Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جمركة الموبايلات في سوريا عبء يضاف على كاهل المواطن

غزت الأجهزة المهربة التي تورد من دول الجوار السوق

الجهاز المجمرك فقط يعمل على شبكات الاتصال السورية (اندبندنت عربية)

ملخص

عزل قيادات أمنية وازنة والتحقيق مع أخرى في ملف فرط استخدام النفوذ ضمن متابعة المخالفين والمتعاملين بالأجهزة غير المجمركة

مطلع شهر أبريل (نيسان) 2019 اتخذ النظام السوري قراراً استغربه المواطن، يقضي بفرض رسوم مالية باهظة تحت البند الجمركي لتضاف لقيمة سعر "الجهاز الخلوي" المستورد والمتاح استعماله داخل البلد بمعزل عن النسب الأساسية المضافة إليه والمرتبطة بالشحن والنقل والتأمين.

بدا القرار غريباً في حينه، ملتبساً وغير مفهوم، فلماذا تحصل سوريا على أجور لا تخضع لمبررات اقتصادية منطقية يمكن تفسيرها إلا على النحو الذي صار مفهوماً بعيد ذلك بقليل، وهو ضبط القدرة الاحتكارية لقطاع الأجهزة الخلوية وحصرها بشركة مستوردة واحدة تحدد هي فقط تسعيرة كل جهاز.

حتى ذلك الوقت من عام 2019 كانت العملة السورية انهارت بحدود عشرة أضعاف، على رغم أن الرقم كبير في المنهج الاقتصادي ولكنه كان محمولاً قياساً بأن مرتبات السوريين كانت لا تزال جيدة وقادرة على مجاراة الغلاء الحاصل، من ضمنها تملك أجهزة خلوية جديدة بتلك الرسوم المضاعفة، ولكن نهاية 2019 وإقرار قانون قيصر الأميركي بحزمته الأشد عقابياً على سوريا، حولت المشهد في الداخل السوري وقلبته رأساً على عقب لتنهار بعده المعيشة مرة واحدة، لاسيما بعد اعتماد قانون "الجمركة" وقدرته على التأثير في حياة الناس بشكل مباشر، ومنعهم من امتلاك هاتف محمول بسعر مقبول، حتى صار الجهاز الخلوي من الكماليات والرفاهيات وكاد يقترن بالطبقة الثرية فقط بالنسبة إلى بعضهم. فـ"الجمركة" كانت ترتفع بين وقت وآخر بشكل مستمر وكبير، في حين أن الرواتب بالكاد تحظى بزيادات إلى أن انهارت العملة 30 ضعفاً.

قطاع خطر

السلطات السورية تعاملت مع ملف الأجهزة الخلوية (الموبايل) كواحد من أخطر القطاعات وأكثرها حساسية اقتصادية، لكونها كفيلة بتأمين مدخول يمكن الارتكاز عليه والاستناد إليه في تطوير مدخول الخزانة الحكومية العامة سواء عبر وزارة المالية أو عبر الهيئة الناظمة للاتصالات، لا سيما في ظل شح وانعدام إيراد الصادرات أحياناً، وما لحق بأضرار هائلة في القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والتنموية، ولكن كيف يتم ذلك؟

"الجمركة" نفسها زادت من تعقيد الملف، فإن كان الجهاز "مجمركاً" فسيكون قابلاً للعمل على شبكات الاتصال السورية وبالتالي إمكان إجراء الاتصالات منه (المكالمات)، ومن دون ذلك سيظل جهازاً يعمل على الـ "wifi"فقط من دون إمكان وضع "شريحة اتصال" داخله.

نتيجة لتلك القوانين الصارمة التي يصفها السوريون بـ"غير المنطقية والمجحفة"، غزت السوق السورية الموبايلات المهربة التي تورد من دول الجوار التي يعادل سعرها أحياناً نصف أسعار الأجهزة المباعة في سوريا "المجمركة"، التي تباع حصراً ضمن صالات تتبع شركة واحدة فقط، وتنتشر تلك الصالات في كل المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة السورية وبعشرات الأفرع، "في احتكار مباشر لقطاع إثرائي تعادل أرباحه أهم الصناعات المعروفة"، بحسب اقتصاديين.

وعلى سبيل المثال إذا كان هناك "موبايل" سعره ألف دولار مع أجور الشحن والنقل، فجمركته ستقارب نصف سعره، وربما تعادل سعر الجهاز الذي يعتبر امتلاكه من بديهيات العصر الحديث.

تلك المعادلة الربحية تجعل سوريا رابحة كما الشركة الأم فقط لقاء السماح للمستخدم بالعمل على الشبكة وإجراء الاتصالات التي هي أصلاً محصورة بشركتين، وهما شركتا اتصالات (سيرياتيل وإم تي إن) التي تعود ملكيتهما للدولة، وتلك الشركتان غير معنيتين ببيع الأجهزة.

إغراق السوق بـ"المهرب"

أهمية الهاتف المحمول تنطلق بداية ونهاية من كونه عصب الحياة اليومية في المجتمع والوسيلة التامة وشبه النهائية لإتمام مئات الأمور في سياق العلاقات بين الأفراد، التي لا يجب أن تحكم بمنطق الدفع المتواتر صعوداً للحصول عليها وتوافرها، ليضاف عبء "الجمركية" إلى أعباء الضرائب والغلاء.

ووسط كل ذلك، يمكن ملاحظة إغراق السوق السورية بـ"الأجهزة المهربة" كنتيجة سياسة حكومية غير متجانسة في رفع التمويل الذاتي - الداخلي لمواردها التي تشح يوماً بعد يوم لجملة أسباب اقتصادية ترتبط بالحرب، وفقدان القدرة على الإنتاج والاستمثار والإمساك بالصناعة وتطويرها، كذلك الأمر بالنسبة إلى التجارة بسبب الحصار شبه المطبق على صادرات البلد ووارداته وانعدام القطع الأجنبية والسيولة النقدية.

هذا الإجراء الحكومي جعل من "الموبايل" حلماً، مما فتح السوق السورية لاستجرار الأجهزة المهربة عبر خطوط تهريب متنوعة يتولاها أفراد نشطت تجارتهم تلك مع نشاط قانون "الجمركة". أولئك يعملون تحت خطر شديد إذ إنهم معرضون لمواجهة إجراءات قانونية وأمنية صارمة من الحكومة التي توقع أشد العقوبات على أية عملية تهريب وبيع وشراء لتلك الأجهزة، وقد تصل العقوبة إلى حد السجن.

العقوبة هنا لا تكون وفق قانون العقوبات السوري بما يتعلق بالتهريب كحالة منظمة بمادة قانونية واضحة تفرض تجريماً قانونياً لا يخضع للاجتهاد القضائي، بل وفق القانون الجمركي الخاص والمستجد، لتكون العقوبة تأديبية شديدة الهدف منها، بحسب رجال قانون، "صد المتعاملين بتهريب الأجهزة وإلزام الجميع بالشراء من الدولة نفسها لا من خارجها ووفق رسومها".

في القانون

المحامي هاني نصر بين لـ"اندبندنت عربية" أن هناك ثلاثة مراسيم رئاسية تعاملت مع ملف التهريب وأوضحت عقوباته قانوناً، وهي مراسيم عام 1974 و2002. وأوضحت تلك المراسيم أن عقوبة التهريب تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أعوام للمواد التي منعت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تهريبها، على أن يتم تجريم المقبوض عليه بقيمة ما كان بحوزته من بضائع، وبألا تزيد الغرامة على عشرة أضعافها.

يقول المحامي "لكن ملف الموبايلات المهربة يخضع لمعيارين مزدوجين، ففي حال التهريب المباشر وإلقاء القبض على حمولة يصار إلى متابعة القضية وفق القوانين المعمول بها، التي جاءت بالمراسيم المعنية عبر القضاء بشكل مباشر، أما حين تصبح المادة (الأجهزة) داخل البلد فيصار إلى التعامل مع الأمر بصورة مختلفة".

ويكمل "حينها تتولى الجهات الأمنية التدقيق ومراقبة الأمر واتخاذ الإجراءات في حق المخالف، التي غالباً ما تصل إلى تسوية (غرامة) مع إقفال الملف قضائياً على اعتبار أن عدد الأجهزة المهربة عشرات أضعاف تلك المجمركة، فلا يمكن للدولة أن تشغل كل أجهزتها في مطاردة الموضوع وضبطه في الطرقات والشوارع وبين أيدي الناس، ليرتكز عملها على ما يمكن وصفه بالمصدر المريح للمراقبة، وهو محال بيع تلك الأجهزة، المحال البسيطة التي لا تتبع للشركة الموردة".

20 دولاراً أرباح الجهاز المهرب

"أعرف أنه إذا ألقي القبض علي وأنا أهرب الأجهزة فسألقى مصيراً أسود"، هذا ما قاله سامر وهو اسم مستعار لشاب يعمل في تهريب الأجهزة الخلوية.

ويقول سامر "أحصل على حوالى 20 دولاراً أميركياً كأرباح عن كل جهاز أهربه من الخارج، وعملية التهريب تلك خاصة ومعقدة جداً لكنها متاحة، والدليل أن الأسواق لدينا مليئة بالمهرب، لدي زبائني ومنهم زبائن جملة، أنتقي الزبون بعناية لأن الجرم في هذا الأمر خطر للغاية، وقد أسجن وأكلف بغرامة مالية تساوي عشرات أضعاف ما جنيته خلال كل عملي".

هاتفان بدل واحد

لقاء ذلك التعقيد الجمركي، لجأ السوريون لشراء "موبايل" مهرب وحديث بقصد استخدامه للإنترنت مستفيدين من أن القانون المطارد لملف الأجهزة المهربة لا يجرم الحيازة الشخصية (أن يحمل شخص هاتفاً غير مجمرك بقصد الاستخدام لا التجارة)، وبجواره يحمل السوري هاتفاً من نسخة قديمة ورخيصة للاتصالات.

واحد من أولئك الأشخاص المهندس المعماري فائز جمران الذي يحمل هاتفين في آن، واحد لإجراء المكالمات وآخر للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يقول: "هل هناك حل آخر؟ هاتفي الحديث سعره مجمرك حوالى 4 ملايين ليرة (270 دولاراً أميركياً)، ببساطة اشتريته بقرابة نصف السعر غير مجمرك، واشتريت بـ10 دولارات هاتفاً صغيراً أستخدمه فقط لإجراء الاتصالات".

وفي هذا الشأن تقول الطبيبة غيداء حسون "أنا معي iPhone 14 pro اشتريته من لبنان بـ1100 دولار أميركي، ولكن سعره في سوريا 2400 دولار، هل يعقل أن يكون فرق الجمركة 1300 دولار؟ على أي أساس يتم هذا التسعير العبثي، وبالتأكيد لا يوجد مجنون سيقبل بدفع هذا الفرق الهائل فقط ليجري مكالمة، لذا جميعنا نحمل هواتف جانبية قديمة".

"سوء استغلال السلطة"

هذه الحال مستمرة منذ سنوات، ولكن خلال الأسابيع الماضية استجدت تغيرات مفاجئة بصيغة صادمة احتل مشهدها الشارع وحديثه بعيد عزل قيادات أمنية وازنة والتحقيق مع أخرى في ملف فرط استخدام النفوذ ضمن ملف متابعة المخالفين والمتعاملين بالأجهزة غير المجمركة، وفي حينه سربت مصادر متعددة أن تلك القرارات جاءت بأوامر من القصر الجمهوري مباشرة.

القرارات جاءت بعد أن تبين وجود شخصيات مسؤولة تسيء التصرف في التعاطي مع الموضوع مستغلة سطوتها ونفوذها الأمني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لتهدأ فجأة الملاحقات الأمنية لقطاع الاتصالات ومحال بيع الأجهزة الخلوية، إذ كانت دوريات منتظمة تداهم المحال المختصة ببيع الأجهزة الخلوية، وفي حال امتلاك واحد من تلك المحال لجهاز غير مجمرك، كان يصار إلى إقفال المحل وسجن صاحبه وتغريمه مبلغاً مالياً كبيراً.

تلك الملاحقات دفعت بأصحاب المحال إلى تجنب التعامل بالأجهزة غير المجمركة، وعلى رغم انقضاء شهر من الهدوء التام وغياب الدوريات الأمنية ما زالت تلك المحال خائفة وقلقة على اعتبار أن سياسة الجمركة لم يطرأ عليها أي تعديل.

هل تحل الضابطة الجمركية بديلاً؟

بين أولئك الباعة شخص فضل عدم الكشف عن اسمه، شرح أن أصحاب المحال ما زالوا حذرين ويمتلكهم والخوف خشية أن تحل الضابطة الجمركية كإدارة بديلاً مطلق الصلاحية عوض الوضع السابق، وبالتالي يعود الحال كما كان وربما أسوأ لأن النظام الجمركي القانوني يمتلك مرونة واسعة في فرض غرامات كبرى.

لكن ملف الحيازة الشخصية للهاتف المهرب يطرح عديداً من التساؤلات: فماذا لو حصل الشخص على هاتف مهرب ومن ثم أراد جمركته؟ ببساطة يتوجه هو وجهازه إلى إحدى شركتي الاتصالات (سيرياتيل وإم تي إن) مصطحباً جهازه ليدفع الرسوم الباهظة هناك ومن ثم يصبح جهازه قابلاً للعمل على الشبكة.

بذلك صار الجهاز مجمركاً بشكل رسمي في الدولة وعبر شركاتها، على رغم أنه لم يشتر من الشركة الوحيدة المسموح لها بالبيع، الأمور حتى هنا قانونية، ولكن إن فكر ببيعه أو إن اشتراه صاحب متجر فهنا سيتعرض لعقوبة قانونية، كما ذكر سابقاً.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي