Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وقوع الإعدام أهون من انتظاره... سجناء مغاربة يعانون الأمرين

يترقبون الموت في كل لحظة داخل الزنزانة وتنهشهم الأمراض النفسية والأمل الوحيد الحصول على "عفو ملكي"

سجن عين السبع بالدار البيضاء (وكالة الأنباء المغربية)

ملخص

عقوبة الإعدام لم تطبق فعلياً في المغرب منذ سنة 1993 وهكذا يعيش المحكومون بها

على رغم عدم تطبيق عقوبة الإعدام فعلياً في المغرب منذ عام 1993، يعيش الأشخاص المحكومون بها والقابعون في عدد من سجون البلاد، ألم ترقب الموت في كل لحظة داخل الزنزانة، لكنهم يتمسكون أيضاً بأمل الحفاظ على حياتهم وتخفيف عقوباتهم بفضل الحصول على "عفو ملكي".

ويمضي محكومون مغاربة بعقوبة الإعدام حياتهم وسط أسوار السجون بكثير من المعاناة الذاتية والصحية، ويقضون أوقاتهم تحت ركام الهواجس والأمراض النفسية التي أفضت أحياناً إلى محاولات للانتحار، وذلك بسبب طول الانتظار الذي لا يجدي كثيراً.

وعلى رغم نطق مختلف المحاكم بهذه العقوبة في الجرائم الخطرة، مثل القتل العمد والتمثيل بالجثة أو قضايا الإرهاب وغيرها، فلا يطبق المغرب رسمياً الإعدام منذ 31 عاماً، وتحديداً منذ الإعدام الفعلي للمسؤول الأمني الشهير "الحاج ثابت" بتهم الاغتصاب المتكرر لعشرات النساء وتصويرهن.

إعدام مع وقف التنفيذ

يكاد يجمع محكومون بعقوبة الإعدام على أنهم يعيشون أيامهم المتشابهة متجرعين كوابيس نفسية تجثم على صدورهم، غير أنهم على رغم ذلك يحاولون تزجية أوقاتهم الرتيبة بالقيام ببعض الأنشطة مثل القراءة أو الرياضة.

وتتناقض المشاعر لدى المحكومين بالإعدام في المغرب، باعتبار أنهم يعلمون أن العقوبة على رغم النطق بها لم تعد تطبق منذ ثلاثة عقود، ومن ثم يدركون أنهم إذا أفلتوا من الموت إعداماً، فإنهم لن يفلتوا من قضاء ما تبقى من حياتهم داخل الزنزانة، إلا في حالات استثنائية تم فيها تحويل عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد (طوال الحياة)، أو السجن 30 عاماً.

وكانت آخر حالة لتحويل حكم الإعدام إلى السجن المؤبد، حالة سيدة استفادت من عفو خاص من الملك محمد السادس لمناسبة "عيد العرش" في يوليو (تموز) 2023، حيث تحولت عقوبتها بالإعدام إلى السجن المؤبد.

وقبل هذه الحالة استفادت سيدة أخرى من العفو الملكي نفسه لمناسبة "ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال" في يناير (كانون الثاني) 2023، تحولت عقوبتها هي الأخرى من الإعدام إلى السجن المؤبد.

وعبرت فعاليات حقوقية مدنية ورسمية أيضاً عن تثمين قرارات تحويل عقوبة بعض السجناء من الإعدام إلى السجن المؤبد، خصوصاً اتجاه فئة السجينات، معتبرة أنها تحترم ما نص عليه الدستور في شأن الحق في الحياة، فضلاً عن "مشروعية مطالب إلغاء الإعدام من المنظومة الجنائية".

جدير بالذكر أنه وفق إحصاءات المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي)، فإن عدد المحكوم عليهم بالإعدام حتى نهاية عام 2022 في المغرب يصل إلى 83 شخصاً، كما أنه بين عامي 2000 و2022 استفاد ما مجموعه 213 محكومين بالإعدام من "العفو الملكي".

مشاعر متضاربة

تقول السيدة ربيعة، والدة أربعيني محكوم بعقوبة الإعدام منذ 10 سنوات ويقبع في سجن مدينة القنيطرة، إن ابنها توبع بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، موردة أن الجريمة كانت "قضاءً وقدراً" لم يكن ممكناً لابنها أن يتفاداها، وفق تعبيرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول ظروف عيش ابنها في "حي الإعدام" بالقنيطرة، قالت إنه خلال الأشهر الأولى كانت تزوره وتجده صلباً رابط الجأش، لكن مع مرور السنين خارت قواه وتدهورت صحته النفسية بشكل واضح.

واستطردت بأن ابنها كان يقول لها عند زيارته بأنه يشعر بأن حياته لم يعد لها أي معنى في خضم العقوبة التي حكم بها، والتي ما زال يأمل أن يتم تحويلها إلى المؤبد، ثم إلى 30 عاماً بعد ذلك.

ووفق الأم المكلومة، فإنها بسبب حالته النفسية والمعنوية المهزوزة صارت تحاول أن تشد من أزره، وتبعث فيه بعض الأمل، لكن من دون جدوى، كاشفة عن أنها "تخشى أن يؤذي نفسه خصوصاً أن أفكاره صارت سوداوية وانتحارية، لكن مواظبته على الصلاة تحد شيئاً ما من تلك المشاعر السلبية".

وسبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية) أن نشر شهادات شخصية لمحكومين بالإعدام سردوا من خلالها مشاعرهم المتضاربة، وهم ينتظرون تنفيذ حكم بالإعدام موقوف التنفيذ، لكن أيضاً يدركون أن خروجهم من السجن غير وارد إلا بعفو استثنائي لا يحصل دائماً.

ومن تلك الشهادات ما حكى عنه "ب م"، الذي استفاد من عفو بتحويل عقوبته من الإعدام إلى المؤبد ثم إلى 30 سنة في عام 2021، حين قال إنه يواجه العيش في "حي الإعدام" بلعب كرة القدم ويقرأ القرآن وأيضاً ينغمس في دروس محاربة الأمية.

محكوم آخر بالإعدام على ذمة قضايا الإرهاب أفاد، ضمن ذات الشهادات التي سجلها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بأن "الأمل في حل ملفه هو ما يزيده تعاسة لأن ملفه طال ولم يشهد تطوراً"، مشتكياً من "الوقت غير الكافي المخصص لزيارات أفراد الأسرة".

أوضاع نفسية مزرية

ويواجه السجناء المحكومون بعقوبة الإعدام في سجون المغرب أوضاعاً نفسية صعبة ومعقدة، بسبب طبيعة العقوبة التي تعد القصوى ضمن قائمة العقوبات الجنائية، علاوة على أسباب اجتماعية وأسرية أخرى تسهم في تدمير نفسية المحكوم بالإعدام.

ويصف الباحث والمعالج النفسي محمد قجدار الوضعية النفسية للمحكوم بالإعدام بكونها "عرضة للكسر والتهشيم، والشعور بالغبن والندم على ما اقترفه وتسبب له في النطق بتلك العقوبة".

ويقول قجدار "غالباً ما يفقد المحكوم بالإعدام دعم الأسرة الصغيرة، بسبب طول مكوثه في السجن من دون تنفيذ العقوبة كما في حال المغرب، وهو ما يعقد علاقاته مع أفراد أسرته الذين يصعب عليهم مواكبة زيارته مع ما تتطلبه الزيارة من كلفة القفة والتنقل إلى غير ذلك".

ويضيف الباحث النفسي بأن المحكوم بالإعدام أيضاً يعيش في كثير من الأحيان تحت مراقبة لصيقة داخل السجن، باعتبار أنه لم يحكم بالسجن إلا لكونه "عنصراً خطراً"، مبرزاً أن هذه المراقبة تضيق الخناق على المحكوم بالإعدام، مما يزيد من الأضرار النفسية الحاصلة له.

ويشير إلى أن السجين المحكوم بالإعدام يجد نفسه أيضاً محروماً من كثير من الأنشطة المتاحة، إما بشكل متعمد أو من تلقاء نفسه لعلمه بأنها أنشطة لن تعيد له حريته يوماً، ما دام محكوماً بالإعدام، وفي أحسن الحالات يتم تحويل إعدامه إلى السجن طوال الحياة.

وأبدى قجدار عدم استغرابه من محاولات محكومين بالإعدام وضع حد لحياتهم، بعضها تبوء بالفشل، ومحاولات أخرى أزهق فيها هؤلاء السجناء أرواحهم بواسطة الشنق خصوصاً، مثلما وقع في العام الماضي، بانتحار المحكوم بالإعدام في قضية قتل سائحتين إسكندنافيتين عام 2018 داخل زنزانته الانفرادية شنقاً بواسطة قطعة قماش.

المزيد من تقارير