضع إقليم أمهرة لحالة الطوارئ المعلنة اتحادياً، والتي تم فرضها لأول مرة في أغسطس (آب) 2023، والأسبوع الماضي قالت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان إنها "تشعر بقلق بالغ" بعد تمديد المشرعين لقاعدة الطوارئ الستة بسبب "آثارها على حقوق الإنسان، بما في ذلك ضحايا النزاع والأزمة الإنسانية والاحتجاز المطول قبل المحاكمة".

الرواية الرسمية 

من ناحيتها، ردت الحكومة الإثيوبية على التقارير المحلية والدولية على لسان وزير الدولة لخدمات الاتصالات ليجيسي تولو الذي أكد وقوع اشتباك بين قوات الدفاع الوطني الإثيوبية وميليشيات "فانو" في البلدة، لكنه قال إن قوات الدفاع "لم تستهدف المدنيين بصورة ممنهجة". وأضاف في مقابلة مع "دويتشه فيله" أن "الجيش تصرف دفاعاً عن النفس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب رواية ليجيسي فإن المتمردين هاجموا معسكراً للجيش من "أربعة اتجاهات في محاولة لنهب المعدات والإمدادات"، مضيفاً أن "القوات العسكرية مارست حقها في الدفاع عن النفس وردت بالإجراءات اللازمة".

وأوضح الوزير "عندما اتخذت قوات الدفاع إجراءات دفاعية ودخلت بعض منازل المدنيين سقط عدد من الضحايا"، ولم ينكر المسؤول الحكومي تورط القوات في الحادثة، لكنه برر ذلك بالقول إن الإجراءات تأتي في إطار الدفاع عن النفس، "وفقاً للسلطة التي يمنحها القانون"، منوهاً بالقول "تم إطلاق النار على قوات الأمن مرة أخرى أثناء قيامها بعمليات تفتيش المنازل". 

عقاب جماعي 

وقال الناشط الحقوقي الإثيوبي آماري ألأزار إنه في ظل حالة الطوارئ المعلنة في إقليم الأمهرة، فإن طرفي النزاع يسهمان في تنفيذ عمليات تصفية جسدية خارج نطاق القانون. وأضاف "أن ثمة من يقتلون لمجرد عدم تعاونهم مع قوات الأمن في الإبلاغ عن أماكن وجود عناصر (فانو)"، مشيراً إلى أن غارات جوية عبر المسيرات تتم بصورة دورية في إقليم الأمهرة، وتخلف وفاة مدنيين لا ذنب لهم فيما يجري بين القوتين المسلحتين. 

وأوضح ألأزار أن "المدنيين في الإقليم يقعون فريسة للقوتين"، إذ إن قوات "فانو" تهدد المواطنين بالقتل في حال تعاونهم مع الأجهزة الأمنية، فيما تنفذ القوات الحكومية عمليات واسعة من بينها تصفية من تتهمه بعدم التعاون معها. 

وبالإشارة إلى الأحداث الأخيرة في منطقة ميراوي، أوضح الناشط الإثيوبي، أن ما وقع في هذه المنطقة لا يعد استثناء عن العمليات الواسعة التي تجري بصورة ممنهجة في الإقليم المضطرب، مؤكداً أن "القوات الحكومية تمارس عقاباً جماعياً ضد سكان الإقليم"، إذ ترجع فشلها في السيطرة على الأوضاع الأمنية وتمدد قوات "فانو" في محاور عدة بالإقليم إلى عدم تعاون المدينيين في أمهرة مع حملتها العسكرية والأمنية، مؤكداً أن ذلك يعد خرقاً صارخاً للدستور الإثيوبي والقوانين المنظمة، بما في ذلك أحكام حالة الطوارئ التي أقرها البرلمان. 

وقال آماري إن إقرار لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية (التابعة للدولة) بتورط عناصر من القوات النظامية في القتل الممنهج الذي استهدف المدنيين الأمهرة، يعد دليلاً قاطعاً أن النظام يعترف بتلك الجرائم التي ترتكبها قواته. ويوضح الناشط الحقوقي أن ذلك عائد للإدانات الدولية المتوالية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول الكبرى التي أعربت عن قلقها بعد وقوع هذه الأحداث، وطالبت بضرورة الوصول غير المقيد لمحققين دوليين تابعين لمنظمات حقوقية دولية، مما اضطر النظام الإثيوبي إلى تحريك المحققين المحلين وتقديم جزء من الحقيقة، لتجنب وصول محققين دوليين. 

إدارة التنوع العرقي 

من جانبه، يرى المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غيداون أن معظم الاضطرابات التي تشهدها إثيوبيا، سواء في إقليم الأمهرة أو أروميا وتيغراي وبني شنقول تعود لغياب سياسة حكيمة لإدارة التنوع العرقي والسياسي. 

ويشير غيداون إلى أن جذور هذه الأزمات تعود لأكثر من قرن من الزمن، إذ إن معظم الأنظمة المتعاقبة لم تعترف بالتنوع، ولم تنجح في انتهاج سياسات تعلي من قيم التعايش بين كافة المكونات العرقية والسياسية والاجتماعية. 

ونوه المتخصص في الشأن الإثيوبي إلى أن ثمة تضليلاً واسع النطاق ظل يروج خلال العقود الماضية بأن كل حقبة سياسية تمثل عرقية بعينها، في ظل غياب مفهوم "الوحدة الوطنية" وغياب نظام وطني ديمقراطي يسهم في إدارة التنوع القائم. 

ويشير بيهون إلى أن إقرار الدستور الفيدرالي في منتصف تسعينيات القرن الماضي وقيام ما يعرف بالفيدرالية الإثنية أسهم بصورة واضحة في تفاقم الأزمات العرقية في البلاد التي تم تقسيمها على أسس إثنية، وبدت البلاد في ظلها كانتونات عرقية متصارعة، مما عمق الأزمات القائمة، وعزز من فرص الاستقطابات ذات البعد العرقي. 

ولفت المتخصص في الشأن الإثيوبي إلى أن إدارة التنوع العرقي والسياسي ينبغي أن يبنى على مفهوم جديد، لأن جميع النزاعات التي تشهدها البلاد تعد نتاجاً موضوعياً لسياسة الفيدرالية العرقية.

وأضاف غيداون أنه على رغم أن رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد بشر في بداية عهده بتجاوز هذا المفهوم وسعى إلى تأسيس حزب وطني شامل، فإن التقسيمات الإدارية والاستقطابات العرقية المتعمقة حالت دون تحقيق ذلك. 

ويقر بيهون بأن القوات النظامية غير مبرأة من هذه الاستقطابات ومن ممارسة تصفيات على أسس عرقية، إذ إن تكوينها ومزاج السياسة عموماً في البلاد قائم على ذلك المفهوم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير