Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لمرضى الفشل الكلوي في غزة "طابور طويل للموت"

40 حالة وفاة يومياً وبعضهم رحل أثناء انتظار دوره بسبب نقص الأجهزة والطواقم الطبية

كان لا يزال أمام إبراهيم العزازي ثلاثة مرضى يصطفون انتظاراً لدورهم في جهاز غسيل الكلى بمستشفى النجار في غزة، لكنه لم يتحمل المكوث لمدة ستة ساعات حتى يبدأ الطبيب المتخصص في متابعة حالته، وفجأة أخذ يصدر حركات غريبة ولفظ أنفاسه الأخيرة وفارق الحياة.

توفي إبراهيم داخل قسم غسيل الكلى، وكان المشهد صاعقاً بالنسبة إلى بقية المرضى الذين عايشوا الحدث، وعمت الفوضى والقلق المكان، إذ وضع كل واحد منهم نفسه في موقف الرجل الذي فارق الحياة.

كان إبراهيم يعاني الفشل الكلوي منذ 12 عاماً، وطوال تلك الفترة ظل يقوى على ألمه ويتحمله، وما ساعده على ذلك أنه يقوم بزيارة منتظمة لوحدة غسيل الكلى ويجري جلسات علاجه الأربع في الأسبوع بموعدها، ويقضي أربع ساعات في المرة الواحدة.

كما أنه كان يتناول طعاماً صحياً ويأخذ أدويته بانتظام، ويشرب مياهاً معدنية ذات جودة عالية، لكن كل هذا تغير على إبراهيم بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة وأصبح يأكل المعلبات ويشرب مياهاً غير نقية، وبات يعاني ضغطاً نفسياً بعد أن جرب ويلات النزوح.

يقول ابنه رائد "لم يسبق لأبي خلال هذه الأعوام الطويلة أن واجه ظروفاً أقسى من تلك التي تعرض لها خلال الحرب الدائرة حالياً، انقطع عن جلسات غسيل الكلى بسبب مهاجمة الجيش الإسرائيلي لمستشفى الشفاء نحو 12 يوماً، وعندما بدأت العملية العسكرية في خان يونس انقطع 18 يوماً، مما أدى إلى تسمم دمه وفقاً لما أبلغنا به طبيب التشريح".

بروتوكول العلاج

بعدما انتهى نزوح إبراهيم في رفح، زار مستشفى النجار الذي أصبح المرفق الصحي الوحيد في قطاع غزة الذي يوفر خدمات الرعاية الصحية لمرضى الفشل الكلوي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك انتظم إبراهيم في جلسات غسيل الكلى لكن بروتوكول العلاج تغير بالنسبة إليه، إذ تتبع غزة في علاج مرضى الفشل الكلوي البروتوكول الذي وضعته منظمة الصحة العالمية، وينص على أن يخضع المريض لأربع جلسات غسيل الكلى في الأسبوع وكل جلسة تمتد لأربع ساعات متواصلة.

لكن بعد تجمع كل مرضى الفشل الكلوي في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، بدّلت وزارة الصحة هذا البروتوكول، واعتمدت على تقديم جلستين، تمتد الواحدة لساعة فقط.

ترك البروتوكول الجديد للعلاج آثاراً صحية سيئة على مرضى الفشل الكلوي، وبسبب سوء الأوضاع المعيشية، تفاقمت حال المصابين بالمرض المزمن كثيراً، وباتوا يفارقون الحياة تباعاً.

تسمم في الدم

في حالة أخرى، توفيت المريضة عائشة مطر بعد صراع مع مرض الفشل الكلوي استمر لمدة ثلاثة أعوام، لكن سبب وفاتها جاء نتيجة انخفاض حصولها على جلسات غسيل الكلى التي كانت تقوم بها بصورة غير منتظمة، مما سبب لها تسمماً بالدم.

تقول ريما وهي ابنة السيدة عائشة "تجاوزت أمي خطر الموت بغارات الطائرات أو رصاص القناصة وتمكنت من الوصول إلى مستشفى النجار في رفح بهدف غسل كليتها، لكن المفاجأة أنها مكثت يومين في طابور الانتظار، مما زاد وضعها الصحي سوءاً، وماتت وهي في طابور الانتظار".

يوجد في غزة نحو 9700 مريض بالفشل الكلوي، وجميعهم يتلقون الرعاية في قسم الكلى داخل مستشفى النجار الذي يضم 10 أجهزة فقط، ويعمل فيه ثلاثة أطباء، ومطلوب من الأجهزة القليلة والكادر الصحي المحدود متابعة جميع المرضى.

 

تضيف ريما أن "الاكتظاظ مشكلة معقدة تواجه مرضى الفشل الكلوي في القطاع، فأجهزة شفط الدماء وضخها في أجساد المرضى لا تتوقف عن الرنين في قسم مرضى الفشل الكلوي، ويتزاحم المئات لتلقي العلاج اللازم، لكن يموت كثير منهم أمام بعضهم".

وتتابع أن "أمي عائشة شاهدت حادثة وفاة المريض إبراهيم وخافت كثيراً أن يكون دورها هو التالي، وبالفعل رحلت بسبب عدم تلقيها العلاج المناسب، نحن نموت من مرض بسيط، أعتقد بأنه لا يوجد أحد يموت في العالم لأنه ينتظر دوره في غسيل الكلى".

نتيجة حتمية

بينما كانت ريما تتحدث، وصل على عربة يجرها حيوان جثمان عبدالرؤوف عيسى، ونزل ابنه هاني يصرخ بصوت عالٍ "لقد كان حياً قبل قليل، طلب مني أن يزور المستشفى ليغسل كليته، وبينما نحن نسير في الطريق فارق الحياة".

يقول ابنه "خرجنا مبكراً، منزلنا يبعد ثلاثة كيلومترات من المستشفى، لكن فجأة تعرض للإغماء من التعب الشديد، ظننته كذلك، لكن بعد أن فحصت نبضه أيقنت أنه مات، لقد مات لأنه سينتظر طويلاً من أجل غسل كليته".

بعد أن هدأ هاني، أوضح أن أباه كان يعاني مثل غيره من المرضى نقص الأدوية التي تساعد الجسم في إنتاج الهرمونات المناسبة للحفاظ على الدماء، ومنذ شهرين لم يتلقَّ أي علاج وهذا الأمر كان ينذر بخطورة كبيرة.

من 30 إلى 40 حالة وفاة في اليوم

يقول مدير مستشفى النجار مروان الهمص، "يشهد قسم غسيل الكلى زيادة كبيرة في أعداد المرضى، ولذلك خفضنا ساعات وصلهم بالجهاز إلى 60 دقيقة وهذه المدة غير كافية، مما يعرض حياة المرضى للموت".

ويضيف أن "بعض مرضى الفشل الكلوي لم يتناولوا أدويتهم منذ ستة أسابيع، إنهم جميعاً معرضون لخطر الموت، وشحنة الأدوية جاهزة، لكنها عالقة في العريش حيث ترفض السلطات الإسرائيلية دخولها إلى القطاع".

ويشير الهمص إلى أن "نصف مرضى الفشل الكلوي توفوا بعد تغيير بروتوكول العلاج، فكل يوم يفارق من 30 إلى 40 مريضاً الحياة، وبحسب منظمة الصحة العالمية هذه أعلى نسبة في العالم"، لافتاً إلى أن قسم غسيل الكلى في المستشفى لا يستطيع استقبال هذه الأعداد الكبيرة من المرضى.

ويوضح أن "المستشفى به 10 أجهزة فقط لغسيل الكلى جميعها قديمة وبالية ومنتهية الصلاحية، فعمر الجهاز ينتهي ببلوغه 20 ألف ساعة عمل، وقد تجاوزت الأجهزة في المستشفى 120 ألف ساعة، وعلى رغم ذلك لا تكاد تتوقف عن العمل للحظة، بسبب الضغط الكبير عليها من المرضى".

وبحسب الهمص فإن "خمسة أجهزة لغسيل الكلى تتعطل يومياً، ولحل المشكلة أحضرنا مهندس صيانة ووفرنا له سكناً وحماية، لكن ذلك لم يسهم في حل المشكلة المركبة لأنه إلى جانب عطل الأجهزة الطبية لا يوجد كادر طبي يكفي لمتابعة عدد المرضى الضخم".

المزيد من متابعات