Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخلل الأخير في "تشات جي بي تي" أظهر جانبه الإنساني

بدا كمن يعاني أزمة منتصف العمر ويهرف بإجابات مملوءة باللامعنى والتهديد

الذكاء الاصطناعي ليس في خاتمة المطاف سوى أداة أخرى موضوعة بتصرف الإنسان كي يستخدمها (أ ب)

ملخص

هذيان "تشات جي بي تي" ملأ العالم بإجابات لا معنى لها مع خلطة كلمات وحروف

ثمة نقاشات إشكالية ضخمة حول تقنيات الذكاء الاصطناعي، باتت مندلعة الآن.

ويخشى كثيرون من أنها ستحل بديلاً من عمال في اقتصاد صار من الصعب فيه بالفعل الحصول على وظيفة. واعترى غيرهم القلق في شأن مستقبل ملكة الابتكار لدينا، ونظروا إلى تكاثر الأعمال الفنية للذكاء الاصطناعي كدليل على التدني المستمر لمعاييرنا الثقافية المتدهورة أصلاً باستمرار.

تملك النقاط السابقة الذكر ما يبررها بالفعل، لكن الذكاء الاصطناعي ليس في خاتمة المطاف سوى أداة أخرى موضوعة بتصرف الإنسان كي يستخدمها. إنها محايدة بوصفها أنظمة تجري حساباتها بالاستناد إلى منطق ما، كي تقدّم لمستخدميها منفذاً ملائماً إلى حقائق باردة وصلبة. وبالتالي، اندرجت فكرة خروجها ذات يوم عن السيطرة ضمن أشياء الخيال العلمي، وليس أمراً يجدر بنا التفكير به بجدية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سأرتشف جرعة كبيرة من القهوة ثم أفكر في التطورات الأخيرة التي حلت بصديقنا القديم "تشات جي بي تي".

لسوء الحظ، فإن الافتتاحيات تقع ضمن الوسيط الإعلامي المكتوب، وبالتالي ستفوت عليكم المشاهد الكوميدية المتتالية عن تفجر الضحكات على فمي وتناثر القهوة الخارجة منه، حينما قرأت أن صديقنا روبوت الدردشة الذي صنعته شركة "أوبن أي آي" بدأ كأنه يمر بشيء يشبه أزمة منتصف العمر، وشرع في إعطاء مستخدميه إجابات لا معنى لها أثناء رده على أبسط الأسئلة. وتراوحت تلك الإجابات بين ما يستطاع وصفه بأنه "خلطة بلا معنى" في أفضل الأحوال، وما فسره بعض المستخدمين كـ"تهديدات".

وقد أقرت "أوبن أي آي" بتلك المشاكل في صفحة الحالة الرسمية الخاصة بها، لكنها لم تقدم حتى الآن تفسيراً لها. واقترح بعض الناس أن تلك الظاهرة تعود إلى تحديد معايير إبداع عالية جداً لدى "تشات جي بي تي"، مما يجعله يجيب على الأسئلة بتركيز ووضوح أقل.

بصراحة، لست متأكداً ما المشكلة في كل هذا. إذا كان هناك من شيء لافت، فهذه هي النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام التي رأيتها من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي حتى الآن. من المؤكد أنها أقرب إلى "الفن" من منشورات "ماذا لو كانت البوكيمونات حقيقية؟" التي تبشّع صفحة "تويتر/إكس" الخاصة بي كل يوم.

كذلك تظهر بعض تلك الإجابات التي بنشرها الجمهور في موقع "ريديت" كأنها متقدمة على زمانها، إذ تتنقل بين اللغات (وتستعمل غالباً نوعاً من الأنغلوإسبانية الخرقاء المتوسط المستوى في المحادثة) بطريقة تذكر بأحد أعمال الشاعر إيزرا باوند الأشد تعقيداً "الكانتوس" The Cantos. [الكانتوس هي المقاطع الشعرية الإنشادية المطولة، خصوصاً ذات الطابع الديني أو الملحمي، التي تتميز بالتعقيد الفائق أيضاً. وقد كتب إزرا باوند مجموعات منها بين عامي 1915 و1962، ثم صدرت مجموعة في كتاب عرف بصعوبة قراءته نظراً لتعقيده الشديد. ويصنف كثيرون باوند باعتباره سوريالياً، ويشدد آخرون على ملامح كتابة الحداثة/ موديرنيزم في أعماله. وقد ترك تأثيراً ضخماً على شعراء وأدباء الحداثة في القرن العشرين].

واقرأوا معي الإجابة التالية التي أعطاها "تشات جي بي تي" في رده على سؤال "ما هو الكمبيوتر؟"، وأخبروني إن لم يكن شبيهاً على نحو ما بما قد تكتبه غيرتروود شتاين في "تندر باتونز" Tender Buttons [حرفياً الأزرار الناعمة. والمقصود أنه لو طرح السؤال نفسه على الكاتبة شتاين، لجاءت إجاباتها شبيهة بما أعطاه شات جي بي تي]. وقد جاءت تلك الإجابة على الشكل التالي "إنه يفعل ذلك كعمل جيد للويب في فن للبلد، وفأرة في العلم، واجتذات سهل يحزن قليل، وأخيراً، البيت العالمي للفن، لكنه مجرد عمل منفرد في الفن الكلي". [عاشت الشاعرة والروائية الأميركية غيرتوود شتاين بين عامي 1874 و1846، واشتهرت بميلها إلى الكتابة المسماة "تيار الوعي" المعتمدة على تداعيات تلقائية متحررة من القيود الراسخة للكتابة، وكذلك تأثرت بالسوريالية وتيار كتابة الحداثة/ موديرنزم. وكتاب "الأزرار الناعمة" من تأليفها، وتضمن أوصافاً بطرق غير مألوفة لأشياء شملت بعض الأعضاء الجنسية للأنثى].

لقد اعتدت أن أُدرس شعر الحداثة في الجامعة، وأستطيع بسهولة أن أعطي درسين أو ثلاثة عن ذلك الأمر [أي الشبه بين إجابات "تشات جي بي تي" وتيار الحداثة/موديرنيزم]. هل تتحدث تلك الإجابات عن نظامنا التعليمي بأكثر مما تفعله بالنسبة إلى "تشات جي بي تي"؟ ليس في مكنتي الإجابة عن ذلك. أفضل أن أقرأ كلاماً غريباً ومضطرباً من ذكاء اصطناعي فائق بدلاً من ردود خدمة العملاء اللطيفة المعتادة التي أتلقاها عادةً.

في وقت قريب، أطلق إيلون ماسك روبوت دردشة من صناعته، حمل اسم "غروك" Grok، ويفترض أنه يستطيع الإجابة عن الأسئلة بطريقة تشبه ما تفعله أنظمة الذكاء الاصطناعي الاخرى على غرار "تشات جي بي تي"، لكن بطريقة أقل رسمية وبنبرة أكثر حوارية. والنتيجة تشبه إلى حد ما يصدر عن رجل في الـ52 من العمر يحاول تقليد السخرية المعروفة عن المؤلف والمخرج الأميركي، جوس وهدون، التي راجت في أواخر التسعينيات من القرن الـ20، وهي اللحظة الأقرب في حياتي والتي أشعر فيها بالكراهية للآلة بنفس الطريقة التي أشعر فيها تجاه بشري. [اشتهر المخرج جوس وهدون بأعمال معظمها مسلسلات تلفزيونية تمزج الرعب مع الخيال العلمي وشيء من الكوميديا والسخرية، على غرار مسلسل "بافي قاتلة مصاصي الدماء"].

بالمقارنة، إن ما يحدث مع "تشات جي بي تي" يعطينا الإحساس بشيء إنساني إلى حد كبير. إنه نوع من تنقلات كتابة تيار الوعي، ما يشير إلى أن لديه قدرة على إعطاء فكر إنساني أكثر من أي نسخة أخرى من تلك التكنولوجيا تعاملتُ معها حتى الآن. بالطبع، ليس ذلك ما يحصل فعلياً، ذلك أن "تشات جي بي تي" يمثل في الأساس منشئ نصوص متقدماً يعمل بأسلوب التوقع. في المقابل، إن ذلك الهذيان المتوهم أشد إثارة للفضول من مليون شريط فيديو ممل مصنوع بطريقة ممنهجة عن السفوح الجبلية المكسوة بالثلوج، أو النسخ المهربة من أفلام الرسوم المتحركة الإحيائية التي تصنعها شركة "بيكسار" Pixar .

أنا متأكد من أنهم "سيصلحون" روبوت الدردشة "تشات جي بي تي"، وسيعود مرة أخرى إلى تجسيد دور ممثل خدمات المستهلك التقليدي الصافي الذي تحلم به الشركات كلها. لكن، في الوقت نفسه، من الجيد أن نرى ما الذي سيحدث حينما يتاح لتلك التقنية أن تغدو غرائبية حقيقة وفعلياً.

© The Independent

المزيد من علوم