Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق: التصعيد الإيراني كاد يستدرج قصفا سعوديا ردا على حرب الناقلات

"المجلة" تنشر تفاصيل وساطة تهدئة تولاها حافظ الأسد لوقف الأعمال القتالية في الثمانينيات

اشتعال ناقلة في مضيق هرمز بعدما قصفها الجيش الإيراني في ديسمبر 1987 (أ ف ب)

ملخص

مراسلات سرية بين السعودية وإيران عبر حافظ الأسد... "المجلة" تنشر وثائق سورية رسمية تكشف عن كواليس رافقت حرب الناقلات في الثمانينات وتفاصيل لم تكن معروفة عن مواقف الأطراف واتجاهاتها

تأخذ الأحداث الأمنية الجارية في البحر الأحمر كثيراً من انتباه المتابعين وقادة دول المنطقة والعالم لما تحمله من تأثير في التجارة العالمية وأمن المنطقة في الوقت عينه.

"حرب الناقلات" مصطلح كثيراً ما رافق حرب الخليج الأولى بين عامي 1980 و1988 ويردده كثيرون اليوم مع ما تشهده مياه البحر الأحمر من عمليات متكررة، كان آخرها استهداف الميليشيات الحوثية سفينة بريطانية وتوعدهم بتوسيع العمليات، رداً على ما يحدث في قطاع غزة.

تحت عنوان "حرب الناقلات في الثمانينيات"، نشرت مجلة "المجلة" وثائق رسمية سورية "كتبت من منظور سوري للأمور"، تتضمن رسائل بين الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد وقادة عرب وإيرانيين، وتمحورت حول محاولات تهدئة الوضع في مياه الخليج في ثمانينيات القرن الماضي، ومحاولة الأسد "الذي كان يقف ضد صدام في حربه، التوسط بين طهران ودول عربية، لوقف حرب الناقلات ومنع اتساعها".

هذه الرسائل التي تقول "المجلة" إنه "لا شك في أنها لا تعكس كل ما كان يدور في تلك السنوات العاصفة، لكنها تعطي فكرة عن بعض جوانب ما كان يجري في الغرف المغلقة"، وتكشف المواقف غير العلنية للأطراف حينها بما فيها التحذيرات السعودية من تداعيات الاستهداف الإيراني للسفن الخليجية وما قد يسببه ذلك من تدخل عسكري أميركي في المنطقة.

 

التحريض الإيراني

وأبرزت "المجلة" في هذه الوثائق زيارة قام بها وزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي في مطلع يناير (كانون الثاني) لدمشق والتقى خلالها الرئيس حافظ الأسد ووزير الخارجية وقتذاك عبدالحليم خدام. وبحسب محاضر اجتماعات رسمية، حذر الأسد الإيرانيين من أن "توسع رقعة الحرب سيؤدي إلى تدخل قوات خارجية للسيطرة على المنطقة وعلى مواردها".

وتذكر "المجلة" تفاصيل عن توجه خدام إلى السعودية بتكليف من الأسد، للقاء ولي العهد الأمير فهد بن عبدالعزيز، وإطلاع القيادة السعودية على نتائج زيارة ولايتي. ويروي خدام كيف أن الأسد "طرح للوزير الإيراني الوضع في المنطقة والأخطار المحدقة بها، وتحدث عن الصراعات الجارية وانعكاساتها على المنطقة كلها وأنها تشكل تهديداً للجميع. وتحدث عن قيام السعودية ودول الخليج بالاعتراف بالثورة الإسلامية في إيران ومد يد التعاون لها.. كما أبلغه رغبة المملكة في التعاون... وقد مدت الدول الخليجية الأخرى أيديها وفتحت قلوبها للثورة الإسلامية وكيف أراد العرب أن يتعاونوا مع هذه الثورة وكيف كانت تصدر تصريحات من طهران ضدهم... وزاد الرئيس الأسد عن الانطباع الذي تولد بأن إيران تعمل للتدخل في شؤونهم (الدول الخليجية) الداخلية وأن لها مطامع في المنطقة".

وبحسب "المجلة"، قال خدام في أوراقه، "قاطعني الأمير فهد بقوله إن هذه التصريحات التي طلعوا بها علينا تحرض على الفتنة والاختلاف بين المسلمين وتضر بالعقيدة الإسلامية... وكذلك ما ينشر في الصحف والإذاعة ووسائل الإعلام المختلفة وما فعلوه في الحرم الشريف في موسم الحج وإلقاؤهم خطابات لا تليق بقدسية المكان لدى المسلمين ولدى الثورة الإيرانية".

عرض إيراني للسعودية

ومن ضمن ما كشفته الوثائق السورية، نقاطاً محددة نقلها خدام للجانب السعودي ووافق عليها ولايتي أمام الرئيس الأسد، ومن ضمنها "رغبة الإيرانيين في إقامة علاقات طبيعية وحسنة مع السعودية ودول الخليج"، "عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة من دول المنطقة"، وفي النقطة الأخيرة تأكيد الإيرانيين بالنسبة لموسم الحج، أنهم "لم يفعلوا شيئاً يمس السيادة السعودية أو الشؤون الداخلية للسعودية، وأنهم فقط أطلقوا شعارات عداء لأميركا وإسرائيل، ولكن الموظفين السعوديين منعوهم. وقال إن هذه الشعارات لم تكن ضد السعودية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى النقطة الأخيرة علق الأسد أمام ولايتي بالقول، "إن ذلك يحدث تشويشاً، فإذا شاءت كل دولة أو مجموعة أن تطرح شعارات في موسم الحج بحسب ما تريد، فتصور مليون شخص أمامك، ماذا يحـدث؟ فوضى كبيرة لا أحد يعرف مدى أثرها السيئ على المسلمين".

وبحسب وثائق "المجلة"، رد ولايتي على الأسد مبدياً استعداد إيران "لوقف الحملات الإعلامية من المؤسسات التي تسيطر عليها الدولة"، وإرسال بعثة حسن نوايا إلى كل من السعودية ودول الخليج واستقبال بعثات مماثلة في طهران.

ومقابل ذلك، طلب الإيرانيون من السعوديين، بحسب خدام، "وقف التدخل في الحرب إلى جانب العراق"، فيما قال الأسد إنه سيبلغ السعودية مضمون هذه المحادثات، و"نأمل أن نتمكن من إخبارهم بأن لديكم الرغبة وموافقون لنطلب منهم مباشرة تنفيذ هذه الخطوة للتدليل على حسن النوايا".

 

العلاقة الخليجية – السورية

وثيقة أخرى نشرتها "المجلة" تناولت اللقاء الذي جمع وزير الإعلام السوري أحمد إسكندر مع مسؤول سعودي في فبراير (شباط) 1983، وتضمنت ما طلبه العراقيون من الدول الخليجية في شأن تنفيذ اتفاق الدفاع العربي المشترك، ورد الخليجيون بالقول لهم مباشرة، "تطلبون أن نقاتل معكم، لكن هل استشرتمونا في بدء الحرب، هل أطلعتم أحداً من العرب على خطتكم لمحاربة إيران، ألم تكن هناك طرق أفضل وأكثر ضماناً من الحرب المدمرة؟".

ويتابع المسؤول السعودي أن "العراقيين يوفدون وزراءهم لدول الخليج ويطلبون منها عدم استقبال المبعوثين الإيرانيين، وهذا اضطرنا لأن نقول لهم ليس لكم حق في ذلك، وبأي حق تطلبون منها ما تطلبون، إننا نفهم جيداً علاقة سوريا بالعراق، وأن الحق معكم في سوريا، فقد أساءوا إليكم كثيراً وبغير حق. لو كنا نثق بصدام ونضمنه لكنا اقترحنا عليكم شكلاً من أشكال الوفاق أو تهدئة الأمور، لكننا نعرف أن هذا غير ممكن، فقد أساء صدام إلى سوريا كثيراً، ونحن نعرف أنكم في بداية الحرب وحتى انقضاء عام ونصف، كما أذكر، لم تتحركوا ضد العراق بأي عمل، ونعرف أنكم لم تكونوا تريدون هذه الحرب، ولا نحن نريدها".

وفد سوري إلى إيران

وبعد أكثر من سنتين على الحرب مع إيران، التي بدأت عام 1980، وجد العراق نفسه في موقف ميداني صعب دفعه إلى استهداف المنشآت الاقتصادية الإيرانية، لا سيما النفطية منها. فقصف مصب جزيرة خرج الإيراني وأعلن تلك المنطقة منطقة عسكرية وراح يضرب الناقلات المتوجهة إلى المصبات النفطية الإيرانية. ردت إيران باستهداف ناقلات النفط القادمة إلى المرافئ الكويتية. زادت هذه التطورات قلق الدول العربية وازداد الضغط على سوريا لاتخاذ موقف ضد طهران.

على وقع التطورات، حمل الشيخ عبدالعزيز التويجري في مايو (أيار) 1984، رسالة سعودية إلى الرئيس السوري حافظ الأسد، تدعوه بحسب ما أوردت "المجلة" استناداً إلى وثائق سورية رسمية، نشر الثلاثاء 20 فبراير (شباط) الجزء الثاني منها، إلى التدخل لدى الإيرانيين خشية "توسع رقعة الحرب، لأن استمرار العمليات الإيرانية سيؤدي إلى وصول قوات عسكرية من الدول الكبرى لحماية مصالحها، وهذا الأمر إذا حصل سيؤدي إلى سقوط النفط بأيدي هذه الدول وإلى سيطرتها على المنطقة".

وافق الأسد وأوفد نائبه عبدالحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع إلى إيران، إذ حذرا الرئيس علي خامنئي من احتمال لجوء الدول الخليجية إلى دعوة قوات أميركية إلى المنطقة والخطر الذي يشكله ذلك على كل من إيران وسوريا وبحسب الوثائق، رد خامنئي مؤكداً "الرغبة في عدم توسيع الحرب"، لكنه طلب من دمشق أن تطلب من الدول العربية الخليجية وقف مساعداتها للعراق.

وبعد عودتهما من طهران، توجه خدام والشرع إلى جدة لإطلاع القيادة السعودية على الموقف الإيراني. أضافت "المجلة" أنه حسب محضر الاجتماع، أبلغ السوريون الإيرانيين خشيتهم استغلال إسرائيل وأميركا تصاعد العمليات القتالية ورغبتهم في وقف الحرب. وقال خدام رداً على سؤال من القيادة السعودية "قال (الإيرانيون) إنهم يريدون بشكل جدي أن تكون علاقاتهم مع دول الخليج جيدة... لكنهم يعتقدون أن تسهيلات تقدم من السعودية للطائرات العراقية لتهبط فيها ثم تضرب الناقلات. كما أن السعودية بواسطة طائرة (رادار الأواكس) تساعد العراق في جمع المعلومات".

 

الخشية العربية

وبحسب الوثائق، رفض السعوديون هذه الاتهامات، مؤكدين أن "هذا غير صحيح". وتدخل وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل قائلاً إن الطائرة "أواكس" مصممة "لمراقبة الطيران المنخفض ولا تكشف الناقلات".

وأضاف خدام بحسب "المجلة"، "قلنا لهم (للإيرانيين) إنكم تقولون إن صدام مجنون وجبار وعنيد، فإذا لم يستجب للضغط ما الحل؟". وتابع "قلت: هنا كان في ذهننا الحديث الذي دار بين السيد الرئيس والتويجري بأن المملكة مستعدة لوقف المساعدات. فقلنا لهم: إذا لم يستجب صدام للضغط لوقف ضرب الناقلات الإيرانية فيمكن عندئذ قطع المساعدات عنه، ويصدر موقف شجب لضرب السفن في الخليج".

وأضافت "المجلة" أن الرد السعودي كان أنها تقدم المساعدات "لأن سياسة إيران وإذاعتها كانت موجهة ضد دول الخليج وليس ضد العراق فقط، إنهم يريدون تغيير سياسة دول الخليج، ومن لا يرده الخميني يجب أن يزول".

مع اندلاع الحرب، كان العراقيون يروجون بأن إيران تريد احتلال العراق أولاً لتنتقل من ثم إلى دول الخليج العربي. وقال المسؤول السعودي الكبير كما ورد في وثائق خدام "خطأ إخوتنا في إيران أنهم بدأوا يهددون دول الخليج". وبحسب "المجلة"، تضمنت الوثيقة شرحاً بأن "العراقيين لا يدافعون عن صدام وإنما عن بلادهم، لأنه إذا افترضنا أن إيران احتلت المدن الرئيسة في العراق فهل تكتفي إيران بأن تأخذ صدام ثم تنسحب؟ أعتقد أن إيران ستفرض تنظيماً معيناً مناسباً لها في العراق (...) المشكلة العميقة التي تنعكس على الخليج وسوريا وعلى كل عربي".

وأوردت "المجلة" تفنيد الجانب السعودي مزاعم طهران، قائلاً "... لم يسمح لأية طائرة عسكرية عراقية بالهبوط في مطارات سعودية، ونتحدى الأقمار الاصطناعية أن تثبت غير ذلك". وتابع "إيران لا تستفيد بضرب البواخر في الخليج... ربما تستطيع إيران منع السفن من المرور في الخليج ولكن ما النتيجة؟ إذا وجدت دول الخليج نفسها مهددة بالموت، فعندئذ لا معنى للحياة، وبذلك تخلق إيران عبئاً على نفسها إضافة إلى عبء صدام، لأن هذه الدول قد تلجأ للمساعدة الأجنبية". وأضاف "لا نزال نقاوم وسنقاوم أي تدخل أجنبي، وسنحافظ على سيادتنا".

 

تخريب الحج

الملك فهد أكد بدوره لخدام أن السعودية لا تريد إحداث مشكلة مع إيران، وبحسب الوثائق التي أوردتها "المجلة"، كشف الملك عن أنه "قبل أيام دخلت طائرة إيرانية محملة بالصواريخ أراضي المملكة فطار فوقها الطيران السعودي وأنذر الطائرة بالعودة خلال دقيقتين فعادت، لم نكن نريد أن نخلق مشكلة وإلا كنا نستطيع ضربها، وأبلغنا هذه الحادثة للقائم بالأعمال الإيراني، فقال إن الطيار أخطأ. كيف يخطئ وهو يحلق لمسافات واسعة فوق المملكة، لدينا صواريخ تضرب من الطائرة المقاتلة على بعد 100 كيلومتر ولا تخطئ شبراً واحداً، ولكن لا نريد استعمال هذه الأسلحة ضد إيران". وأضاف أنه "إذا أغلق الخليج بصورة نهائية فستدخله البوارج (الأجنبية) وتحتل المنطقة، ومن يستطيع عندئذ محاربتها؟".

حسب "المجلة"، أثنى خدام على سياسة السعودية "القائمة على الحكمة"، لكنه اعتبر أن الحديث عن الحرب العراقية – الإيرانية يجب أن تسبقه تهدئة الوضع بين إيران ودول الخليج. وأضاف أن الأسد "فهم من الشيخ عبدالعزيز أنكم على استعداد لإيقاف المساعدات، فإذا قلنا للإيرانيين لن تعطي السعودية مساعدات لصدام"، لكن الجانب السعودي أكد أن "هذه المساعدات قديمة" وأنه "على الإيرانيين التهدئة أولاً" قبل وقفها.

وفيما أكد خدام "التزام سوريا نحو المملكة"، نقلت "المجلة" عن الوثائق قوله "لقد بدا واضحاً لي أن إمكانية اللقاء بين الجانبين تكاد تكون معدومة إن لم تكن مستحيلة".

وعلى رغم الوساطة السورية، ظلت العلاقات الخليجية - الإيرانية متوترة، وأوردت "المجلة" وثيقة تتحدث عن تقديم السعودية القادة السوريين في يوليو (تموز) 1985، "وثائق (سرية) موقعة من قادة إيران حول مخططاتهم لإرسال 20 ألف مقاتل في موسم الحج إلى الحرم لإثارة المشكلات في المملكة". وبحسب تخطيطهم، "يريدون إرسال 100 ألف حاج إيراني لمحاربة مليوني مسلم في موسم الحج". وأرسلت السعودية الوثائق إلى الأسد مع طلب بـ"متابعة الموضوع مع الإيرانيين".

الخطر الإيراني

وفي الـ22 من فبراير (شباط) 1986 استقبل نائب رئيس النظام السوري عبدالحليم خدام وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي كان في بغداد قبل ذلك، وتركز الحديث حول العلاقات السورية - العراقية والحرب بين العراق وإيران، والوساطة لتحسين العلاقة بين دمشق وبغداد لأنه "يجب التركيز على الخطر الإيراني المباشر على دول الخليج ودول المنطقة كلها، فهناك احتلال إيراني والهجوم الأخير على البصرة وعزم الإيرانيين على احتلال جزء من العراق وتنصيب أنصار لهم ليقولوا إن هذه الحرب عراقية - عراقية، فهذا أمر خطر في المنطقة، كما أننا في الحرب لا نستطيع المغامرة، فربما ينهار الوضع في لحظة اختراق، ومعالجة الوضع بعد استفحاله مشكلة بحد ذاتها، وحتى لو نجح العراق في حشد قواه العسكرية وجاءته قوات عربية فإن الحرب ستؤدي إلى تفاقم الوضع وتتحول إلى حرب عربية - إيرانية، وعندئذ فأول ما يمكن أن تفعله إسرائيل هو احتلال الأردن والرجوع لسيناء كما ستحتل ما تريد في لبنان وربما تعتدي على سوريا، وهكذا نكون قد دخلنا في جبهتي حرب".

كانت تلك قراءة الأمير سعود الفيصل للنيات الإيرانية عام 1986، وهي تشبه تداعيات الأزمة الحالية اليوم.

 

وفي الـ 27 من مارس (آذار) 1986، سلم رفيق الحريري رسالة سعودية لخدام وفيها، "هناك معلومات بأن اتفاقاً جرى بين القذافي وأبو نضال (وهو زعيم فتح - المجلس الثوري واسمه صبري البنا) والإيرانيين لضرب منشآت أميركية في الكويت والسعودية، وطبعاً أنتم (سوريا) لا علاقة لكم بأبي نضال، ويمكن أن يقوم بعمليات، ففي السعودية لا توجد منشآت أميركية، بل هناك منشآت سعودية يعمل فيها أميركيون، وأي ضرب لها يعتبر ضرباً للسعودية".

أما الأمر الثاني في الرسالة فكان يتعلق باتصال الرئيس الإيراني علي خامنئي بالملك فهد بن عبدالعزيز للمرة الأولى، "وكان الكلام جيداً جداً وممتازاً ورائعاً، ومدح السعودية ومواقف السعودية وامتدح الملك، والملك فهد يعتبر هذه المبادرة الإيرانية نتيجة جهود السيد الرئيس حافظ الأسد، وهو يشكره على ذلك ويعتبر هذا الموضوع تطوراً إيجابياً ويؤكد أن السعودية ليست طرفاً في المشكلة الإيرانية – العراقية، والسيد الرئيس قال كم من مرة إننا لا يمكن أن نرضى أن تضرب إيران أي بلد عربي وبخاصة دول الخليج، كما أكد الرئيس أن أي اعتداء من إيران على الدول العربية اعتداء على سوريا، والملك لا شك في أن لديه علماً بهذا الكلام، ومتأكد أن سوريا مع السعودية، وإذا تعرضت لأي اعتداء من إيران أو غير إيران، والوضع في المنطقة أنه إذا مست إيران أي بلد فسيعتبرون أنها تمسهم جميعاً، أي لن يجعلوها تأكلهم واحداً بعد الآخر"، وكان رد خدام للحريري هو "موقفنا واضح وقد أكدناه لكم مراراً".

وأجاب الحريري، "هذا الأمر يحتاج إلى تأكيد"، فعقب خدام "سأعرض الأمر على الرئيس".

 

ويقول خدام في أوراقه إنه بعد عرض اللقاء على الرئيس الأسد، "في اليوم نفس ناقشنا خلفيات طلب التأكيد على الموقف السوري، وطلب الأسد من خدام إبلاغ السعودية الآتي:

أولاً سياستنا ثابتة تجاه أي عدوان تتعرض له دول الخليج والسعودية، وإيران في الصورة ولن تفاجأ بموقفنا، ومستعدون لإرسال قوات وبالحجم الذي يريـدون وتوضع هذه القوات بإمرة الملك فهد، وإذا نشبت معركة فسنرسل الحجم المناسب للمعركة، ونستبعد تورط إيران لأنها تعرف موقفنا، ودائماً في الأحاديث مع الإيرانيين كنا نؤكد على العلاقات مع السعودية وأنها علاقات مميزة، وخلال زيارة وزير الخارجية الأخيرة إلى طهران كان من جملة النقاط التي حمّله إياها السيد الرئيس موضوع علاقاتنا المميزة مع السعودية، وأعود فأؤكد أن سوريا ثابتة في هذه السياسة، وأرجو إبلاغ ذلك إلى الملك فهد.

ثانياً، بالنسبة إلى جماعة أبو نضال فسنتحدث معهم وبصورة قوية وواضحة، وسنقول لهم إن أي شيء ضد السعودية ضدنا، وإذا سمعتم أية أخبار فأرسلوها إلينا.

ثالثاً، في ما يتعلق بسياستكم النفطية، (رداً على تعليق إيراني) قال السيد الرئيس برأينا أن حصة السعودية يجب أن لا تترك أي برميل، ونحن نؤيد سياسة السعودية تجاه موضوع الأسعار ونرى أن الحفاظ على حصتها في الإنتاج فيه مصلحة للجميع".

تهديد سعودي

في الحلقة الرابعة من سلسلة "حرب الناقلات"، والتي نشرت الخميس في 22 فبراير (شباط)، تعرض "المجلة" ما تحمله الوثائق السورية عن غضب السعودية من قصف إيران لناقلاتها. ففي السابع من أبريل (نيسان) 1986، وصل الحريري إلى دمشق بعد أيام من استهداف الإيرانيين ناقلة سعودية، ليبلغ خدام رسالة من الملك فهد يسأل فيها "ماذا يريد الإيرانيون؟ هل يريدون حرباً ضد السعودية؟ هل يريدون جلب الأميركيين ووجوداً أميركياً وتدخلاً أميركياً؟"، مؤكداً أن الرياض لا تريد ذلك لكنها تعتبر أن أعمال طهران تناقض مزاعمها بأنها ضد توسيع حرب الخليج. وينقل خدام عن الأسد تأييده للغضب السعودي واستغرابه القصف الإيراني. وفي رسالة أخرى في الرابع من مايو (أيار)، أبلغت السعودية الأسد بأنها "لا تستطيع الصبر على استمرار الاعتداءات على البواخر السعودية، لذلك فإنه مضطر لإعطاء أوامر للطيران السعودي بقصف طهران فيما إذا وقع اعتداء جديد"، طالبةً من دمشق حسم أمرها والإعلان أنها ستقف مع الرياض.

إثر ذلك، طلب الأسد من وزير خارجيته فاروق الشرع إيصال التحذيرات السعودية إلى إيران، ومطالبتها بإيجاد حل للموضوع. وجاء في الرسالة التي وجهها الشرع إلى نظيره الإيراني، "إن عدم حل هذا الموضوع سيضيف مشكلات جديدة أنتم ونحن في غنى عنها، كما أن صدام (حسين) سوف يستفيد من ذلك بتوتير الأجواء في منطقة الخليج لتوسيع رقعة الحرب وتوريط الدول العربية في هذه الحرب، نحن في سوريا نعتقد أنه ليس من مصلحتنا كبلدين صديقين أن نهيئ المناخ المناسب للنظام العراقي"، مضيفاً "إذا كانت هناك مصلحة لضرب السفن السعودية فيجب أن تخبرونا بذلك وإذا لم تكن هناك مصلحة فيجب وقف ضرب السفن السعودية".

وفي 12 مايو، استقبل الرئيس الإيراني وزير الخارجية السوري الذي شرح قلق بلاده من أخطار ضرب السفن السعودية، وفهم من خامنئي "موافقة إيران على وقف التعرض لناقلات النفط السعودية والكويتية". ومن ثم، توجه الشرع إلى الرياض لإبلاغها بنتائج زيارته، فأكدت السعودية أنها تحاول "بالعقل حتى آخر نقطة" لتفادي مشكلة كبيرة مع إيران تتدخل فيها الدول الكبرى.

وتذكر "المجلة" أنه بحسب محضر رسمي سوري عن لقاء الشرع وخامنئي، فإن الأخير تحدث عن العلاقات السعودية - الإيرانية والتحولات التي طرأت عليها، معتبراً أن المساعدات الحيوية التي تقدمها الرياض لبغداد بما في ذلك مساعدتها في نقل وبيع نفطها، تعرقل تحسين علاقات البلدين. في المقابل، أكد الجانب السعودي رغبته في تحسين العلاقات لكن من دون شروط تملى عليه، موضحاً أن "المساعدات (للعراق) كانت بسبب ما صرحوا به (الإيرانيون) سابقاً حول التدخل في شؤون الخليج". وتنقل "المجلة" عن وثائق خدام، أن أحد كبار المسؤولين السعوديين شرح أن "المشكلة مع إيران أعمق، كل ما قاله الإيرانيون لكم (للسوريين) ليس هو الشيء الرئيس... المشكلة في البترول، تريد إيران بيع النفط من دون حدود وأن تحصل على أسواق السعودية". وتحدث الجانب السعودي عن تفاصيل هذا الأمر والخلاف في "أوبك".

 

اقتراح سوري للتهدئة

وتبيّن "المجلة" إنه في إحدى الوثائق يوضح الشرع أن "إيران على استعداد لإيقاف كل الأعمال الحربية في منطقة الخليج إذا توقف العراق عن ضرب السفن التي تحمل النفط الإيراني"، وأن طهران تعتبر أن "المملكة بمقدورها إذا أرادت أن تضغط على العراق من أجل الكف عن قصف السفن التي تحمل النفط الإيراني". فكان الرد السعودي، "قلنا لهم في السابق يوجد خط أحمر في الخليج بيننا وبين العراق، وواضح للجميع السفن التي تأتي إلينا وتحمل نفطنا والسفن التي تذهب للعراق لتحمل نفطه، من سيمنع إيران من قصف السفن المتوجهة إلى العراق، لماذا لا يقصفون هم تلك السفن ويأتون إلينا لقصف سفننا؟ هل تعتقدون أن العراق في الوضع الموجود فيه يصغي للسعودية أو الكويت؟".

وبحسب الوثائق، أبلغ الشرع القيادة السعودية أنه في ظل إصرار إيران على موقفها، بادر وسألها عن إمكانية "وقف ضرب السفن السعودية لمدة ستة أشهر يحاول خلالها السيد الرئيس حافظ الأسد بذل مساعيه لحل الخلافات بينكم وبين المملكة في أجواء مريحة طالما أنكم تبدون حرصاً على العلاقات مع المملكة؟". ونقل الشرع عن خامنئي قوله، "أرجو إبلاغ السيد الرئيس حافظ الأسد بأن كل شيء قابل للحل سواء عن طريق هذا الاقتراح أو غيره من الأفكار. وأن إيران لن تغلق الباب أمام حل هذه الأمور". السعودية بدورها رحبت بالاقتراح السوري مؤكدةً، "نحن لا نريد افتعال مشكلة ونعمل المستحيل حتى لا نصطدم مع أحد، على كل حال إذا ابتلينا يعني أن سوريا ابتليت".

بحسب "المجلة"، كان الإيرانيون يتوقعون أن السعودية والدول الخليجية قادرة على ممارسة الضغط على العراق الذي كان يقصف مراكز النفط وبواخر إيران، وراحوا يقصفون السفن الخليجية سعياً لزيادة الضغط على صدام. غير أن الدعم الخليجي للعراق لم يكن كافياً لثني صدام عن استهداف السفن الإيرانية. وبعد نحو أسبوعين على زيارة الشرع لطهران، استهدف الجيش العراقي ناقلة نفط إيرانية، فبعث علي أكبر ولايتي رسالة إلى دمشق في 31 مايو جاء فيها، "بما أننا كنا نرغب في إعطاء فرصة أكثر للمملكة العربية السعودية لكي تمارس الضغوط اللازمة من أجل الحيلولة دون مهاجمة البواخر، وكذلك من أجل أن يتضح مدى إمكانية السعودية على التعاون، وبما أنه قد ثبت أن نظام صدام لا يريد للهدوء أن يسود المنطقة ومع اعتقادنا أن التوتر في المنطقة هو لمصلحة صدام، فإن إجراءاتنا هي من أجل الدفاع عن النفس ومصالح بلدنا وإن صمتنا يستمر إلى الحد الذي لا نصبح فيه ضحية لمؤامرات العدو". فردت دمشق مطالبةً طهران بـ"الصبر وضبط النفس" لـ"تفويت الفرصة" على صدام بتوسيع الحرب.

إحراج سوريا

في الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة "حرب الناقلات" التي نشرت في الـ 23 من فبراير (شباط) الجاري، تظهر "المجلة" كيف بلغت التوترات بين إيران والسعودية أوجها فيما أصبح الأسد الذي يتولى الوساطة بين الطرفين في موقف حرج.

وفي الـ 12 من أغسطس (آب) 1986، أوصل الحريري رسالة سعودية لخدام لينقلها للأسد ولإيران، وأكدت فيها السعودية ألا علاقة لها إطلاقاً باستهداف جزيرة سرى أو بمساعدات العراقيين على فعل ذلك، ورفضت كذلك الدخول بأي نقاش حول الأنبوب النفطي العراقي المار بالأراضي السعودية والذي "مضت عليه أعوام عدة وإثارته الآن هي من قبيل التشويش لا أكثر". وتطرقت الرسالة السعودية إلى المتفجرات التي ضبطها رجال الجمارك في حقائب حجاج إيرانيين قائلة إن التحقيق في الأمر لا يزال مستمراً. واعتبرت الرياض أن "بين السعودية وإيران خطوط حمراء متفق عليها من أيام الشاه والخميني، ومع ذلك تخطت إيران الخطوط الحمراء السعودية وضربت بواخر آتية أو خارجة من عندنا مستعملة جزيرة أبو موسى وهي جزيرة عربية"، وأن طهران "مستمرة بتصرفاتها، إما من ناحية ضرب البواخر أو إرسال المتفجرات أو الحملات الإعلامية في الصحف الإيرانية"، داعية الأسد إلى بذل "جهده للمرة الأخيرة مع إيران لوقف هذا الأمر".

وبعد نحو أسبوع سلّم خدام السعوديين مضمون سالة من خامنئي للأسد أكد فيها أن لدى طهران "معلومات أن السعودية قدمت مساعدات جدية مكنت الطائرات العراقية من الوصول إلى جزيرة سرى"، وجدد نفيه وجود أية علاقة لإيران بموضوع حقائب المتفجرات. وجاء في الرسالة أن طهران وافقت على وقف قصف البواخر على أساس ممارسة الضغط على صدام حسين من أجل وقف قصف البواخر الإيرانية عبر قطع المساعدات المالية والنفطية عنه، بما يشمل الأنبوب المار عبر الأراضي السعودية.

وأضافت "المجلة" أن خدام أبلغ الحريري بأن الإيرانيين لن يتوقفوا وأن الأسد "حينما يتعلق الأمر بالسعودية فسوريا ليست على الحياد".

ويقول خدام بحسب الوثائق التي نقلتها "المجلة" إن الأسد كان يعي أن الوضع قد يتطور إلى انخراط الخليج في حرب ضد إيران "مما سيؤدي إلى وضع سوريا في موقف شديد الحرج والحساسية، فالوقوف مع إيران يعني قطع علاقاتنا بالعالم العربي، والوقوف ضد إيران يعني خسارة إستراتيجية كبيرة، وفي كل الأحوال فإن صدام حسين وإسرائيل سيكونان الكاسبين من هذه التطورات".

وفي الـ 23 من أغسطس 1986 التقى الرئيس الإيراني خدام موفداً من الأسد، وعرض معه بالتفصيل الموقف الذي نقل من الرياض، وأوضح خدام لخامنئي حرص سوريا على صون علاقتها الإستراتيجية بإيران، واستذكر التحليلات السورية السابقة التي خلصت إلى أن "من مصلحة صدام حسين توسيع رقعة الحرب في المنطقة لتشمل دولاً أخرى، وبالتالي تقوية جبهته بإشراك أكبر عدد من الدول العربية، كما من مصلحة الإمبريالية الأميركية توسيع الصراع ليشمل دولاً عربية أخرى، مما يزيد حاجة هذه الدول إلى الحماية والمساعدة الأميركية". وبحسب الوثائق التي أوردتها "المجلة" فقد حذر خدام خامنئي من أن "استمرار ضرب البواخر المتعاملة مع السعودية القادمة إلى السعودية أو الخارجة منها قد يؤدي إلى ردود فعل سعودية بالتصدي للطائرات الإيرانية وضربها، وبالتالي فإن ذلك يعني توسيع الحرب، وهنا سيتحقق ما يلي:

أولاً، ستكون المعركة الرئيسة للسعودية وللدول الخليجية والدول العربية التي تساندها مع إيران، وسيصبح الصراع مع إسرائيل وكأنه غير موجود.

ثانياً، ستؤدي هذه الأعمال إلى إزالة كل حاجز بين مجموعة الدول العربية في الخليج والدول التي تساندها، وبين نظام كامب ديفيد في مصر، بل سيؤدي ذلك إلى مزيد من التلاحم بين هذه المجموعة والعراق ومصر".

"صدام سيسقط"

وفي ضوء ذلك طلب الوسيط السوري من إيران "تلافي هذا التصعيد في الموقف مع السعودية ودول الخليج واستعادة الحوار الذي يؤدي إلى تحسين الموقف".

وبحسب محضر اجتماع خدام وخامنئي فقد أكد الأخير في رده عدم رغبة إيران في توسيع الحرب، مقترحاً أن "يعلن السعوديون بصورة واضحة ورسمية أنه إذا هاجم العراقيون البواخر الإيرانية فإنهم سيقطعون المساعدات التي تقدم للعراق"، ومتعهداً بأنه "إذا أعلن السعوديون هذا وإذا عملوا بهذا الموضوع فإننا لن نضرب سفينة سعودية واحدة حتى وإن ضرب العراق 100 سفينة، ليأخذ السعوديون هذه الخطوة، ونحن جاهزون، وحتى الكويت يمكن أن تقوم بهذا".

وقال خامنئي لخدام "أبلغ السيد الرئيس الأسد إن شاء الله أن كل هذه الأمور ستحل بسقوط صدام، وسمعت أن هذا أصبح ضرورياً، وإذا انتهى صدام فستحل المشكلة مع الخليج أيضاً". وأضاف، "إن علاقاتنا مع السعودية تنتابها مشكلات من بينها مساعدتهم للعراق ومشكلة ’أوبك‘ وكنا نسألهم دائماً لماذا تتلاعبون بالأسواق البترولية، وقد خفت هذه المشكلة الآن، وإذا حلت مشكلة صدام فستحل أمور كثيرة، ونأمل بأن يسقط صدام قريباً".

وأوضح خدام في وثائقه أن الاتصالات بين سوريا والدول الخليجية كانت مستمرة بحكم علاقتها بإيران، وقال "في جميع هذه الظروف كان دور سوريا إطفاء الحريق وتهدئة الأوضاع خوفاً من تطورها، وهذا الأمر كان بالغ الخطورة".

وانتهت الحرب العراقية - الإيرانية عام 1988 بعدما تدخلت القوات الأميركية وقصفت مواقع إيرانية عقب الاستهداف الإيراني للناقلات الكويتية، وعادت القوات الأميركية وأطاحت بصدام حسين أيضاً عام 2003، واليوم تعود حرب الناقلات إلى البحر الأحمر حيث تستهدف إيران عبر وكلائها الحوثيين الناقلات في المنطقة، ومن جديد شكلت الولايات المتحدة حلفاً عسكرياً لتأمين الملاحة عبر البحر الأحمر، بانتظار التوصل إلى تسوية تنهي حرب غزة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات