Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شكوك سعودية نحو رفسنجاني صدقتها الأيام

وثائق بريطانية تروي خبايا المرحلة التي سبقت "تفجير الخبر" وظلال التوجس بين طهران والرياض رغم علاقاتهما الآخذة في النمو حينها

سعود الفيصل أراد أن يحكم على إيران من خلال سلوكها وليس من خلال تصريحات مسؤوليها المنمقة (اندبندنت عربية)

على رغم أن مرحلة الرئيس الإيراني الراحل الإصلاحي هاشمي رفسنجاني، اتسمت بتفاؤل نادر بين الأوساط السعودية، وامتدت إلى عهد سلفه علي خاتمي، فإن هواجس الرياض وشكوكها لم تتوقف قط نحو سلوك النظام الإيراني حتى في ذلك الحين، إذ لا يرى حتى في سلوك رفسنجاني السياسي، ما يرتقي إلى تعهداته وأحاديثه اللبقة في المحادثات، وهو الذي شغل المنصب لدورتين، طوال الفترة ما بين 1989 و1997م.

لكن شكوك السعودية تلك التي صدقتها الأيام سريعاً، خصوصاً بعد تفجيرات الخبر في يونيو (حزيران) 1996، تروي وثائق بريطانية أفرج عنها حديثاً طبيعتها، وبعض تفاصيلها التي لم تكن شائعة إلى عهد قريب.

وكانت وزارة الخارجية البريطانية رفعت في 20 يناير (كانون الثاني) 2024 طابع السرية عن بعض مراسلاتها التي تعود لعام 1994م، يوجد من بينها وثائق تحمل عنوان "العلاقات السعودية- الإيرانية"، تستعرض إحداها مضامين برقية مرسلة من قبل السفارة البريطانية في الرياض في 19 ديسمبر (كانون الأول) 1994 إلى مرجعها في لندن، تلخص أبرز النقاط الواردة في تصريحات وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمر صحافي عقده خلال زيارته للبوسنة منتصف ديسمبر من العام نفسه، تطرق فيها لعدة قضايا، ومنها التهديدات الإيرانية للأمن الإقليمي في تلك الفترة.

سعود الفيصل: "الحكم على طهران بالأفعال لا الأقوال"

وقال الأمير سعود بحسب الوثيقة، إنه "يجب الحكم على طهران من خلال القرارات أو الإجراءات التنفيذية للحكومة، وليس من خلال التصريحات المنمقة، أدى الخطاب غير المفيد إلى خلق أجواء سيئة حتى الآن، ويجب أن تكون علاقة العمل مع إيران ممكنة، وفي الواقع، إذا أمكن التوصل إلى حل سلمي في شأن الجزر (الإماراتية التي تحتلها طهران)، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى عهد جديد من العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران".

 

وحول ما إذا هناك تراجع في الإنفاق الدفاعي السعودي، لمحت الوثيقة إلى أن الأمير يرى أن هناك تهديدات حقيقية يجب مواجهتها، وأن السعودية تريد "تلبية حاجاتها الأمنية"، وأنه يمكن أن تكون الأسلحة والإنفاق على الشعب مكملين لبعضهما. بينما قال الأمير إن السعوديين خصصوا 200 مليون دولار للمشاريع الفلسطينية لدعم العملية الحالية، أُنفق 170 مليون دولار أميركي. وقال إنه يجب على الآخرين الانضمام والمساهمة قريباً.

وفي شأن اليمن نقل البريطانيون عن الوزير تأكيده أن "استقرار اليمن مهم للمنطقة. وهناك الآن حاجة إلى إعمار اليمن مرة أخرى، حتى تتمكن البلاد من لعب دورها في الشؤون الإقليمية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت دول الخليج اتخذت موقفاً ضد اليمن، إثر اصطفاف علي عبدالله صالح مع النظام العراقي الذي غزا الكويت، إلا أن الرياض بدا أنها لا تريد أن تستمر تلك القطيعة، بالنظر إلى ظروف البلاد الاقتصادية والاجتماعية الهشة.

وفي هذا السياق الاقتصادي، أشارت الوثيقة إلى أن السعوديين لم يخفوا في تلك المرحلة "صعوباتهم الاقتصادية الحالية"، لكن سعود الفيصل عبَّر عن ثقته في أن بلاده "تعمل على معالجة المشكلات، إذ كان الاقتصاد يمضي بوتيرة صحية في الأساس، أما مشكلاته فإنها قابلة للحل".

 

 

وفي ختام البرقية نشاهد تعليق مدونها حول النقاط الرئيسة في السياسة السعودية التي ذكرها الوزير الفيصل، سعود الفيصل خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في البوسنة، قائلاً "ما ورد أعلاه يستند إلى ملاحظة قدمتها إحدى الصحافيات الحاضرات في المقابلة. ويبدو أنها تعتقد أن تصريحات الأمير سعود في شأن إيران تعكس ليونة في السياسة السعودية تجاه طهران، لكننا نحكم عليها بشكل مختلف، بل على العكس، نظراً إلى عدم احتمالية التوصل إلى تنازل إيراني في شأن الجزر".

"زعزعة إيران للأمن الإقليمي"

من بين البرقيات، إرسالية بعثتها السفارة البريطانية في الرياض إلى مرجعها في لندن في الخامس من يناير 1994، تتناول إعلان سعود الفيصل نجاح القمة الخليجية المنعقدة في 20-22 ديسمبر (كانون الأول) 1993 في الرياض وتأكيده وحدة الصف الخليجي تجاه القضايا الرئيسة لإيران والعراق في المنطقة.

ووثَّقت أن الأمير ذكر أن "القمة سارت بشكل جيد، بخاصة في ما يتعلق بالقضايا الرئيسة لإيران والعراق. لقد كانت هناك إعادة تأكيد قوية لموقف مجلس التعاون الخليجي الحالي وسيكون من الخطأ لأي مراقب أن يستنتج أن كان هناك تغيير في السياسة. وقد بُحثت هذه القضايا بشكل شامل وتم الحصول على تأكيد أن عمان ستقدم موقف مجلس التعاون الخليجي المشترك في شأن كل من إيران والعراق في مجلس الأمن".

وعلق على ذلك المسؤول البريطاني، قائلاً "لقد رحبت بالنبرة الصارمة للبيان في شأن العراق، لكنني تساءلت عما إذا كانت اللهجة الأكثر تصالحية في شأن إيران كانت بمثابة إشارة"، بينما قال الأمير سعود بحزم إن البيان لم يكن مقصوداً أن يكون ضعيفاً تجاه إيران، إلا أنه كان عليه أن يعكس البيان القادم الصادر عن طهران قبل القمة، ولكن بالطبع تم تقويض ذلك مباشرة بعد القمة من خلال المتابعة"، بحسب تقدير المسؤول.

ويورد المسؤول أنه عندما أشار في حديثه مع الفيصل إلى أن القمة قد تجنبت مسألة توسيع "درع الجزيرة"، نفى الأمير ذلك، فقط "تم التوصل إلى قرار لتوسيع الدرع لتشمل قوة الواجب، وإنشاء آلية لتنفيذه. وسوف يتم التناوب على رئاسة اللجنة العليا الجديدة، كل عام".

السعوديون لا يريدون سؤالهم عن إيران

وتتحدث وثيقة بريطانية أخرى عن الاستراتيجية الإيرانية في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وموقف السعودية من سياسات طهران، وهي رسالة سرية مرسلة في 23 مارس (آذار) 1994 من السفارة البريطانية في الرياض إلى لندن.

 

وقالت "أعتقد أن السعوديين يفضلون عدم الاستفسار منهم حول ما يعتقدون أن الإيرانيين قد يفعلونه بقوة نيرانهم المتزايدة، كما يعتقدون أن احتمالات استيلاء إيران على جزر استراتيجية، أو إغلاق مضييق هرمز، أو حتى زعزعة استقرار دول الخليج، بما في ذلك منطقتها الشرقية، كلها ضعيفة إلى حد ما. لكنهم لا يستطيعون استبعاد أي من هذه الأمور بشكل مطلق، وبخاصة مع استمرار تدهور الوضع الداخلي في إيران، ويشعرون بالقلق من تزايد إغراء البحث عن عدو خارجي وتحويلات خارجية لأزمات إيران الداخلية. إن مخاوفهم من حصول دولة مجاورة كبيرة بشكل منهجي على أسلحة تتجاوز بكثير ما هو ضروري للدفاع عن النفس هي مخاوف حقيقية، كما هو اعتقادهم أن الحشد العسكري الإيراني يشكل حالياً التهديد الرئيس للأمن الإقليمي. ويعتمد إنفاقهم الكبير على القوات المسلحة جزئياً على إدراكهم للحاجة إلى الدفاع عن مصالحهم السياسية والاقتصادية ضد هذا التهديد".

 

وتضيف الوثيقة "باختصار، يستنتج السعوديون أن إيران تسعى إلى أن تكون القوة الأكبر والأكثر وحشية في المنطقة، من أجل الاحتفاظ بقدرتها على إثارة الذعر والبلطجة في المستقبل، بحسب ما قد تتطلبه الحاجة المستقبلية أو الفرص المتاحة. إن العنصر الديني له أهمية كبيرة، أيضاً السعوديون يحافظون بغيرة على موقعهم كأوصياء على الأماكن المقدسة (وهذا هي إحدى ركائز النظام)، وهم يشتبهون في أن الإيرانيين يرغبون في استخدام قوتهم البلطجية لتشويه سمعة المملكة العربية السعودية الإسلامية".

بريطانيا تحرج سفيرها لدى طهران

وتنقل وثيقة في الملف كذلك، هجوم صحيفة "كيهان" الإيرانية الحكومة البريطانية، مشيرة إلى تصريحات إعلامية أدلى بها السفير البريطاني لدى الرياض إلى الصحافيين في 21 أبريل (نيسان) 1994.

 

ووفقاً للوثيقة فإن صحيفة "كيهان" وهي صحيفة تتحدث بلسان الأصوليين، شوهت بعض النقاط وأخرجت التصريحات عن سياقها، مما شكل ضغطاً على السفير البريطاني في طهران. واضطرت وزارة الخارجية البريطانية لإرسال برقية إلى سفيرها في طهران توضح فيه الموقف البريطاني الرسمي من السياسة الإيرانية مؤكدة أن تصريحات سفيرها في الرياض كانت آراء شخصية لا تمثل وجهة نظر الحكومة البريطانية.

وقالت: "أولاً، يجب عليك التأكيد أن هذه هي وجهات النظر الشخصية للسفير في الرياض، وليست سياسة الحكومة البريطانية ولكن من العدل أن نقول إننا ننظر إلى كل من إيران والعراق باعتبارهما تهديدين للاستقرار الإقليمي، وقد قلنا ذلك علناً. لقد صرح السفير في الرياض في الواقع برأيه الشخصي بأن الوضع سيكون غير مستقر طالما أن هناك حكومة دينية في إيران. لقد أوضحنا دائماً وجهة نظرنا بأن جوانب السياسة الإيرانية لها تأثير مزعزع للاستقرار في المنطقة، مثل دعم الإرهاب، والتصريحات المناهضة لعملية السلام، وشراء الأسلحة بشكل غير متناسب".

وتمضي في توجيهها السفير لأن يناور مع النظام الإيراني، بالإشارة إلى أنه "في ما يتعلق بأمن الخليج، قال السفير في الرياض إننا نشجع دول المنطقة على اتخاذ خطوات نحو اتخاذ الترتيبات الأمنية الخاصة بها. نحن نطرح هذه النقطة بشكل منتظم علناً وسراً، ونأسف إذا كان نشر هذه التصريحات يجعل الأمور صعبة عليكم في طهران".

وأضافت "إذا طلب منك ذلك (من لندن)، يجب عليك الاعتماد على النقاط الرئيسة التالية، وهي أن إيران قوة إقليمية كبرى لها دور تلعبه في المساهمة في الأمن والاستقرار. وأن مستقبل إيران والعراق يعود إلى شعبيهما، كما أنه على رغم أننا عبَّرنا حتى الآن عن خلافاتنا مع السلطات الإيرانية بشكل جيد، فإننا لا نزال نعترف بها باعتبارها الحكومة الشرعية لإيران"، في ما يشبه محاولة لإطفاء غضب الإيرانيين.

تصنيف حالة رفسنجاني المحيرة

وتذكر وثيقة بريطانية أفرج عنها بين الوثائق كذلك أن مكالمة هاتفية أجراها السفير البريطاني في الرياض مع وزير الخارجية السعودي الفيصل في 14 أبريل 1994، كان الحديث فيها يدور حول قضايا إقليمية والصعوبات التي تعترض السياسة البريطانية مع إيران حتى في عهد أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان يروِّج له بأنه معتدل.

 

تسجل الوثيقة أنه "لا يزال السعوديون متشككين للغاية في شأن إيران"، وفصلت ذلك بأن لندن أخبرت الأمير سعود "أننا لا نزال نواجه صعوبات مع إيران. وقال إنه لا يرى أي تغيير في السياسات الإيرانية. وظل الموقف السعودي ثابتاً، وأن السعودية لن تتنازل في شأن قضية الحج". واصل الإيرانيون الحديث عن تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، لكنهم اتخذوا بعد ذلك خطوات كثيرة لتقويضها. واجهت إيران عديداً من المشكلات الداخلية، وظل الوضع الداخلي غير متوازن. لقد أشرت إلى أن موقف رفسنجاني يبدو ضعيفاً تجاه خامنئي. قال الأمير سعود إنه عندما كان رفسنجاني قوياً لم يكن هناك فرق: سواء لم يتصرف بشكل معتدل أو لم يستطع، كانت النتيجة هي نفسها".

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق